التحذير من المرجفين والحاقدين

صالح بن عبد الله بن حميد

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/التعاطي مع الأحداث يستلزم الصدق والهدوء والحكمة 2/التحذير من المرجفين والحاسدين والحاقدين 3/مكانة بلاد الحرمين ودورها الرائد 4/استهداف بلاد الحرمين ليس وليد الساعة 5/الذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون

اقتباس

فاستيقِنوا ثم استيقِنوا أن منع الفتن أسهلُ مِنْ دفعها، ومَنْ لم يعتبر جَعَلَ نفسَه عبرةً لمن يعتبر، ومن لم يقرأ التاريخ ينساه التاريخ، حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين، وحفظ عليها إيمانها وأمنها، وزاد من لُحْمَتِها وتماسُكِها وكَبَتَ عَدُوَّها ونصَرَها على كل من أراد بها سوءا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله تفرَّد بكل كمال، بيده الخير، ومنه الخير، وله الحمد على كل حال وفي كل حال، أحمده -سبحانه- وأشكره، تفضَّل بجزيل النوال، في جميع الأحوال، جواد كريم، يبدأ بالإحسان قبل السؤال، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزَّه عن الأشباه والأنداد والأمثال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، الصادق الأمين، شريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسار على الحق والهدى، واجتنب سُبُلَ الضلال، وسلم تسليما كثيرا مزيدا، إلى يوم المآل.

 

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، وتزودوا من ممركم لمقركم، واحذروا التوانيَ والغفلةَ، وأحسِنوا العملَ في هذه الدار، واجتهِدوا فيما بقي من الأعمار، طهِّروا بفيض الدمع أدرانَ القلوبِ، وأيقِظوها بتجافي الجنوب، جعلني الله وإياكم ممن تنفعه المواعظ الزاهرة، وجمع لي ولكم خيرَي الدنيا والآخرة، فمتاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى، ولا تُظلمون فتيلا.

 

أيها المسلمون: التعاطي مع الأحداث وأخذ العبر يكون بصدق التعلق بالله، ثم بالعقل الحصيف، والهدوء الحَذِر، والحكمةُ ضالةُ المؤمن، وليس التذمرُ مْصلِحًا للأمم، والنقد -وحدَه- لا يقدم مشروعا، وردود الأفعال المجردة لا تبني رؤية راشدة، وفي بعض اللحظات والمحطات قد يحتاج المرء إلى التأكيد على الثوابت، والتركيز على الأُسُس أمام سيل الإعلام الجارف، بأدواته ومواقعه، وما يحفل به من تلبيس في الطرح، وانحراف في التحليل، وتعسُّف في التفسير وعبَث بالكلمات والمصطلحات، ناهيكم عن التضليل والتزييف، وخلط الأوراق، كلُّ ذلك لإيجاد مزيد من التوتر والبلبلة عن طريق معرفات مجاهيل في مصالح ضيقة أو نوائح مستأجرة.

 

معاشر الأحبة: حين يتداعى المرجفون، ويتطاول المتربصون، فإن الذَّبَّ عن الدين، ولزوم الجماعة، والاجتماع على القيادة، يكون لزاما متحتِّما؛ من أجْلِ صدِّ الشائعات وإبقاء اللُّحْمَة، والحفاظ على الوحدة، والعاقل المتأمِّل يرى من حوله سُفُنًا تُخرق، وأخرى تَغْرق؛ فالحذرَ الحذرَ من مُفْسِد أو حاقِدٍ، أو طامع أو حاسد، أو جاهل ليتعدى على السفينة فيخرقها ثم يُغرقها، وقد يكون ذلك من خلال حديث مكذوب، أو استدلال محرَّف أو تعليق مُريب، أو تفسير متعسِّف.

 

معاشر المسلمين: وإن شئتم نموذجا لهذه السفينة المستهدَفة فتأملوا ما يحاول فيه بعضُ المتربصينَ وذوي الأغراض والأهواء والمتطرفين من النَّيْل من حصن الدين وقِبْلة المسلمين بلاد الحرمين الشريفين، مَأْرِز الإيمان ورافعة لواء الشرع، وتحكيم الكتاب والسُّنَّة، غايتها في رايتها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، توحيد الله شعارها، والحكم بما أنزل الله دستورها، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- نهجها، والدين والحُكْم فيها أَخَوانِ، مما ينتظم سياسة الدين والدنيا، العقيدة والوحدة الوطنية ولزوم الجماعة، والحفاظ على البيعة، وحماية المقدَّسات هي الأعلى والأغلى في أهداف الدولة وخططها وبرامجها.

 

دولة عربية إسلامية، حافظة -بعون الله وتوفيقه- أمنَ الحرمين الشريفين وراعيتهما وخادمتهما محافِظة على المقدَّسات والشعائر والمشاعر، معقد التوحيد والسُّنَّة، ودار المسلمين، وطن يسكن التاريخ ويسكنه التاريخ.

 

إنها دولة كبيرة -ولله الحمد والمنة-؛ بدينها وأهلها وقيادتها وتاريخها، مؤثِّرة في ميزانها وموقعها واقتصادها وسياستها وقوتها وقرارها، وستبقى -بإذن الله- لها أدوارها، وعلاقاتها الواسعة، الرصينة الرزينة ونفوذها النفاذ.

 

والعقلاء يدركون أن هذه البلاد لو تأثَّر موقعها فسوف تتوسع دائرة القلق والفشل والتمزق في المنطقة وخارج المنطقة.

 

إن المتربصين وذوي الأهواء والقوى المتطرفة يستهدفون هذه البلاد بسمعتها وتأثيرها وقوتها ووحدتها، وثِقَلِها الديني والسياسي والاقتصادي والعسكري، وانظُرْ فيمن يحاول التطاول على بلاد الحرمين الشريفين لا تكاد تراه إلا مُتَّهَمًا في مقصده، أو إِمَّعةً يسير خلف كل ناعق، ناهيكم بأن كثيرا مما يُطرح ما هو إلا تنفيس عن غايات مدفونة، وقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "تَتَبَّعْ سهامَ المخالفينَ حتى تُرشِدَكَ إلى الحقِّ".

 

وإن مما هو معروف -ولله الحمد- أن هذا الاستهداف لم يكن وليد الساعة، بل هو قديم يتجدد أو يتلون حسب الظروف والمستجِدَّات والأغراض، وفي كل ذلك تَخْرُج هذه الدولةُ المباركةُ مرفوعةَ الرأسِ منتصرةً لِصِدْقِها مع ربِّها، ومع شعبها، ومع المسلمين، وصدق علاقاتها ووضوح منهجها وجلاء تعامُلِها، بل كثيرا ما انقلبت القضايا المثارة ضد أصحابها، إنها تُفسد عليهم أهدافَهم وتخرج هذه البلاد منتصرة قد زادت قوة إلى قوتها، وعزًا إلى عزها.

 

ومن القضايا المشهورة: "الأزمات تشد من قوة الدولة المستقرة، وتؤكد مكانتها ورسوخها وتعاظم دورها"، ومن المعلوم أن هذه البلاد المباركة من أكثر الدول استقرارا فلله الحمد والمنة.

 

معاشر المسلمين: الحذرَ ثم الحذرَ من الإفراط في التعميم ثم التوظيف والتسيس والاستهزاء والهجوم والخلط في القضايا بين التلبيس في الطرح والتحليل والتفسير؛ فاستقرار الحكم يغيظ المتربصينَ، والالتفاف حول القيادة يكيد الشانئين في تصيُّد مقيت، وتلفيقات آثمة، ثم الحذر من إطاعة المكاسب، وإزالة النعمةِ؛ نعمةِ علوم الدين واجتماع الكلمة، ورَغَد العيش وبسط الأمن والالتفاف حول وُلاة الأمر والنصح الصادق والسعي في الإصلاح، والوقوف في وجه كل متربِّص والتحدث بنِعَم الله في إبداء المحاسن والخوف من التنكُّر للنِّعَم بالتبرم وتعداد النقائص.

 

وبعدُ -رحمكم الله-: فاستيقِنوا ثم استيقنوا أن منع الفتن أسهل مِنْ دفعها، ومَنْ لم يعتبر جعل نفسَه عبرةً لمن يعتبر، ومن لم يقرأ التاريخ ينساه التاريخ، حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين، وحفظ عليها إيمانها وأمنها، وزاد من لُحْمَتِها وتماسُكِها وكَبَتَ عَدُوَّها ونصَرَها على كل من أراد بها سوءا، ونعوذ بالله من التقلُّبات السياسية والحروب الأهلية والتحزبات والطائفية والتوجهات العنصرية والمسالك التصريفية، وحفظ بلاد المسلمين أجمعين، وجمَع كلمتَهم على الحق والهدى والسُّنَّة، إنه سميع مجيب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النُّورِ: 55-56].

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله على إنعامه الموفور، أحمده -سبحانه- وأشكره، حمدا كثيرا طيبا مباركا، متواليًا على مر الدهور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تُؤنِس في وحشة القبور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله وسوله، جاء بالحق والهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي القَدْر العليِّ والفضل المشهور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم النشور.

 

أما بعد: معاشر المسلمين: الكمال عزيز، والخطأ والقصور من شأن البشر، والذين لا يُخطئون هم الذين لا يعملون، ومسار الدولة والأمة يتطلب العقل والحكمة والأناة والسير بخطى ثابتة غير متوقفة في حكمة ووعي وتمييز بين الثابت والمتغير، في قوة راشدة وتنمية مخطَّطة، وحزم وعزم يحيط ذلك كلَّه رحمةٌ ورفقٌ وإحسانٌ، والنقص يُعالَج، والمعوج يُقَوَّم تحت مظلة الولاية الشرعية.

 

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعلموا أن المبالغة في ملاحَقة التغريدات، والإكثار من تتبُّع أخبار القائمين على بؤر التوتر يُوقِع في ضلال وحيرة وإرباك عاقبته التشدد والانشقاق، والتصدعات وهدم المكتَسَبات، وحاصله فوضى فكرية، وتعليقات يائسة، ومداخلات بائسة يختلط فيها الحابل والنابل، ونتيجتها الفُرْقَة، وعاقبتها نفوس سوداء وأحقاد متبادَلة من غير مسوِّغ ولا معقولية، والسلامة من ذلك الأخذ بالقاعدة السليمانية؛ قاعدة سليمان بن داود -عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- في قوله -عز شأنه- حكايةً عنه: (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النَّمْلِ: 27]، مع أن الهدهد قد قال على سبيل الجزم: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)[النَّمْلِ: 22].

 

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلكم ربُّكم في محكم تنزيله فقال وهو الصادق في قيله قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفي والنبي المجتبى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك وإكرامك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا بتوفيقك، اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وَأَعْلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، ووفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

 

اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماءهم، واجمع على الحق والهدى والسنة كلمتهم، وَوَلِّ عليهم خيارهم، واكفهم أشرارهم، وابسط الأمن والعدل والرخاء في ديارهم، اللهم وأعذهم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم من أرادنا وأراد ديارنا وبلادنا وأمتنا وأمننا وولاة أمرنا وعلماءنا وأهل الفضل والصلاح والاحتساب منا، ورجال أمننا ووحدتنا واجتماع كلمتنا، اللهم من أرادنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، يا رب العالمين.

 

اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدِّد رأيهم، وصوِّب رميهم، واشدد أزرهم، وقوِّ عزائمَهم وثبِّت أقدامَهم، واربط على قلوبهم، وانصرهم على مَنْ بغى عليهم، اللهم أيِّدْهُم بتأييدك، وانصرهم بنصرك، اللهم وارحم شهداءهم، واشفِ جرحاهم، واحفظهم في أهلهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.

 

ربنا اغفر لنا ذنوبنا، ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا وارحم موتانا.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذكرُ الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

التحذير من المرجفين والحاقدين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات