التنجيم وادعاء علم الغيب

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-13 - 1436/03/22
عناصر الخطبة
1/اختصاص الله بعلم الغيب 2/عدم إطلاع الملائكة والرسل على الغيب 3/كفر من ادعى علم الغيب 4/بعض مظاهر وصور ادعاء علم الغيب قديما وحديثا 5 /انتشار التنجيم وبعض وسائل انتشاره والتحذير من ذلك 6/الحذر من الشرك وأسبابه

اقتباس

يتخذ ادعاء علم الغيب صوراً وأشكالاً مختلفة؛ منها: ما هو قديم،ومنها: ما هو جديد مستحدث في هذا الزمان؛ فمن الذين يدعون علم الغيب: الكهان، والعرافين، والمنجمين، والمشعوذين، وأصحاب الكشوفات -بزعمهم-، وينتشر كثير منهم في...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة المؤمنون: إن من المسائل الكبرى التي بينها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه أتم بيان، وأوضحه أتم إيضاح، مسألة أن الله -سبحانه وتعالى- هو العالم بالغيب وحده، وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- معلماً لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله وحده، فإنه هو المتفرد بذلك وحده لا شريك له، قال تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل: 65].

 

وقال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

وقال سبحانه: (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[هود: 123].

 

وقد أخبر سبحانه أن مفاتح الغيب عنده، وبينها بقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمان: 34].

 

أيها الإخوة المؤمنون: لقد نفى الله -عز وجل- عن كل أحد، مهما علا قدره، معرفته بالغيب إلا بما أطلعه الله عليه، فهؤلاء الملائكة الذين لا يعصون الله شيئاً، ويفعلون ما يؤمرون، الذين أخلصوا لعبادة الله، هؤلاء نفى الله عنهم علم الغيب، قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة: 31].

 

ولما كان الملائكة على جانب عظيم من العبادة، والمعرفة بحقوق الرب، وما يجب له، وما يجوز عليه، ومعرفتهم كذلك بأنفسهم ومقاديرهم: (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ)[البقرة: 32-33].

 

قال لهم بعد ذلك سبحانه وتعالى: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)[البقرة: 33].

 

وهؤلاء الجن، بين سبحانه وتعالى أنهم لا يعلمون الغيب، فقال تعالى في قصة موت سليمان -عليه الصلاة والسلام-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)[سبأ: 14].

 

كانت الجن تعمل بين يدي سليمان -عليه الصلاة والسلام-، ويظنون أنه حي وهو ميت،قد فارقت روحه جسده، وهم ينظرون إليه ويبصرونه.

 

ومع ذلك لا يشعرون بأنه قد مات منذ زمان بعيد، وهم يكدحون ويتعبون خائفين منه، وكان وضعهم تحت يد سليمان يجعلهم يحاولون أن يجدوا المخرج والملجأ مما هم فيه من العذاب المهين.

 

وهذا يدل على استنفار كل قواهم وأعوانهم، حتى يظفروا بخبر مثل خبر وفاة سليمان -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا فهم لا يشعرون بأن هذا الذي ينتظرون وفاته قد مات وفات: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)[سبأ: 14].

 

فحتى الجن لا يعلمون، وإذا كانت الملائكة وهم الصالحون المنزهون لا يعلمون الغيب، فكيف بالجن وفيهم المردة والشياطين والفساق والضلال؟!

 

فمن باب أولى أن يحجبوا عن معرفة علم الغيب.

 

أيها الإخوة: وهل هم الملائكة والجن هم الذين لا يعلمون الغيب؟ ما هو شأن الإنس؟ وهل يعلمون الغيب أم لا؟

 

هذا سؤال مهم.

 

أيها الإخوة: إذا نظرنا في القرآن نجده لا ينفي علم الغيب عن الإنس فحسب، بل ينفيه تعالى عن خير خلقه، وهم رسله -صلوات الله وسلامه عليهم-، حتى الرسل لا يعلمون الغيب، قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)[المائدة: 109].

 

وقال أول الرسل نوح -عليه الصلاة والسلام- نافياً عن نفسه علم الغيب عندما ظن فيه قومه أنه قد يعلم الغيب، قال: (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)[هود: 31].

 

هذا أول الرسل ينفي عن نفسه علم الغيب، وهذا آخر الرسل -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله، يقول: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 188].

 

وقال أيضاً: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)[الأحقاف: 9].

 

فهذا حال الرسل أولهم وآخرهم ينفون عن أنفسهم معرفتهم بعلم الغيب، ويقولون كلهم: (لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)[المائدة: 109].

 

وحتى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- نفى الله عنهم العلم بالغيب، ولم يطلعهم عليه، قال تعالى: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء)[آل عمران: 179].

 

فهؤلاء الملائكة والجن والرسل وأتباع الرسل ينفى الله عنهم علمهم بالغيب، وينفونه هم عن أنفسهم، فإن من علامات الإيمان بالله وكتبه ورسله: أن ينفي المؤمن عن نفسه علم الغيب، ولهذا الملائكة والرسل على هذا؛ لأنهم هم أهل الإيمان، فأهل الإيمان يتبرؤون من علم الغيب ولا يدعونه.

 

فإذا كانت الجن والملائكة والإنس وعلى رأسهم الرسل لا يعلمون الغيب، دل ذلك على تفرد الله -سبحانه وتعالى- بعلم الغيب.

 

ولهذا تمدح سبحانه وتعالى نفسه بعلم الغيب، واستئثاره به دون خلقه، واستثنى سبحانه وتعالى من ارتضاه من الرسل، فأطلعهم على ما شاء هو لا ما شاءوا هم، فأطلعهم على بعض غيبه بطريق الوحي إليهم، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)[الجن: 27].

 

أيها الإخوةالمؤمنون: ومع هذا الوضوح الذي جاءت به الآيات القرآنية، في نفي علم الغيب عن المخلوقين، حتى ولو كانوا ملائكة أو رسلاً، إلا أنه يوجد من أدعى علم الغيب، وكل من أدعى علم الغيب فهو كافر بنص القرآن والسنة، والله -عز وجل- قد تفرد بمعرفة الغيب، فكل من نازعه فيه كان كافراً مشركاً، وادعاء علم الغيب ينافى التوحيد بالكلية؛ لأن التوحيد هو إفراد الله -تعالى- بما يختص به، ومما اختص به علم الغيب فكل من نازعه فيه لم يكن موحداً، بل يكون مشركاً كافراً، وقد عد العلماء الطواغيت وذكروا منهم: من ادعى علم الغيب، فكل من ادعى علم الغيب فهو طاغوت.

 

ويتخذ ادعاء علم الغيب صوراً وأشكالاً مختلفة؛ منها: ما هو قديم،ومنها: ما هو جديد مستحدث في هذا الزمان؛ فمن الذين يدعون علم الغيب: الكهان، والعرافين، والمنجمين، والمشعوذين، وأصحاب الكشوفات بزعمهم، وينتشر كثير منهم في الأماكن العامة في بعض الدول، وفي بعض مدن الألعاب، فيكثرون في أماكن السيرك والألعاب البهلوانية والترفيه، وقد يظهر ادعاء علم الغيب على صورة لعب، وهي لعب شيطانية، كبعض اللعب التي راجت في بعض الأسواق قبل مدة قريبة، تخبر الإنسان بزعمهم عن اسمه، وعن عدد أولاده، وماذا سيأتيه من أسئلة في الاختبار؟وأرقام الآيات التي ستأتي في اختبار القرآن، وهي لعبة شيطانية، موكل بها بعض الجن.

 

وقد تواتر أن كثيراً ممن استخدم هذه اللعبة قد أصيب بمس من الجان، أو أصابه شيء في عقله، وهذا كله بسبب جريان الناس وراء معرفة الغيب.

 

والغيب لا يعلمه إلا الله، هذه عقيدتنا وإيماننا وإسلامنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، فلم يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلاً عن ساحر أو منجم أو كاهن أو عراف، فكيف بلعبة تباع وتشترى ف بالأسواق؟

 

ومن الطرق التي تنتشر أحياناً لمعرفة الغيب والمستقبل: قوم من المشعوذين والمبتدعة يستخدمون حروف "أبجد، هوز" ويؤلفون بين الأحرف، ويخرجون بخرافات لا تحصى في هذا الباب.

 

وقوم آخرون يظهر عندهم الخط على الرمل، وآخرون يظهر عندهم قراءة الفنجان، وقراءة الكف.

 

وكل هؤلاء متلبسون بأحوال كفرية، ونزعات شيطانية، والتلازم كبير بين الكفر وبين تلك الأعمال، وذلك لتضمنه ادعاء معرفة الغيب الذي تفرد به الله -عز وجل-، فكيف إذا أنضاف إلى ذلك دعاء الجن وعبادتهم، أو التلبس ببعض الأحوال الكفرية الأخرى، وقل أن يخلو أحد منهم من شيء من ذلك.

 

وكلما ازداد الكفر في أرض، وتمكن أهله، كلما ازدادت هذه الادعاءات في معرفة علم الغيب، وكلما قوي الإيمان وأهله في أرض كلما انخنس هؤلاء المشعوذين والدجالون الخراصون.

 

أيها الإخوةالمؤمنون: ومن أبواب ادعاء علم الغيب في هذا الزمان: اتباع المنجمين والتنجيم، هو أساس صناعة الفلاسفة والدهرية، فإنهم يعتقدون أن للنجوم تأثيراً وتصرفاً، وأنه يمكن التعرف بحركاتها وأبراجها وسيرها في السماء على ما يحصل في الأرض من الحوادث ومن السعود والنحوس، والأفراح والأحزان، وهذا هو شرك قوم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، فإنهم كانوا يعبدون النجوم، ويعتقدون تأثيرها عليهم، وأنه يمكن معرفة ما سيحصل للإنسان بتعلم منازل الفلك وأبراج النجوم، وهذا شرك خواص المشركين؛ كما قال ابن القيم: "وهو أقوى السببين في الشرك الواقع في العالم، فبنى لها عابدوها الهياكل والتماثيل والأصنام، فعبدوا الأصنام لزعمهم أنها متصلة بالنجوم والكواكب التي يعبدونها".

 

قال ابن القيم -رحمة الله عليه -: "وهذا هو شرك خواص المشركين، وأرباب النظر منهم، وهو أقوى السببين في وقوع الشرك في العالم.

 

أما السبب الثاني، فهو: عبادة القبور والإشراك بالأموات، وهو أول شرك على وجه الأرض، وأهل هذا الشرك هم جمهور المشركين".

 

قال ابن القيم: "وكثيراً ما يجتمع السببان في حق المشرك يكون قبورياً نجومياً".

 

وقد انتشرت صناعة التنجيم في العصر الحديث انتشاراً كبيراً، وأصبح التنجيم في أغلب صورة وسيلة من وسائل ابتزاز أموال الآخرين، وله وسائل ساعدت في نشره من ذلك:

 

(1) الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام، وهذه من أوسع طرق نشر التنجيم، ويكون التنجيم عادة في هذه المجلات والصحف تحت عنوان: "الأبراج" أو "أبراج الحظ" "الحظ والأبراج" ويرسمون بالقرب منها بلورة سحرية، أو يقولون: حظك والنجوم، ويستخدمون في كتابتها طرق التمويه والكذب والخداع، ويكتفون بالكلام المجمل لم يأخذوا قال هذا القارئ شيئاً، فيعلقون قلبه بكلام عام مجمل يظن صوابه الجاهل.

 

وتجد الجهلة من المسلمين مولعين بقراءة هذه الأبراج، فيقول: أنا برجي كذا، وولدت في برج كذا، فما هو حظي، وماذا سيحصل لي؟

 

فيقرأ هذه الأعمدة في الصحف والمجلات، وهذا حرام لا يجوز لا يجوز كتابتها، ونشرها، وقراءتها؛ لأنها من أبواب الشرك، حتى لو قال: أقرأها وأنا أعلم أن ما فيها باطلاً، وإنما أتسلى، نقول: لا يتسلى مؤمن يؤمن بأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، بمثل هذا الشرك.

 

وأصبحت بعض الصحف والمجلات تنشر أرقاماً هاتفية للاتصال، والسؤال عن الحظ، وعن الأبراج بزعمهم، وهذا حرام، لا يجوز، على المؤمن أن يحذر منه، ويُحذر منه من استطاع.

 

وطريقتهم في الصحف والمجلات في اكتفائهم بالكلام المجمل الذي لا تفهم منه شيئاً، والذي يناقض بعضه بعضاً أحياناً يشبه طريقة المبتدعة في كتابتهم، وسردهم لتنجيمهم، وإن صاغها محررو الجرائد والمجلات بأسلوب عصري مبسط، وإلا فالطريقة هي.

 

ومما ينبغي التنبيه له قول بعضهم: من حسن الطالع أن يكون كذا...، أو يحصل عمل فيقول: من غير فكر ولا روية، هذا من شؤم الطالع.

 

ومن وسائلهم أيضاً: نشر وبث البرامج التي تشرح أحوال هؤلاء المنجمين، وطرقهم في استكشاف الغيب والمستقبل، وهذا مما يؤثر على نفسية مشاهده، فيعتقد صدقهم، خصوصاً عندما يتربى الصغار على رؤية العراف والدجال، وهو أمام بلورة أو مرآة يشاهد فيها ما يجرى في العالم، ويحصل هذا بكثرة في الأفلام التي تعرض للصغار، وهو من تعليم السحر والجبت والطاغوت: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)[البقرة: 102].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم.

 

أيها الإخوةالمؤمنون: ومن وسائل نشر التنجيم، ومشاركة الله في علم الغيب: نشر الكتب التي تعلم هذا الفن، وهي تخبر الإنسان بزعمهم بمستقبله وغيبه، وتنتشر هذه الكتب في هذا الوقت تحت عناوين منها: كتاب "حظك اليوم" و"دليل الحيران في طالع الإنسان" وتصدر الآن بانتظام آلاف الكتب حول كيفية الاستفادة من التنجيم في مسائل المال والأعمال والسفر والزواج، وغير ذلك، ولا يجوز بحال من الأحوال قراءة هذه الكتب أو شراؤها أو بيعها، والواجب إتلافها وحرقها.

 

ومن وسائلهم: وجود معاهد تقوم بتعليم التنجيم، وإعطاء المتعلمين شهادات بذلك على تعلمهم الكفر، فما أحقر هذه الشهادات لا تعطى لصاحبها إلا إذا تعلم الكفر، وتفنن فيه، ولهم وسائل وطرق عديدة غير هذه، و "من اقتبس شعبة من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد".

 

قال ابن تيمية: "فقد صرح رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- بأن علم النجوم من السحر".

 

وقد قال تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)[طـه: 69].

 

وهكذاالواقع، فإن الاستقراء يدل على أن أهل النجوم لا في الدنيا ولا في الآخرة.

 

والمنجم من جنس الكهان والعرافين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

 

هذا إذا أتى إلى المنجم أو الكاهن أو العراف الذين يدعون معرفة الغيب، أو أن بيدهم ضر أو نفع، إذا أتاهم فسألهم فقط، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإذا صدقهم فما حكمه؟

 

إذا صدق المنجمين، وأبراج الحظ والنجوم، إذا صدق العرافين والكهان، وكل من يدعي علم الغيب، هذا يكون كافراً بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لقولهعليه الصلاة والسلام: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

 

وإذا كان السائل بهذه الصورة فكيف بالمسؤول؟

 

لا شك في كفره، وخروجه عن الملة بادعائه لعلم الغيب.

 

أيها الإخوةالمؤمنون: علينا أن نحذر أسباب الشرك والكفر خصوصاً هذه الأبواب الخطيرة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم".

 

ومرة خرجعليه الصلاة والسلاممن المدينة، فالتفت إليها، فقال: "إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك؛ ولكن أخاف أن تضلهم النجوم".

 

فالحذر الحذر، فإن الأمر خطير، وعلى المؤمن أن يحفظ عقيدته وإيمانه، وماذا عنده أغنى من الإيمان والتوحيد، فليحافظ المؤمن عليه، وليعض عليه بالنواجذ

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر أوليائك وحزبك، اللهم انصر عبادك المؤمنين الموحدين في كل مكان.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

و(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-181].

 

 

 

 

المرفقات

وادعاء علم الغيب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات