عناصر الخطبة
1/ الله تعالى أغنى المسلمين عن شرائع غيرهم 2/ تنوع طرق مشابهة الكفار 3/ معنى التشبه بالكفار والمشركين 4/ الحكمة من تحريم التشبه بالكفار 5/ انتشار ظاهرتي الإيمو والبويات 6/ أسباب انتشار هاتين الظاهرتيناقتباس
فلا يصلح لهذه الأمة أن تكون ذائبة في شخصية غيرها، متقمصة لأزيائهم وأخلاقهم وعاداتهم وعباداتهم، وتكون أمة منحلة، ليس لها ما يميّزها، وليس لها من المقومات والخصائص ما... أولاً: قطع الطريق المفضية إلى محبة هؤلاء الكفار، وما يتبع ذلك من استحسان ما هم عليه، وذلك لا شك أنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمرنا بالاقتداء بسيد الأبرار، ونهانا عن التشبه بالمشركين الكفار، أحمده على ما أولانا من النعم، وصرف عنا من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعتزوا بدينكم.
عباد الله: إن الله سبحانه قد أغنى المسلمين وأنعم عليهم بشريعة كاملة لكل مصالح الدين والدنيا، وعلّق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها والتمسك بهديها، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123]، وقال تعالى: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 38].
وهذه الشريعة هي الصراط المستقيم الذي هو طريق المُنْعَمُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وما خالفها فهو طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى والمشركين، ولقد نبهنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن فئامًا من الأمة ستتشبه بالكفار وتتبعهم فقال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم". قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن"، وهذا فيه تحذير للأمة من مشابهة الكفار بكل صورهم وأديانهم.
وقد أمرنا الله بدعائه يوميًّا أكثر من سبع عشرة مرة بعدم مشابهة أهل الكتاب: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:7،6]
وقد تنوعت طرق مشابهة الكفار؛ فمنها لبس ملابسهم، أو الرطانة بلغتهم بغير حاجة، أو مشاركتهم في أعيادهم، أو غير ذلك من أنواع التشبه.
عباد الله: التشبه هو المحاكاة، فإذا حاكيت غيرك في قوله أو في فعله أو في سائر شؤونه فإنك تكون قد تشبهت به، فإذا حاكينا غيرنا ممن أراد الله -عز وجل- أن نباينه في شيء من خصائصه والأمور التي اختص بها دون غيره فإن هذا هو التشبه، سواء قصدنا بذلك المشابهة أم لم نقصد ذلك، وأما في الأمور التي لا تختص به فإن ذلك يعود إلى قصد الفاعل.
فشرب الماء لا شك أنه حلال ولا يقول أحد بأنه محرم، ولكن متى يأثم الإنسان إذا شرب الماء؟! يأثم لو أنه شربه على طريقة شرب الخمر؛ حيث يضرب كأسًا بالآخر، ثم يضربه ويقول: في صحتك، أو غيرها من عباراتهم، عند ذلك لا شك أن هذه المحاكاة محرمة، ويأثم بهذه الطريقة التي شرب فيها هذا الماء.
أما القضايا الدينية فلا يجوز أن نشابههم بها بحال من الأحوال، وذلك كالأعياد كعيد الأم وعيد الميلاد والعيد الوطني وغيرها؛ لأن الأعياد من الدين.
وأما القضايا العادية فإنها على قسمين:
القسم الأول: لا يجوز أن نتشبه بهم فيه، وهي الأمور التي هي بمثابة الشعار لهم، أو التي يفعلونها دون غيرهم، وهي من خصائصهم في العادات والأزياء، وما إلى ذلك، فهذا أمر يحرم محاكاتهم فيه.
القسم الثاني: أمور العادات الأخرى فالأصل فيها الإباحة، ويجوز للناس أن يفعلوها، لكن بشرط أن لا يكون ذلك بقصد محاكاة الكافر، وعلى أن يكون ذلك فيما ليست من خصائصهم.
فإن قيل: ما الحكمة من تحريم التشبه بالكفار؟! فالجواب: ابتداءً يجب التسليم لأمر الله تعالى الانقياد له: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36]، وينبغي أن نعرف أن الله حكيم عليم خبير، يعلم بواطن الأشياء، وأنه لطيف يعلم دقائق الأشياء، فالله -عز وجل- لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
فينبغي للمسلم أن يسلم لأحكام الله -عز وجل-، وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا هو الواجب على المسلم سواء عرف الحكمة من وراء هذا التشريع أم لم يعرف.
بعد ذلك أقول: هناك حِكمٌ واضحة جليّة من تحريم التشبه بالكفار، ومن حرّم الله -عز وجل- التشبه بهم ممن سنعرف حالهم، فمن ذلك:
أولاً: قطع الطريق المفضية إلى محبة هؤلاء الكفار، وما يتبع ذلك من استحسان ما هم عليه، وذلك لا شك أنه ينافي الإيمان، حيث إن موالاة المشركين أمر محرم، والله -عز وجل- يقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة:22]، إضافة إلى ما تفضي إليه هذه المشابهة في الظاهر من الميل في الباطن.
ومعلوم أن الموافقة في الظاهر تورث مُشَاكَلَةً وموافقة في الباطن، فهناك ملازمة بين الظواهر والبواطن، فالمشابهة في اللباس -مثلاً- تورث نوعًا من المجانسة والموافقة والموالاة.
ثانيًا: أن يتميز المسلم عن الكافر بشخصيته، وأن يحافظ على تفرده، وأن يحافظ على سمات الشخصية الإسلامية التي يفترق بها عن غيره من الكفار، ومن ثمّ تحصل المحافظة على سمات الأمة المسلمة، فتكون الأمة متبوعة لا تابعة، وهذا الذي يصلح لها؛ إذ إنها رأس ولا يصلح أن تكون ذنبًا بحال من الأحوال، فالله -عز وجل- يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة:143]، أي عدولاً خيارًا، (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة:143]، فلا يصلح لهذه الأمة أن تكون ذائبة في شخصية غيرها، متقمصة لأزيائهم وأخلاقهم وعاداتهم وعباداتهم، وتكون أمة منحلة، ليس لها ما يميّزها، وليس لها من المقومات والخصائص ما تتفرد به عن سائر الأمم غيرها.
ثالثًا: يجب أن نثق تمامًا أن هذه الأعمال التي يعملها الكفار وينفردون بها أنها إما باطلة، وإما ناقصة، والمسلم ليس بحاجة لأن يجلب لنفسه ذلك النقص ليكون ناقصًا، أو يجلب لنفسه ذلك الفساد فيكون ذلك خللاً فيه.
رابعًا: ما في مخالفتهم من تحقيق معنى البراءة منهم.
خامسًا: أن بذلك تحقيقًا لمقصود من مقاصد الشارع في هذا الباب، وهو أن يوجد الفرق بين الناس، وأن يُعرف أن هذا مسلم وأن هذا من الكفار، بهيئته في بدنه، في لباسه، في وجهه، أما أن يبقى الناس سواسية لا تفرق بين المسلم والكافر، لا تجد فرقًا بين البوذي واليهودي والنصراني وما إلى ذلك، فإن هذا أمر لا يحسن ولا يجمل، وهو خلاف مقصود الشارع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام، كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد".
عباد الله: بعد هذه المقدمة اليسيرة في موضوع تحريم التشبه بالكفار أحب أن أذكر أمثلة وقع فيها عدد من أبنائنا، وقد يكون بعضهم في بيوتنا -عياذًا بالله-، ولكن كثيرًا من الآباء لا يتفقد أبناءه أو لا يعرف أن ما يفعلونه وراءه ما وراءه من الفساد الديني والدنيوي.
الظاهرة الأولى هي ظاهرة جديدة في مجتمعنا، ولكنها معروفة في أوساط الشباب، ألا وهي ما يسمى بالإيمو، وهم مجموعات من الشباب أو الشابات في سن المراهقة لهم اجتماعات خاصة، ولهم انتماء لهذه المجموعات.
وقد بدأت هذه المجموعات في أمريكا حوالي عام 1984م، ثم توسّع انتشارها فيما بعد، وفي الغالب يُظْهِرُ المنتمي لهذه المجموعة الحزن والكآبة، وغالبًا ما يشق رسغه ويسيل دمه، وأكثرهم يحاول الانتحار هروبًا مما يعاني منه، وغالبًا ما يقوم الإيمو بإيذاء نفسه عند مواجهته لأي مشكلة.
وتدعو هذه المجموعة إلى إظهار العاطفة بشكل يخلو من الأخلاق، وتقوم بممارسات شاذة ترفضها قواعد السلوك القويمة، تحت شعار "العاطفة قوة؛ لا تخجلوا منها".
أما ملابسهم فألوانها فاقعة، ومتنافرة، وغالبًا ما تكون سوداء أو زهرية، وأكثرها عليه جمجمة وعظمتان، وغالبًا ما تضع البنت طلاء الأظافر الأسود، وتضع الحلق في كثير من أجزاء جسدها، ويوضع الكحل الأسود حول العيون، وقد يفعل الولد كذلك.
وغالبًا لا يمكن التفريق بين البنت الإيمو والولد، فلهم طريقة متشابهة في شعورهم.
ويميل ذكور الإيمو إلى قلب شعرهم إلى الأمام فيغطي تقريبًا نصف وجهه، وتميل فتيات الإيمو إلى وضع الكحل بكثافة حول منطقة العينين، إضافة إلى وضع المساحيق الكثيفة والداكنة.
ويستمعون غالبًا لموسيقى معينة؛ حيث تتحدث كلماتها عن الحزن والألم، وتدعو إلى العزلة وعدم التعامل مع الآخرين، وقد تدعو إلى الكفر بالله.
ولقد نسبهم غير صحفي إلى أنهم فرقة من عبدة الشيطان، والله أعلم.
عباد الله: غالبًا لا يصيب هذا المرض إلا من ابتعد عن الله تعالى فأصيب بفراغ روحي، فيبحث عما يعوض فيه النقص: (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 125].
فلابد من علاج إيماني ونفسي لمن دخل في هذه المجموعات المنحرفة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المؤمنين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
أما الظاهرة الثانية من ظواهر التشبه بالكفار فهي ظاهرة أشد انتشارًا، ألا وهي ظاهرة المسترجلات، أو ما يسمى بالبويات، وهي تأنيث كلمة (بوي - boy) باللغة الإنجليزية، وقد راجت في الآونة الأخيرة؛ ما حدا بعميدة كلية من الكليات إلى تعميم خطاب تحذّر من هذه الظاهرة، وتطلب من الطالبات المساهمة في الإخبار عمن تلبّس بها، بل لقد أصدر مدير جامعة من جامعتنا تعميمًا يمنع من دخول المسترجلات للجامعة.
ولقد انتشر ما قام به بعض الطالبات من قتل زميلتهن لأنها رفضت الانصياع لهن.
وهؤلاء البنات صفتهن أنهن يلبسن ملابس الرجال، ويقصون شعورهن كالأولاد، ويتصرفون تصرف الأولاد، ويقع بينهم ما حرمه الله ورسوله -عياذًا بالله-.
عباد الله: أما سبب انتشار هذه الظاهرة فهو ضعف التدين، والابتعاد عن الله تعالى؛ ما حدا بهؤلاء البنات لتقليد الغرب، والخروج عن أنوثتهن التي خلقهن الله عليها، فتسترجل البنت، وفي الحديث الصحيح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء"، فإذا كان مجرد التشبه يورث اللعنة وهو من الكبائر فكيف بما هو أكبر من ذلك وأشد؟!
أما السبب الثاني: فهو ضعف تربية البنت على الأنوثة من نعومة أظافرها: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف:18].
ولابد من متابعة البنت خاصة في مرحلة المراهقة، وإذا ظهر منها أي انحرف فلابد من عرضها على طبيب نفسي ووعظها وإرشادها.
عباد الله: لابد من وقفة جادة حازمة من الآباء أولاً ثم من الدولة، ممثلة في جميع قطاعاتها الأمنية والتربوية والصحية لمقاومة مثل هذا الانحراف الكبير، سواء في ظاهرة الإيمو أو البويات.
وأحببت التنبيه والإشارة، وإلا فالأمر يحتاج لوقت طويل لعرض هذه الأمراض الخطيرة ومن ثم طرح الحلول المناسبة لها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم