التميز الحضاري

عمر عبد الكافي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ركائز التفوق الحضاري 2/خصائص الحضارة الإسلامية ودعائمها 3/دعوة للمراجعة والاجتماع وترك التنازع .

اقتباس

إذا أردنا تميزا آخر وحضورا آخر على الساحة وجب أن ننشئ أبناءنا على غير هذه الطراوة وغير هذه البلاهة وغير هذه اللغات الغير معتمدة عندنا والولد لا يدرك من لغته العربية شيئا لكي يقرأ القرآن الكريم ويقرأ هذه الحضارة التي أوجزت في دقائق سبب تميزها...

الخطبة الأولى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الْكَهْفِ: 1]، -سبحانه- له دعوة الحق، حرص عليها وأوجب التبشير بها، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 104]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وضع الحجة وأتم المحجة، (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التَّوْبَةِ: 32]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صل اللهم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الْأَنْعَامِ: 82]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: التفوق الحضاري للأمم يرتكز على ركائز ثلاث: ثلاث ركائز أساسية، تميز اقتصادي، وتميز عسكري، وتميز فكري، من غير أحد هذه الأضلاع الثلاثة لا يصير لحضارة من الحضارات أن يشار بالبنان إليها أنها حضارة، ثلاثة عناوين، تميز اقتصادي، تميز عسكري، تميز فكري، لا أقول: تفوق؛ لا، تميز، هناك فرق بين التفوق والتميز، التفوق يكون بعد أن تقوم الحضارة، وبعد أن تؤسس يصير لها تفوق على الآخرين، أما التميز هو الانفراد؛ فمثلا: نضرب مثلا بالدول أو الحضارات التي أشير إليها بالبنان في التعقيب المعرفي والتاريخ، وأنا أريد أن تصغوا إلي بأسماعكم إلى ما أريد أن أعرضه:

البيئة العربية أو الجزيرة العربية كان فيها تميز عسكري، إلى الآن بطبيعة الحال لأن الرجل العربي يعيش في الصحراء؛ فكان قوي البنية، ويعيش في الجبال عنده أخلاقيات معينة، درب خيوله تدريبا مميزا حتى أن الخيول العربية إلى الآن هي الخيول رقم واحد في العالم إذا شاركت في المعمعة؛ فحقيقة الأمر حتى فارس لم تستطع أن تحتل الوطن العربي رغم تميزها وتفوقها؛ لأنه كان يستعصي عليها؛ لأن العرب كانوا يمتازون بميزتين من الثلاثة: ميزة عسكرية، قوة الفارس العربي، وطبيعة تمنعه وحفاظه على الحرمات، وتحمل المشاق؛ لأنه كان يعيش في الصحراء، ثم تفوق اقتصادي، رحلتا الشتاء والصيف، التي من الله بها على العرب.

 

لا تقصروا رحلتي الشتاء والصيف إلى اليمن والشام، رحلتا الشتاء والصيف كانت البؤرة لهما هم العرب، لكن كانت تجارات الهند والصين تأتي إلى ساحل عمان ثم يتسلمها التاجر العربي ويذهب بها إلى السويس فيشتريها منه المصريون ثم بعد ذلك تذهب إلى فينيسيا وقبرص وهذه البوابات الأوروبية؛ فكان التجار الغربيون يتعاملون مع التاجر العربي والتاجر العربي يتعامل التاجر الهندي والصيني، لم يكن هناك علاقة مباشرة ما بين شرق آسيا من الصين والهند والأوروبي، إلا عن طريق العرب؛ فكانت هذه نقلة أو وضعًا اقتصاديًّا قويًّا للبيئة العربية، ولكن العرب كانوا عبدةَ أصنامٍ، هنا تأتي التفاهة قبل الإسلام؛ فلم يكن لهم تميُّز فكريّ، لم يكن لهم حضارة.

 

الصينيون -أيضا-: هم إلى الآن وإلى أن يستمروا هكذا لن تكون لهم حضارة، لن أقول: يوما ولن يقول أحفادي: يوما، أن هناك حضارة صينية، الصينيون عبارة عن ناس مقلدين، وفيها مستقبلا: أكبر قوة اقتصادية عالمية العالم، ثالث أكبر الجيوش؛ فالناحية الاقتصادية فيها تفوق، والناحية العسكرية -أيضا- فيها تفوق، ليس عندهم تميز فكري إلا حثالة البوذية، وهذه الأفكار المنحطة من الإلحاد والشيوعية؛ فلن يكون للصين تميز حضاري، لن تكون لها حضارة؛ فإذا ذهبنا إلى روسيا والشعوب السلافية وشرق أوروبا -أيضا- ليس لهم حضارة مهما قووا اقتصاديا؛ لأن الإلحاد كمرض من الأمراض يمنع من قيام حضارات، مثلا: المغول اجتاحوا من آسيا الشام إلى حدود مصر، اجتاحوا العالم، قوة اقتصادية خارقة نتيجة الغنائم والأسلاب، قوة عسكرية فذة، لكن لم يكن عندهم لمحة فكرية أو تميز فكري فبالتالي لا تستطيع أن المغول كانت لهم حضارة؛ فبالتالي لا حضارة المغول ولا حضارة الصين ولا حضارة شرق أوروبا حتى ألمانيا كرمز من الرموز الأوروبية الواضحة بلغ بها تفوقها أن تدخل في حربين عالميتين قاتلت فيهما إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي يعني روسيا، ودول أوروبا وأمريكا ولكن رغم تفوقها لا تستطيع أن تقول: أن ألمانيا لها حضارة، الحضارة الألمانية؛ فأوروبا لم تفتح عينيها على الحضارة، وسوف أوضح هذا الأمر، ولكن كونوا معي في قضية المثلث؛ تميز اقتصادي، تميز عسكري، تميز فكري.

 

ما معنى فكري؟ تقديم فكرة قوية، جاء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في المنطقة العربية في البداية حدث انفجار معرفي، انفجار لا يتخيله إنسان، لماذا؟ حضارة قامت على شيء أغرب من الخيال لا يوجد في أي حضارة ولن يوجد:

أولا: حضارة قائمة على توحيد رب العالمين؛ ولذلك نحن إذا أردنا أن نفلح كأمة علينا بأمرين:

كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، ومن غير هاتين ظن شرا ولا تسأل عن الخبر، نحن نستطيع، وأنا أستطيع بجهلي وبحدود معلوماتي الضيقة أقول: نحن الآن كمسلمين يطلق علينا المؤلفة قلوبهم، فقط، هذا أقصى ما نستطيع الحصول عليه من لقب، هذا إذا حن علينا أحد، لقد أكلتنا حشرات الأرض، لماذا؟ لأننا تركنا هذا المنهج؛ منهج توحيد عجيب، الألوهية لله، الوحدانية لله، العبودية لله، الانحناء لله، الركوع لله، السجود لله، الولاء لله، إذن هذا هو المعلم الأول من معالم حضارة المسلمين.

 

الْمَعْلَم الثاني: ليس هناك كتاب سماوي يعاتب الذي أنزل عليه في رجل أعمى قطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهه فيه، ليس هناك كتاب لا قبلُ ولا بعدُ، (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) [عَبَسَ: 1-2]، وانحاز قليلا إلى هؤلاء الأثرياء طمعا منه أن يدخلوا في الإسلام، ليس طمعا في أموالهم؛ لأنه لا يحتاج إلى المال، ولا طمعا في غناهم، ولا وضعهم الاجتماعي، كان يطمع في دخولهم الإيمان، حتى أنه أوقف ملك الجبال، حتى أنه أوقف ملك الجبال، "يا ملك الجبال لا تفعل، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله، أو يوحد الله -سبحانه وتعالى-".

 

حضارة قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه لا تجدها في أي حضارة مطلقا، ليس هناك حضارة في العالم قامت على ركيزة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا حضارة الإسلام، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آلِ عِمْرَانَ:110]، أنا أقول هذا لنفخر بديننا ونفخر بوحدانية الله، ونفخر بعبادتنا لله، ونستعيد أمجاد أجدادنا على نفس الخط الذي ساروا عليه، لن تصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، صلح أولها على الكتاب والسنة ولن يصلح آخرها إلا على الكتاب والسنة، وقال عمر قولته يوم أن تسلم مفاتيح بيت المقدس: "كنا أذلاء -نقاتل بعض ونرتكب الفواحش، ونشرب الخمر... إلى آخره-؛ فأعزنا الله بالإسلام؛ فإن ابتغينا العز في غير الإسلام أذلنا الله".

 

إذن: الأمة الحضارية رقم واحد في العالم -سبحان الله- ظلت إلى تقريبا أربعمائة سنة، منذ "اقرأ" إلى القرن الخامس الهجري وهي الأمة رقم واحد، لماذا؟ تميز فكري بهذا المنطق، تميز عسكري، يحب الواحد منهم –عندما جمع مسيلمة قواته في بداية المعركة مع خالد، وكان خالد القائد العام للقوات المسلحة من قبل الصديق وتحت يده أو تحت قيادته أحد عشر جيشا وهو القائد العام، يقول مسيلمة لمن حوله: "ما الذي يجعل خالد ينتصر علينا، نحن بنو حنيفة، نحن أولو قوة، نحن أولو بأس شديد، نحن نجيد المعارك، وكيف يغلبنا هؤلاء، الذين أتوا من مكة والمدينة، لماذا؟ ونحن أكفاء ربما أفضل منهم" قال أحد مساعدي مسيلمة: "نحن نقاتل خالدا والذين معه يتمنى كل واحد منا أن يموت صاحبه قبله، ونقاتل أقواما يتمنى كل واحد أن يموت قبل صاحبه، قضية الإيثار حتى في الموت، عبد الله الأنصاري يشكو أبناءه الأربعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يمنعونني من المشاركة في الغزو يا رسول الله؛ لأنني أعرج، قال: "قد وضع الله عنك الجهاد يا عبد الله"، قال: أنا أريد أن تشركني في المعركة، أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فهو ضامن أن يستشهد ومن صدق مع الله صدقه الله -عز وجل-؛ فلما رآه ابنه جابر مجندلا وقد فارقته روحه استعبر؛ بكى، يهدئ الرسول من روعه ويقول: "يا جابر، والذي بعثني بالحق نبيا، ما كلم رب العباد أحدا إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر" الله أكبر، "إلا أباك، كلمه الله بدون حجاب، قال له: عبدي تمن علي".

 

هذه حضارة الإيثار، هذه غير موجودة في أي تاريخ، ليست موجودة في أي حضارة، نصلح بما صلح به أولنا، ثم ما الذي حدث؟ تميز عسكري، تميز اقتصادي، يخرج عمال أمير المؤمنين في إفريقيا، في مصر وفي ليبيا وفي تونس وفي تشاد وفي السودان لكي يوزعوا زكاة المال في زمن عمر بن عبد العزيز سنة مائة وواحد هجرية، يعني انقضى قرن على هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعود عمال الزكاة العاملون عليها إلى بيت المال في دمشق أمنها الله وأعادها إلى هدوئها إن شاء الله مرة أخرى، عادت الأموال؛ فتعجب القائم على توزيع الزكاة وسألهم: "ألم توزعوا الزكاة؟ قالوا: ما وجدنا في أفريقيا مسكينا يستحق الزكاة؛ ثمرة حضارة".

 

هذه الحضارة المتميزة، تفوق عسكري، تفوق اقتصادي، ثم هذا التفوق الروحي، قدمت الحضارة الإسلامية شيئا عظيما.

 

عباد الله: إذا أردنا تميزا آخر وحضورا آخر على الساحة وجب أن ننشئ أبناءنا على غير هذه الطراوة وغير هذه البلاهة وغير هذه اللغات الغير معتمدة عندنا والولد لا يدرك من لغته العربية شيئا لكي يقرأ القرآن الكريم ويقرأ هذه الحضارة التي أوجزت في دقائق سبب تميزها.

 

اللهم ردنا إلى ديننا ردا جميلا حسنا.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

 

عباد الله: ليست كلماتي هذه لضيق الصدور أو أن تصاب بيأس ولكن تشخيص المرض مهم، وتشخيص داء الأمة مهم؛ لأن الله أخذ على العلماء ميثاقا، كما أخذه على النبيين، أن يبينوه للناس ولا يكتموه.

 

حان الوقت لأن نلتئم جميعا، حكاما ومحكومين مفكرين وعلماء دين وأهل فضل وهم كثر في بلادنا العربية وأهل قوة اقتصادية إلى أن تزول بيننا هذه الخلافات، ولنقتنع كما أنا مقتنع من صغري، علمني علمائي -رحمة الله- على من مات منهم، وبورك فيمن هو على قيد الحياة، علموني أنه: يا بني لك عدو واحد، هو الشيطان، لا تصطنع عداوة مع أحد، لماذا تصطنع عداوة، هناك من يعادي أهل زوجته، امرأة تعادي أهل زوجها، وآخر يعادي الجيران، وغيره يعادي مديره في العمل، نحن نريد أن نزيل حواجز العداوة وأن نصير، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الْأَنْفَالِ: 46].

 

يجب أن نرجع مرة أخرى إلى منطقة السماح ومنطقة العفو، ومنطقة الصفح، ومنطقة الصبر وأن نحتسب نصرنا لدين الله -عز وجل- هو نصر لأنفسنا وأن نعمل لله -عز وجل-، وألا نكون ثغرة في جسد الإسلام الكبير؛ فالإنسان المتسكع على نواصي الطرقات في المقاهي هذا ثغرة في جسد الإسلام، الولد الفاشل في المدرسة والجامعة والذي يرسب عاما بعد عام، هذا ولد -سبحان الله العظيم-، حتى أولادنا يذهبون إلى المدارس والجامعات ومنهم من يصلي ومنهم من يأخذ بفتيا أن المسح على الجورب جائز وهذا جميل، ولكن حتى جوارب أبنائنا ما أصبحت جوارب، انظر إلى جورب الولد، عبارة عن قطعة قماش من تحت، وقدمه ظاهرة من فوق؛ فعلى أي شيء تمسح يا بني؟ على رِجْلِكَ؟ هذا لا يجوز، كما أن البنت هذا الجورب الذي تلبسه، الذي يشف تحت ثيابها لا يجوز المسح عليه، مبادئ الصلاة أساس الدين غير واضحة عند أبنائنا.

 

أحبتي في الله: وجب علينا أن ننظر إلى بناتنا وأن نمنع عنهن تماما من الصغر أن يضعوا أحمر وأخضر وأصفر في وجوههن، عندما تتخرج من الجامعة وتخطب وتصير عروسة بإذن الله -تعالى- لتفعل مع زوجها ما تريد.

 

اللهم الكرب عن المكروبين، سد الدين عن المدينين، اقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، ارحم أمواتنا وأموات المسلمين، اللهم فك عن إخواننا اللاجئين في كل مكان، وأعدهم إلى ديارهم سالمين آمنين غانمين يا رب العالمين.

 

اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء يا رب العالمين، وسائر بلاد المسلمين، ارزق بناتنا أزواجا صالحين، وأبناءنا زوجات صالحات، هيئ الصالحين للصالحات بعضهم لبعض يا رب العالمين، ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحا وراحة، وبعد الموت إكراما ومغفرة ونعيما، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، نعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن بطن لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها، أكرمنا ولا تهنا، أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، كن لنا ولا تكن علينا واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المرفقات

التميز الحضاري

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات