التحذير من مخالطة الكفّار ومعاشرتهم

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/وجوب البراءة من الكافرين 2/ الوعيد لمن والى الكافرين 3/ الحكمة من النهي عن ذلك.
اهداف الخطبة
التحذير من مخالطة الكفّار ومعاشرتهم / توضيح حكمة النهي من موالاة الكافرين ومخالطتهم
عنوان فرعي أول
من رحمة الله بنا
عنوان فرعي ثاني
ملة إبراهيم
عنوان فرعي ثالث
كيدهم للإسلام

اقتباس

ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون، وتفكروا وأنتم في هذا المكان؛ لتتجلى لكم من الواقع حقائق ما جاء بشأن أهل الكتاب وعبدة الأوثان من بيان القرآن، وتتذكروا عواقب استخدامهم وما جلب علينا من الشرور، وكم أفسدوا من أمور الناس في الأسواق والدور؟!

 

 

 

 

 

 

الحمد لله الذي شرف الإسلام على سائر الملل، ونسخ به جميع الشرائع والنحل، وكبت به أعداءه أهل الضلالة والزلل، أحمده سبحانه على أن بعث إلينا رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، وهدانا به إلى دين الإسلام، وفضلنا به على سائر الأنام، وحرم علينا موالاة الكفرة من أهل الكتاب وعبدة الأصنام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي خص نفسه بالعزة ورسوله والمؤمنين، ووعد بالنصر والتمكين من نصر الدين، وتقرب إلى الله تعالى ببغض وعداوة الكافرين، وجعل الذلة والهوان لمن خالف أمره من العالمين.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخبر أن الله لا يقبل من مسلم عملاً حتى يفارق المشركين، وتبرأ صلى الله عليه وسلم من مسلم يقيم بين ظهرانيهم، فإياكم وخلطة الكافرين. اللهمّ صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه السابقين الأبرار المنعوتين في الكتب السابقة بالتراحم فيما بينهم والشدة على الكفار.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله مولاكم، واشكروه على ما أولاكم، واذكروه كما هداكم، واعلموا أن الله تعالى قد خلقكم لعبادته، وأمركم بطاعته، ونهاكم عن معصيته، وتوعدكم على مشاقته، وافترض عليكم محبةَ وموالاةَ أوليائه، وبغضَ وعداوةَ أعدائه؛ كما وصف ربنا سبحانه أحبابه في قوله: ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) [المائدة:54-56].

فأحبوا أهل الإسلام والإيمان، وآثروهم بما تبذلون من الخيرة والإحسان، ولا تفضلوا عليهم الكفرة وعبدة الأوثان؛ فإن ذلك ضلال مبين، ومن أسباب الشقاء والهلاك في الدارين.

 

أيها المسلمون: إن من واسع فضل الله عليكم، وعظيم إحسانه إليكم، وكريم بره ورأفته ورحمته بكم، وهو أرحم الراحمين - أن حذركم من عموم أعدائكم في الدين؛ من اليهود والنصارى والمشركين وسائر الجاهليين، ونهاكم عن مودتهم وصلتهم، وأمركم ببغضهم وعداوتهم، وألزمكم بقطيعتهم ومباعدتهم؛ كما قال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة:1].

وذلكم كله من ملة أبيكم إبراهيم الذي أثنى الله عليه بها في كتابه العظيم، وجعلها منهجاً لأتباعه المؤمنين إلى يوم الدين؛ فملة إبراهيم عليه السلام هي: إخلاص الدين لله، والكفر بكل معبود سواه، والبراءة من كل من يدعو غير الله، ومبارزتهم بالعداوة والبغضاء أبداً حتى يؤمنوا بالله رب الأرض والسماء، قال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة:4].

وقال تعالى: ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) [البقرة:130].

فالمؤمن بالله لا يوالي من حاد الله ولو كان أمه أو أباه أو أخته أو أخاه، قال تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) [المجادلة:22].

وتوعد سبحانه من يتولى الكفار ويدنيهم ويتلطف لهم؛ إيثاراً للقرابة أو المصاهرة، أو حمية للعشيرة والقبلية، أو طمعاً في التجارة والمتاع، فقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [التوبة:23-24].

أيها المسلمون: إنما نهانا الله عن موالاة الكافرين، ومعاشرة الفاسقين، ومخالطة المشركين؛ لعلمه سبحانه بخبث ما انطوت عليه سرائرهم، وسوء ما أكنته ضمائرهم نحو المسلمين والمؤمنين من الحسد، وتدبير عظيم الكيد، فكشف لنا سبحانه ستر هذه الطوائف التي هي شر الخلائق، وأظهر لنا ما اشتملت عليه قلوبهم، وأوضح لنا غاية مطلوبهم: وهو أنهم يكرهون لنا الخير، ويتربصون بنا الشر، ويحسدوننا على الهدى، ويتمنون لنا الردى، ويريدون أن نضل السبيل؛ فنكفر كما كفروا، ونخسر كما خسروا؛ فهل بعد هذا البيان بيان؟ وما الحيلة فيمن لم تشفه مواعظ القرآن؟

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واعلموا أن الله خبير بما تعملون، وأنكم غداً بين يديه موقوفون، وتقربوا إليه بمحبة المؤمنين، والنصح لهم في أمور الدنيا والدين، وإيثارهم بالنفع والإحسان والولاء دون أعداء الدين، وأروا الله من قلوبكم بغض الكافرين، وأظهروا عداوتهم والبراءة منهم ما داموا عن دينكم معرضين.

إياكم والثقة فيهم؛ فإنهم الخونة الفجار، واحذروا معاشرتهم؛ فإنهم يدعونكم إلى النار، ولا تتخذوا منهم بطانة؛ فما هم –والله- أهل للأمانة؛ يقول الله تعالى: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) [هود:113].

وقال تعالى مبيناً حالهم مع المسلمين: ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) [الممتحنة:2].

وقال تعالى: ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) [آل عمران:118].

وقال سبحانه: ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) [النساء:89].

وقال تعالى: ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة:217].

فأخبر ربنا سبحانه في محكم بيانه –وهو الصادق في قوله اللطيف بعباده- عن حال الكفرة، وحذر من موالاتهم وخلطتهم، وبين خطورتهم، ونبه على قبيح صفتهم، وكشف ما انطوت عليه نيتهم، وأخبر أنهم يبيتون الكيد العظيم لأهل الإسلام، ويمكرون بهم على الدوام، ومن كان هذا شأنه حرمت مودته ووجبت عداوته، ولزم بغضه وتعين رفضه، فإنهم بطانة شريرة خاسرة تجلب على صاحبها البلاء والضرر في الدين والدنيا والآخرة.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون، وتفكروا وأنتم في هذا المكان؛ لتتجلى لكم من الواقع حقائق ما جاء بشأن أهل الكتاب وعبدة الأوثان من بيان القرآن، وتتذكروا عواقب استخدامهم وما جلب علينا من الشرور، وكم أفسدوا من أمور الناس في الأسواق والدور؟!

أما أماتوا الغيرة على الدين والعرض عند كثير من المسلمين؟!

أما أضلوا من استطاعوا من إخواننا في الدين؟! وكم انتهكوا من الأعراض، ونشروا من الأمراض، وكم من جريمة ارتكبوها في وضح النهار؟!

أما أزهقوا الأرواح البريئة، ونهبوا الأموال بحيل جريئة؟!

أما نشروا في الأرض الفساد، وعموا بضررهم أصناف العباد ونواحي البلاد؟!

لقد نشروا الخمور وروجوا المخدرات، وساهموا في ارتفاع معدل الجريمة ونشر الجنايات.. وأنهكوا الاقتصاد، وتسببوا للتجارة بالكساد.. وتجسسوا واطلعوا على أسرار مهمات، وعرفوا المداخل على الناس والعورات.. ومنهم الجيوش الاحتياطية وعملاء القوى الدولية.. فاحذروهم تسلموا، وأبغضوهم وعادوهم تفلحوا، وقاتلوهم تنصروا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الأنفال:24-25].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

المرفقات

668

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات