التعصب الرياضي

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/تحذير الشريعة من التعصب 2/الحكمة من إباحة الرياضة 3/الرياضة والتعصب الرياضي 4/من الأمور المحرمة في الرياضة

اقتباس

إن مما سقطت فيه كثير من الدول بلا استثناء، وهو من التعصب المقيت وحل الرياضة، الذي أُشغل الناس به، فأصبح حديث مجالسهم، وفيه تنفق أموالهم، وفيها يعادون ويوالون، حتى ظهر عندنا ما يسمى بالتعصب الرياضي، فتجد المرء يجعل ناديه الذي يشجعه خطا فاصلا بين أصدقائه وأعدائه...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي خلقكم من العدم، ورزقكم من الفقر، وهداكم من الضلالة، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة؛ فهو -سبحانه- أحق من عبد، وأكرم من سئل، وأرأف من ملك، وأعدل من حكم؛ جل في علاه من إله خبير.

 

عباد الله: كثيرة هي ملهيات الدنيا وشهواتها، وكثيرة هي الصوارف عن الصراط المستقيم، وكثير من الناس فيها يتخبط، وكثير منهم يبغتهم الموت وهم عنه غافلون؛ عياذا بالله من حالهم.

 

وإن من ملهيات الناس من قديم الزمن التعصب؛ سواء للعرق أو للون، أو للجنس، ونحوِها، وقامت حروب طاحنة على أساس التعصب المقيت، ولهذا جاء الإسلام محذرا من التعصب أيا كان، مبينا أن الناس كلهم من التراب؛ فلم التعصب؟!

 

قال جل ذكره: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13]، وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10]، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آلعمران:103].

 

فهذه التعصبات تصد عن الدين، وتذيب الأخوة الإسلامية، حتى حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد التحذير وذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله البجلي قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل تحت راية عِمِّية يدعو عصبيةً أو ينصر عصبية فقِتلة جاهلية".

 

وأخرج البخاري، ومسلم في صحيحهما من حديث جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ!! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة"؛ والكسْع: ضرب الدبر باليد أو بالرجل.

قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "وَأَمَّا تَسْمِيَته -صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ كَرَاهَة مِنْهُ لِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ التَّعَاضُد بِالْقَبَائِلِ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتهَا، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَأْخُذ حُقُوقهَا بِالْعَصَبَاتِ وَالْقَبَائِل، فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ، وَفَصَلَ الْقَضَايَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة. فَإِذَا اِعْتَدَى إِنْسَان عَلَى آخَر حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنهمَا، وَأَلْزَمَهُ مُقْتَضَى عِدْوَانه كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام أه"

 

إن مما سقطت فيه كثير من الدول بلا استثناء، وهو من التعصب المقيت وحل الرياضة، الذي أُشغل الناس به؛ فأصبح حديث مجالسهم، وفيه تنفق أموالهم، وفيها يعادون ويوالون، حتى ظهر عندنا ما يسمى بالتعصب الرياضي، فتجد المرء يجعل ناديه الذي يشجعه خَطًّا فاصلاً بين أصدقائه وأعدائه، بغض النظر عن ملته ومذهبه، ولربما وقع صدام وقتال من أجل ذلك، وكم أنفقت فيه من أموال؟!؛ فيا عجبي كيف جعلت الوسيلة غاية يقتتل عليها ومن دونها، تجد الرجل فتهابه من شكله وهندامه، وما إن يتكلم في الرياضة إلا وتسقط قيمته من عينك.

 

عباد الله: إن الرياضة وسيلة للنشاط وإزالة السمنة والترويح عن النفس، وقد أجازها الإسلام؛ فقد سابق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة بالأرجل وبالخيول والجمال وبالرمي، وحث على كل ما فيه إعانة على الجهاد، ولكن كانت الرياضة وسيلة لذلك ولم تكن يوما من الأيام هدفا لهم يسعون لتحقيق الانتصارات وإهانة الآخرين، ولم يكونوا يوالون فيها ويعادون فيها؛ بل كانت مجرد وسيلة؛ فلم تكن تجرهم للسب والشتم أو الغش والحسد أو التهاجر والتقاطع، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كانت ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العضباء لا تسبق، أو لا تكادُ تَسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين، حتى عرفه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ".

فهذه قاعدة من النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس حتى لا تتعلق نفوسهم بأمور الدنيا، أما أمور الآخرة فما رفعه الله لم يكن لأحد أن يضعه أبدا، وعلى العبد أن يسعى في رفعة أمور الآخرة.

 

اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن الكريم أقول قولي هذا....

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: لعلنا في هذه العجالة نسلط الضوء على التعصب الرياضي، وكيف عصف بشبابنا بل حتى بكبار السن؛ فتجد الخلافات داخل الأسرة؛ بين الزوجين والأولاد، وبين الأقارب، ويحصل بينهم النفرة والفرقة، وطريقة الناس في المتابعة لها شيء غير معقول وصلت بالبعض إلى حد الهوس، فإذا جاء وقت المباراة تتعطل كل المصالح، وتنشد الأعصاب، ويرتفع الضغط، ولا يطيق أحدا أن يكلمه في أي موضوع، حتى تنتهي المباراة، ثم الحياة يسودها مايسودها حسب النتيجة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ولا ينتهي الحد إلى هذا، بل تجد الأمر يتطور إلى العمل وعلاقات الزملاء، وأعظم من ذلك تعصبات بين الشعوب والدول.

 

أيها المؤمنون: إن من المؤسف حقا أن يبدأ اللعب بالكرة ونحوها من الرياضات للترفيه عن النفس ثم ينقلب الأمر إلى الهوس والتعصب، وإننا في هذه الأزمان نلحظ أن هذه الرياضة صحبتها عدة منكرات يجب الحذر من الوقوع فيها:

أولا: التبذير وهدر الأموال فيها، فأصبحت الملايين تنفق فيها، ورواتب بعض اللاعبين أصبحت خيالية، وفتحوا باب الاحتراف لجذب الشباب، ونرى الآن الحث على دعم الأندية بصورة تجلب التعصب المقيت، بعنوان ادعم ناديك، وكأنهم يحثون الناس للصدقة على الأرامل والأيتام؛ فليحذر العبد من ذلك فلن يجني من ذلك إلا الآثام.

 

وثانيا: التعصب المقيت لحد الموالاة والمعاداة فيها.

 

وثالثا: دخول العنصر النسائي فيها، وهذا منكر عظيم، حيث تبدي المرأة عورتها أمام الرجال في صورة فاتنة، وتدخل المسابقات الأولمبية، فتسابق في رياضة كرة القدم والقفز وكرة الطائرة والسلة وفي السباحة والغوص، وألعاب الدفاع عن النفس؛ فأينهم عن قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب:33].

 

ورابعا: لعب اللاعبين وقد بدت عوراتهم؛ فهذا محرم ومشاهدته محرمة أيضا.

 

وخامسا: حضور النساء للملاعب ومشاهدة اللاعبين وهم مكشوفي العورة؛ ناهيك عن الاختلاط الواقع بين الرجال والنساء.

 

أيها الناس: لعبة بهذه المنكرات كفيلة بأن تضبط بضابط الشرع أو أن تلغى من القاموس حتى نقضي على الفساد، والواجب على كل ولي أن يحذر من انخراط من تحت يديه في عالم الرياضة بهذه الطريقة؛ فهم أمانة وسيسأل عنهم.

 

عباد الله: إن الخليقة خلقت للعبادة، وأبيح لها ما يعينها على العبادة؛ فلا ننصرف عنها ببهارج الدنيا فتهلكنا كما أهلكت من قبلنا؛ ألا فلنزن الأمور بموازينها الشرعية، ولنحذر من مزالق الردى قبل فوات الأوان.

 

اللهم أصلح أحوال الشباب...

المرفقات

التعصب الرياضي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات