الثبات على الحق نصر وتمكين

حسان أحمد العماري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تربية الإسلام أتباعه على الأخذ بعوامل النصر والثبات على المبادئ 2/الملحمة البطولية لكتائب القسام وسكان قطاع غزة 3/إحصائية لخسائر سكان قطاع غزة وخسائر العدو الصهيوني 4/عوامل ثبات سكان قطاع غزة وانتصارهم على العدو الصهيوني 5/بعض الدروس المستفادة من أحداث قطاع غزة الأخيرة 6/بعض واجبات المسلمين تجاه سكان قطاع غزة

اقتباس

عباد الله: لقد سطر الفلسطينيون في الأرض المباركة، في قطاع غزة، بأحرف العز والنصر والشرف؛ ملحمةً من أروع الملاحم البطولية، في التاريخ المعاصر. لقد أعادوا الأمل في النفوس، بصبرهم وجهادهم وثباتهم أمام أقوى الجيوش تسليحا وتدريباً؛ فقد تعرضوا إلى أبشع الضربات، و...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي العز المجيد والبطش الشديد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المكرِم من خافه واتقاه بدار فيها من كل خير مزيد: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[فصلت:46].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهل الحمد والثناء والتمجيد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى التوحيد، المحذر من عصى بنار تلظى بدوام الوقيد، المبشر من أطاع بدار لا ينفدُ نعيمها ولا يبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة لا تزال على كرّ الجديدين في تجديد، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إنه وفي ظل الفتن والمحن والمصائب التي تعصف بالحياة، وفي ظل الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين النفاق والإيمان، كان لا بد من قوة يركن إليها المؤمنون، ويثق بها الموحدون، ويستأنس بها المجاهدون، وينتصر بها الضعفاء، ويرجع بها الحق إلى أصحابه.

 

ولا شك أن الإسلام ربى أبناءه على الأخذ بعوامل النصر وطرقه، وبذل أسبابه؛ فمن فعل ذلك فقد وعده ربه بالنصر والتمكين، فقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].

 

ألا وإن من أعظم هذه الأسباب بعد الإيمان بالله، والتوكل عليه، والثقة به، وبذل الأسباب المادية والدنيوية المستطاعة؛ كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ)[لأنفال: 60].

 

هو الثبات على الدين، والقيم والمبادئ، والحق الذي أمر الله به، والصبر والمصابرة والمرابطة على ذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200].

 

وهو ثبات أمام الجبابرة والظلمة والطغاة، وهو السلاح الذي استمسك به السحرة عندما وقر الإيمان في قلوبهم أمام فرعون وجنوده، قال تعالى: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)[طه: 72].

 

ولذلك كانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه على الثبات والصبر واليقين؛ سبيلاً إلى التمكين في الأرض، والانتصار على الشهوات والشبهات والأعداء مهما كانت التضحيات؛ فقد جاء خباب بن الأرت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّدٌ بردةً، وهو في ظل الكعبة يشكو إليه الاضطهاد والتعذيب والحرمان، فقال: "يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟!" فقعد وهو مُحمَرٌّ وجهُه، فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط من الحديد، ما دون عظامه من لحمٍ أو عصبٍ، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمِّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه"[البخاري 8/284 حديث 4733-4734)].

 

وهو ثبات في ميادين الوغى، ولقاء الأعداء.

 

فالمسلم لا يرضى لنفسه الذل والمهانة، ولا يقبل بالخضوع والخنوع لغير الله، مهما كانت قوة العدو وجبروته، فعليه أن يثبت وأن لا يخاف أو يخشى إلا الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[لأنفال: 45].

 

وحذر سبحانه من التولي يوم الزحف والهروب من مواجهة الأعداء، والجبن والخوف بأشد العذاب، فقال تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[الأنفال: 16].

 

عباد الله: لقد سطر الفلسطينيون في الأرض المباركة في قطاع غزة بأحرف العز والنصر والشرف، ملحمةً من أروع الملاحم البطولية، في التاريخ المعاصر.

 

لقد أعادوا الأمل في النفوس، بصبرهم وجهادهم وثباتهم أمام أقوى الجيوش تسليحا وتدريباً؛ فقد تعرضوا إلى أبشع الضربات، والقصف الموجه، بالطائرات والمدافع والدبابات، والبوارج الحربية والغواصات، وسقطت عليهم أطنان المتفجرات، وآلاف الصواريخ والقذائف، ولم يعد هناك بيتاً، ولا مدرسة، ولا مسجداً، ولا رياضاً للأطفال، ولا شارعاً، ولا طريقاً، إلا وقد ضُرِب وقُصف ودمُر.

 

وتعرض الأطفال للقتل 35% من الشهداء أطفال دون سن العاشرة، أي إجرام هذا؟! وأين حقوق الإنسان؟! وأين حقوق الطفل؟! وأين المعاهدات والمواثيق الدولية؟!

 

لقد تبين أن كل ذلك كذب ودجل، فالغرب يقول: إن إسرائيل تدافع عن نفسها! فمن هو المعتدي إذاً؟! ومن هو المحتل؟! ومن يمتلك الأسلحة الفتاكة والمدمرة والمحظورة دولياً؟! ثم ما ذنب هذا الطفل؟! ولماذا يُستهدف؟!

 

أَذنْبك اْلاسمُ أمْ إسلامك الذنبُ *** أم أنَّ أسلافك الفاروقُ والصَحْبُ

أم ذنب آبائك الأحرارِ أن ربوْ ك *** على أنَّ نار الثأر لا تخبو

أم ذنب قلبك أن القدس محفورٌ *** هواهُ في القلبِ والأقصى هو اللبُّ

أم ذنبنا نحنُ أنْ نِمْنا على ضيم *** والقدس ضيَّعها حُكّامها العُرْبُ

عفوًا طفلنا فحربنا صوتٌ *** وسلاحنا خطبة عصماءُ أو شجبُ

أما الجهاد فإرهاب وترويعٌ *** ومجلس الأمن لا يرضى فلا حربُ

ما حرّر القدس والأقصى طواغيت *** ولا السلام يفيد وأخذها غصبُ

ما حرر القدس والأقصى سوى جيلٌ *** رأى الجهاد سبيلاً سنّهُ الربُّ

 

بل وشاهد العالم النساء والرجال والشيوخ تحت الأنقاض، والأطفال مضرجين بدمائهم، وامتلأت المستشفيات بالجرحى والقتلى والمصابين.

 

إن عدد الشهداء خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، بلغ 1886 شهيداً.

 

فيما بلغ عدد الجرحى 9806 جريحاً.

 

ومن بين الشهداء: 426 طفلاً، و79 مسناً، و255 سيدة وفتاة.

 

أعداد الجرحى؛ بلغ إجمالي عدد الجرحى 9563 جريحاً، من بينهم 2877 طفلاً، و1972 سيدة وفتاة.

 

أما إحصائية الخسائر الاقتصادية، والبنية التحتية؛ فقد بلغ إجمالي عدد المنازل التي استهدفت 10604 منازل؛ منها 1724 منزلاً دمرت بشكل كلي، و8880 بشكل جزئي.

 

والمستشفيات والعيادات الطبية التي استهدفت من نيران الجيش الإسرائيلي كثيرة، فسيارات الإسعاف؛ تم تدمير 12 سيارة، وتم إلحاق الضرر ب 10 مراكز رعاية أولية صحية.

 

وأغلق 34 مركزاً صحياً، وإلحاق الضرر، بسبب قصف القوات الإسرائيلية لها في 13 مستشفى، وقتل 16 عاملاً في القطاع الصحي، وأصيب 38 آخرين.

 

كما تم استهداف 188 مدرسة، ولحقت بها أضرارا كبيرة، حيث بلغ عدد الطلاب الذين تضرروا من استهداف هذه المدارس 152000 طالبا.

 

كما تم استهداف 6 جامعات فلسطينية بغزة، بسبب القصف الإسرائيلي، وبلغ عدد الطلبة المتضررين من قصف هذه الجامعات 10000 طالبا.

 

وتخيلوا معي كيف تعرضوا لكل هذا! ومع ذلك كان ثباتهم وجهادهم ودحرهم للعدو الصهيوني ومواجهته، وإلحاق الخسائر في جيشه، وبث الرعب في قلوب مئات الآلاف من اليهود المستوطنين.

 

ملحمة عظيمة، سيكتب عنها التاريخ، ووصمة عار في جبين الأمة وحكامها الذين تخاذلوا عن نصرتهم، والوقوف بجانبهم.

 

ومهما كانت نتائج هذه الحرب، وهذه المجازر، فإنهم قد أدوا ما عليهم، وبذلوا ما بوسعهم، وأعذروا إلى ربهم؛ فقد صنعوا طائرة بدون طيار، وصواريخ تصل إلى أي مدينة محتلة، وقناصة لمسافة 2000 متر، واستراتيجية جديدة في الحرب، ألا وهي: الأنفاق التي بهرت العدو وأذلته، ولقنته دروساً قاسية؛ يقول الكاتب الصهيوني "مناحيم بن" يخاطب نتنياهو: "أستحلفك باسم الرب لا تقل انتصرنا، فهي هزيمة لن ننساها!".

 

وتعترف صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بخسائر الكيان الصهيوني إثناء الحرب على غزة، فتقول: "إن عدد القتلى في صفوف الكياني الصهيوني الحقيقي، هو: 880 ضابطاً وجندياً صهيونياً قتيلاً، و1861 جريحاً".

 

ويقول "عاموس هرئيل" المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية: "تسربت معلومات حول خسائر الاحتلال من القتلى والجرحى، وحالات الانتحار التي طالت المئات من جنود الاحتلال، والتي أفقدت صواب رئيس وزراء الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو".

 

إلى جانب ضرب الاقتصاد والسياحة، وشل الحركة التجارية في المستوطنات ل 70%، وخاصة في المناطق المحاذية لغزة، توقف أكبر مطار لدى الكيان الصهيوني، وامتناع 16 شركة عالمية من الذهاب إلى الكيان الصهيوني.

 

هذا هو الثبات على الدين والحق وسبيله الاتصال بالله، والتوكل عليه، والثقة به.

 

هذا ما حققه إخوانكم الأبطال في غزة الصمود، رغم التآمر الدولي، والصمت العالمي، والخذلان والنفاق العربي، ونتنمى أن يأخذوا بالمفاوضات الجارية حقوقهم كاملة، ورفع الحصار الجائر، منذ 8 سنوات، وفتح المعابر والميناء ومطار غزة.

 

وإنهم لمنصورون -بإذن الله-: مهما كانت الجراحات والتضحيات، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51].

 

وإنه لشموخ في زمن الانكسار، من كان يصدق أن فئة أو جماعة من الناس تقف أمام أقوى وأعتى جيش دولة، وأكثرها تسليحاً، وقد كانت من قبل تهزم الجيوش العربية المسلحة مجتمعة في بضع ساعات أو أقل أمام هذا الجيش: ما سبب ذلك؟

 

إنه الإيمان والثبات، وقد قال تعالى مبيناً سنته في خلقه وقدره في طغيان اليهود وتجبرهم: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً)[الإسراء: 5].

 

وإنه التلذذ بالموت في سبيل الله، والدفاع عن المقدسات؛ أعظم من تلذذ أصحاب الدنيا والمترفون والمتجبرون والظلمة بطعامهم وشرابهم وشهواتهم، بل هو أعظم من تلذذ العُبّاد في صوامعهم ومساجدهم؛ بصلواتهم وأذكارهم؛ شعارهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)[التوبة: 38].

 

اللهم عليك باليهود ومن ناصرهم، ومن آزرهم، ومن سكت عن ظلمهم.

 

اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وانصر عبادك المجاهدين على أرض غزة، وفي كل مكان، وثبت أقدامهم، وسدد رميهم، واشف صدورنا بنصر الإسلام والمسلمين برحمتك، يا أرحم الراحمين.

 

قلت قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: لقد كان من المتوقع أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب؛ مثل حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، والنظام العالمي الجديد، والديمقراطية، سيكون الغرب جاداً في عدم تجاوز حدودها!.

 

لكن أحداث فلسطين الحالية، والمذابح المرتكبة، هناك؛ كشفت عورة الدول الغربية، وأبانت زيف وعنصرية؛ شعار حقوق الإنسان، وعُرف من هو الإنسان الذي تحفظ حقوقه؛ إنه كل أحد ما عدا المسلم.

 

يا صناع القرار، يا قادة العالم، يا أصحاب الرأي، يا من تدّعون محاربة الإرهاب: ماذا تسمون ما فعله هؤلاء المجرمون بالمسلمين في فلسطين؟!

 

وسيرجع إليك الطرف خاسئاً وهو حسير، حينما يتَّهمون أصحاب الحق المشروع، المقاومين للظلم والبغي والاحتلال، بالإرهابيين.

 

فهل تطلُّعات أكثر من مليار من المسلمين في الحفاظ على مقدساتهم تُعدُّ وحشية وإرهاباً؟!

 

(سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)[النــور: 16].

 

إن كل مسلم مطالب: أن يقدم ضريبة انتمائه لهذه الأمة، من وقته، وماله ودمه، ولا يعذر أحد فرط بواجبه عند الله يوم القيامة.

 

فيجب أن يكون هناك دورُ للعلماءِ والفقهاء، وهم قادة الناس ومُوجهيهم، ويَنتظر منهم المسلمون النصرة لإخوانهم، فإن العلماء الذين سطر التاريخُ أمجادهم، كان الناسُ يلجئون إليهم بعد الله عندما تدلهمّ المصائب، وتكثرُ الأزماتُ، ليجدُوا عندهم الحلَّ والتوجيه، وقيادة الركب، فلا معنى لعالمٍ أو طالب علم يكون في وادٍ أو برج عاجي، وأمته وقضاياها في وادٍ آخر؟!

 

وأين دور قادة الأمة وساستها، وقد كان ينتظر منهم الكثير، ولكن لا حياة لمن تنادي، في حين وجدنا أن هناك دول غير عربية، وغير إسلامية تفاعلت مع قضية غزة، حتى أن فنزولا وبوليفيا والبرازيل، طردت السفير الإسرائيلي، بسبب جرائم إسرائيل في غزة؟!

 

وما هو دور التجار وأصحاب الأموال في دعمهم لقضية فلسطين؟!

 

وأين دور قنواتنا الإعلامية العربية التي ملأت فضاءنا؟!

 

هل برامجها المعروضة تدلُّ على مصاب الأمة في أبنائها وفاجعتها؟

 

وأين دور الصحفيين والمثقفين والأدباء، ترى هل يكون "روبرت فيسك" الكاتبُ البريطاني أكثرُ مصداقية من كثير من كُتابنا، حين يصف اليهود بالخونة، وما يُسمى السلام زائفًا في حين أن كثير من كتابنا يعيشون حياة النفاق والمدح وشهادة الزور؟

 

وأين دورك أنت أيها المسلم ويا أيتها المسلمة؟ هل دعوتم لهم في ظهر الغيب؟ هل تبرعتم لهم ولو بجزء من أموالكم؟

 

إنه يجب على الجميع أن يقوم كلاً بواجبه، فقضية فلسطين قضية كل مسلم، ولننظر إلى هذا الرجل عبدالله بن أم مكتوم، وقد عذره الله فهو رجل كبير السن، وهو أعمى، ومع ذلك لم يعذر نفسه، ولم يخلد إلى الراحة والدعة، ولم يتنصل عن قضايا الأمة، فلم يرى أنه يسعه أن يدع فرصة يخدم فيها الدين تفلت منه، حتى ولو كانت هناك في مواقع القتال، وقعقعة السيوف، وطعن الرماح، وإراقة الدماء، ليكن له موقع فقرر أن يخرج مع كتائب المسلمين لملاقاة الفرس، قالوا: قد عذرك الله، قال: أكثر سوادكم، وعندما خرج طلب أن توكل إليه المهمة التي تناسبه، وتليق به، فقال: "إني رجل أعمى لا أفر، فادفعوا إلي الراية أمسك بها".

 

يأبى إلا أن يشارك بنفسه على أي صورة كانت هذه المشاركة ممكنة، حتى إذا كان يوم القادسية كان هو حامل الراية للمسلمين، الممسك بها أعمى ضرير، يرى أن في عماه مؤهل لحمل الراية: "إني رجل أعمى لا أفر".

 

تحمل كتب التاريخ أنباء عبد الله أبن أم مكتوم، وأنه كان أحد شهداء القاسية يوم غشيته الرماح، فلم تصادف فراراً ولا مولياً ولا معطي دبره في قتال، ومات تحت قدمه رضي الله عنه وأرضاه.

 

وهكذا هم أبطال المقاومة في غزة اليوم، فهل رأيتم على مدار التاريخ شجاعة كهذه التي تسطر اليوم على أرض غزة؟ وإن هؤلاء اليهود ستباد قراهم، ويزول ملكهم؛ لأن الله -عز وجل- قال: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً)[الطلاق: 8- 9]؟.

 

وإن النصر حليف المؤمنين مهما طال الزمان؛ لأن الله وعد بذلك، فقال: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 173].

 

فلنقم بواجبنا كاملاً، ومن ذلك: الدعاء، وجمع التبرعات، والإنفاق في سبيل الله؛ دعماً لإخواننا على أرض الرباط، أرض فلسطين، ونشر قضيتهم، وتعريف العالم بحقوقهم، وفضح اليهود والمنافقين وأعوانهم.

 

اللهم ربنا عزَّ جاهك وتقدست أسماؤك، اللهم لا يردُّ أمرك، ولا يُهزم جندك.

 

سبحانك وبحمدك، اللهم انصر جندك وأيدهم في فلسطين، وفي كل بلاد المسلمين، اللهم آمن خوفهم، وفك أسرهم، ووحد صفوفهم، وحقق آمالنا وآمالهم، وبارك في جهادهم وصمودهم.

 

اللهم واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وطهر المقدسات من دنس اليهود المتآمرين، والمنافقين والمتخاذلين.

 

هذا، وصلوا وسلموا على رسولكم -صلى الله عليه وسلم-.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

على الحق نصر وتمكين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات