الترغيب في الحج - الشيخ بن عثيمين

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-02-20 - 1445/08/10
التصنيفات:

 

 

المصدر: موقع الشيخ بن عثيمين

 

فريضة الحج ثابتةٌ بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وبإجماع المسلمين عليها إجماعاً قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر الحمد لله الذي فرض الحج على عباده إلى بيته الحرام ورتّب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام.

 

فمن حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنبوبه كيوم ولدته أمه نقياً من الذنوب والآثام، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنّة دار السلام، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ذو الفضل والإنعام وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وزكى وحج وصام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقبت الليال والأيّام وسلم تسليماً..

 

أمّا بعد: فيا أيّها النّاس اتقوا الله تعالى وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فقد قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان تحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً» وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الإسلام بني على بني على هذه الخمس، فلا يتم إسلام عبد حتى يحج ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج.

 

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جزيه، أي كل من كان غنياً ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين"، ففريضة الحج ثابتةٌ بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وبإجماع المسلمين عليها إجماعاً قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر، فإن الله تعالى قال بعد ذكره ايجابه على النّاس {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97]، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الإنسان الذي يستطيع الحج فلم يحج يكون كافراً مرتداً عن الإسلام. وإن كان جمهور العلماء وهو على خلاف ذلك وهو الصحيح، لكن الإنسان إذا تركه وهو مستطيعٌ فهو على خطر.

 

أيّها المسلمون كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنّه من فرائض الإسلام وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق المال الكثير في ما تهواه نفسه؟ كيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟ كيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلاّ مرةً واحدة؟ كيف يتراخى في تأخيره وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد؟ فاتقوا الله عباد الله وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج تعبداً لله ورضاً بحكمه وسمعاً وطاعةً لأمره إن كنتم مؤمنين، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

 

أيّها المسلمون إنّ المؤمن إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرةً واحدة فقد أسقط الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان إسلامه ولم يجب عليه بعد ذلك حجٌ ولا عمرة إلاّ أن ينذر الحج أو العمرة، فمن نذرهما وجب عليه الوفاء بما نذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه».

 

أيّها المسلمون إنّ من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل للفرائض حدوداً وشروطاً لتنضبط الفرائض وتتحدد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشروط في غاية المناسبة في الزمان والمكان والفاعل، ومن هذه الفرائض الحج فله حدودٌ وشروطٌ لا يجب على المسلم إلاّ بها فمنها: البلوغ فلا يجب الحج على من كان لم يبلغ، ويحصل البلوغ في الذكور بواحدٍ من أمورٍ ثلاثة إنزال المني أو تمام خمسة عشرة سنة أو نبات شعر العانة.

 

وفي الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمرٍ رابعٍ وهو الحيض، فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنياً لكن لو حج صح حجه تطوعاً وله أجره فإذا بلغ أدى الفريضة لأنّ حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض لأنّه لم يفرض عليه بعد، فهو كما لو تصدق بمالٍ ينوي به الزكاة قبل أن يملك نصاب الزكاة وعلى هذا فمن حج ومعه أبناءه أو بناته الصغار فإن حجوا معه كان له أجر ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم ولكنّي أقول من رأي فإن كان خطاءً فاسأل الله أن يعفو عني وإن كان صواباً فلله الحمد والمنة، أقول إنّه في أوقاتنا هذه وفي هذا الزحام الشديد والتعب ينبغي للإنسان أن لا يحجج أولاده الصغار وإن كانوا معه، فلا يجعلهم يحرمون بحجٍ ولا عمرة لما في ذلك من المشقة عليهم وعليه، والله عز وجل يحب من عباده بل والله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر لو كان الأمر سهلاً وكان الوقت واسعاً والنّاس قليلٌ في مكة لقلنا إنّه إذا حج بهم كان أكمل وأفضل، أمّا في أوقات الزحام والمواسم كموسم الحج وأيّام رمضان فالذي أرى أنّ لا يحجج الأولاد الصغار لما في ذلك من المشقة عليهم وعلى آبائهم أيضاً.

 

والذي ورد في السنة أن امرأةً سألت النبي صلى الله عليه وسلم حين رفعت إليه صبياً: ألهذا حجٌ؟ قال: «نعم ولك أجر». ولا أعلم في السنة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يجعلوا أولادهم الصغار يحرمون لكنه أقرهم على ذلك. ومن شروط وجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعاً بماله وبدنه لأنّ الله شرط ذلك للوجوب في قوله {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: من الآية97]، فمن لم يكن مستطيعا فلا حج عليه فالاستطاعة بالمال أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائداً عن حوائج بيته وما يحتاجه من نفقةٍ وكسوةٍ له ولعياله وأجرة سكن وقضاء ديونٍ حآلة. فمن كان عنده مالٌ يحتاجه لما ذكر لم يجب عليه الحج، ومن كان عليه دينٌ حآل لم يجب عليه الحج حتى يوفيه، والدين كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرضٍ وثمن مبيعٍ وأجرة وغيرها.

 

 فمن كان في ذمته درهمٌ واحدٌ حآلٌ فهو مدينٌ ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط، لأنّ قضاء الدين مهمٌ جداً حتى إنّ الرجل لو قتل في سبيل الله شهيداً فإنّ الشهادة تكفر عنه كل شيء إلاّ الدين فإنّها لا تكفره وحتى إنّ الرجل ليموت وعليه الدين فتعلق نفسه بدينه حتى يقضى، عنه كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وحتى إن الرجل يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فيسأل هل عليه دين؟ فإذا قالوا عليه دينٌ لا وفاء له تأخر ولم يصلي عليه وقال صلوا أنتم على صاحبكم.

 

ومن العجب أنّ بعض النّاس اليوم يتهاونون بالدين فيستدينون أموالاً طائلة لا لضرورة بل ولا لحاجةً أحيانا وهم يشاهدون الورثة إذا مات ميتهم وعليه دين لا يبالون به ولا يوفونه بسرعة، بل يتأخرون به بل ربما يكون عليه ديونٌ كثيرة وله عقاراتٌ كثيرة وينتظرون بهذه العقارات زيادة الثمن ولا يبالون بالميت الذي هو أولى بماله منهم. ولهذا لا يحل للوارث درهمٌ واحد حتى يوفى دين الميت عنه. أما الدين المؤجل فإن كان موثقاً برهنٍ يكفيه لم يسقط به وجوب الحج فإذا كان على الإنسان دينٌ قد أرهن به طالبه ما يكفي الدين وبيده مالٌ يمكنه أن يحج والدين مؤجل فإنّه يجب عليه الحج لأنه قد استطاع إليه سبيلاً، أمّا إذا كان الدين المؤجل غير موثقٍ برهنٍ يكفيه فإنّ الحج لا يجب عليه حتى يبرأ من دينه. أيّها المسلمون هذه هي الاستطاعة بالمال، أمّا الاستطاعة بالبدن فأن يكون الإنسان قادراً على الوصول بنفسه إلى البيت بدون مشقة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت أو يستطيع الوصول بمشقةٍ شديدة كالمريض والكبير فإنه في هذه الحال إذا كان مرضه لا يرجى برئه يقيم من يحج ويعتمر عنه من أقاربه أو غيرهم، فإن مات قبل أن يوكل حج عنه من ترك.

 

وإذا لم يكن للمرأة محرم فليس عليها حج لأنّها لا تستطيع السبيل إلى الحج، فإنّ المرأة ممنوعةٌ شرعاً من السفر بدون محرم قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلاّ ومعه ذو محرم ولا تسافر امرأةٌ إلاّ مع ذي محرم» فقام رجلٌ فقال يا رسول إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق فحج مع امرأتك» فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزو وأن يذهب يحج مع امرأته، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت امرأته شابة أو كان معها نساء أو ليست كذلك وهو دليل على أنّ المرأة يحرم عليها السفر بكل حال إذا كان بدون محرم سواءٌ كانت على طائرة أو سيارة.

 

والمحرم زوجها وكل من يحرم عليه نكاحها تحريماً مؤبداً كالأب والجد وإن علا، والابن وابن الابن وإن نزل، والأخ وابن الأخ وإن نزل، وابن الأخت وإن نزل، والعم والخال سواءٌ كان عماً للإنسان نفسه أو عماً لأبيه أو أمه، وسواءٌ كان خالاً للإنسان نفسه أو خالاً لأبيه أو أمه. فخال الإنسان خالٌ له ولذريته إلى يوم القيامة وعم الإنسان عمٌ له ولذريته إلى يوم القيامة، سواءٌ كان ذلك من نسبٍ أو رضاع. ومن المحارم أيضا المحارم بالصهر كأب الزوج وإن علا وابنه وإن نزل، وزوج البنت وإن نزلت وزوج الأم وإن علت إذا كان قد دخل بها. ولا بد أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً فمن كان دون البلوغ فإنّه لا يكفي أن يكون محرماً لأنّ المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها وذلك لا يحصل بالصغير.

 

أيّها المسلمون من رأى من نفسه أنّه قد استكمل شروط وجوب الحج فليبادر به ولا يتأخر فإنّ أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير قال ابن القيم رحمه وهو من أكبر كلامه بشيخ الإسلام ابن تيميه: "من ترك الحج عمداً مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات". فإنّ مقتضى الدليل وقواعد الشرع إن فعلهما بعد موته لا يبرء ذمته، ولا يقبل منه قال والحق أحق أن يتبع والإنسان أيّها المسلمون لا يدري ما يحصل في المستقبل، وقد يسر الله ولله الحمد في هذه البلاد يسر لنا ما لم يسره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء المناسك فقابلوا هذه النعمة بشكرها، وأدوا فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الموت واسمعوا قول الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54]، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55]، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57]، {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:58]، ومن حج على الوجه الشرعي مخلصاً لله متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تم حجه سواءٌ كان قد تمم له أو لم يتمم له.

 

وأمّا ما يعتقده بعض العوام أنّ من لم يتمم له فلا حج له فهذا غير صحيح ولا علاقة بين التميمة والحج. وكذلك يجوز الحج ولو كان على الإنسان أيّامٌ من رمضان لم يقضها لأنّه لا علاقة بين الحج وقضاء الصوم. ووفقني الله وإيّاكم للقيام بفرائضه والتزام حدوده، وزودنا من فضله وكرمه وحسن عبادته ما تكمل به فرائضنا وتزداد به حسناتنا ويكمل به إيماننا ويرسخ به ثباتنا إنه جوادٌ كريم برٌّ رحيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

 

أدوا أيّها المسلمون ما فرض الله عليكم من الحج لا تهملوا ولا تتهاونوا ولا تتكاسلوا، فإنّ الحج أحد أركان الإسلام العظيمة التي بني عليها والتي لا يتم الإسلام إلاّ بها. أدوا ذلك مخلصين لله متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان منكم عنده أحدٌ من العمال وهو لم يحج حج الفريضة فإنّه ينبغي له أن يسهل له الأمر وأن يعينه على ذلك وأن لا يمنعه من الحج لأنّه يؤجر على هذا، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من جهز غازياً فقد غزا». فينبغي لنا إذا رأينا شخصاً لم يؤدي الفريضة وهو محتاج إلى المساعدة أن نساعده بقدر ما نستطيع، لا سيما إذا كان تحت كفالتنا وتحت تصرفنا فينبغي لنا أن نساعده ونعينه لنكسب أجره ونحصل بذلك على الخير، ولن يفوت شيءٌ كثير فإنّ الإنسان يمكنه أن يذهب في اليوم السادس أو السابع بل ربّما الثامن ويرجع في اليوم الثالث عشر فما هي إلاّ خمسة أيّامٍ أو نحوها، وإذا تركها الإنسان بل وإذا ترك الإنسان العمل بها لله عز وجل فإنّ الله تعالى يعوضه بالخير والبركة.

 

فأعينوا إخوانكم فإنّ الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات