البراء من الكفار واستقدام العمالة منهم

عبد العزيز بن عبد الرحمن المقحم

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ نصوص في البراء من الكافرين 2/ نماذج من مكر الكافرين بالمسلمين 3/ تصحيح مفاهيم خاطئة في البراء 4/ شُبُهات يُردّدها البعض حول موضوع البراء

اقتباس

إني سائلك فمشدد عليك فاستمع لما أقول: أرأيت لو أن أحدًا يبارز دولتك بالعداء، هل تجد عاقلاً لبيبًا يؤويه؟! بل لو كانت ورقة تنضح بالعداوة والإفساد لدولتك، هل تجد عاقلاً لبيبًا يجعلها في داره فضلاً عن أن يحملها جهرة؟!! إنما جوابك الذي لا جواب غيره: لا، ثم لا. وكلنا نقول ذلك، فما بالك مع عدو الله الذي بارز الله بالعداء، أليس أولى لهذا الخوف أن يكون من الله؟! أو ليس أولى لهذه الحيطة أن تكون من...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- فإن تقواه هي النجاة: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَلأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70،71].

 

عباد الله: إنه لابد من التفريق بين حزب الله وحزب الشيطان لأن عدم التفريق بينهما فتنة عظيمة وفساد كبير: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَلْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم:35،36]، (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَـاتِ كَلْمُفْسِدِينَ فِى الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَلْفُجَّارِ) [ص:28]، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيّئَـاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَـاتِ سَوَاء مَّحْيَـاهُمْ وَمَمَـاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية:21].

 

إنك حيث آمنت بالله ورسوله أصبحت واحدًا من المسلمين، لك ما لهم، وعليك ما عليهم، والمؤمنون هم حزب الله (وَللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68]. وأصبح لك أعداء لم يؤمنوا بالله ولا برسوله ولم يدينوا دين الحق الذي ارتضاه الله لنفسه، فكان لزامًا عليك أن تبغضهم وتتبرأ منهم: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْء إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـاةً وَيُحَذّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران:28].

 

هل كان هذا الأمر غفلاً لم تعرف عنه شيئـًا ولم تسمع فيه قولاً؟! ألم تقرع مسامعك الآيات البينات من كتاب الله؟! أليس الله أعلم بما يصلح عباده وبما يفسدهم؟! أوليس الله بأرحم بالمؤمنين؟! أمَا قال سبحانه: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَلنَّصَـارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ) [المائدة:51]، (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ءابَاءكُمْ وَإِخْونَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَـانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ) [التوبة:23]، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـانِكُمْ كَـافِرِينَ) [آل عمران:100]، (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَـابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَـاسِرِينَ) [آل عمران:149]، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ الْحَقّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّـاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِللَّهِ رَبّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَبْتِغَاء مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) [الممتحنة:1]، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِلْكِتَـابِ كُلّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الاْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:118-120].

 

هذه أوامر الله ونواهيه: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ) [البقرة:129]، وهي نصوص من الوحي لا تختلف باختلاف الزمان، ولا تتغير بتغير الأسماء والألوان، فما كان منها عن الكفار فهو شامل لجميعهم، إلا ما استثني بالدليل، أما تغير الوجوه والأسماء واختلاف الدول والممالك، وتقادم العهد فلا يغير من أمر الله شيئـًا.

 

وإن التاريخ ليشهد بذلك والواقع شهيد عليه، فقل لي بالله عليك: من كان يجالد المسلمين بالسيوف يوم بدر يريد ذلة الإسلام وأهله؟! أليسوا المشركين؟! ومن كسر رباعية رسول الله وشق وجنته يوم أحد؟! أليسوا المشركين؟ ومن حاصر المسلمين في المدينة حتى زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم الحناجر وزلزلوا زلزالاً شديدًا؟! ومن صادم المسلمين في القادسية واليرموك ليصدهم عن نشر دين الله والتمكين له ودعوة الناس إليه؟! أوليسوا المشركين؟! وما أخرج التتار من الشرق وساق الصليبيين من الغرب ليحطموا المسلمين ويستبيحوا بيضتهم؟! أليس الشرك بالله وعداوة عباده المؤمنين؟! وما دفع المستعمر الأوربي الحاقد أن يفسد بلاد المسلمين ثم يمكن فيها للمفسدين؟! أليس عداوتهم لله ولعباده المؤمنين؟! بلى والله!!

 

تلك شهادة التاريخ فبأي شيء يشهد الواقع؟! هل يخفى عليك -أيها الفطن- ما يلاقي المسلمون من صنوف الأذى في مشارق الأرض ومغاربها على أيدي أعدائهم؟! أما أنا فلا أظن ذلك خافيًا على مثلك، أليسوا يقدمون لنا كل يوم دليل عداوتهم وبغضهم لنا وحقدهم علينا بالاغتصاب والسلب والنهب والتقتيل والتشريد؟!

 

أما إنهم لا يقدمون ذلك في خطابات شديدة اللهجة، ولا في خطبهم ومحاضراتهم بل (يُرْضُونَكُم بِأَفْوهِهِمْ) [التوبة:8]، ولكنهم يقدمونه بقطع رؤوس الرجال وبقر بطون الحوامل، وافتضاض الأبكار من بنيات المسلمين أمام ذويهن وزرع أجنة الكلاب في أرحام المسلمات.

 

لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان

 

ثم نجد -من المسلمين- من يؤويهم، ويمكّن لهم، ويثني عليهم، ويدافع عنهم، بل ربما سب المسلمين من أجلهم، فإلى الله المشتكى:

 

ملأ الأرض هتافـًا بحياة قاتليْه *** يا له من ببغاء عقله في أذنيه

 

هذا ما يقدمونه بالفعل، أما القول فلا، إذ ربما تسمع من بعضهم كلامًا يرضي السذج من المسلمين، وما يكفي ليكون مادة للاستهلاك الإعلامي لتغرير شعوب مسلمة بأكملها، لكن أصدق القائلين يقول: (يُرْضُونَكُم بِأَفْوهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـاسِقُونَ) [التوبة :8] وربما لم يسعهم أن يرضونا بأفواههم فتغشى أحقادهم مرونة اللسان وتغلبه فينفث مما في صدره: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـاتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران :118].

 

عباد الله: ما كان المسلمون في وقت من الأوقات أحوج إلى بغض الكفار ومنابذتهم منهم في هذا الوقت، إذ لا ينفك المسلمون يلْقون منهم العنت والمحادة في كل قطر من أقطارهم، ومصر من أمصارهم، وبكل وسيلة يغزون بها شبابهم ونساءهم وأفكارهم وأراضيهم! أيبقى بعدُ لَبْس؟! أو لم يزل بيننا أبرياء مغفلون لم يتبين لهم الأمر بعد؟! أفينا من يحتاج خطبة كاملة -أو أكثر من ذلك- ليعرف واجبه نحو إخوانه المسلمين وأعدائه الكافرين؟! وهل بيننا من لم يزل يبغض الكفار في الجملة ويوالي أفرادًا منهم؟! فإذا قيل له: "الكفار"، استشاط غضبًا وتأوه من أعمالهم في المسلمين، أو إذا قيل له: "المشركون والأعداء"، طفق يشتم ويلعن، أما إذا قيل له: عاملك الذي اسمه (جورج)، أو مكفولك الذي اسمه (إدوارد)؟! قال: هذا مسكين هذا طيب، ذروني وهذا فإني لا أستغني عنه، وهل وقف الأمر على هذا المسكين؟! يالله للمسلمين! بل أنت المسكين وأنت الطيب وأنت الذي وقف الأمر عليك، فما الأمة إلا أنت وأمثالك، ولو أجبتم داعي الحق لاستقامت السبل.

 

عباد الله: إن بعض المسلمين يرى أن الكفار أعداء الله، ولكنه لا يستشعر أن كل كافر هو بعينه عدو الله، يجب بغضه والبراءة منه، لذلك كما قال الله في إبراهيم وأبيه: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة :114].

 

صحيح -يا أخي الحبيب- إن إبليس عدو الله، وكذا فرعون، وماركس، وأضرابهم، وكل الكفار و (مَن كَانَ عَدُوّا لّلَّهِ وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـافِرِينَ) [البقرة: 98]، ولكن ما رأيك في سائقك الكافر؟! أو خادمة جيرانك الكافرة أو عامل المحل أو المصنع الذي استقدمته أنت تحت كفالتك ومكّنته من أرض المسلمين التي حرمها عليهم رسول الله، وهيأت له الفرصة الجميلة إذ يسرت له سبل العيش وكفلت أسرته وأطفاله وهم شر على دينك وأمتك حاضرًا ومستقبلاً، وقدمته على أخيك المسلم في بلاده نفسها، وتركت أخاك يصارع آلام الحياة ويتكبد المآسي هو وأهله؟! اسمح لي أن أجيبك على الملأ! فأقول بملء فمي:  إنه كافر، نعم كافر، وليس هذا سرًّا نخفيه، فما يوم حليمة بسر، وليس يرضى (هو) أن يقال عنه: مسلم وهو (بعينه) عدو لله والله عدو له: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـافِرِينَ) [البقرة :98]، ولكنك تسامحت معه إلى أبعد الحدود. سامحك الله وغفر لك ونجاك من زلتك!

 

أرأيت لو كان عدوًا لأبيك -ولو كان مسلمًا- أو عدوًا لبلدك؟! ألا تخاف مكر الله يا غافل وأنت تؤوي أعداءه وتمكن لهم وتسهل لهم سبل المعيشة دون إخوانك المسلمين مع شدة حاجتهم وقد أمرت ونهيت فما ائتمرت ولا انتهيت؟!!

 

أيها المسلم الحبيب: إني سائلك فمشدد عليك فاستمع لما أقول: أرأيت لو أن أحدًا يبارز دولتك بالعداء، هل تجد عاقلاً لبيبًا يؤويه؟! بل لو كانت ورقة تنضح بالعداوة والإفساد لدولتك، هل تجد عاقلاً لبيبًا يجعلها في داره فضلاً عن أن يحملها جهرة؟!! إنما جوابك الذي لا جواب غيره: لا، ثم لا. وكلنا نقول ذلك، فما بالك مع عدو الله الذي بارز الله بالعداء، أليس أولى لهذا الخوف أن يكون من الله؟! أو ليس أولى لهذه الحيطة أن تكون من مكر الله (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَـاسِرُونَ) [الأعراف:99].

 

هذا هو الحق وأنت أدرى به، ولكنك تتغافل عنه، أو تحب أن تتغافل عنه، أما تعترف أن مكفولك الكافر هو بعينه عدو لله؟! إنك إذًا لمن الظالمين! أو يخدعك برقيق كلامه وصفيق تملقه أو تظن أن هذا الكافر الذي عندك قد استُثني (لشخصه) من قول الله سبحانه: (إِنَّ الْكَـافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً) [النساء:101]، أو من قوله سبحانه: (لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء) [الممتحنة:1]، أو من قوله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الْيَهُودَ وَلَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة :82]، بجميع دياناتهم! ألا تظن أنه يتمنى لك أن تكفر أم قد تستثنيه (بشخصه) من قول خالقه: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء:89]، أم قد استثني من قوله سبحانه: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ) [البقرة :105]، أو من قوله سبحانه: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران :120]؟! أين أنت من هذه النصوص الصحيحة الصريحة، التي تخاطبك صباح مساء وأنت مؤمن بها؟!

 

إنك ملزم ببغضه والبراءة منه، وعدم موالاته لو كان أبًا لك أو أخًا، فكيف وليس كذلك؟! أما قال الله سبحانه: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ءابَاءكُمْ وَإِخْونَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَـانِ) [التوبة:23]. أما قال الله لنبيه نوح عن ولده: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود :46]؟! أيُطلَب شيء بعد هذا؟! (تَلْكَ ءايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِلْحَقّ فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَءايَـاتِهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية :6].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم  تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقواه، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار، ثم اعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على رسوله المختار، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

 

أيها المسلم الكريم: لقد كان عليك أن تنصر المسلمين بنفسك ومالك، فيراق دمك، ويعقر جوادك في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، ولقد يظن بك الخير من يرى منك بوادره، وأنت له أهل إن شاء الله، فإن لم يكن منك ذلك، فليسلم منك المسلمون -على الأقل- فلا تؤذهم بالتمكين لعدوهم، واستقدامه دونهم، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده:

 

وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا *** حياتك لا نفع وموتك فاجع

 

لقد تكالب الأعداء على إخواننا في بلدانهم، فهل نكون عليهم فيمن عليهم؟! إن أشق ما يواجه المسلمون في الهند أن تدفق الأموال على كفرة الهندوس يأتي من الخليج!

 

فـواعجبًا لمن ربيت طفلاً *** ألقـمه بأطراف البنان

أُعلّمُه الرمـاية كل يـوم *** فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نـظم القوافي *** فلما قـال قافية هجاني

 

أتدعو لإخوانك المسلمين في صلواتك، وتبكي على مآسيهم، أمَّا كفالتك وأموالك وأعمالك فهو للكفار أعدائهم؟! أي تناقض أنت فيه؟!

 

كم من المسلمين في أصقاع بعيدة يتمنى بكل حرقة أن يقدم إلى هذه البلاد لعله يحج، فكانت الفرصة على يديك، ويمكنك أن تستقدم من تلك البلاد واحدًا أو أكثر، فحرمت أخاك الذي يتمنى المجيء والحج، واستقدمت بدله كافرًا عدوًا مبينًا لا يحبك ولا يحب الحج، ومع ذلك تزعم محبة إخوانك وتدعو لهم؟!

 

لا أعرفنك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادي

 

أرأيت لو أن مكفولك الكافر في مثل موقفك، وهمّ أن يستقدم عاملاً أو خادمًا، أتراه يترك أخاه الكافر الذي على دينه، ويستقدم مسلمًا ويمكّن له؟! (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِلْكِتَـابِ كُلّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الاْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) [آل عمران :119].

 

أيها المسلمون: إن هناك شبهات ثلاثًا لابد من الرد عليها؛ لأن الشيطان سوّل بها وأملى:

 

الأولى: قولهم: إن هؤلاء الكفار أحسن عملاً من المسلمين. والثانية: قولهم: أستقدم كافرًا وأدعوه للإسلام. والثالثة: قولهم: إن تغيير الديانة في البطاقة سهل، فإذا اشترطنا الإسلام كتبه في بطاقته، ولو لم يسلم!

 

والحقيقة أن هذه كلها ليست حجة يقولها صاحب حق، ولكنها خدعة يقولها متورط، وهو أول المخدوعين، فلما صار في قلبه مرض، واستقدم عدو الله وخالف وصية رسوله اضطر أن يدافع عن خطئه، فجعل يلتمس أعذارًا أوهن من بيت العنكبوت، وربما زل بكلام خطير لا يعرف مداه، وهو يدافع عن خطئه، ويمدح الكفار، ويثني على أخلاقهم وعملهم، ويسب المسلمين، ويرميهم بكل نقيصة، والأحناف يقولون: "من قال: النصارى خير من المسلمين، كفر".

 

والحقيقة أن المسلمين هنالك فُرض عليهم الجهل ولم يمكنوا من الفرص وضيق عليهم في الاستقدام، فتركناهم وجئنا بالكفرة فتعلموا على حسابنا ثم قلنا: هم أتقن عملاً، ربما استقدم المسلم مسلمًا فلم يرضه، فآلى على نفسه أن لا يستقدم مسلمًا أبدًا عياذًا بالله من ذلك؛ لأنه كان على حرف فابتلي: (كَذلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف:163]، فليس في الشرع أن تفاضل بين الكافر والمسلم، فتستقدم المتقن، ولكن الشرع يحرم موالاة الكفار، واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، ويحرم استقدامهم إلى جزيرة العرب، كما صح عن رسول الله وكما أفتى بذلك العلماء الأثبات.

 

أما قولك: أستقدم كافرًا وأدعوه للإسلام، فإن ما نراه ليس من الدعوة في شيء، ثم كم أسلم على يديك من كافر؟! وكم يكفيك من الوقت لتعرف نتيجة دعوتك معه؟! وماذا صنعت لمن لم يسلم؟!

 

وأما القول بسهولة تغيير الديانة: فلو أن رجلاً أراك في بطاقته أنه مسلم ما صح لك أن تتهمه بالكفر، حتى ترى منه كفرًا: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَـامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [النساء:94]، ثم إنك إذا استقدمت من كتب في ديانته (مسلم) فقد برئت ذمتك أنت إن شاء الله، وعليك التحري ما استطعت، أما أن تقول: إن تغيير الديانة في البطاقة سهل، وأنت تدافع عن استقدامك لعدو الله، وتركك لأخيك المسلم المحتاج، فهذه حجة خارج قضية النزاع، فليس صحيحًا أن تشرب الخمر لأن جعل العنب خمرًا سهل، والعقلاء لا يقبلون هذا. والله أعلم بما تصفون.

 

حجج تهافت كالزجاج تخالها *** حقـًا وكلٌّ كاسر مكسور

 

أيها المسلمون: إن هذا الحديث ليس مقصورًا على من استقدم كافرًا، بل هو لكل من سمعه، فإذا استيقظت غيرتك، وثـُبْت إلى رشدك، وتـُبت إلى ربك، وعزمت أن تخرج كل كافر أدخلته بلاد المسلمين مهما كلف الأمر، وأن لا تستقدم كافرًا آخر، مهما يكن من شيء، وأن تناصح كل من استقدم كافرًا ولو لم تستقدم أنت، فإذا كان ذلك فإياك ثم إياك أن تحملك العاطفة عندي على عزمك هذا ثم تنساه قبيل صلاة العصر، وتبرد همتك!! أو يبقى في نفسك ولكنك تسوف فيه!! أو تعزم عليه، فإذا تذكرت مكاتب الاستقدام ومشاكلها ومشاكل العمل تراجعت!! إياك ثم إياك "فإن الجنة حفت بالمكاره، والنار حُفت بالشهوات"، وإني أشهد الله عليك بما سمعت، وأسأله سبحانه أن يعيننا وإياكم على طاعته، ويجنبنا أسباب سخطه.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

من الكفار واستقدام العمالة منهم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات