التغيرات وقدوم رمضان

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-03-01 - 1445/08/20 2024-03-13 - 1445/09/03
عناصر الخطبة
1/تغير أحوال الدنيا وعدم ثباتها 2/حدوث بعض التغييرات الجوية 3/قرب دخول شهر رمضان 4/الحث على اغتنام شهر رمضان 5/سرعة قضاء الصيام عن رمضان الماضي.

اقتباس

هذَا رمضان هبَّت عليكم نسائمه، وأقبلت عليكم أيامه ولياليه، فما أنتم مستقبلي هذَا الضيف الكريم، ضيفٌ جعله الله -جَلَّ وَعَلَا- موسمًا لعباده وأوليائه، يتنافسون فيه بالخيرات، ويتسابقون فيه بالعمل الصالح والصلوات، فما في...

الخطبةُ الأولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها نجاةً وفلاحًا يوم لقاه.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ومصطفاه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم لقاه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأن مُحَمَّدًا رسول الله، فإن أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ في تنوع العِبَر في هذَا الزمان وفي تغيُّر أجوائه وفيما يناسب الإنسان فيه من حرٍّ وبرد، ومن غضبٍ ورضا، ومن تغيُّر أجوائه عليه عبرة يَعتبر بها المؤمن ليوم القيامة؛ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].

 

يَمُرّ عَلَى النَّاس الحر، ثُمَّ يتلوه برد، ثُمَّ غبارٌ، ثُمَّ هواءٌ، ثُمَّ جفافٌ، وربيعٌ وأمطار، يعتبر بها المؤمن في حاله وأحواله في دنياه؛ ليأخذ منها العظة إِلَى يوم القيامة. وإنّ قصير النظر -يا عباد الله- مَن همه من ذلك: التشكي والتسخط، ولا يعتبر من ذلك أنَّ هذَا كله بقضاء الله وقدره، فإذا هاجت عَلَى هذَا وأمثاله الرياح، هاجت عليهم الرياح وأثرة الغبار، ذهب بالملامة والانتقاد، وربما سبّ الريح وسبّ الغبار.

 

وفي حديث التِّرْمِذِيّ عن أبيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيرِ هَذِهِ الرِّيحِ، وَخَيرِ مَا فِيهَا، وَخَيرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ".

 

فإذا أقبل عليه حرٌّ، ثُمَّ يتلوه برد، تذكر في هذَا حر الآخرة وبرد جهنَّم في زمهريرها، فيتقيها بالإيمان وعملٍ صالح، يستعد من دنياه إِلَى آخرته، يجعل هذِه الدنيا مزرعةً لعمله، ليحصد ثمرتها وحصادها يوم لقاء ربه، فـ"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".

 

فخذوا العِبْرَة -يا عباد الله- من دنياكم إِلَى آخرتكم، ومن حالكم إِلَى مستقبلكم، وانظروا بعين الذكرى، ولا يكن نظركم سطحيًّا هامشيًّا، همُّ الإنسان فيه ملذاته، وهمه مشتهياته، وهمه نفسه نفسه، لا ينظر إِلَى غيره بأي دفعٍ لمفسدة، أو لجلبٍ لمصلحة.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مقرًّا بربوبيته، ومؤمنًا بألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند به أو شكَّ أو جحد وكفر. وأصلي وأسلِّم عَلَى سيد البشر، الشافع المُشفع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: تذكروا نعم الله عليكم، كنتم في بلاءٍ ووباء، فرَفَعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- عنكم بمنّه وفضله، كنتم تتباعدون في المساجد، وقبلها غُلِّقت عليكم المساجد، فكنتم تصلون في بيوتكم، والآن وقد اجتمعتم جميعًا، وزالت هذِه الأسباب وَهذِه الجوائح، مع ما يجب أن يحترز فيه المؤمن عَلَى نفسه وإخوانه، كل ذلك من نعم الله المتجددة، الَّتِي تستوجب لنا عند الله شكرًا، وتستوجب لنا عند الله اعترافًا: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

ثُمَّ -يا عباد الله- هذَا رمضان هبَّت عليكم نسائمه، وأقبلت عليكم أيامه ولياليه، فما أنتم مستقبلي هذَا الضيف الكريم، ضيفٌ جعله الله -جَلَّ وَعَلَا- موسمًا لعباده وأوليائه، يتنافسون فيه بالخيرات، ويتسابقون فيه بالعمل الصالح والصلوات، فما في نيتك -يا عبد الله- وقد أبلغك الله -جَلَّ وَعَلَا- رمضان.

 

هل نويت صيام نهاره لله طواعيةً وعبودية؟ ونويت قيام لياليه وقراءة كلامه القرآن، والبذل والصَّدَقَة، وتفقد المحاويج، وقضاء حوائجهم، وصلة الأرحام، إِلَى غيرها من أعمال الخير؟

فإن نويت ذلك؛ فأبشر وعزِّز نيتك بصدق إرادة، فإن نية المؤمن تبلغ عند الله ما لم يبلغ عمله.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّ مِن النَّاس مَن أخَّر عليه من قضاء لرمضان الماضي ولم يصمه إِلَى الآن، فَهذَا وقت البدار البدار في تفقد أنفسكم وأهليكم ونسائكم.

 

 في الصحيحين من حديث عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "يكون عليَّ القضاء من رمضان، فلا أصومه إِلَّا في شعبان؛ لمكان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- منِّي"، فبادروا إِلَى قضاء ما عليكم، وتواصوا به مع أهليكم وإخوانكم وخدمكم، فإنَّ هذَا الشهر ما أسرع ما ينقضي، حَتَّى سمته العرب ولا زالت تسميه بـ"الشهر القصير".

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.

 

اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.

 

اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.

 

 اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

المرفقات

التغيرات وقدوم رمضان.doc

التغيرات وقدوم رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
13-03-2024

اللهم  اخواننا في غزة، قد مسَّهم الضرُّ، وحلَّ بهم الكرب، واشتدَّ عليهم الأمر، اللهم ارفَع عنهم ما أصابَهم، اللهم اكشِف عنهم البلاء والضرَّاء، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم يا رب العالمين، اللهم عليك بمَن ظلَمَهم، اللهم عليك بمَن ظلَمَهم، وبمَن أعانَ على ظُلمِهم يا رب العالمين...