التربية بالوقاية من الغلو والإفراط

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-01-14 - 1443/06/11 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/مفهوم التربية بالوقاية من الغلو والإفراط 2/أهمية التربية الوقائية من الغلو والإفراط ووسائلها 3/ثمار التربية الوقائية من الغلو والافراط وآثارها على الفرد والمجتمع.

اقتباس

وَمِنْ ثَمَرَاتِ التَّرْبِيَةِ الْوِقَائِيَّةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ: الْوِقَايَةُ مِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ، وَالْأَخْذِ بِالشِّدَّةِ دَائِمًا، وَعَدَمِ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالنَّظَرِ لِلْمُتَرَخِّصِينَ نَظْرَةَ ازْدِرَاءٍ، وَتَرَاهُمْ دَائِمًا يَمِيلُونَ إِلَى التَّعْسِيرِ عَلَى الْآخَرِينَ، وَيُطَالِبُونَهُمْ بِمَا يَعْجِزُونَ عَنْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ جَعَلَهَا خَيْرَ أُمَّةٍ، وَجَعَلَهُمُ الْأُمَّةَ الْوَسَطَ، قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[الْبَقَرَةِ: 143]؛ فَهُمْ وَسَطٌ فِي الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ؛ وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا عَنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَى الْأُمَّةِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا تَوْجِيهَ الْأُمَّةِ إِلَى سُلُوكِ مَسْلَكِ الْوَسَطِيَّةِ وَعَدَمِ الْغُلُوِّ؛ أَلَا وَإِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ:

التَّرْبِيَةُ بِالْوِقَايَةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ، وَغَرْسُ مَعَالِم شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ السَّمْحَةِ وَفْقَ مَنْهَجِ الِاعْتِدَالِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَتَحْذِيرُ النَّشْءِ مِنَ الْغُلُوِّ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ وَالْآخَرِينَ. وَقَدْ أَمَرَ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- بِتَجَنُّبِ الْغُلُوِّ، فَقَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)[النِّسَاءِ: 171]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)[الْمَائِدَةِ: 77]، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ فِي الْآيَتَيْنِ مُوَجَّهًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ؛ فَالْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْغُلُوِّ، صَرِيحَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِفْرَاطِ، وَهُوَ مَنْهَجٌ يَجِبُ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ الْمُرَبُّونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَتَحْذِيرُ مَنْ يَقُومُونَ عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَالْمُتَأَمِّلُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُهَا تُعْنَى بِمَعَالِمِ التَّرْبِيَةِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ الْغُلُوِّ؛ وَنُصَّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الِانْحِرَافِ عَنِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

وَكَانَ مَنْهَجُ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ الَّذِينَ رَبَّاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا عَلَى الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي كِتَابٍ أَرْسَلَهُ إِلَى رَجُلٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ قَالَ: "وَقَدْ قَصَرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ -أَيْ دُونَ الصَّحَابَةِ- فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ".

 

وَفِي تَأْكِيدِهِ وَتَحْذِيرِهِ مِنَ الْغُلُوِّ أَكَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّحَابَةِ وَهُوَ يُرَبِّيهِمْ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالتَّعَمُّقِ الْمُفْضِي إِلَى مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ" قَالَهَا ثَلَاثًا(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: 2670)، وَالْمُتَنَطِّعُونَ أَيِ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَقَدْ نَبَتَتْ نَابِتَةُ الْغُلُوِّ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ، وَبَيَّنَ أَهَمَّ صِفَاتِ أَهْلِهِ؛ قَالَ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَيَتَجَلَّى تَحْذِيرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَسْلَكِ الْغُلُوِّ، وَخَاصَّةً مِنَ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ آيَاتِ اللَّهِ بِبَعْضِهَا، وَلَا يَرُدُّونَهَا لِأَهْلِ الْعِلْمِ الثِّقَاتِ لِيَأْخُذُوا عَنْهُمْ دِينَهُمْ، بَلْ يَتَّبِعُونَ الْأَهْوَاءَ وَيُقَلِّدُونَ الْجُهَّالَ، وَيَرْفَعُونَ لِلْأُمَّةِ رَايَاتٍ عَمِّيَّةً وَدَعَوَاتٍ جَاهِلِيَّةً، وَيُقَسِّمُونَ الْأُمَّةَ إِلَى فِرَقٍ، وَيَتَّهِمُونَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيُسَارِعُونَ إِلَى التَّكْفِيرِ وَاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُوبِقَاتِ الَّتِي يَدْفَعُهُمْ لَهَا الْغُلُوُّ وَالْإِفْرَاطُ، وَالْمُصِيبَةُ الْكُبْرَى أَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا!!

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَبِّي أَصْحَابَهُ عَلَى رَفْضِ كُلِّ مَظَاهِرِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَيَحُثُّ عَلَى الِالْتِزَامِ بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا عَدَدًا وَهَيْئَةً، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا..."(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُغَالِيَ فِي الدِّينِ وَيُجَانِبَ الرِّفْقَ؛ فَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْعَجْزِ وَالِانْقِطَاعِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَالتَّرْبِيَةُ الْوِقَائِيَّةُ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ مُهِمَّةٌ فِي وِقَايَةِ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ انْحِرَافَاتٍ وَمُشْكِلَاتٍ كَبِيرَةٍ؛ تَأَسِّيًا بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَمُعَلِّمِ الْبَشَرِيَّةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ يَرْفُضُ كُلَّ أَشْكَالِ الْغُلُوِّ، وَيَنْصَحُ الْمُرَبِّينَ بِتَجَنُّبِهَا وَتَرْكِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا ذَاتَ يَوْمٍ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ وَلَمْ يَرِدِ الْأَمْرُ بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَعَدَمُ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ بِهِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ الْمُبِينِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَضِيَ لَنَا دِينًا قَوِيمًا، وَهَدَانَا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ صُوَرِ التَّرْبِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الْوِقَائِيَّةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ: رَفْضُ الْغُلُوِّ فِي الْعِبَادَةِ؛ فَلَمَّا "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَكَذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؛ وَمِنَ الْغُلُوِّ فِيهِ وَإِطْرَائِهِ كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ فَقَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْمَظْهَرِ الْغُلُوُّ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَرَفْعُهُمْ فَوْقَ مَكَانَتِهِمْ؛ كَالَّذِي وَقَعَ فِيهِ قَوْمُ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَيْثُ غَلَوْا فِي صَالِحِيهِمْ حَتَّى عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَعْرَضُوا عَنْ دَعْوَةِ نَبِيِّهِ؛ (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)[نُوحٍ: 23].

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَتَتَنَوَّعُ ثِمَارُ التَّرْبِيَةِ الْوِقَائِيَّةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ وَتَعُودُ بِالْخَيْرِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْآثَارِ:

تَجَنُّبُ سُلُوكِ مَسَالِكِ الشِّدَّةِ وَاتِّخَاذِ الْعُنْفِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِينَ مَنْهَجًا، وَتَفْضِيلِ الْعُنْفِ وَالْغِلْظَةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمُخَالِفِينَ وَالْعُصَاةِ، وَعَدَمِ الرِّفْقِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ؛ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ التَّرْبِيَةِ الْوِقَائِيَّةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ: الْوِقَايَةُ مِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ، وَالْأَخْذِ بِالشِّدَّةِ دَائِمًا، وَعَدَمِ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالنَّظَرِ لِلْمُتَرَخِّصِينَ نَظْرَةَ ازْدِرَاءٍ، وَتَرَاهُمْ دَائِمًا يَمِيلُونَ إِلَى التَّعْسِيرِ عَلَى الْآخَرِينَ، وَيُطَالِبُونَهُمْ بِمَا يَعْجِزُونَ عَنْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَيُلْزِمُونَهُمْ بِمَا لَا يُلْزِمُهُمْ بِهِ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ، وَلَا يُرَاعُونَ تَنَوُّعَ قُدُرَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَتَفَاوُتَ طَاقَاتِهِمْ، وَاخْتِلَافَ أَفْهَامِهِمْ، فَيُخَاطِبُونَهُمْ بِمَا لَا يَفْهَمُونَهُ؛ وَهَذَا يُعَارِضُ مُرَادَ اللَّهِ -تَعَالَى- الَّذِي يُرِيدُ بِعِبَادِهِ التَّيْسِيرَ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[الْبَقَرَةِ: 185].

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِهَا وِقَايَةُ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْمَتْبُوعِينَ وَالْجَمَاعَاتِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْهُمْ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِمُ الْخَطَأُ؛ وَأَعْطَوْهُمُ الطَّاعَةَ الْمُطْلَقَةَ، فَلَا تَعْجَبْ حِينَئِذٍ إِذَا سَلَكُوا مَسْلَكَ التَّبْدِيعِ وَالتَّفْسِيقِ وَالطَّعْنِ فِي الْمُخَالِفِ وَالتَّنَقُّصِ بِهِمْ؛ تَعَصُّبًا وَغُلُوًّا، مَعَ اتِّهَامِهِمْ فِي نِيَّاتِهِمْ وَمَقَاصِدِهِمْ، وَنَسُوا لَهُمْ كُلَّ فَضِيلَةٍ وَأَغْمَضُوا أَعْيُنَهُمْ عَنْ كُلِّ جَمِيلٍ؛ وَهَذَا مُنَافٍ لِلْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ الْجَلِيلُ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[الْمَائِدَةِ: 8].

 

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْغُلُوَّ آفَةٌ خَطِيرَةٌ، مَتَى مَا سَرَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ أَوْبَقَتْهُ، وَخَلَّفَتْ فِيهِ آثَارًا اجْتِمَاعِيَّةً، كَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بِتَأْوِيلَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ يُؤَدِّي الْغُلُوُّ إِلَى إِيذَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ، فَضْلًا عَنِ الْعُبُوسِ الدَّائِمِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى الْمُخَالِطِينَ، وَعَدَمِ إِنْزَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ مَكَانَتَهُمُ اللَّائِقَةَ بِهِمْ.

 

كَمَا أَنَّ الْغُلُوَّ يُخَلِّفُ آثَارًا مَرْذُولَةً، وَيَتْرُكُ عَوَاقِبَ وَخِيمَةً؛ حَيْثُ يَتَّصِفُ الشَّخْصُ الْمُغَالِي بِالْحِدَّةِ فِي الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابِ بِالرَّأْيِ، وَضِيقِ الْأُفُقِ، وَتَصَلُّبِ الْمَوَاقِفِ، وَالِانْطِلَاقِ مِنْ صَوَابِيَّةِ قَوْلِهِ فَقَطْ، وَعَدَمِ الِاعْتِرَافِ بِخِلَافِيَّةِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَاحْتِمَالِيَّةِ صَوَابِ الْآخَرِينَ، وَيَدْفَعُهُ ذَلِكَ لِسُلُوكِيَّاتِ إِيذَاءِ الْمُخَالِفِينَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَتَعَمُّدِ السُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ، وَعَدَمِ الرُّجُوعِ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّرْبِيَةَ عَلَى الْوِقَايَةِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ مَسْؤُولِيَّةٌ جَمَاعِيَّةٌ؛ فَعَلَى عَاتِقِ الْأُسْرَةِ التَّنْشِئَةُ عَلَى الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَعَلَى الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالْمُرَبِّينَ أَنْ يَقُومَ كَلٌّ بِدَوْرِهِ فِي مَسْجِدِهِ وَمَدْرَسَتِهِ وَمِنْبَرِهِ الْإِعْلَامِيِّ، فِي تَوْعِيَةِ شَبَابِ الْأُمَّةِ بِخَطَرِ الْغُلُوِّ وَحَثِّهِمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِمَعَالِمِ الْوَسَطِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ الْحَنِيفُ.

 

وَمِنَ الْوَسَائِلِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي عِلَاجِ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ: نَشْرُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالْعِنَايَةُ بِمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَنَبْذُ التَّطَرُّفِ وَالْغُلُوِّ، بِمَا فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُ الْكِتَابِ النَّافِعِ وَالْمُعَلِّمِ الْمُعْتَدِلِ.

 

وَمِنْهَا: الْحِوَارُ الْهَادِئُ الْعَقْلَانِيُّ مَعَ الْغُلَاةِ، الَّذِي يَقُومُ عَلَى رَدِّ وَتَفْنِيدِ شُبُهَاتِهِمْ؛ فَالْحِوَارُ الْبَنَّاءُ الرَّاشِدُ أَحَدُ أَسَالِيبِ الْحَدِّ مِنَ الْغُلُوِّ. وَمِنْ ذَلِكَ: عَقْدُ النَّدَوَاتِ، وَبَثُّ الْمُحَاضَرَاتِ وَالدُّرُوسِ وَالْفَتَاوَى النَّافِعَةِ.

 

وَمِنَ الْوَسَائِلِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي عِلَاجِ الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ: أَنْ تَقُومَ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ بِدَوْرِهَا فِي مُوَاجَهَةِ الْغُلُوِّ، بِمَنْهَجٍ سَوِيٍّ رَشِيدٍ يَخْلُو مِنَ الْإِسَاءَةِ وَالتَّشْوِيهِ لِعَظَمَةِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ؛ بِزَعْمِ التَّصَدِّي لِلْغُلُوِّ.

 

إِنَّ مُجْتَمَعَاتِنَا الْإِسْلَامِيَّةَ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى فَتْحِ بَابِ الْأَمَلِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَتَعْزِيزِ الْخِطَابِ الْوَسَطِيِّ الْمُعْتَدِلِ، مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ الصُّوَرِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ خِطَابِ التَّطَرُّفِ، كَذَا التَّحْذِيرُ مِنَ التَّفْرِيطِ وَكُلِّ مَا يُخَالِفُ أُسُسَ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَقَاصِدَهَا.

 

اللَّهُمَّ أَلِّفْ عَلَى الْخَيْرِ قُلُوبَنَا، وَأَصْلِحْ أَعْمَالَنَا وَأَحْوَالَنَا، وَاهْدِنَا صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، وَتَوَلَّنَا فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

التربية بالوقاية من الغلو والإفراط.doc

التربية بالوقاية من الغلو والإفراط.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات