التفطن للواقع، والمحافظة على الأمن والاستقرار

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ فتن كموج البحر 2/ وجوب التمسك بالدين والاعتصام بالله 3/ سبل النجاة من الفتن 4/ اهتمامات شباب الأمة هذه الأيام 5/ حسرات على واقع كثير من المسلمين اليوم 6/ أهمية تعايش المسلمين مع اختلافهم 7/ تعليق على حادثة الأحساء

اقتباس

في إحدى المباريات كان الحضور يزيد على سبعين ألفًا من الشباب، أضاعوا الصلوات، وتسلقوا الأسوار، وحضروا قبل المباراة بست ساعات، هؤلاء هم شباب الأمة، وهذه هي اهتماماتهم، الأمة في وادٍ وهم في واد آخر، الأقصى يُغلق، والحرائر يُغتصبن، وبلاد المسلمين تتمزق في الشام والعراق واليمن، وسائر بلاد المسلمين في هرج ومرج، ونحن نجري خلف الكرة، ونقدمها على الدين، إنني أقولها وبصراحة، إن شبابنا في معزل عن واقعهم ودينهم، وعما يُرَاد منهم للنهوض بالدين، فكيف نرجو التمكين، والنصر، ونحن لم نعمل بأسبابه؟!...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله جل في علوه، وتدبروا في حياتكم، فالكل إلا من رحم الله قد شغل نفسه فيما لم يُؤمر به، بل ولم يُخلَق له، وهم يرون النُّذُر، ويسمعون العِبَر، وتحل بهم القوارع، ولكن الشيطان قد صدهم عن السبيل فهم لا يهتدون للحق.

 

معاشر المسلمين: الناس في هذا الزمن يموجون في الفتن، وقد قل الأمن، وانعدم في بعض المناطق، وكثر القتل، وانتُهكت الأعراض، وأهدرت الأموال، والكل يعلم ذلك ويوقن به، ولكن من كان منهم يعيش في الظل في جانب الأمن، تجد أنه يعيش بمعزل عن ذلك الجانب المظلم الأليم، لا يأخذ منه عبرة، ولا يحاول اجتناب الطرق المؤدية إليه، بل على العكس تراه يسير في نفس الاتجاه، ويعمل نفس الأعمال الموصلة لمصيرهم، للأسف وهم يعلمون.

 

عباد الله: إن المسلم في هذه الأيام بحاجة ماسة إلى التمسك بالدين، والاعتصام بالله، والإكثار من العبادة، والالتجاء إلى الله ليرفع عنه وعن المسلمين ما وقع عليهم من البلاء.

 

ولعل البعض يتساءل، هل الناس في هذا الزمن على هذا الطريق يسيرون، ومما وقع بالناس يحاذرون، ولربهم يخبتون؟

 

لا شك أن الجواب: لا. بل الناس يسقطون في الهاوية نفسها التي سقط فيها غيرهم من قبلهم، ويسيرون قبل ذلك على نفس الطريق وهم يعلمون، ونحن في هذا البلد المبارك نعيش -ولله الحمد- بمعزل عن الفتن، وننعم في عيش رغيد، وفي أمن وأمان، وهذه نعمة قد كفَرها الكثير ممن حولنا، ويظنون أنهم سيدوم عليهم ذلك، ولن يصيبهم ما أصاب غيرهم، سبحان الله، (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 80].

 

إن في مجتمعنا من يسير على نفس الطريق الذي سار عليه الهالكون، ويسحبون البلد، بقصد أو بجهل، إلى نفس المستنقع الذي وقع فيه الناس قبلهم، مع بعدهم عن دينهم، وتناحرهم فيما بينهم، (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8].

 

أيها المؤمنون: بالأمس في إحدى المباريات كان الحضور يزيد على سبعين ألفًا من الشباب، أضاعوا الصلوات، وتسلقوا الأسوار، وحضروا قبل المباراة بست ساعات، هؤلاء هم شباب الأمة، وهذه هي اهتماماتهم، الأمة في وادٍ وهم في واد آخر، الأقصى يُغلق، والحرائر يُغتصبن، وبلاد المسلمين تتمزق في الشام والعراق واليمن، وسائر بلاد المسلمين في هرج ومرج، ونحن نجري خلف الكرة، ونقدمها على الدين، إنني أقولها وبصراحة، إن شبابنا في معزل عن واقعهم ودينهم، وعما يُرَاد منهم للنهوض بالدين، فكيف نرجو التمكين، والنصر، ونحن لم نعمل بأسبابه؟!

 

إن معظم هؤلاء الذين حضروا للملعب قبل المباراة، وتزاحموا على مقاعده، لا يعرفون المساجد، ولو حضروا فهم في الصفوف الأخيرة، فأين المسابقة للملاعب، وأين التبكير للصلاة، بهذا نعرف همم شبابنا وتطلعاتهم، ويصاب المسلم بالإحباط، فكيف يكون التمكين في الأرض لأمثال هؤلاء؟

 

وانظر إلى شبابنا إذا سافروا للخارج، فلا يمثلون الإسلام، ولا يدعون إليه، بل يصدون عنه بأفعالهم المشينة وسلوكهم السيئ، كما قال بعض من أسلم من الغرب: "الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أرى المسلمين"، ونحن -عباد الله- لا نعمم، ولكن هذا واقع الكثير من المسلمين اليوم.

 

لهذا كله أدعوا نفسي وإخواني للتمسك بالدين، والسير على سيد المرسلين، لتحصل لنا النجاة من الفتن، ويحصل لنا التمكين في الأرض، كما قال سبحانه: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [النور: 55].

 

اللهم اهد شباب المسلمين، وردنا وإياهم إلى الحق يا رب العالمين، أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد فيا أيها الناس: إننا نعيش في هذا البلد المبارك، وأعداؤنا كثير، وحُسادنا كثير، ولهذا ينبغي الحذر من الذين يسعون في الأرض فسادًا، أيًّا كان مكانهم من الإعراب، فأمن البلد ودينه مقدَّم على الجميع، فالواجب أن نكون يدًا واحدة ضد من أراد بأمننا وديننا سوءًا، ولا يريد بنا سوء إلا أعداء الدين الذين ينقمونا علينا ما نعيش فيه من استقرار، وظهور للعلم والدين، ولا أدل على إقبال الناس على الخير، وبعدهم عن الشر، من ذلكم الاكتتاب الذي حذَّر منه العلماء، فاستجاب الناس لعلمائهم، وكاد أن يفشل بل قد فشل، والمطَّلِع على الأخبار يعرف ذلك.

 

معاشر المسلمين: نحن نعيش في بلد ابتُلي بأخلاط من المذاهب والمشارب، والواجب على الجميع أن يتعايشوا بسلم، وأن يسعى أهل الحق لدعوة المخالف والضالّ بالمعروف، وأن يأخذوا على يد السفيه، ويأطروه على الحق أطرًا، ولكن بالطرق النظامية الشرعية، فالبلد بلد إسلامي أُسِّس على ذلك وبُنيت عليه أركانه، وعلينا أن نحذر من الذين يريدون إشعال فتيل الطائفية بيننا، فهي وقود زعزعة الأمن، وطريق سريع لما وقع بالدول المجاورة حولنا، فالحذر الحذر.

 

عباد الله: الكل سمع بما حصل في منطقة الأحساء، وهذه فعلة بشعة شنيعة، تشتمل على مخاطر عدة، صحيح أن الواقعة كانت على الرافضة وهم يسبّون الصحابة، ويشركون بالله بدعوة الأولياء وغيرهم، والإسلام ينهى عن ذلك، فهم على منكر عظيم، ولكن هذا لا يجرنا لقتلهم واستباحة دمائهم، والظاهر من الحادثة أن من قام بها هم أعداء الدين، يريدون إشعال فتيل الطائفية، فيقوم أولئك الرافضة بالهجوم على مساجد السنة وقتل أهلها، وتنشب الصراعات بينهم وبين أهل السنة، وإلا فأهل السنة ينهون عن مثل هذا الفعل، لما يجر من الشر الأكبر، كما قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108].

 

وقال أهل العلم: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بغير منكر.

وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

قال أهل العلم: الإنكار باليد إنما هو للسلطان فقط، أو من ينيبه عنه، واللسان للجميع، والقلب لا يُعذر فيه أحد.

 

معاشر المسلمين: الحذر الحذر من الانزلاق في الفوضى، ومن إراقة الدماء، ولنصبر ولنصابر، حتى يستريح بَرّ أو يُستَراح من فاجر..

 

اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا.. اللهم اكفنا كيد الفجار وشر الأشرار وعذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين.. اللهم ارفع البلاء..

 

 

 

المرفقات

للواقع، والمحافظة على الأمن والاستقرار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات