التحذير من الفتن وبيان أسباب النجاة منها

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2023-12-08 - 1445/05/24 2023-12-08 - 1445/05/24
عناصر الخطبة
1/التحذير من الفتن الواقعة في هذا الزمان 2/طريق النجاة من الفتن 3/أحوال الناس في الفتن 4/الوصية بالعمل الصالح والاجتهاد في العبادة 5/المخرج من الفتن

اقتباس

إن الناظر اليوم لعالَمِنا الإسلاميّ اليومَ يجدُ أنَّه كلَّما حلَّت محنةٌ ووقعت فتنةٌ، وقد يكون كثيرًا، فبعضٌ منهم يسعى لتفريق صفِّ الأمةِ، والاتهامِ لبعضٍ بما لا يستقيم مع المنهج الذي شرَعَه اللهُ -سبحانه-، من الحرص على الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق والاختلاف...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله العلي الأعلى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، -تبارك وتعالى-، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي المصطفى، اللهُمَّ صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -جلَّ وعلا- تُفلِحوا وتَسعَدُوا، وأطيعوه تفوزوا وتغنموا وتسلموا، يقول الله -جل وعلا-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 1]، وإن المسلمين اليومَ يمرُّون بفتنٍ مختلفةِ المصادرِ، متعددةِ الأشكالِ، فتنٍ تعاظَم خطرُها، وتطايَر شرُّها، وتنوَّعت أسبابُها ومحالُّها، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا بالله العلي العظيم؛ وإنَّ الركنَ الشديدَ الذي يَأوِي إليه المسلمُ من ويلات الفتن ومخاطرها، هو الالتجاءُ إلى خالقه -عز وجل-، والاعتصامُ بحبله، وتحقيقُ طاعته، والتمسكُ بشريعتِه -سبحانه-، يقول الله -جل وعلا-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[الْبَقَرَةِ: 45]، ويقول جل وعلا: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)[الذَّارِيَاتِ: 50]؛ ومن هذا المنطلَق جاء التوجيهُ النبويُّ من النبي -صلى الله عليه وسلم-، الحريصِ على نجاةِ أُمَّتِه، في وصيتِه الخالدةِ، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ"(رواه مسلم).

 

والهَرْجُ يعني أيامَ الحروبِ والقتلِ، وأوقاتَ الخوفِ والذُّعْرِ، وحالَ اختلاطِ أمورِ الناسِ من جميع المحذورات والمحنِ التي يخافونها في جوانب حياتهم؛ بحيث أصبحت لا تنتظِمُ أمورُهم على أحسن حال، بل يكونون في أمرٍ مريجٍ واضطرابٍ شديدٍ كحالنا اليوم، حينئذ لا نجاةَ للمسلمين إلَّا باللجوء إلى ربهم -جل وعلا- والانقطاع إليه، وقِيَادِ أنفسِهم وتصرفاتِهم وتحركاتهم بشرعه ووفقَ أوامرِه، ووفقَ أوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذا المنهج النبوي الذي عظَّم شأنَ العبادة أيامَ الفتن؛ لأنَّ الناسَ يعتريهم أمورٌ بسببِ الفتنِ التي تقع بينهم؛ من العداوات والظلم والكذب والتخاصم، ممَّا هو محرَّم في دين الله، بل ينشغل كثيرٌ منهم حال الفتن عن الثبات على المنهج الحقّ، فأرشدَهم -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الهجرة تَنبَنِي على ترك الوطن والدار ورغائبها إلى الله -جل وعلا-، وهكذا الانقطاع للعبادة، والالتزام الشامل بها يقود المسلمينَ إلى كلِّ ما يُنْجِيهِم من الزلل والخطل والزيغ، عن الصراط المستقيم، والمنهج القويم، إبان الفتن؛ قال أهل العلم: "إنَّ الناسَ في أوقات الفتن يرجعون إلى أهوائهم، وآرائهم، وأذواقهم، بعيدًا عن حُكم الله -جل وعلا- وشرعه"، فالذي ينتقل من هذه الحال إلى العبادة والإقبال على الله -جل وعلا- والتقيد بشرعه كالمهاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وإن الناظر اليوم لعالَمِنا الإسلاميّ اليومَ يجدُ أنَّه كلَّما حلَّت محنةٌ ووقعت فتنةٌ، وقد يكون كثيرًا، فبعضٌ منهم يسعى لتفريق صفِّ الأمةِ، والاتهامِ لبعضٍ بما لا يستقيم مع المنهج الذي شرَعَه اللهُ -سبحانه-، من الحرص على الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق والاختلاف، فاتقِ اللهَ أيها المسلم وإياكَ أن تكون وأنتَ لا تدري بوقًا للشياطين، ولسانًا للأعداء، فما خاف الأعداءُ شيئًا كاعتصام المسلمين بكتاب ربهم، واتحاد صفِّهم، وجمع كلمتهم، وتعاوُنِهم على كل بِرٍّ، وصبرِهم على طاعة ربهم، ومنهجِ دِينِهم، ومعالَجةِ ما يقع بهم من الفتن والمحن، وفقَ منظور صحيح، واجتهاد يُحِيطه الخوفُ من الله -جل وعلا-، ومراعاة المسؤوليَّة، وتحقيق مصالح الأمة.

 

ألَا فأَشغِلُوا أنفسَكم -أيها المسلمون- بما يحفظ مصالحَ دِينِكم ودنياكم، وأَعِدُّوا العُدَّةَ المستطاعةَ للحفاظ على ذلك، ومن أعظم ذلك الثباتُ على شرع الله -جل وعلا-، والسير على ضوء سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

حَقِّقُوا عبادةَ التعاون المثمر، والأخوة الصافية على الدِّين والعقيدة، والمودة الإسلاميَّة، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 45-46]، وقال صلى الله عليه وسلم: "بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"(رواه مسلم)؛ فجاهِدوا أيها المسلمون كلَّ الفتن بالطاعة الخالصة لله -سبحانه-، والالتزام بهذه التوجيهات الربانية تَسْلَمُوا من غوائل الفتن، وعواصفِ المحنِ، لاسيما في مثل هذه الأزمان، التي يسعى الأعداءُ بكلِّ مكرٍ للإضرارِ بالإسلام والمسلمينَ بشتَّى أنواع الإفساد وأسباب الشرور، ولا مخرجَ من ذلك إلا بهجرة المسلمين من المعاصي إلى الطاعات، والبُعْد عن المنهيَّات، قال جل وعلا: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 120]، فلا هدايةَ لعِزَّةٍ ونصرٍ وتمكينٍ واستقرارٍ وأمنٍ وأمانٍ، إلَّا بتمسُّكِ المسلمينَ بدِينِهم، وتحكيمِ شريعةِ ربِّهم، قال جل وعلا: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 7].

 

وهناك ملاحَظة قد طرأَتْ عليَّ وأنا أتكلم: وهي أن الفتن قد تدخل على الناس حتى في صلواتهم، فإنني أرى بعض المسلمين قد انشغل عن الاستماع إلى الخطبة بجوالاته وهذا أمر لا يستقيم مع المنهج النبوي، فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وفق الله الخطى، وحفظنا جميعًا من شرور الفتن، ما ظهر منها وما بطن، والله المستعان، وعليه التكلان.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ولي الصالحين، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الحق المبين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: المخرج من كل فتنة تقع لا يكون إلا بإصلاح الدنيا بدين الله، وعمارة الأرض بشرع الله -سبحانه-، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 69]، ومن أحاط حياته وسلوكه بتقوى ربه -جل وعلا- جعل له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلية وفتنة عافية وعاقبة حسنى، قال جل وعلا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2].

 

ألا وإن من أفضل الأعمال الإكثار من الصلاة والسلام على النبي المختار، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهمَّ اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهمَّ أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ اغفر لهم ذنوبَهم، اللهمَّ كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهمَّ وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ أَرْضِنَا وارضَ عنَّا، اللهمَّ احفظنا واحفظ المسلمين من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتكَ أن نغتال من تحتنا، اللهمَّ اكتب السلامة والعافية للمسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ (آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهمَّ إنَّا نسألك الْهُدَى والسداد، اللهمَّ ألهمنا رُشدَنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا، اللهمَّ اكتب له الصحة والعافية، اللهمَّ اجعله ممن طال عمره وحسن عمله، اللهمَّ وفِّق ولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهمَّ أعنه ووفقه وسدده، اللهمَّ أعنه على كل خير، ووفقه لكل صلاح يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح رعاياهم.

 

اللهمَّ اجمع المسلمين على الخير، اللهمَّ اجمع كلمتهم على البر والتقوى، اللهمَّ يا حي يا قيوم، نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، اللهمَّ زكها أنت خير من زكاها، اللهمَّ اجعلنا سببًا ومفتاحا لكل خير، ومغلاقا لكل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممن يحب المسلمين كحب أنفسهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممَّن يحبون للمسلمينَ ما يحبُّون لأنفسهم، يا حي يا قيوم، اللهمَّ يا غني يا حميد، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ إنَّا فقراء إلى رحمتك، اللهمَّ أغث بلادنا، اللهمَّ أغث بلاد المسلمين، اللهمَّ اسقنا، اللهمَّ لك الحمد، على ما أنعمت به علينا من الغيث، اللهمَّ نسألك المزيد، اللهمَّ أنتَ الغنيُّ فنسألكَ المزيدَ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42].

المرفقات

التحذير من الفتن وبيان أسباب النجاة منها.doc

التحذير من الفتن وبيان أسباب النجاة منها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات