الترغيب والترهيب في شأن زكاة المال

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2024-01-19 - 1445/07/07 2024-01-30 - 1445/07/18
التصنيفات: الزكاة
عناصر الخطبة
1/الزكاة ركن من أركان الإسلام 2/عقوبة مانع الزكاة 3/الأموال التي تجب فيها الزكاة 4/شروط إخراج الزكاة 5/تفريط الكثيرين في أمور الزكاة 5/من أحكام ومسائل الزكاة

اقتباس

مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَهَاوَنُ فِي شَأْنِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلا يَحْسِبُهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ بَلْ رُبَّمَا قَدَّرَ تَقْدَيرًا، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لا يُخْرِجُ زَكَاةَ تِجَارَتِهِ بِالْمَرَّةِ، خَاصَّةً بَعْضُ أُولَئِكَ التُّجَّارِ الذِينَ بَلَغَتْ رُؤُوسُ أَمْوَالِهِمُ الْمَلايِين، فَإذَا نَظَرَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ فَإِذَا هِيَ مِئَاتِ الآلافِ فَيْسْتَثْقِلُ ذَلِكَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي فَرَضَ الزَّكَاةَ تَزْكَيَةً لِلنُّفُوسِ وَتَنْمِيَةً لِلأَمْوَال، وَرَتَّبَ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ خَلَفًا عَاجِلًا وَثَوَابًا جَزِيلًا فِي الْمَآل، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهَ لا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذِي حَازَ أَكْمَلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَجَلَّ الْخِصَال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا، أَمَّا بَعْدُ

 

فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ؛ فَإِنَّ الزَّكًاةَ قَرِينَةُ الصَّلاةِ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنْ جَحَدَ وَجُوبَهَا كَفرْ، وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا وَتَهَاوُنًا فَسَقْ، وَمَنْ أَدَّاهَا مُعْتَقِدًا وَجُوبَهَا رَاجِيًا ثَوَابَهَا، فَلْيَبْشِرْ بِالْخَيْرِ الْكَثِيرِ وَالْخَلَفِ الْعَاجِلِ وَالْبَرَكَةِ، قَالَ -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261]، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ إِنَّمَا هِيَ فِي الصَّدَقَةِ الْعَامَّةِ التَّطَوُّعِيَّةِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلا تَدْخُلُ فِيهَا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةَ تَدْخُلُ فِيهَا دُخُولًا أَوَلَيًّا؛ لِأَنَّ أَحَبَّ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ هِيَ الْعِبَادَاتُ الْمَفْرُوضَةُ، وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الإِسْلامِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ، كَيْفَ لا؟ وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَمَبَانِيهِ الْعِظَام؛ وَلذَا فَاسْتَشْعِرْ هَذَا -يَا أَخِي- حِينَ تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَفْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ الْبُخُلاءُ حَيْثُ يُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا غِلٌّ عَلَيْهِ وَحِمْلٌ ثَقِيلٌ لَدَيْه، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قَدْ حُرِمُوا الْخَيْرَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ.

 

إِنَّكَ حِينَ تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْرَحَ، وَأَنْ تُفَرِّقَهَا بِنَفْسِكَ وَتُعْطِيَهَا الْفُقَرَاءَ، وَتَعْلَمَ أَنَّكَ تَتَعَبَّدُ للهِ بِهَذَا وَتُؤَدِّيَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِكَ، وَتُزَكِّيَ نَفْسَكَ مِنَ الْبُخْلِ وَتَطَهِّرُهَا مِنَ الشُّحِّ وَالذُّنُوبِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة: 103]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: احْذَرُوا كُلَّ الْحَذَرِ، وَخَافُوا كُلَّ الْخَوْفِ، أَنْ تَتَهَاوَنُوا فِي إِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ التَّكَاسُلَ عَنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ  كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34 - 35]، وَالْكَنْزُ : هُوَ كُلُّ مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ.

 

وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا -وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا-، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلاً وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُوْلَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ؛ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِى شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران: 180]"(رَوَاهُ الْبُخَارِي).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الأَمْوَالَ التِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ: "الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ، وَبَهِيمَةُ الأَنْعَامِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ"، وَمَا سِوَاهَا مِنَ الأمْوالِ فَلا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَكِنْ اعْلَمُوا أَنَّهُ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ حَتَّى تَبْلُغَ النِّصَابَ، وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، أَيْ/ تَبْقَى سَنَةً كَامِلَةً فِي مُلْكِكَ.

 

فَأمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَا حُلِيًّا أَمْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْحُلِيُّ يُلْبَسُ أَمْ لا، فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخَانُ ابْنُ بَازٍ وَابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُمَا اللهُ-.

 

وَاعْلَمُوا أَنَّ الرِّيَالاتِ الآنَ تَأْخُذُ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالفِضْةِ، سَوَاءً أَكَانَتْ مُودَعَةً فِي حِسَابِكَ أَمْ أَنَّهَا عِنْدَكَ فِي بَيْتِك، فِإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ نِصَاباً وَجَبَتْ زَكَاتُهَا.

 

وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ فَهِيَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ، فَالْحُبُوبُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَأَمَّا الثِّمَارُ فَكَالتَّمْرِ وَالْزَّبِيْب.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ البُخْل، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَبْخَلَ بِزَكَاةِ أَمْوَالِنَا، أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ الْمُلْهَم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ لِهُدَاهُ تَعَلَّم.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ المالَ الثَّالِثَ الذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هُوَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ، فَهِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً، أَيْ: تَرْعَى مِنَ الْعُشْبِ فِي الْبَرِيَّةِ أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ يُعْلَفُ فَلا زَكَاةَ فِيهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ.

 

وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَهِيَ كُلُّ مَالٍ أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ، سَوَاءً أَكَانَ مَوَادًّا غِذَائِيِّةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ مَلابِسَ، أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا اسْتَحْدَثَهُ النَّاسُ اليَوْمَ كَالأسْهُمِ التِّجَارِيَة، ثُمَّ إِنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَتُخْرَجُ زَكَاةُ الْقِيمَةُ الْحَاضِرَةُ، وَلا يُنْظَرُ إِلى مَا اشْتَرَاهَا بِهِ، بَلْ بِسِعْرَهَا الْيَوْم.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ وَيَسْتَقْصِيَ فِي إْحْصَاءِ بِضَاعَتِهِ التِي أَعَدَّهَا لِلتَّكَسُّبِ وَلا يُهْمِلْ مَنْهَا شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ فَلْيَنْظُرْ مَنْ يُحْصِيهَا وَلَوْ كَانَ بِالأُجْرَةِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَهَاوَنُ فِي شَأْنِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلا يَحْسِبُهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ بَلْ رُبَّمَا قَدَّرَ تَقْدَيرًا، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لا يُخْرِجُ زَكَاةَ تِجَارَتِهِ بِالْمَرَّةِ، خَاصَّةً بَعْضُ أُولَئِكَ التُّجَّارِ الذِينَ بَلَغَتْ رُؤُوسُ أَمْوَالِهِمُ الْمَلايِين، فَإذَا نَظَرَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ فَإِذَا هِيَ مِئَاتِ الآلافِ فَيْسْتَثْقِلُ ذَلِكَ وَيَبْخَلُ بِهِ، ولا شك أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَجُرْمٌ خَطِير.

 

وَاعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ الذِينَ تُدْفَعُ لَهُمْ قَدْ بَيَّنَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ بَيَانًا وَاضِحًا مُفَصَّلًا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]، فَلا تُجْزِئُ زَكَاتُكَ حَتَّى يَكُونَ الآخِذُ لَهَا مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّهَا تَبْرَأُ الذِّمَةُ بِزَكَاةِ الْعَامِلَةِ سَوَاءٌ فِي النَّخْلِ أَوِ الإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ مِنْ وُلَاةِ الأَمْرِ -وَفَقَهُمُ اللهُ-، لَكِنْ إِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ أَقَلَّ مِنَ الوَاجِب، فَعَلَيْكَ أَنْ تُخْرِجَ البَاقِي بِنَفْسِكَ، وَلَا تَبْرَأْ ذِمَّتُكَ إِلَّا بِهَذَا.

 

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ يَأْخُذُونَ قِيمَةً أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي السُّوقِ، فَمَثَلًا يَأْخُذُونَ عَنِ الْحِقَّةِ أَلْفَيْ رِيَالٍ، بَيْنَمَا قِيمَتُهَا فِي السُّوقِ خَمْسَةُ آلَافٍ، فَيَجِبُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الإِبِلِ أَنْ تُخْرِجَ بَقِيَّةَ الْقِيمَةِ أَوْ تَدْفَعَ لَهُمُ الْحِقَّةَ، وَاتَّقِ اللهَ وَأَبْرِئْ ذِمَّتَكَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّهَاوَنَ فَتُصِيبَكَ العُقُوبَةُ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ.

 

اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأُلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكِ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا وَعَنْ وَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمَين.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ.

 

المرفقات

الترغيب والترهيب في شأن زكاة المال.doc

الترغيب والترهيب في شأن زكاة المال.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات