التربية الإيجابية (1) التعليم بالموعظة والقدوة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-02-23 - 1443/07/22 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/التربية بالتعليم والموعظة والقدوة المفهوم والأهمية 2/أساليب نافعة لتربية الشباب بالتعليم والموعظة والقدوة 3/أثر التربية بالتعليم والموعظة والقدوة على الشباب 4/مواقف من التربية النبوية بالتعليم والموعظة والقدوة للشباب.

اقتباس

يَأْمُلُ كُلُّ أَبٍ أَنْ يَرَى فِي أَوْلَادِهِ مَا يُرْضِي قَلْبَهُ وَيُقِرُّ عَيْنَيْهِ، وَلَنْ يَسْتَقِيمَ لَنَا أَوْلَادُنَا حَتَّى نَتَعَاهَدَهُمْ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّقْوِيمِ، وَكُلَّمَا رَاعَيْنَاهُمْ بِالتَّعْلِيمِ وَالْوَعْظِ وَقَدَّمْنَا لَهُمُ الْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ كُلَّمَا أَثْمَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بَرَكَةً وَبِرًّا وَاسْتِقَامَةً...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: يَأْمُلُ كُلُّ أَبٍ أَنْ يَرَى فِي أَوْلَادِهِ مَا يُرْضِي قَلْبَهُ وَيُقِرُّ عَيْنَيْهِ، وَلَنْ يَسْتَقِيمَ لَنَا أَوْلَادُنَا حَتَّى نَتَعَاهَدَهُمْ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّقْوِيمِ، وَكُلَّمَا رَاعَيْنَاهُمْ بِالتَّعْلِيمِ وَالْوَعْظِ وَقَدَّمْنَا لَهُمُ الْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ كُلَّمَا أَثْمَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بَرَكَةً وَبِرًّا وَاسْتِقَامَةً.

 

فَيَبْدَأُ الْوَالِدَانِ بِتَعْلِيمِهِمْ عَنْ طَرِيقِ نَقْلِ خِبْرَاتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ إِلَيْهِمْ، وَلَقَدْ عَاشَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَلِّمًا لِأَصْحَابِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ عَنْ نَفْسِهِ: "وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَفِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِرَارًا: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَعَلَّمَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَإِذَا مَا وَقَعُوا فِي خَطَأٍ مَا -بَعْدَ تَعْلِيمِهِمْ- وَعَظْنَاهُمْ قَاصِدِينَ التَّأْثِيرَ فِي قُلُوبِهِمْ بِالْقَوْلِ الْبَلِيغِ الَّذِي يُخَاطِبُ قُلُوبَهُمْ لِيُدْرِكُوا أَخْطَاءَهُمْ، وَلَقَدْ كَانَتِ التَّرْبِيَةُ بِالْمَوْعِظَةِ مَنْهَجًا نَبَوِيًّا مُتَّبَعًا؛ فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَلَكِنَّ الْكَلَامَ لَنْ يُؤْتِيَ ثَمَرَتَهُ الْمَرْجُوَّةَ حَتَّى نُتَرْجِمَهُ فِي صُورَةِ أَفْعَالٍ تَرَاهَا عُيُونُهُمْ، فَنُقَدِّمُ لَهُمُ الْقُدْوَةَ الْعَمَلِيَّةَ لِتَكُونَ لَهُمْ نِبْرَاسًا وَنَمُوذَجًا يُحْتَذَى، وَقَدْ قِيلَ: "حَالُ رَجُلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، خَيْرٌ مِنْ مَقَالَةِ أَلْفِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ"، وَرَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ:

مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاعْوِجَاجٍ *** فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ

فَقَالَ: عَلَامَ تَخْتَالُونَ؟ قَالُوا: *** بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ

فَخَالِفْ سَيْرَكَ الْمُعْوَجَّ وَاعْدِلْ *** فَإِنَّا -إِنْ عَدَلْتَ- مُعَدِّلُوهُ

أَمَا تَدْرِي أَبَانَا كُلُّ فَرْعٍ *** يُجَارِي بِالْخُطَى مَنْ أَدَّبُوهُ

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ هُنَاكَ أَسَالِيبَ كَثِيرَةً لِتَرْبِيَةِ الشَّبَابِ بِالتَّعْلِيمِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْقُدْوَةِ، وَلَعَلَّ مِنْ أَهَمِّهَا:

الْبَدْءَ بِالْأَهَمِّ ثُمَّ الْمُهِمِّ؛ فَنَبْدَأُ بِالْعَقِيدَةِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ..."(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، ثُمَّ بِالْعِبَادَاتِ؛ فَقَدْ أَمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "عَلِّمُوا صِبْيَانَكُمُ الصَّلَاةَ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَأَدِّبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، ثُمَّ بِالْآدَابِ كَمَا صَنَعَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَعَلَّمَهُ قَائِلًا: "سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: الْغَضَبُ فِي التَّعْلِيمِ وَالْمَوْعِظَةِ أَحْيَانًا: وَذَلِكَ إِذَا كَانَ هُنَاكَ خَطَأٌ جَسِيمٌ، كَمَا غَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ أَطَالَ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ، يَقُولُ أَبُو مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: اخْتِيَارُ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْمَوْعِظَةِ: فَقَدِ اخْتَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً لَحْظَةَ انْبِهَارِ أَصْحَابِهِ بِقِطْعَةِ حَرِيرٍ نَاعِمَةٍ لِيُحَدِّثَهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: تَعَمُّدُ فِعْلِ بَعْضِ الْأُمُورِ أَمَامَ الشَّبَابِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِيهَا؛ كَمَا فَعَلَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟، فَقَالَ: "إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ، وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: "أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلَكُمْ".

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِلتَّعْلِيمِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْقُدْوَةِ أَبْلَغَ الْأَثَرِ فِي تَهْذِيبِ وَتَقْوِيمِ الشَّبَابِ، وَمِنْ ثَمَرَاتِهَا:

اجْتِمَاعُ الْفَضَائِلِ فِي الشَّبَابِ: فَبِالتَّعْلِيمِ يَزْدَادُونَ ثَقَافَةً وَعِلْمًا، وَبِالْمَوْعِظَةِ تَرِقُّ قُلُوبُهُمْ فَيُقْبِلُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا تَعَلَّمُوهُ، وَبِالْقُدْوَةِ يُدْرِكُونَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ وَمَتَى يَعْمَلُونَ... فَكَمْ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُدْرِكَ كَيْفِيَّتَهُ لَمْ يَجِدْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُرَاقِبَهُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ، يَقُولُ: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ.. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَلَا غَرْوَ أَنْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبْرَ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانَ الْقُرْآنِ.

 

وَمِنْهَا: تَصْحِيحُ أَخْطَاءِ الشَّبَابِ؛ فَهَذَا الْفَارُوقُ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَعِظُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي مُغَاضَبَتِهَا لِزَوْجِهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُ لَهَا: "قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَهْلِكِي؟ لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلَا أَظُنُّهَا إِلَّا قَدْ أَفَادَتْ مِنْ مَوْعِظَتِهِ.

 

وَمِنْهَا: تَرْقِيقُ قُلُوبِهِمْ؛ فَقَدْ حَكَى لَنَا الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَيْفَ كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِيهِمُ الْمَوَاعِظُ قَائِلًا: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَلَا تَنْقَطِعُ تِلْكَ الْآثَارُ الطَّيِّبَةُ وَالثِّمَارُ الْيَانِعَةُ لِتِلْكَ الْوَسَائِلِ التَّرْبَوِيَّةِ النَّاجِعَةِ، بَلْ تَتَوَاصَلُ بَرَكَاتُهَا بِقَدْرِ إِتْقَانِنَا لَهَا.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجِدُهُ قَدْ أَكْثَرَ مِنَ اسْتِخْدَامِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي تَرْبِيَةِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، فَيُعَلِّمُ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَا يَصِحُّ وَمَا لَا يَصِحُّ فِي الصَّلَاةِ، قَائِلًا لَهُ لَمَّا شَمَّتَ الْعَاطِسَ وَهُوَ يُصَلِّي: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَيُعَلِّمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَاذًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أُصُولَ الدَّعْوَةِ وَأَوْلَوِيَّاتِهَا حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَائِلًا لَهُ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَيَجِدُ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ حُرِمُوا مِنْ مَغَانِمِ حُنَيْنٍ، فَيَعِظُهُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَلْتَكُنْ لَنَا فِي رَسُولِ اللّهِ -صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُدْوَةُ وَالْأُسْوَةُ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَتَقْوِيمِهِ لِلشَّبَابِ، فَإِنْ فَعَلْنَا رَأَيْنَا فِي أَوْلَادِنَا مَا نُحِبُّ وَنَرْضَى.

 

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حُسْنِ تَرْبِيَةِ شَبَابِنَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

التربية الإيجابية (1) التعليم بالموعظة والقدوة.pdf

التربية الإيجابية (1) التعليم بالموعظة والقدوة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات