عناصر الخطبة
1/ خطر المنافقين على الأمة عبر العصور 2/ دروس وعبر من مواقف المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم 3/ تكوين التحالف الدولي للدفاع عن أهل السنة 4/ ضرورة يقظة أهل السنة للدفاع عن حقوقهم.اقتباس
كم استَضْعَفَنا الغربُ الكافرُ! وكم ظلمنا الشَّرقُ الفاجرُ! يزرعونَ في بلادِنا الخلايا والجماعاتِ الإرهابيَّةَ.. ثُمَّ يأتونَ ليأكلوا خَيراتِ المُسلمينَ بحُجَّةِ مُحاربةِ الإرهابِ!! حتى أصبحتْ مناظرَ القتلِ والتَّعذيبِ والاغتصابِ.. وقوداً لقلوبِ أبنائنا المُتَحمِّسينَ إلى جماعاتِ الإرهابِ.. فإلى متى والمسلمونُ مُتَفرِّقونَ وقد تكالبُ عليهم الأعداءُ؟! وإلى متى يُخطِّطونَ ونحنُ نكونُ كَبشَ الفِداءِ؟! لقد آنَ لنا أن نُدافعَ عن عقيدتِنا وبلادِنا وأبنائنا.. لقد آنَ للإسلامِ أن يستعيدَ هيبتَه.. ولقد آن للذِراعِ الحديديِّ أن يُحكمَ قبضتَه.. على كلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه أن يعتديَ على بلدٍ مسلمٍ.. أو شعبٍ مُسلمٍ.. أو رجلٍ مسلمٍ.. في أيِّ زمانٍ أو مكانٍ.. ومن أيِّ عدوٍّ كانَ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ذي العِزِّ المجيدِ، والخَيرِ المديدِ، والبَطشِ الشَّديدِ، الفَعَّالِ لما يريدُ، المنتقمِ ممن عصاه بالنَّارِ بعدَ الإنذارِ بها والوَعيدِ، والمكرمِ لمن خافَه واتَّقاه بدارٍ لهم فيها من كلِّ خيرٍ مزيدٌ.. فسبحانَ من قَسمَ خلقَه بينَ شَقيٍّ وسعيدِ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].
أحمدُه وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له ذو العرشِ المجيدِ.. وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ العبيدِ، وقائدُ لواءِ التَّوحيدِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه، صلاةً وسَلاماً لا تَنفدُ ولا تَبيدُ.. أما بعدُ:
ذكرَ ابنُ هشامٍ -رحمَه اللهُ- في السِّيرةِ النَّبويَّةِ أنَّ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدٍ وَكَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ والنَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهيؤُ الجَيشَ لغَزوِ الرَّومِ: "لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحُمُرِ".
فَسَمِعَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، وكانَ الْجُلَاسُ زَوجَ أمِّه وهو الذي ربَّاهُ.. فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: "وَاَللَّهِ يَا جُلَاسُ، إنَّكَ لَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عَلَيْكَ لَأَفْضَحَنَّكَ، وَلَئِنْ صَمَتُّ عَلَيْهَا لَيَهْلِكَنَّ دِينِي، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الْأُخْرَى –فَهلاكُ الدِّينِ أعظمُ وأكبرُ-، ثُمَّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسُ، فَحَلَفَ جُلَاسُ بِاَللَّهِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ عُمَيْرٌ، وَمَا قُلْتُ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [التوبة: 74].
وذُكرَ عَنه أنَّه تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، حَتَّى عُرِفَ مِنْهُ الْخَيْرُ وَالْإِسْلَامُ.
يا أهلَ الإيمانِ..
وهكذا في الأوقاتِ الذي يكونُ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- مشغولاً بالقتالِ أو الاستعدادِ له، يَطِلُّ النِّفاقُ برأسِه مُستغلَّاً الفُرصةَ لبثِّ الشُّكوكِ والفُرقةِ بينَ المسلمينَ.. لا لشيءٍ إلا كراهيَّةً للإسلامِ والمسلمينَ.. فلا يُريدونَ للإسلامِ قوَّةً ولا مجداً.. ولا يُريدونَ للمسلمينَ نصراً ولا عِزّاً.. كما وصفَهم اللهُ تعالى: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].
ففي يومِ بدرٍ ظنَّ المنافقونَ كعادتِهم لمَّا رأوا قوَّةَ وكثرةَ الكفَّارِ أن هذه هيَ نهايةُ الدِّينِ، وهلاكُ الأخيارِ الصَّالحينَ.. (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 49].. فأرادوا تخذيلَ أهلِ الإيمانِ.. فجعله اللهُ تعالى يومَ الفُرقانِ.
وفي السَّنَّةِ الثَّالثةِ من الهِجرةِ، خرجَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- مع الجيشِ للقاءِ المشركينَ.. حتى إذا كانوا بين المدينةِ وأُحُدٍ، رجعَ عبدُ اللهِ بنُ أُبي بنِ سَلولٍ رأسُ المُنافقينَ بثُلثِ الجيشِ، فقالَ لهم المسلمونَ: تَعالوا قَاتلوا المشركينَ معنا، أو ادفعوا عن أنفسِكم ونسائكم وبلادِكم، فقالوا تبريراً لموقفِهم: لو نعلمُ أنكم تقاتلون لسِرنا معكم إليهم، فنزل فيهم قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 167].. محاولاتٌ لخلخلةِ الصَّفِ.. وبثُّ روحِ الضَّعفِ.. ولكن هيهاتَ أن يتزلزلَ ذلكَ الجيلُ.. وشِعارُهم حسبنا اللهُ ونِعمَ الوكيلِ.
وفي غزوةِ الخندقِ لمَّا حاصرَ المدينةَ عشرةُ آلافِ مُقاتلٍ، كما وصفَهم اللهُ تعالى بقولِه: (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب: 10].. كانَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يُبشِّرُ أصحابَه بفتحِ فارسٍ والرُّومِ واليمنِ.. فَقَالَ المُنَاقِقونَ: أَيَعِدُنَا مُحَمَّدٌ أَنْ يُفْتَحَ لَنَا مَدَائِنُ الْيَمَنِ ومَدَائِنُ كِسْرَى وَقُصُورُ الرُّومِ، وَأَحَدُنَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ إِلَّا قُتِلَ، هَذَا وَاللَّهِ الْغُرُورُ.. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذَا (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) [الأحزاب: 12]..
ثُمَّ بدأوا يستأذنونَ واحداً تلوَ الآخرُ خوفاً من العدوِّ.. وإضعافاً لصفوفِ المؤمنينَ.. (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب: 13].. فكانتْ النَّتيجةُ نصراً من اللهِ تعالى عظيماً.. (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب: 25].
ولمَّا خرجَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بأصحابِه إلى مكةَ في عامِ الحُديبيةِ للعمرةِ.. ولم يكنْ معهم سلاحٌ وليسَ بينَهم وبينَ المُشركينَ عهدٌ ولا صُلحٌ.. فظَنَّ المنافقونَ أن هذه هي فُرصةٌ للمشركينَ ونهايةٌ للمسلمينَ.. قالَ اللهُ تعالى عنهم: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) [الفتح: 12].
وهكذا يا عبادَ اللهِ، تتكرَّرُ المواقفُ المُخزيَّةُ في التَّخذيلِ والتَّشكيكِ من المنافقينَ، كلما رأوا قوَّةً للمسلمينَ أو رأوا تسلُّطاً من الكافرينَ، فهم لا يُريدونَ إسلاماً، وإنما يُريدونَ أن يعيشوا في أكنافِ الكُفَّارِ، في حريَّةٍ مَقيتةٍ سافرةٍ، وبُعدٍ عن شعائرِ الدِّينِ الظَّاهرةِ.. يتوددونَ إلى أهلِ الكُفرِ والأوثانِ، ويُبغضونَ أهلَ الخيرِ والإيمانِ.. يقولُ تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138- 139].
فالمنافقونَ يُريدوننا لُقمةً سهلةً في فمِّ الأعداءِ.. ويُحاربونَ الدِّينَ وأهلَه وشعائرَه بخفاءٍ.. يُريدونها ليبراليَّةً لا ممنوعَ فيها ولا حراماً.. ويريدونَها علمانيَّةً لا شرعَ فيها ولا أحكاماً.. يخادعونَ اللهَ والذينَ آمنوا وهم واللهِ السُّفهاءِ.. ولا يُظهرونَ ذلكَ علانيَّةً حتى يحسبَهم الجاهلُ أصدقاءً.. فإذا انتصرَ العدوُّ أظهروا العداءَ.. وإذا انتصرَ الإسلامُ كانوا هم الرُّفقاءَ.. (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141].
ولذلكَ عندما أُعلنَ التَّحالفُ الإسلاميُّ لمحاربةِ الإرهابِ.. رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.. وبدأوا يُشكِّكونَ في مقاصدِ هذا التحالفِ.. وما هو الإرهابُ الذي سيُحاربُه.. ومن سيقودُ هذا التَّحالفَ.. ولأنهم أذكياءُ وليسوا عُقلاءَ.. عرفوا أن هذا التَّحالفَ هو لحمايةِ بُلدانِ المُسلمينَ من كلِّ عدوٍّ إرهابيٍّ.. وهو كلُّ من يعتدي على بلادِ المسلمينَ بغيرِ حقٍّ.. سواءً كانَ عربيَّاً أو أجنبيَّاً.. وسواءً كانَ شرقيَّاً أو غربيَّاً.. وأنه سيكونُ للدُّولِ الإسلاميَّةِ شوكةٌ.. وأن من يُفكرَ أن يعتدي على دولةٍ.. فسيعلمُ أنَّه يُحاربُ خمسةً وثلاثينَ دولةً.
وليتَ هؤلاءِ وهم في بلادِ الإسلامِ يعلمونَ.. أيُّ نعمةٍ هم فيها يتنعَّمونَ.. فكم تمنى كثيرٌ من الغربِ العاقلِ.. أن يعيشَوا ولو رقيقاً تحتَ الإسلامِ العادلِ.
لما رأى المعتمدُ بنُ العَبَّادِ، وكانَ من ملوكِ دُولِ الطَّوائفِ بالأندلسِ، ما حَلَّ بالمدنِ من حولِه، وسُقوطِها الواحدةَ تِلوَ الأخرى في يدِ الفونسو ملكِ النَّصارى، رأى أن يَستنجدَ بالإمامِ الصَّالحِ يوسفَ بنِ تَاشفينَ -رحمَه اللهُ- من المغربِ، فقالَ له أحدُ وزرائه: لكنَّه إذا أنجدَك أخذَ مُلكَك؛ لأنَّه سيكونُ هو الأقوى، فيأخذَ مِنهُ الملكَ.. فقالَ المعتمدُ بنُ العبَّادِ كلمتَه المشهورةَ: "لأنْ أكونَ راعيَ إبلٍ عندَ يوسفَ بنِ تاشفينَ أحبُّ إليَّ من أن أكونَ راعيَ خنازيرَ عندَ الفونسوا". وكانَ في رأيه ذلكَ خيرٌ عظيمٌ للمسلمينَ.
نسألُ اللهَ تباركَ وتعالى السَّلامةَ والعَافيةَ، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ.. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إله إلا هو لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونسعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ تعالى من شُرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أما بعد:
فيقولُ تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].. ففي زمنٍ لا يعرفُ فيه العالمُ إلا لغةَ القوَّةِ.. ينشرحُ صدرُ المؤمنِ بوجودِ قوَّةٍ للإسلامِ عظيمةٍ.. تجتمعُ فيه بلادُ الإسلامِ الكثيرةُ.. تحتَ تحالفٍ واحدٍ ضدَّ كلِّ عدوٍّ.. خارجياً كانَ أو صفوياً أو صليبياً أو صهيونياً.. وقديماً قالَ العُقلاءُ حكمةً عجيبٌ سِرُّها.. عندما تجتمعُ العَصا في حِزمةٍ يصعبُ كسرُها.
تأبَى القِداحُ إِذا اجتمعْنَ تكسُّراً *** وإِذا افترقْنَ تكسَّرتْ أفرادَا
كم استَضْعَفَنا الغربُ الكافرُ! وكم ظلمنا الشَّرقُ الفاجرُ! يزرعونَ في بلادِنا الخلايا والجماعاتِ الإرهابيَّةَ.. ثُمَّ يأتونَ ليأكلوا خَيراتِ المُسلمينَ بحُجَّةِ مُحاربةِ الإرهابِ!! حتى أصبحتْ مناظرَ القتلِ والتَّعذيبِ والاغتصابِ.. وقوداً لقلوبِ أبنائنا المُتَحمِّسينَ إلى جماعاتِ الإرهابِ.. فإلى متى والمسلمونُ مُتَفرِّقونَ وقد تكالبُ عليهم الأعداءُ؟! وإلى متى يُخطِّطونَ ونحنُ نكونُ كَبشَ الفِداءِ؟! لقد آنَ لنا أن نُدافعَ عن عقيدتِنا وبلادِنا وأبنائنا.. لقد آنَ للإسلامِ أن يستعيدَ هيبتَه.. ولقد آن للذِراعِ الحديديِّ أن يُحكمَ قبضتَه.. على كلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه أن يعتديَ على بلدٍ مسلمٍ.. أو شعبٍ مُسلمٍ.. أو رجلٍ مسلمٍ.. في أيِّ زمانٍ أو مكانٍ.. ومن أيِّ عدوٍّ كانَ.
ولعلَّه قريباً إن شاء اللهُ تعالى.. يأتي الزَّمانَ الذي يُقالُ فيه: ارفع رأسَك.. فإنكَ مسلمٌ.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدِّينِ، واجعلْ هذا البلدَ آمناً مُطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهمَّ انصرْ من نصرَ الدِّينَ، اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرَّاحمينَ..
اللهمَّ آمنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعلْ ولايتَنا فيمنْ خافَك واتَّقاكَ واتَّبعَ رِضاكَ يا ربَّ العالمينَ.. اللهمَّ وَفِّقْ وليَ أمرِنا لما تحبُه وترضاه من الأقوالِ والأعمالِ يا حيُّ يا قيومُ.. اللهم أصلحْ له بطانتَه يا ذا الجلالِ والإكرامِ.. ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِّنا عذابَ النَّارِ.
سبحانَ ربِّك ربُّ العزَّةِ عمَّا يَصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم