عناصر الخطبة
1/نعمة البيوت 2/بعضا من آداب البيوت وحقوقهااقتباس
لقدْ جعلَ اللهَ البيوتَ سَكَنًا يَفِيءُ إليها أَهْلُهَا؛ فتَسْكُنَ أَرْوَاحُهُم، وَتَطمَئِنَ نُفُوسُهم، ويَأمَنونَ على عَورَاتِهِم وحُرُمَاتِهم، وَيُلْقٌونَ أَعْبَاءَ الحَذَرِ والحِرصِ الْمُرهِقَةِ للأَعصَابِ؛ لِأَنَّهَا حَرمًا آمِنًا لا يَستَبِيحَهُ أَحَدٌ إلا بِعلْمِ أَهْلِهِ، وَإِذْنِهم في الوقتِ...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ البُيُوتَ لَنَا سَكَنًا وسِترًا، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُهَا الإِخْوَةَ: لقدْ جعلَ اللهَ البيوتَ سَكَنًا يَفِيءُ إليها أَهْلُهَا؛ فتَسْكُنَ أَرْوَاحُهُم؛ وَتَطمَئِنَ نُفُوسُهم؛ ويَأمَنونَ على عَورَاتِهِم وحُرُمَاتِهم، وَيُلْقٌونَ أَعْبَاءَ الحَذَرِ والحِرصِ الْمُرهِقَةِ للأَعصَابِ؛ لِأَنَّهَا حَرمًا آمِنًا لا يَستَبِيحَهُ أَحَدٌ إلا بِعلْمِ أَهْلِهِ وَإِذْنِهم في الوقتِ الذي يُرِيدُون، وعلى الحَالَةِ التي يُحِبُون أَنْ يَلْقَوا عَلَيها النَاسَ؛ لذلك نَظَّمَ الإسلامُ هذا الأمرَ وشَرَعَ له أَحْكَمًا تُرِيْحُ الزَائِرَ والْمَزُور، وَقَدْ أَشَرْتُ إلى بعضِهَا في الجُمعةِ الماضيةِ وَأشِيرُ إلى بقِيتِهَا اليَومِ وَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ من الدينِ الذي يُثَابُ فَاعِلَهُ، ويُعَاقَبُ عَلَى بَعضِهِ تَارِكُهُ، فَمِنْ آَدَابِ الاسْتِئذَانِ -أحبتي-: أنْ يَستَأذنَ القَادِمِ ثَلاثًا فِإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلا انْصَرَفَ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -ﷺ-: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِع"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وَمِنْ آَدَابِ الاسْتِئذَانِ على البيوتِ كذلك: عدمُ استقبال الباب عند طرقه، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- صَاحِبِ النَّبِيِّ -ﷺ- أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- إِذَا جَاءَ الْبَابَ يَسْتَأْذِنُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ" يَقُولُ: "يَمْشِي مَعَ الْحَائِطِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ، فَيُؤْذَنَ لَهُ، أَوْ يَنْصَرِفَ"(رواه أحمد في مسنده، وقال الأرناؤوط: "إسناده حسن"، والبخاري بالأدب المفرد، وقال الألباني: "حسن صحيح").
أما إِذَا دُعِيَ لمناسبةٍ أو غيرِها، وَأَتَى مُجِيبًا لِلدَّعْوَةِ فِي وَقْتِهَا فَدَعْوُتُهُ تَكْفِي عَنْ طَلَبِ الْإِذْنِ، وَكَذَلكَ إِذَا أَرْسَلَ لَكِ صَاحِبُ الدَارِ منْ يَأتِي بك؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَجَاءَ مَعَ الرسولِ فهو إذنُه"(رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وصححه الألباني).
وَإِنْ دُعِيَ فَأَتَى فِي غَيْرِ حِينِ الدَّعَوَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَأذِن، وكذلك يُسنُ لمن أتى وأُجيبَ بِمَنْ بالبابِ: أن يقولَ اسمَهُ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -ﷺ- فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟" فَقُلْتُ: أَنَا فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا، أَنَا" كَأَنَّهُ كَرِهَهَا"(رواه البخاري ومسلم).
ومن السُنةِ: عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ بطرقِ البابِ أو الاستمرارِ في تعليقِ جرسِ الباب، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ -ﷺ- تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ"(رواه البخاري بالأدب المفرد، وصححه الألباني).
وَإِذَا اعْتَذَرَ صَاحِبُ الْبَيْتِ مِنْ اسْتقْبَالِ الْمُسْتَأذِن فَإنَّهُ يَرْجِع، وَلا يَحْمِلَنَّ فِي نَفْسِهِ شَيئًا، ولا يجدنَّ فِي نَفْسِهِ غَضَاضَةً، ولا يُشْعِرُ نَفْسَهُ أنَّ أهلَ البيتِ أساؤوا إليه، أو نفروا منه فللناس أسرارُهم وأعذارُهم، ويجبُ أن يُتْرَكَ لهم وحدَهم تقديرُ ظروفِهم وملابساتِهم في كل حين، يَقُولُ تَعَالَى مُقَررًا هذا الفهمَ السليمَ: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[النور: 28] قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحبَ المنزلِ، لم يمنعْكم حقًا واجبًا لكم، وإنما هو متبرعٌ، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذُ أحدُكم الكبرَ والاشمئزازَ من هذه الحال: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) أي: أشدُ لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، فيجازي كلَ عاملٍ بعمله؛ من كثرة وقلة، وحُسن وعدمه".
ومن الأدبِ: أنه يُسَنُ لمن أرادَ الدخولَ أن يُسلم ويستأذن، فعن كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ بَعَثَنِي صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِلَبَنٍ وَلِبَإٍ وَضَغَابِيسَ (هُوَ حَشِيشٌ يُؤْكَلُ) إِلَى النَّبِيِّ -ﷺ-، وَالنَّبِيُّ -ﷺ- بِأَعْلَى الْوَادِي بِمَكَّةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ، وَلَمْ أَسْتَأذِنْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟"، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ"(رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني)، وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَقُولُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَأَدْخُلُ؟ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقُلْ: لاَ، حَتَّى تَأتِيَ بِالْمِفْتَاحِ، قُلْتُ: السَّلاَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ"(رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وصححه الألباني).
وَمِنْ الأَدَبِ: أَنَّهُ لَا يَحِلُ لِلزَائِرِ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ البَيْتِ حَتَى يَسْتَأَذِنَ، فعَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -ﷺ- قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرِئ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَوْفِ بَيْتٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ حَتَّى يَسْتَأذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ"(رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وصححه الألباني).
أما من تجرأ ونظر من شقٍ في البابِ، أو الجدار، أو رواق الخيمة، أو غيره؛ فقد أخطأ وعَرَّضَ نفسَهُ للعقوبةِ العاجلةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ بَابَ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خَصَاصَةَ الْبَابِ (هِيَ الْفُرْجَة، وَالْمَعْنَى: جَعَلَ فُرْجَة الْبَاب مُحَاذِيَةً لِعَيْنِهِ) "فَبَصُرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعَنَهُ" فَلَمَّا أَنْ بَصُرَ الرَّجُلُ أَخْرَجَ رَأسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ ثَبَتَّ لَفَقَأتُ عَيْنَكَ"(ذكره في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، وعزاه للبخاري، ومسلم، والنسائي، وأحمد).
وَمِنْ الآَدَبِ الْتِي يَغْفَلُ عَنْهَا بَعْضُ النَاسِ كَذَلِكَ: تَنَاجِي بَعْض الجَالِسِينَ دُونَ بَعْضِهم الآخر، وضابط ذلك مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلَّا بِإِذْنِهِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً؟، قَالَ: "لَا بَأسَ بِهِ"(رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأحمد).
أيها الإخوة: وَعَلى المُسلمِ إِذا دَخَلَ عَلَى مَجْلِسٍ يَتَنَاجَى فِيهِ اِثْنَان أن لَا يَجلِسَ حَتَى يَسْتَأَذِن؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌ عَنْ الجُلُوسِ؛ فَعَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَمَعَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا، فَضَرَبَ بِيَدِهِ صَدْرِي، وَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنّ رَسُولَ اللهِ -ﷺ- قَالَ: "إِذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فلَا تَجْلِسْ إِلَيْهِمَا حَتَّى تَسْتَأذِنَهُمَا؟"(رواه أحمد، وصححه الألباني)، وَمِثْلُ هذَا فِيمَا أَرَى مَنْ دَخَلَ عَلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ بِالهاتِفِ فَإِنَّهُ لا يَجْلِسْ حَتى يَسْتَأذِن.
ومن الآَدَابِ التِي تَخْفى كذَلِك: كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ اِثْنَيْنِ مُتَلَاصِقَيْن فِي مَجْلِسٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا، وتَشْتَدُّ الكَرَاهَةُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ نَحوِ والِدٍ وَوَلدِه، أو أخٍ وأخِيه، أو صَديقٍ وصَديقِه، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ -ﷺ- أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجْلَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا"، وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا"(ذكره في "الجامع الصحيح للسنن والمسانيد"، وحسنه الألباني)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحَبَّةٌ وَمَوَدَّة، وَجَرَيَانُ سِرٍّ وَأَمَانَةٍ؛ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا التَّفَرُّقُ بِجُلُوسِهِ بَيْنَهُمَا.
ومن أدب الزيارة كذلك: عدمُ الانصرافِ إلا بعد الاستئذانِ من المزور، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "إِذَا زَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ، فلَا يَقُومَنَّ حَتَّى يَسْتَأذِنَهُ"(رواه الديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه الألباني).
أسأل الله -تعالى- أن يفقهنا في ديننا، وأن يجعلنا من الراشدين...
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيماً لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الـمُؤيَدُ بِبُرهَانِـهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.
أَمَا بَعْدُ: أَيُهَا الإِخْوَةَ: اتَقُوا اللهَ حَقَ التَقْوَى، واعْلَمُوا أنَّ من الآدابِ عند دخول المنزل الخاصِ: ذكرُ الله، والسلام، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -ﷺ- يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ"(رواه مسلم)، قال النووي -رحمه الله-: "معناه قال الشيطانُ لإخوانِه وأعوانِه ورفقتِه، وفى هذا استحبابُ ذكر الله -تعالى- عند دخولِ البيت، وعند الطعام"، وقال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- في "شرح رياض الصالحين": "وفي هذا حثٌ على أن الإنسان ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكرَ اسمَ الله، والذكرُ الواردُ في ذلك: "اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى الله رَبنَا تَوَكلْنَا"(رواه أبو داود عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، وفيه: إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة": "صحيح الإسناد"، ثُمَ يَسْتَاكُ؛ لأنَّ النَبِيِّ -ﷺ- كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيتَهُ أَولُ ما يَبْدَأُ بِهِ السِوَاكَ، ثُمَ يُسَلِمُ عَلَى أَهْلِهِ؛ فَفِي بَذْلِ السَلَامَ بَرَكةٌ عَلَى الأُسْرَةِ كُلِها، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: "يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ"(رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن لغيره").
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ- قَالَ: "ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ"(رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، وابن حبان، وقال الألباني: "صحيح") أَي فِي رعايةِ اللهِ وكفالتِه من مضارِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وقالَ الطِّيبِيُّ: "الضَّامِنُ بِمَعْنَى ذِي الضَّمَانِ، أَيْ: وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- يَعْنِي بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ أَنْ يَكْلَأَهُ مِنْ مُضَادِّ الدِّينِ وَالدُّنْيَا"، فما أجزلَ هذه العطيةَ من اللهِ -تعالى- وما أغلَاها...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم