عناصر الخطبة
1/حث الإسلام على العمل 2/وجوب التوكل على الله والأخذ بأسباب الرزق 3/ذم السؤال بدون حاجة 4/عقوبة من يسأل الناس أموالهم 5/وجوب تحري المستحقين للصدقاتاقتباس
إن مسألة الناس بدون حاجة أمرٌ مذموم، والحاجة كأن يكون الإنسان عليه دينٌ، أخذه في أمرٍ لا بد منه، ولم يستطع السداد، أو كان فقيراً ليس عنده ما يكفيه وأهله، فمثلُ هذا لا بأس أن يقدم على من يساعده كالجمعيات الخيرية مثلاً...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عبادَ الله: إن دين الإسلامِ دينٌ عظيم يحث على العمل والتكسب، وأن يستغني الإنسان عما في أيدي الناس، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15]، وفي البخاري عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا؛ فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ".
فالمسلم يتوكل على الله ويبحث عن الرزق الحلال، والله هو الرزاق، وهو يؤجر على طلب الرزق بهذه النية، ما دام نيته أن يتعفف عما في أيدي الناس، ويستعين بهذا المال على نفقته ونفقة أولاده وأهله، والله وعده -سبحانه وتعالى- بأن يرزقه، ما دام أنه فعل السبب وقلبه معلقٌ بالله، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]؛ أي: كافيه ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
فهذا حال المتوكل على الله قلبه معلقٌ بالله ويخرج لطلب الرزق، فحاله كحالِ الطير بذلت السبب وهو الطيران والبحث عن الطعام، خرجت من أوكارها خماصاً، أي: ليس في بطونها شيء، ثم ترجع بطاناً، أي: ممتلئةَ البطون.
عبادَ الله: إن مسألة الناس بدون حاجة أمرٌ مذموم، والحاجة كأن يكون الإنسان عليه دينٌ، أخذه في أمرٍ لا بد منه، ولم يستطع السداد، أو كان فقيراً ليس عنده ما يكفيه وأهله، فمثلُ هذا لا بأس أن يقدم على من يساعده كالجمعيات الخيرية مثلاً، أو على المحسنين من الأغنياء، ويجوز له أخذ الزكاة فهو من المستحقين لها، فإن الله ذكر من الذين يستحقون الزكاة: (وَالْغَارِمِينَ)[التوبة: 60]؛ أي: الذين عليهم ديونٌ لا يستطيعون سداداها، وكذلك الفقراء والمساكين؛ (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)[التوبة: 60].
ولذلك جاء الوعيد والذم الشديد فيمن سأل الناس من دون حاجة، فقد جاء في البخاري ومسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ"، وجاء في صحيح مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا؛ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ".
ففي هذين الحديثين تحريم سؤال الناس بدون حاجة ولا ضرورة، وأن هذا من كبائر الذنوب؛ ولذلك جاء فيه وعيد خاص حيث ذكر له عقوبتين:
الأولى: يأتي يوم القيامة ليس فيه وجهه مُزعة لحم -والعياذ بالله-، والجزاء من جنس العمل، فلما أذل وجهه في الدنيا أمام عباد الله -وليس له حاجة ولا ضرورة-؛ كانت العقوبة من الله ينزع لحم وجهه.
الثانية: أن هذا المال الذي أخذه بغير حق يكون جمراً يعذب به يوم القيامة، فكلما ازداد من المسألة زاد الجمر عليه -والعياذ بالله-.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وأسأله أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عبادَ الله: لقد كثر من يسألون الناس من غير حاجة ولا ضرورة، وإنما تكثراً واحتيالاً على الناس وأخذ لأموالهم بالباطل، ولهم حِيلٌ كثيرة يستعطفون بها الناس، فربما أتوا ومعهم أطفال أو كبار في السن أو نساء، فالواجب علينا التثبت، وهناك من الأسر الفقيرة والناس الذين هم في الحقيقة بحاجة للصدقات، ولكن لا يسألون الناس تعففاً، فهؤلاء ينبغي أن نعطيهم من صداقتنا ومن زكواتنا، جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ".
وعلى المسلم أن ينظر في أقاربه الفقراء منهم، فالصدقة عليهم صدقةٌ وصلة رحم، وينظر إلى جيرانه ومن حوله، ولا يعطي زكاته لمن لا يستحقها، فبعض الناس يتساهل في دفع الزكاة فيدفع الزكاة لكل من سأله، وهؤلاء فيهم الصادق وفيهم الكاذب، فلا بد من التثبت، بل هناك عصابات منظمة توزع الأطفال والنساء عند الجوامع وعند الأسواق وفي الشوارع وعند الإشارات، وقد ضبطت الدولة كثيراً من هؤلاء كما لا يخفى عليكم.
وممكن أن يتبرع الإنسان بشيء من صدقاته أو زكاته للجمعيات الخيرية، فعندهم أسرٌ كثيرةٌ وهي تتعفف عن سؤال الناس، ولكن تقبل ما يأتي من الجمعيات الخيرية.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم