عناصر الخطبة
1/تعدد مكائد الكفار ومؤامراتهم للقضاء على الإسلام وأهله 2/يقظة الأمة لمعرفة مكمن الداء وموطن البلاء وموضع الخلل 3/نصرة الله لمن ينصر دينه 4/تضيع المسلمين للفرائض 5/كفاية الله للمؤمنيناقتباس
عباد الله: لقد تنوعت مكائد الكفار ومؤامراتهم وتخطيطاتهم وتدبيراتهم وغاراتهم للقضاء على الإسلام وأهله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8]، وتنوعت أساليبهم في ذلك؛ في غاراتٍ شنيعةٍ شديدةٍ متنوعة بُغية القضاء على الإسلام، والإجهاز على المسلمين؛ غاراتٍ مسلحة، وغزوٍ فكري، وحروبٍ أخلاقية، وغزو عاطفي منوَّع. فإذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله: ما أحوج أمّة الإسلام في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه الشرور، وتعددت فيه المصائب والمحن، وتكالب فيه الأعداء كيداً ومكراً بالإسلام وأهله؛ ما أحوج أمة الإسلام في هذا الزمن إلى يقظة إيمانية يُبصِرون بها مواطن الخلل والتقصير، وينظرون من خلالها إلى كيد الكفار ومكرهم الكُبّار.
عباد الله: لقد تنوعت مكائد الكفار ومؤامراتهم وتخطيطاتهم وتدبيراتهم وغاراتهم للقضاء على الإسلام وأهله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8]، وتنوعت أساليبهم في ذلك؛ في غاراتٍ شنيعةٍ شديدةٍ متنوعة بُغية القضاء على الإسلام والإجهاز على المسلمين؛ غاراتٍ مسلحة، وغزوٍ فكري، وحروبٍ أخلاقية، وغزو عاطفي منوَّع.
فإذا تأملنا -عباد الله- في غزو الكفار المسلَّح فإننا نرى ذلك شاهد عيان؛ بين وقت وآخر تُشعَل حروب شرسة، وكلما طفئت الحرب في مكان أُشعلت في مكان آخر للقضاء على قوة الإسلام وأبناء المسلمين، وللقضاء على مقوّماتهم ومقدّراتهم وممتلكاتهم؛ ليكون أهل الإسلام في ضعفٍ ووهَن وقلة عدة وعدد.
وإذا نظرنا إلى الغزو الفكري فإنه أشدُّ وأنكى؛ فهي حروبٌ شرسة أشعلها الكفار بُغية خلخلة عقول المسلمين والعبث في أفكارهم، لتتنحى من قلوب أهل الإسلام عقيدةً راسخة وإيماناً قويماً بالله -تبارك وتعالى-، وبما أمرهم -جل وعلا- بالإيمان به، ولإبعادهم عن إيمانياتٍ ملئت القلوب وعقائد صحيحة زانت بها النفوس إلى انحرافٍ مشين، وإلى تيهٍ وضلال، وما أكثر ما يكيد الكفار لأهل الإسلام في هذا الباب، ولا سيما من خلال الوسائل المتاحة في هذا الزمان لنشر المعلومات السريعة، ولإيصال الأفكار بأقرب طريق وأيسر سبيل، وها هي القنوات الفاضحة والمجلات الهابطة والمواقع الآثمة تنشر في عقول الشباب والناشئة أفكاراً هدّامة وأموراً ملوثة تُطيح بالعقائد وتزيل الإيمان، وتجعل الشاب ينشأ محتاراً متشككا ؛ إما مائلاً إلى عقائد الكفار وأديانهم، أو تائهاً حائرا ، شاكاً زائغا (لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ)[النساء: 143]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء: 89]، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)[القلم: 9]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما الغزو في جانب الأخلاق فما أشنعه وما أفظعه وما أكثره؛ ما أكثر عبثُ الكفار الآن بأخلاقيات كثير من المسلمين في محاولةٍ شنيعة للإطاحة بالأخلاق الإسلامية والآداب المرعية لجعل الشباب والناشئة يعيشون في مرتع الشهوات البهيمية دون نظرٍ إلى دينٍ أو قيمٍ أو مبادئٍ أو أخلاق؛ بحيث لا يكون للشاب همٌّ إلا إشباع غرائزه البهيمة وشهواته الحيوانية غير مراعٍ لدينٍ ولا قيمٍ ولا لآداب؛ ولهذا يخطط الكفار في هذا المجال تخطيطاً شنيعاً شديدا من خلال ما يبثونه من أفلامٍ هابطة، وصورٍ ماجنة، وأغانٍ خليعة تحرك في النفوس الشهوات الآثمة، والنزوات البهيمية، ومن ركَن إلى هؤلاء مستمعاً بأذنه ناظراً بعينه أفسدوا أخلاقه أيّما إفساد.
وأما غزوهم العاطفي فهو نوعٌ من المكر آخر؛ أرادوا من خلاله أن يُظهروا أنفسهم بين أهل الإسلام بأنهم أهل عطفٍ ورحمة وسعيٍ في تحقيق المصالح العامة والمكاسب المتنوعة؛ ويذرُّون الرماد في العيون ليغفل أهل الإسلام عن مكرٍ وكيدٍ كُبّار لهؤلاء، والله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ)[الممتحنة: 1].
عباد الله: أما آن لأمة الإسلام إلى يقظةٍ حقيقية، إلى يقظةٍ إيمانية، ينظرون فيها شباباً وشيبا نساءً ورجالا صغاراً وكبارا إلى مكمن الداء وموطن البلاء وموضع الخلل! ليتسنى لهم من خلال ذلك إلى معالجةٍ صادقة للداء، وسعيٍ حثيث في تحقيق ما يكون به العِزُ والتمكين والنصر على الأعداء.
عباد الله: النصر من الله -جل وعلا-، وهو جل وعلا إنما ينصر من ينصره؛ ولهذا لابد في هذا المقام العظيم من عودةٍ صادقةٍ إلى الله -جل وعلا- يكون فيها تحقيق العبودية لله، وتجريد المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإقامةٍ للإخلاص -إخلاص العمل لله -جل وعلا-، وصدق العزيمة في تحقيق شرعه، والإنابة إليه، وبعدٍ عن الآثام والذنوب التي هي أساسٌ في الردى والهلاك؛ فإن الذنب قد يصغُر في عين الإنسان، ويكون من أعظم أسباب الهزيمة، ولنا عبرةٌ وعظة في قول الله -تبارك وتعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].
عباد الله: ما أحوجنا إلى الله إلى أن ننظر في أنفسنا وأحوالنا، وما أكثر تقصيرنا في جناب ربّنا وطاعته -جل وعلا-، وما أكثر الخلل عندنا فما أحوجنا إلى نظرة فاحصة متأملةٍ متبصرة في واقعنا وأنفسنا وحالنا مع الله، ومع دين الله، ومع شرعه سبحانه وتعالى مع قيامنا بواجبات الدين وفرائضه.
عباد الله: مساجد المسلمين تشتكي إضاعة الفرائض؛ لم يستطع أهل الإسلام أو لم يستطع كثير منهم الانتصار على أنفسهم في إقامة فرائض الإسلام والبعد عن الكبائر والآثام؛ فكيف يكون لمثل هذا نصرٌ على الأعداء! من لم ينتصر على نفسه بإقامة صلاة الفجر كيف يكون أهلاً لأن ينتصر على عدوه؟! "وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ"، من لم يستطع أن ينتصر على نفسه الأمارة بالسوء ولم يستطع أن ينتصر على الشيطان الذي يدعو إلى الفحشاء والمنكر سيكون لقمةً سائغةً سهلةً للأعداء.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[النور: 55-57].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
لقد جاء في سنن أبي داود وغيره أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف قوماً قال: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ"، وثبت في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"؛ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران: 173].
عباد الله: "حسبنا الله ونعم الوكيل" كلمةٌ جديرةٌ أن تتردّد على لسان كل مسلم مع استشعار معناها، وعقل دلالتها، وتحقيق مقصودها بقوة الثقة بالله، وتمام التوكل على الله، وحسن الالتجاء إلى الله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[الزمر: 36]، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]؛ ولهذا -عباد الله- علينا أن نكون في أمورنا كلها متوكلين على الله، صادقين في ثقتنا بالله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يُذل الشرك والمشركين، وأن يدّمر أعداء الدين، وأن نحسن التوجه إليه بدعواتٍ صادقة ورجاءٍ وسؤال وطمعٍ من الله -جل وعلا- في العطاء والنوال، وهو جل وعلا لا يرد عبداً دعاه، ولا يخيِّب مؤمناً ناجاه.
إلهنا وربنا ورجاءنا وسيدنا ومولانا ونصيرنا ومعيننا، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيدا، اللهم أعِنهم ولا تُعِن عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، واهدهم ويسر الهدى لهم، اللهم وانصرهم على من بغى عليهم، اللهم وانصرهم على من بغى عليهم، اللهم وانصرهم على من بغى عليهم.
اللهم عليك باليهود المعتدين المجرمين الغاصبين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب، اهزم اليهود وزلزلهم، اللهم خالف بين قلوبهم، اللهم شتت شملهم، اللهم ألق الرعب في قلوبهم، اللهم اجعل عليهم دائرة السوء إله الحق، اللهم اجعل تدميرهم تدبيرهم يا حي يا قيوم.
اللهم قاتل الكفرة الذي يصدون عن دينك ويقاتلون أوليائك ويكذبون رسلك، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفق جميع قادة المسلمين إلى ما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلّها أولها وآخرها سرها وعلنها.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، وأغث إخواننا المسلمين المستضعفين بالنصر والتمكين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم