التحذير من الكبر والخيلاء

أحمد عماري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ مفهوم الكبر وحقيقته 2/ مخاطر الكبر وأضراره 3/ الوسائل المعينة على ترك الكبر والخيلاء

اقتباس

الكبرُ داء خطير، وشر مستطير، عواقبه وخيمة، ونتائجه سيئة في الدنيا والآخرة، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه من كل خير. فما من خلق ذميم إلّا وصاحب الكبر مضطرّ إليه ليحفظ كِبْره، وما من خلق محمود إلّا وهو عاجز عنه خوفا من...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

ثم أما بعد:

 

إخوتي الكرام: مع خلق آخرَ من مساوئ الأخلاق، وخصلة من قبيح الخصال، مع داء يصيب صاحبه بالتيه والعجب والغرور، فلا يرى إلا نفسه، ولا يرى فضلا لأحد ولا مكانة، داءٌ يَصدّ صاحبه عن الحق ويَجرّه إلى المهالك، ذلكم هو داء الكِبْر، وما أدراكما الكبر؛ داء ابتلي به كثير من الناس، فعميت بسببه الأبصار عن الحق فلا تبصره، وغلفت بسببه القلوب عن الحق فلا تفقهه.

 

الكبر استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالنّاس واستصغارهم، والتّرفّع على من يجب التّواضع له.

 

والتّكبّر هو أن يرى المرءُ نفسه أكبرَ من غيره، وأرفعَ مقاما، وأجلّ قدرا.

 

والمتكبر من الناس ذلك الذي ألبسَ نفسه لباس الكبر والغرور، يرى نفسه أفضل من غيره، يترفع على الناس ويستعلي عليهم، وينظر إليهم نظرة احتقار وازدراء، مغرور معجَب بنفسه ورأيه، لا يقبل الحق ولو ظهر له خطؤه.

 

والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم، فلا كبرياء لغير الله، فهو المتفرد بالعظمة والجلال والكمال والعزة والكبرياء، قال سبحانه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 22 - 24]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" (أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان).

 

فإذا رأيتَ إنسانا متكبرا فاعلم أنه ينتحِلُ صفة لا تليق بضعفه وعجزه وذله وهوانه، وقد قال تعالى في حق هذا الإنسان: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 28].

 

والكبرُ داء خطير، وشر مستطير، عواقبه وخيمة، ونتائجه سيئة في الدنيا والآخرة، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه من كل خير.

 

فما من خلق ذميم إلّا وصاحب الكبر مضطرّ إليه ليحفظ كِبْره، وما من خلق محمود إلّا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزّه.

 

الكبر كبيرة من كبائر الذنوب؛ وهو مِن أول الذنوب والمعاصي التي ارتكِبتْ في حق الله -تبارك وتعالى-، قال الله -تعالى- مبيناً سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].

 

والكِبْرُ سببٌ من أسباب هلاك الأمم السابقة؛ فبكبرهم وعِنادهم طغوا وتجبّرُوا وظلموا وأفسدوا، تمردوا على خالقهم، واستنكفوا عن عبادته، وقاتلوا أنبياءه ورسله، وصدوا عن سبيله، فحق عليهم العذاب، وجاءهم الهلاك، وحل بهم الدمار، قال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 39 - 40].

 

فكم من الأمم تكبرت وتجبرت، ومنعها استكبارها من قبول الحق والإذعان له، فأهلكها الله، وجعلها عبرة لكل متكبر جبار. وكم في القرآن من قصص في ذلك ملأى بالدروس والعبر. وكم في الواقع الذي نعيشه من أحداث ووقائع تبين لنا كيف تكون عاقبة المتكبرين ونهاية الظالمين.

 

والكبر سبب في الإعراض عن الحق، والبعد عن دين الله، والصرف عن آياته؛ فالمتكبر لا يقبل الحق، ولا ينتفع بآيات الله، ولا تؤثر فيه موعظة ولا نصيحة، قال الله -تبارك وتعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 146]، وقال سبحانه: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الجاثية: 7 - 8].

 

الكبر داء يُـذل صاحبه، ويُخزيه، ويَحط من قدره عند الله وعند عباده، ويُبعده عن الله، ويَحجُبُه عن رحمته وعطائه؛ فكلما تكبر واستعلى ونظر إلى نفسه نظرة إجلال وإكبار نزلَ قدْرُه، وسقط من أعين الناس، ومقته الله ومقته الناس، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضي الله عنهمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثوْبَهُ خُيَلاَءَ" (رواه البخاري ومسلم).

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤمِنٌ تَقِيّ، وَفاجرٌ شَقِيّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رجَالٌ فخْرَهُمْ بِأقوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فحْمٌ مِنْ فحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَن التِي تدْفعُ بأنْفِهَا النَّتْنَ" (أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).

 

والكبر سبب في دخول النار والخلود فيها؛ فليعلم المتكبر على الله وعلى دينه وعباده أنه يجرّ نفسه إلى عذاب الله، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20]، وقال سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 71 - 72].

 

والكبر سبب في الحرمان من الجنة؛ لأن طريق الجنة هو الطاعة والعبادة، والكبرُ يمنع صاحبه من الطاعة والعبادة، ويقوده إلى المعصية والرذيلة، فالمتكبر يمنع نفسه من الجنة، ويقود نفسه إلى الهلاك، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 40 - 41].

 

وعن عبد الله بن مسعود -رَضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة مِن كِبْر" قال رجل: إن الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبرُ بطَرُ الحق وغمْط الناس" (رواه مسلم).

 

فلا حرج أن تلبس الثياب الجميلة، والنعل الجميلة، وأن تعتني بمظهرك من غير كبر ولا خيلاء، فذلك من الجمال الذي يحبه الله -تعالى- إذا كان فيما أحله الله وأذن فيه. لكن الكبر افتخارٌ وعجب وغرور ينبعث من القلب فيعبّر عنه اللسان والحال، يظهر ذلك على لسان المتكبر أو في مشيته أو حركاته أو مواقفه، فيرد الحق ولو كان جليا واضحا، ولا يقبل النصيحة ولا يأخذ بالمشورة؛ لأنه ينظر إلى من نصحه ودله على الحق وأرشده إلى الصواب نظرة احتقار وازدراء، فيرى أنه أقلّ منه سنا، أو أقل منه علما، أو أقل منه مالا، أو أدنى منه مرتبة، أو أقل منه أتباعا... فيمنعه غروره وكبرياؤه من قبول الحق والأخذ بالنصيحة، فيفوته من الخير الكثير، ويجر على نفسه من الشر الكثير.

 

إخوتي الكرم: ما السبيل إلى تطهير النفس من الكبر والغرور والخيلاء؟ هل من علاج لهذا الداء الذي يعاني منه كثير من الناس؟

 

أولاً: اعلم أن الكبر خلق ذميم، يبغضه الله ورسوله، ويبغضه كل صاحب عقل سليم وفطرة نقية. خلق سيء لا يليق بإنسان عاقل، فضلا عن مسلم يرجو لقاءَ ربه والدارَ الآخرة، والله -تعالى- يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].

 

فكيف تتكبر على الله وهو خالقك ورازقك؟ تتكبر على عبادة ربك وقد خلِقتَ من أجلها، وفيها فلاحُك ونجاتك وسعادتك؟ وفي تكبّرك على عبادة الله هلاكك وخسرانك؟ وقد حذر الله -تعالى- من ذلك فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، وقال عز وجل: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [النساء: 172 - 173]، وفي هذا إنذار للمتكبرين أن لا يغتروا بكثرة الأتباع والمعجَبين والمصفقين والمقلدين؛ فإنهم لن يغنوا عنهم من الله شيئا، ويوم القيامة يتبرؤون منهم ومن أعمالهم: (وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).

 

كيف تتكبّرُ على رسول الله وهو الذي قد جاءك بهذا الدين العظيم، والقرآن الكريم الذي أنقذك الله به من الكفر إلى الإيمان، وأخرجك به من الظلمات إلى النور؟ تتكبرُ على سنته وهديه؛ وأنت ترجو صحبته، وتتمنى شفاعته؟ وهو القائل صلى الله عليه وسلمَ: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون" (أخرجه الترمذي عن جابر -رَضي الله عنه-، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

 

كيف تتكبر على العباد؛ وأنت بشرٌ مثلهم، يعتريك من العيوب والآفات والأسقام ما يعتريهم، والأيام دول: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، فربما تغيرتِ الأحوال وتقلبتْ بهذا الإنسان المغرور المتكبر، فيَذِل بعد عز، ويفتقر بعد غنى، ويعلو عليه من كان يترفع عليه، فلِمَ الكبرُ والعجب والغرور؟

 

فعامِل الناس بما تحبّ أن يعاملوك به؛ بالتواضع، بخفض الجناح، بالرفق واللين. فذاك دليل إيمانك واستقامتك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (متفق عليه من حديث أنس -رَضي الله عنه-).

 

ثانياً: تفكر في أصلك -أيها الإنسان- وهل أصل الإنسان إلا التراب، ثم من نطفة قذرة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم صار إنسانا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، فوُجودُه مسبوق بالعدم، وقوته مسبوقة بالضعف، وغناه مسبوق بالفقر، قال تعالى مذكرا لهذا الإنسان بأصله حتى لا يصيبه كبر ولا غرور: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان: 1 - 2]، وقال عز وجل: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) [الطارق: 5 - 7]، وقال سبحانه: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس: 17 - 22].

 

فلماذا نسيتَ أصلك -أيها الإنسان- وتكبرت على ربك، وأنكرت فضله عليك، وأصابك العجب والغرور؟ هل خرَجتَ إلى الدنيا من دون فضله؟ وهل مُنِحْتَ السمع والبصرَ والجوارح وسائر النعم لتتكبر وتتجبر وتكون من المفسدين؟ والله -تعالى- يُذكّرُك بفضله عليك فيقول: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].

 

ثالثاً: كن متواضعا؛ فبالتواضع يُرْفع مقامك، ويعلو قدرك، وتنال رضا الله، وتكسب محبة الخلق، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "ما نقصتْ صدقة مِن مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" رفع الله مقامه وأعلا قدره في الدنيا عند الناس، ورفع مقامه في الآخرة في جنات النعيم.

 تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيع

 

فاللهم إنا نعوذ بك من الكبر والعُجب والغرور، ونعوذ بك من سبيل المتكبرين ومثوى المتكبرين، يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا ممن تواضع لك فرفعته، وذل نفسه لك فأكرمته، وتوكل عليك فكفيته، وسألك من فضله فأعطيته.

 

اللهم حببْ إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز.

 

وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].

 

 

المرفقات

من الكبر والخيلاء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات