الثبات على الخير بعد رمضان

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2024-04-12 - 1445/10/03 2024-04-13 - 1445/10/04
عناصر الخطبة
1/شكر نعمة إدراك شهر رمضان 2/من علامات القبول 3/المداومة على الطاعات بعد شهر رمضان 4/المداومة على الخير وعدم الانقطاع 5/حث على المحافظة على صلاة الجماعة 6/ أجور عظيمة وحسنات كثيرة.

اقتباس

لا تُبدّل المحافظة على الصلاة بتركها والنوم عنها، لا تبدل البذل والجود بالإمساك والبخل، لا تبدل نظرك للمصحف وسماعك للقرآن بنظرك لما حرم الله وسماعك لمزامير الشيطان، لا تُبدّل جلوسك في مجالس الطاعات كبيوت الله بمجالس الزور....

الخطبة الأولَى:

 

إن الحمد الله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: عبادَ الله: اشكروا الله على نِعَمه العظيمة الكثيرة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل: 18].

 

 وإن مِن نِعَم الله العظيمة عليكم -عبادَ الله- أن بلَّغكم رمضان، وأعانكم فيه على الصيام والقيام وقراءة القرآن وأداء العمرة، وغير ذلك من أعمال الخير.

 

وإن من علامات القبول: استمرار المسلم في الخير بعد رمضان، بل والزيادة منه؛ يقول –تعالى-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)[محمد: 17]؛ فالله الله -عبادَ الله- في الثبات على الخير والزيادة منه، وعدم الانقطاع والفتور.

 

وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بالثبات في كل وقت إلى أن تخرج الأرواح من الأجساد؛ قال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، واليقين هو الموت بإجماع العلماء، ويقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

وأثنى الله -سبحانه وتعالى- على الثابتين على الخير، ووصفهم بأنهم رجال فقال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 22]؛ فاثبت -أيها المسلم- على الخير، واستمر عليه، ولا تبدل تبديلاً.

 

لا تُبدّل المحافظة على الصلاة بتركها والنوم عنها، لا تبدل البذل والجود بالإمساك والبخل، لا تبدل نظرك للمصحف وسماعك للقرآن بنظرك لما حرم الله وسماعك لمزامير الشيطان، لا تُبدّل جلوسك في مجالس الطاعات كبيوت الله بمجالس الزور كحضور حفلات الطرب والغناء.

 

يقول -تعالى- مثنياً على المستمرين في الخير؛ (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج: 23]. ومن وصايا الله -سبحانه وتعالى- لأنبيائه المداومة على الخير وعدم الانقطاع؛ قال -تعالى-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم: 31]؛ فعيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- يذكر وصية الله -سبحانه وتعالى- له بالاستمرار على الصلاة والزكاة وعدم الانقطاع ما دام حياً.

 

ويقول -تعالى-: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)[النحل: 92]؛ هذا مَثَلٌ ضربه الله -سبحانه وتعالى- لمن لا يثبت على الخير وعلى العهود التي بينه وبين الله، بل ينقضها، وحاله كحال هذه المرأة التي تغزل الصوف، فلما اشتد الغزل وتكامل أفسدت ما صنعته وجعلته قِطَعاً متفرقاً.

 

وفي صحيح البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "يا عبد الله: لا تكن مثلَ فلان؛ كان يقوم الليل فترك قيام الليل"؛ فهذا ذمٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل.

 

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا ممن يستمرون على الخير ويُختم لهم بخير؛ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت: 30].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد الله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: عبادَ الله: إن من الأعمال الصالحة التي أوصي بالاستمرار عليها: أداء الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد، وقد رأينا المساجد يكثر فيها المصلون في رمضان حتى الفجر، ولكن بعد رمضان تخلَّف كثيرٌ من الناس؛ ألا فلنحافظ على فعلها في بيوت الله.

 

واسمعوا ماذا قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم؛ قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ -يعني في المسجد-؛ فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ... وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ" –فالتخلف عن الصلاة في المسجد ليس من صفات المؤمنين بل من صفات المنافقين- ثم يقول -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"؛ وهذا من شدة حرصهم مع أن المريض معذور، ولكن كان يتحامل على نفسه حتى يقف في الصف.

 

هؤلاء حقيقةً هم الرجال؛ يقول الله -تعالى- وهو يمدح الذين يشهدون الصلاة في المساجد (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 36- 37].

 

ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي الاستمرار عليها: كثرة تلاوة القرآن؛ ما الذي يمنعك من قراءة القرآن وختمه ولو في الشهر مرة؟! والله مهما كنتَ في أشغال وأعمال ستجد عشرين دقيقة في كل يوم تقرأ فيها جزءاً من القرآن، وتختم في الشهر مرة، والمسلم إذا بكَّر إلى المسجد يستطيع أن يقرأ كل يوم ثلاثة أجزاءٍ من القرآن، ويختم كل عشرة أيام أجورٌ عظيمة وحسناتٌ كثيرة.

 

ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي المحافظة عليها: قيام الليل والوتر؛ فيحرص المسلم أن لا ينام إلا وقد أوتر، وصلى قبل ذلك ما تيسر له، والأفضل أن يجعله قيامه ووتره في آخر الليل إن كان يطمع أن يقوم آخر الليل؛ ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ".

 

ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي الاستمرار عليها: البذل والجود لمن يسَّر الله له المال؛ فيبذل الإنسان في أوْجُه الخير من ماله وليستبشر بالأجر والبركة في ماله؛ يقول -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].

 

ومن الأعمال الصالحة: صيام النافلة، ومن ذلك صيام الست من شوال؛ فقد ورد فيها فضلٌ عظيم؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر"، ولا يشترط فيها أن يصومها متتابعةً، بل له أن يُفرّق صيامها خلال شهر شوال، فيحصل على الأجر والثواب.

 

والمسلم مُطالَبٌ بالاستمرار على الواجبات وترك المحرمات والإكثار من نوافل الطاعات، وإنما ذكرتُ هذه الأعمال؛ لأن كثيراً من الناس يقومون بها في رمضان، ولكن بعد رمضان يصيبهم الفتور عنها.

 

أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستمرون على الخير، ويُختم لهم بخير.

المرفقات

الثبات على الخير بعد رمضان.doc

الثبات على الخير بعد رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات