التحذير من الغفلة

صلاح بن محمد البدير

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ حذر أصحاب الهمم من الغفلة 2/ معنى الغفلة وحقيقتها 3/ أثر الغفلة على القلب والنفس

اقتباس

ومن استحكمَت غفلتُه عظُمَت ندامتُه، ومن طالَت رقدتُه دامَت حسرتُه، ومن ذهَلَ عما شأنُه أن يُذكَر أضاعَ المُكنةَ وفوَّتَ الفُرصةَ، ومن آثرَ البطَالةَ في موسِم الأرباح، وتركَ الزرعَ وقتَ البذار، ومشَى الهُوينَى وقت السِّباق، وتقاصَرَ خطوُه في ميدان التنافُس كان عن الخير محرومًا، وعلى تفريطِه ملُومًا.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي الآلاء والنِّعَم *** ومُبدِع السمعِ والأبصار والكلِمِ

من يحمَدِ اللهَ يأتيه المزيدُ ومن *** يكفُر فكم نعمٍ آلَت إلى نِقَمِ

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُنجِي من الغفلَة والقَسْوَة والجَهَالَة، والشَّكِّ والزَّيغ والضَّلالَة، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِهِ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: ذوو الهِمَم العليَّة والنفوس الأبِيَّة والقلوب الزكيَّة، الذين آتاهم الله حُسن السَّريرة وشِدَّة البصيرة يُحاذِرون مراتِع الغفلة ويستعِيذُون بالله منها.

 

قال الراغِبُ الأصفهانيُّ: "والغفلةُ سهوٌ يعترِي الإنسانَ من قلَّة التحفُّظ والتيقُّظ".

 

وقيل: "الغفلةُ مُتابعةُ النفس على ما تَشتَهيه". وقيل: "الغفلةُ تركُك المسجِد وطاعتُك المُفسِد". وقيل: "هي إبطالُ الوقت بالبَطَالَة".

 

وقد ثبَت من حديث أنسٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعُو يقول: "اللهم إني أعوذُ بك من العَجزِ والكسَلِ، والبُخل والهرَمِ، والقَسوة والغفلَة، والذلَّة والمسكَنة". أخرجه ابن حبان.

 

فخرابُ النفوس باستِيلاء الهوَى والشهوة، وخرابُ القلوبِ باستِيلاء الغفلة والقَسوة، قال -جلَّ في عُلاه-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف: 205].

 

قال عُميرُ بن حبيبٍ الخَطْميُّ -رضي الله عنه-: "الإيمانُ يزيدُ وينقُص". قيل: فما زيادتُه ونُقصانُه؟! قال: "إذا ذكرنا ربَّنا وخشينَاه فذلك زيادتُه، وإذا غفَلنا ونسينَا وضيَّعنَا فذلك نُقصانُه".

 

فإذا غُذِي القلبُ بالتذكُّر، وسُقِيَ بالتفكُّر، ونُقِّي من الدَّغَل، وزُكِّيَ بالكتابِ والسنَّة، وعرفَ التوحيد الخالِص من شوائِب الشِّرك والبِدع والخُرافة تيقَّظ من مراتِع الغفَلات، ونهَضَ من مساقِط العثَرَات.

 

ومن استحكمَت غفلتُه عظُمَت ندامتُه، ومن طالَت رقدتُه دامَت حسرتُه، ومن ذهَلَ عما شأنُه أن يُذكَر أضاعَ المُكنةَ وفوَّتَ الفُرصةَ، ومن آثرَ البطَالةَ في موسِم الأرباح، وتركَ الزرعَ وقتَ البذار، ومشَى الهُوينَى وقت السِّباق، وتقاصَرَ خطوُه في ميدان التنافُس كان عن الخير محرومًا، وعلى تفريطِه ملُومًا.

 

والنفسُ بالشَّهَوات آمِرة، وعن الطاعات زاجِرة، تجُورُ إذلالاً، وتغُرُّ مكرًا. ومن غفلَ عن تقويم عِوَجها، وإصلاحِ ميلِها وسَيرِها غلَبَ عليه جَورُها، وتموَّه عليه غُرورُها: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف: 53].

 

وأهلُ الغفلة ساهُون لاهُون، وعما يُرادُ بهم من الخير مُعرِضون، لا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالَى، يتثاقَلُون عن أدائِها، ويُؤخِّرُونها عن وقتِها، ويتخلَّفُون عن جماعتِها. هذا حالُهم مع الصلاةِ التي هي أشرفُ الأعمال وأفضلُها وخيرُها.

 

اتَّخَذوا القُرآنَ مهجورًا: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 142]، يُعرِضون عن مجالِسِ الذِّكر والعلمِ والوعظِ والخيرِ، ويُسارِعون إلى مجالِس اللغو واللهو، وأماكِن الطَّرَب والغناء، والرقص والعُريِّ والفحشاء، ويتسابَقُون إلى مواطِن المُنكر والفتنةِ والغفلة.

 

ويلُوذون إلى الأماكِن التي تعرِضُ المُحرَّمات، وتُباعُ فيها الخُمورُ والمُسكِرات، وتُروَّجُ فيها الحشيشة التي تُنتِنُ الفم، وتُحرقُ الدم، وتُفسِدُ الفِكرَ، وتُنسِي الذكرَ، وتجعلُ الصحيحَ عليلاً، والعزيزَ ذليلاً.

 

وأصغرُ دائِها والداءُ جمٌّ *** بغاءٌ أو جنونٌ أو نُشافُ

 

يعبَثون ويلعَبون، الفواحِشَ يأتون، والحُدودَ ينتهِكون، والفُسوقَ يقصِدون.

 

يـا غافِلين أفيقُوا قبل موتِكمُ *** وقبل يُؤخَذُ بالأقدامِ واللِّمَمِ

والنـاسُ أجمعُ شاخِصُون غدًا *** لا ينطِقون بلا بكمٍ ولا صَمَمِ

والخلقُ قد شُغِلُوا والحشرُ جامِعُهم *** والله طالِبُهم بالحلِّ والحرَم

 

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 1].

 

الناسُ في غفَلاتهم *** ورحَى المنيَّةِ تطحَنُ

ما دُون دائرة الرَّدَى *** حصنٌ لمن يتحصَّنُ

يا ساكِنَ الحُجُرات ما *** لك غيرُ قبرِك مسكَنُ

اليوم أنت مُكاثِرٌ *** ومُفاخِرٌ مُتزيِّنُ

وغدًا تصيرُ إلى القبـ *** ـورِ مُحنَّطٌ ومُكفَّنُ

أحدِث لربِّك توبةً *** فسبيلُها لك مُمكِنُ

 

اللهم أيقِظنا من الغفَلات، وارزُقنا التوبةَ قبل الممات، يا سميعُ يا عظيمُ يا مُجيبَ الدعوات.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الهادي من استَهداه، الواقِي من اتَّقاه، الكافِي من تحرَّى رِضاه، حمدًا بالِغًا أمدَ التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سِواه، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ، ومن استنَّ بسُنَّته واهتدَى بهُداه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبُوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

أيها الغافلُ انتبِه انتبِه! من يعمل سُوءًا يُجزَ به.

 

انتبِه من كل نومٍ أغفلَك *** واخشَ ربًّا بالعطايا جمَّلَك

تابِع المُختارَ واقصِد نهجَه *** فهو نورٌ من مشَى فيه سلَك

ثِق بمولاكَ وكُن عبدًا له *** إن عبدَ الله في الدنيا ملِك

جدِّد التوبَ على ما قد مضَى *** من زمانٍ بالمعاصِي أشغلَك

خُذ من التقوى لباسًا طاهِرًا *** فالتُّقَى خيرُ لباسٍ يُمتلَك

ذُلَّ واخضَع واستقِم واسجُد له *** مُخلِصًا يفتح بابَ الخير لك

خُض بِحارَ العُذرِ في جُنحِ الدُّجَى *** لكريمٍ بالعطايا خوَّلَك

قُل بذلٍّ: يا رحيمَ الرُّحما *** يا مُنجِّي بالعطايا من هلَك

هَبْ زكاةً وصلاحًا وهُدًى *** لعُبيدٍ مُذنبٍ قد سألَك

لُذتُ بالبابِ فحاشا أن أُرَى *** تعِسًا والأمرُ والتدبيرُ لك

نجِّنا من كلِّ كربٍ وبلاء *** يوم يلقَى العبدُ مكتوبَ الملَك

هَبْ لنا السِّترَ ولا تخسِف بنا *** يا إلهِي واعفُ عمَّن سألَك

يا عظيمَ العفوِ يسِّر أمرَنا *** واقضِ عنَّا ما لمخلوقٍ ولَك

وتفضَّل بالعطايا كرمًا *** أنت مولانا وأولَى من ملَك

 

اللهم اجعلنا ممن تابَ وأناب، وأُدخِل الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ.

 

وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن جميع الآلِ والصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا كريم.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

 

 

 

 

المرفقات

من الغفلة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات