عناصر الخطبة
1/ عِظَمُ نِعمِ الله 2/ وجوب شكر الله على نعمه واستدامتها به 3/ شكر الله تعالى بالتأمل في نعمهاقتباس
فَنِعَمُ الله على عباده لا تحصى، وآلاؤه لا تستقصى، وما من نعمة حصَلت للعبد فهي منه سبحانه-تفضَّل بها على عبده، وليس للعبد فيها كسبٌ ولا فضلٌ، ولم تأته بقوة ذكاء، أو بفضل علم ودهاء؛ بل كل ذلك منه -سبحانه - تفضُّلاً وإحساناً، يقول -سبحانه-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ..
الحمد لله الذي بفضل علينا بأصناف النعم، وأفاض علينا من جوده اللطف والكلام، وأرشدنا إلى التأمل في الكون والنظر في خلقه، وما فيه من العـبر والحـكم، أحمده -سبحانه- ولا منتهى لحمده ولا عدم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجود والكرم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأحاسن الأخلاق والقيم، صلى الله عليه وآله وأصحابه أولي الفضل والشهامة والشيم، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأيام وخط القلم، وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه أنْ مَنَّ عليكم بالأفضال والنعم، وحباكم سوابغ المنن والكرم، وأفاض عليكم من جوده اللطف والإحسان الأجلّ الأتمّ، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
فَنِعَمُ الله على عباده لا تحصى، وآلاؤه لا تستقصى، وما من نعمة حصَلت للعبد فهي منه سبحانه- تفضَّل بها على عبده، وليس للعبد فيها كسبٌ ولا فضلٌ، ولم تأته بقوة ذكاء، أو بفضل علم ودهاء؛ بل كل ذلك منه -سبحانه - تفضُّلاً وإحساناً، يقول -سبحانه-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل:53].
إخوة الإسلام: وإذا كان هذا الأصل من عقيدة العبد وإيمانه، وهو نسبة النِّعَم إلى الله، وعلمه بأن الله مُقَدِّرها، ومانحها للعبد، فلا يجوز الإخلال بهذا الأصل، أو التطاول بها على العباد، والتفاخر بها على وجه الفساد؛ بل ينظر العبد إلى ما منحه الله من النعم بمنظار العدل والتوازن، فيقوم بواجب الشّكر لله، وينسبها إليه -سبحانه-، ويعلم أنها حصلت بتقديره وفضله وإحسانه، ويوقره -سبحانه -على توفيقه وامتنانه.
ثم يكون حاله مع هذه النعم الشكر الدائم، والاستعانة بها على طاعته ومراضيه، واجتناب مساخطه ومناهيه، ويكون مقيداً لنعم الله، مقدراً لها عن غير تجاوز، ولا تعدٍّ، ولا إسراف، أو بطر، أو بغي على الناس، وبهذا يكون قد أدَّى ما أوجب الله عليه حيال نعم الله.
ولقد استنكف الكثير من الناس هذا الأصل، وعطلوا هذا الفضل، فبدلوا نعم الله كفراً وجحودا، وتنكروا لما هم فيه تمرداً وصدوداً، وبغوا في الأرض ظلماً وفساداً، فأعقبهم الله فتنةً وبلاءً وشروراً، وأصبحت أحوالهم في كمد، ومعايشهم في نكدٍ، وتسارعت الفتن إليهم في عقر دارهم، وتوترت أحوالهم، وتضاربت أفكارهم، واختل أمرهم، واستبيحت بيضتهم وديارهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
إنَّ دوام النعم على العباد مشروط بالقيام بواجب الشكر ومقوماته بالعمل بطاعة الله، ونيل مراضيه، والانتهاء عن مساخطه ومناهيه، يقول سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
فراعوا -عباد الله- النعم، واشكروا مُسديها ذي الطول والكرم، واستعينوا على طاعة المنعم، وافعلوا الأسباب المعينة على الشكر، فإن الشكر لله هو رأس العبادة/ وأصل الخير، ولا تزدروا نعم الله عليكم.
ألا وإن من الأسباب المعينة، والوسائل القوية لشكر نعم الله أن يلحظ العبد في كل وقت مَن هو دونه في العقل، والنسب، والمال، وأصناف النِّعَم، فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى شكر ربه، والثناء عليه، فإنه لا يزال يرى خلقاً كثيراً دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثيرٌ منهم أن يصل إلى قريبٍ مما أوتيه من عافية ورزق ومال، وخَلْقٍ وخُلُق، فيحمد الله على ذلك حمداً كثيراً، ويقول الحمد لله الذي أنعم علي، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، فإنه بذلك يصل إلى السبب القوي المعين على شكر نعم الله، ففي النظر إلى من دونه من الأشخاص في العافية، والأرزاق، والعقول، والأموال، والأحساب، والأنساب، والعلوم، والمعارف، والأوصاف، تتراءى نعم الله عليه، ويعرف قدر النعم عليه.
ولقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الدواء النافع، والسبب الفعال في شكر النعم، فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
فيا أيها الأخ المبارك، ألا ترى أن الله منحك نعماً تترى، بينما فقدها الكثير من خلق الله؟ أمعِنْ النظر وتأمل إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم، فاحمد ربك على كمال العقل، ثم شاهد عالماً كثيراً ليس لهم قوت ولا مساكن يأوون إليها، وأنت مطمئن في السكن، موسع عليك في الرزق.
تأمل خلقاً كثيراً قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام، أمراض مستعصية، وعاهات متقصية، وأنت معافى، مسربل بالعافية، قد مَنَّ الله عليك بصحة في الجسم، وعافية في البدن.
تأمل أناساً كثيرين قد استولى عليهم الهم، وملكهم الحزن والوساوس، والأمراض النفسية والعصبية، وانظر إلى ما أنت فيه من عافية من هذا الداء، ومنة الله عليك براحة القلب والاطمئنان، وانشراح الصدر، وانبساط الحياة.
وتأمل من يقبعون في السجون، وفي الزنازين، ممن ابتلوا بحوادث وجرائم، وأحوالهم فيها من الضيق، والهم، والكمد، وأنت معافى طليقٌ، وحياة طيبة، وصديق، ورفيق.
ثم تأمل وشاهد خلقاً كثيراً قد ابتلوا ببلاء أفظع؛ وذلك بانحراف الدين، والتنكر لنعم رب العالمين، والوقوع في قاذورات المعاصي والنكرات، وأنت معافى من ذلك، والله قد حفظك منها أو من كثير منها.
ثم تأمل -أخي المبارك- ما في الناس من أرامل، ثكالى، وصبية يتامى، وأمهات مكلومات، وأنت بين أهلك وأحبابك وأولادك، في منتهى الغبطة والسرور، فبذلك التأمل والنظر تشكر الله، وتحس بنعمة الله عليك، وتقدر ما أنت فيه، فراعوا -عباد الله - هذا المطلب، وانظروا نعمة الله عليكم؛ لعلكم تشكرون.
وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم