التعري

تركي بن عبدالله الميمان

2022-02-11 - 1443/07/10 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/بداية التعري في البشرية كان عقوبة 2/خطر التعري وأثره 3/أثر ستر الباطن على ستر الظاهر 4/الحضارة والتعري

اقتباس

أَوَّلُ عُقَوْبَةٍ جَسَدِيَّة، على أَوَّلِ مَعْصِيَةٍ بَشَرِيَّة: إِنَّها عُقَوْبَةُ التَّعَرِّي. وَالتَّعَرِّيْ عَلامَةُ الشَّقَاء، ونَاقُوْسُ البَلاء؛ فَعِنْدَمَا عَصَى آدَمُ رَبَّهُ، وأَكَلَ مِنَ الشَجَرَةِ كانَ العِقَابُ هُوَ التَّعَرِّي...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ والنَّجْوَى، واسْتَعِدُّوا للدَّارِ الْأُخْرَى، فَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا أَوَّلُ عُقَوْبَةٍ جَسَدِيَّة، على أَوَّلِ مَعْصِيَةٍ بَشَرِيَّة: إِنَّها عُقَوْبَةُ التَّعَرِّي. وَالتَّعَرِّيْ عَلامَةُ الشَّقَاء، ونَاقُوْسُ البَلاء؛ فَعِنْدَمَا عَصَى آدَمُ رَبَّهُ، وأَكَلَ مِنَ الشَجَرَةِ كانَ العِقَابُ هُوَ التَّعَرِّي.

 

وَعِنْدَمَا يَتَعَرَّى المُجْتَمَعُ مِنْ سِتْرِ الله؛ يَكُوْنُ عُرْضَةً لِلْعِقَابِ والشَّقَاء، قال تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى)[طه:117-118].

 

والحَيَاءُ مِنْ التَّعَرِّي، وَطَلَبُ السِّتْرِ مِنْ عَلَامَاتِ الإِيْمَان، وَهِيَ الفِطْرَةُ السَّلِيْمَة، الَّتِي جَعَلَتْ آدَمَ وَحَوَاءَ يُبَادِرَانِ بِسَتْرِ عَوْرَتِهِمَا مِنْ أَوْرَاقِ شَجَرِ الجَنَّة؛ حَيَاءً وَخَجَلاً، قال تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)[الْأَعْرَافِ:22].

 

واللِّبَاسُ أَنْزَلَهُ الرَّحْمَن، زِيْنَةً لِلْإِنْسَان؛ فَهُوَ يَسْتُرُ عَوْرَةَ الظَّاهِر، كَمَا أَنَّ التَّقْوَى تَسْتُرُ عَوْرَةَ البَاطِن (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف:26]. قال السِّعْدِي: "فَصَارَ لِلْعُرِيِّ البَاطِنِ مِنَ التَّقْوَى أَثَرٌ في اللِّبَاسِ الظَّاهِر!".

 

وَانْكِشَافُ العَوْرَة وَظُهُوْرُ السَّوْأَة مَطْلَبٌ شَيْطَانِي، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)[الْأَعْرَافِ:27]. قال ابنُ كَثِير: "يُحَذِّرُ تَعَالى بَنِي آدَمَ مِنْ إِبْلِيْسَ وَقَبِيْلِهِ؛ مُبَيِّنًا لَهُمْ عَدَاوَتَهُ الْقَدِيمَةَ لِأَبِي الْبَشَرِ، فِي إِخْرَاجِهِ مِنَ دَارُ النَّعِيمِ إِلَى دَارِ التَّعَبِ والعَنَاء، وَهَتْكِ عَوْرَتِهِ بَعَدَمَا كَانَتْ مَسْتُورَةً!".

 

وَالتَّعَرِّيْ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الفِتْنَةِ، والحِرْمَانِ مِنَ الجَنَّة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا"(رواه مسلم). قال ابنُ عُثَيْمِيْن: "كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ: أيْ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ حِسِّيَّةٌ، لَكِنْ لا تَسْتُرُ: إِمَّا لِضِيْقِهَا، وَإِمَّا لِخِفَّتِهَا، وَإِمَّا لِقِصَرِهَا!".

 

والْحَضَارَةُ الحَدِيْثَة تَجْعَلُ التَّعَرِّي رُقِيًّا وَتَقَدُّمًا، وَالسِّتْرَ والحِجَابَ رَجْعِيَّةً وتَأَخُّرًا! وَلَكِنَّ الحَقِيْقَةَ: أَنَّ التَّعَرِّيَ، مِنْ مُخَلَّفَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب:33].

 

والتَّعَرِّيْ فَاحِشَةٌ جَاهِلَيَّةٌ، وَانْتِكَاسَةٌ بَشَرِيَّة، قال تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)[الأعراف:28]. قال مُجَاهِد: "فَاحِشَتُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً"، قال ابنُ عاشُور: "وَهَذَا تَنْبِيهٌ إِلَى أَنَّ اللِّبَاسَ مِنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَتَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ، إِذْ جعلُوا مِنْ قُرَبَاتِهِمْ نَزْعَ لِبَاسِهِمْ، بِأَنْ يَحُجُّوا عُرَاةً؛ فَخَالَفُوا الْفِطْرَةَ! وَالنِّدَاءُ بِعُنْوَانِ بَنِي آدَمَ: لِلتَّعْرِيضِ بِحَمَاقَةِ العُرَاة!".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عباد الله: الَّذِيْنَ يُحِبُّونَ نَشْرَ التَّعَرِّي، وَيَسْعَوْنَ إلى تَطْبِيْعِهِ وَتَسْوِيْغِهِ، وَعَرْضِهِ وَتَسْوِيْقِه؛ مُعَرَّضُوْنَ لِعَقَابِ اللهِ وَتَعْذِيْبِه. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[النور:19]. قال السِّعْدِي: "فَإِذَا كانَ هذا الوَعِيْد، لِمُجَرَّدِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيْعَ الفَاحِشَة، وَاسْتِحْلَاءِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ؛ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: مِنْ إِظْهَارِهِ وَنَقْلِهِ!".

 

وَأَخِيْرًا: تَعَاوَنُوا على تَرْبِيَةِ بَنَاتِكِمْ؛ وَتَوْجِيْهِ مَحَارِمِكُمْ، بِالحِكْمَةِ والقُدْوَة، وَحَبِّبُوا إِلَيْهِمُ السِّتْرَ والحِشْمَةَ، والحَيَاءَ والعِفَّةَ، وَعَلِّمُوْهُمْ أَنَّ الحِجَابَ: عِبَادَةٌ وَلَيْسَ عَادَة! وأَنَّ الجَمَالَ والزِّيْنَة: بِالدِّينِ والعَفَاف، وَلَيْسَ بِالتَّعَرِّي والاِنْكِشَاف! فَـ"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(أخرجه البخاري، ومسلم).

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

المرفقات

التعري.pdf

التعري.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات