عناصر الخطبة
1/ معنى الاستسلام لله 2/ المسلم لا ينتمي لغير دين الله 3/ الإسلام دين متكامل 4/ تشتيت الأحزاب لجهود الأمة 5/ أخطار الحزبيةاقتباس
فالمسلم الحقيقي هو من يُخلص عبادته كلها لله، فلا يصلي إلا لله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يذبح إلا باسم الله، ولا يتحاكم إلا إلى شرع الله، ولا ينتمي إلا لدين الله، ولا يدعو غير الله، ولا يرجوا أحدًا سواه -سبحانه وتعالى-؛ فكل أمور حياته ومماته خالصة لله رب العالمين، هذه هي حقيقة العبودية لله، فلا يكون العبد عبدًا لله حتى يخضع له في كل الأمور ..
إن الواجب على المسلم أن يكون عبدًا لله في أموره كلها، وأن ينقاد لله ويخضع له في كل شيء، وأن يستسلم استسلامًا كاملاً لله في جميع الأمور.
فالإسلام يعني الاستسلام لله في الأمور كلها؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]، فالمسلم الحقيقي هو من يُخلص عبادته كلها لله، فلا يصلي إلا لله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يذبح إلا باسم الله، ولا يتحاكم إلا إلى شرع الله، ولا ينتمي إلا لدين الله، ولا يدعو غير الله، ولا يرجوا أحدًا سواه -سبحانه وتعالى-؛ فكل أمور حياته ومماته خالصة لله رب العالمين، هذه هي حقيقة العبودية لله، فلا يكون العبد عبدًا لله حتى يخضع له في كل الأمور، ولا يكون المسلم مسلمًا حقًّا حتى يستسلم لله في كل شيء، وهذا هو المقصود بقول الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19] يعني الاستسلام.
ومن الاستسلام لله الاستسلام له في الولاء والانتماء؛ فالمسلم لا ينتمي إلا لدين الله، ولا يتحزب إلا لحزب الله، ولا يوالي إلا أولياء الله، ولا يعادي إلا أعداء الله، فلا يجوز أبدًا للمسلم أن ينتمي إلى شيء من التصورات الجاهلية أو المعتقدات البشرية أو الأنظمة الأرضية، كالعلمانية أو الاشتراكية أو القومية أو البعثية، ومن ظنّ أنه يمكن الجمع بين الإسلام والعلمانية، أو الإسلام والاشتراكية، أو الإسلام والبعثية؛ فإنه ما فهم حقيقة الإسلام والاستسلام لله رب العالمين.
فالإسلام دين كامل متكامل له أحكامه التعبدية، وله أحكامه السياسية، وله أحكامه الاقتصادية، وله أحكامه الاجتماعية، وله أحكامه الخاصة في جميع الأمور، والمسلم ملزم بالالتزام بجميع أحكام الإسلام، هذا هو الإسلام الكامل الذي أكمله الله وأتمه ورضيه لنا دينًا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
فلا يمكن أبدًا أن يكون الإنسان مسلمًا في الجانب التعبدي، علمانيًا أو اشتراكيًا أو بعثيًا في الجانب السياسي، هذا تناقض كبير، وجمع بين متناقضين لا يمكن أبدًا أن يكون؛ لأن الإسلام له أحكامه السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة به، والاشتراكية أو العلمانية لها أحكامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها.
فمن ظنّ أنه مسلم علماني، أو مسلم اشتراكي، أو مسلم بعثي، فقد ناقض وتناقض وجمع بين المتناقضات؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].
فالحذر الحذر -يا عباد الله- من هذه الانتماءات وهذه الولاءات وهذه الحزبيات المخالفة لمنهج الله، المتعارضة مع شرع الله، وعلينا أن نخلص ديننا لله، وأن نفتخر بانتمائنا لأحكام الله، ولنقطع كل الأفكار والتصورات والمناهج المخالفة لشرع الله؛ يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا بدعوى الجاهليةِ فهُو من جُثاءِ جهنمَ". قالوا: يا رسول الله: وإن صام وإن صلى؟! قال: "وإن صامَ وإن صلى وزعمَ أنَّه مسلمٌ". رواه أحمد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله، وكل عبودية لغير الله -كبرت أو صغرت- هي في نهايتها عبادة للشيطان".
قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس: 60، 61]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [النحل: 36].
الخطبة الثانية:
إن هذه الحزبيات المقيتة شتتت الأمة، وفرقت شملها، وأضعفت صفها، ونشرت بينها الأحقاد والضغائن، فارتفعت الشعارات الشيطانية، وتعددت الرايات العنصرية، وكثرت التعددات الحزبية التي فرقت المجتمع وأفسدت الأمة وخلخلت الصفوف؛ يقول الله -جل جلاله-: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 31، 32].
إن الحزبية -عباد الله- لم تدخل مجتمعًا إلا فرقته، ولا صالحًا إلا أفسدته، ولا كثيرًا إلا قللته، ولا قويًا إلا أضعفته؛ لأن كل طائفة معينة أو حزب معين جعل محور الولاء والبراء والحب والعداء لأصحابه وأعضاء حزبه دون غيرهم.
فعلينا أن ننزه أنفسنا من هذه الولاءات الجاهلية، والحزبيات العنصرية، وأن نتبرأ منها وننخلع من ربقتها، ولا نحجز أنفسنا في داخل أحزاب وإطارات قامت على أسس علمانية أو اشتراكية أو بعثية أو ديمقراطية.
إن هذه الحزبية الخبيثة يراد منها اليوم أن تكون عصا لتفريق الأمة وضرب بعضها ببعض، كما نسمع هذه الأيام عن المواجهات التي تقع بين أنصار هذا الحزب وبين أنصار ذاك الحزب، والاشتباكات التي تقع بين الموالين لهذا النظام والمعادين لهذا النظام أو ذاك النظام؛ ما يجعل المعركة في النهاية تدور بين الناس أنفسهم فالحذر الحذر يا عباد الله.
وعلينا أن نجعل ولاءنا وتحزبنا لله ولرسوله وللمؤمنين، وليس ولاءً لحزب أو شخص أو نظام؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: 55، 56]، تمعنوا هذه الآية وكرروها في أذهانكم وتأملوا فيها جيدًا: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم