في اليوم العاشر من شهر محرم وهو اليوم الذي عرف بعاشوراء، أكرم الله الحسين بن علي بن أبي طالب بالشهادة البدع التي أحدثت في شهر محرم بدعة الحزن في شهر محرم عند الرافضة في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي عرف بـ( عاشوراء).
أكرم الله سبحانه وتعالى الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- بالشهادة، وذلك سنة 61هـ، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته، وأعلى درجته، فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سُئِل: أي الناس أشد بلاءً؟ فقال: "الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقّة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة.
"فكان الحسن والحسين -رضي الله عنهما- قد سبق لهما من الله عز وجل ما سبق من المنزلة العالية، ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب، فإنهما ولدا في عز الإسلام، وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقها بأهل بيتهما، كما ابتلي من كان أفضل منهما، فإن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أفضل منهما وقد قُتِلَ شهيدًا، وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس، كما كان مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن، وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم.
فلما قتل عبد الرحمن بن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه وبايع الصحابة للحسن ابنه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
فنزل عن الولاية، وأصلح الله به بين الطائفتين، ثم إنه مات رضى الله عنه وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر، ولم يكونوا من أهل ذلك، بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده، ونقضوا عهده، وأعانوا عليه من عدوه أن يدفعوه عنه، ويقاتلوه معه.
وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما، قد أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم، ولا يقبل منهم، ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة، ولا يترتب عليه ما يسر، وكان الأمر كما قالوا، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
فلما خرج الحسين رضى الله عنه ورأى أن الأمور قد تغيرت، طلب منهم أن يدعوه يراجع، أو يلحق ببعض الثغور، أو يلحق بابن عمه يزيد، فمنعوه هذا وهذا، حتى يستأسر، وقاتلوه، فقاتلهم فقتلوه وطائفة ممن معه، مظلومًا شهيدًا شهادة أكرمه الله بها، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه. فأوجب ذلك شرًّا بين الناس، فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إمَّا ملحدة منافقة، وإما ضالَّة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية؛ من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية>
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضى الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء؛ من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله".
وهذا مخالف لشرع الله؛ فالذي أمر به الله ورسوله في المصيبة -إن كانت جديدة- إنَّما هو الصبر والاسترجاع والاحتساب؛ كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة". وقال : "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب". وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف له خيرًا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيرًا منها".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت"؛ فكيف إذا انضمَّ إلى ذلك ظلم المؤمنين، ولعنهم وسبهم، وإعانة أهل الشقاق والإلحاد على ما يقصدونه في الدين من الفساد! وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى، فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاء قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدين.
ولم يعرف المسلمين أكثر كذبًا وفتنًا، ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين، وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي وأمته المؤمنين، كما أعانوا المشركين من أعداء الإسلام على ما فعلوه ببغداد وغيرها بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولد العباس بن عبد المطلب وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين، من القتل والسبي وخراب الديار، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
وهذه الطائفة هم الرافضة؛ الذين اشتهروا دون غيرهم من الطوائف بسبِّ الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ولعنهما وبغضهما وتكفيرهما والعياذ بالله، ولهذا قيل للإمام أحمد: من الرافضي؟ قال: (الذي يسبّ أبا بكر وعمر).
وبهذا سميت الرافضة، فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- لبغضهم لهما، فالمبغض لهما هو الرافضي، وقيل: إنما سموا رافضة لرفضهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه عبد الله بن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي رضى الله عنه بدعوى الإمام بالنص، وادَّعى العصمة له؛ ولهذا لما كان مبدؤه من النفاق قال بعض السلف: حب أبي بكر وعمر إيمان، وبغضهما نفاق، وحب بني هاشم إيمان، وبغضهم نفاق.
وهذه الفرقة هي التي وصفها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، بل هم من أعظم الطوائف كذبًا وجهلاً، ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد، كما دخل فيهم النصيرية، والإسماعيلية وغيرهم، فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال فيهم الشُّعبي -رحمه الله- وكان من أعلم الناس بهم: لو كانوا من البهائم لكانوا حمرًا، ولو كانوا من الطير لكانوا رخمًا".
بدع شهر المحرم وأما في الوقت الحاضر، فيستقبل بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلدان شهر محرم بالحزن والهم والخرافات والأباطيل؛ فيصنعون ضريحًا من الخشب مزينًا بالأوراق الملونة، ويسمونه ضريح الحسين أو كربلاء، ويجعلون فيه قبرين، ويطلقون عليه اسم (التعزية)، ويجتمع أطفال بملابس وردية أو خضر، ويسمونهم فقراء الحسين.
وفي اليوم الأول من الشهر: تكنس البيوت وتغسل وتنظف، ثم يوضع الطعام، وتقرأ عليه فاتحة الكتاب وأوائل البقرة وسورة الكافرون والإخلاص والفلق والناس، ثم يصلى على النبي ويوهب ثواب الطعام للموتى.
وفي خلال هذا الشهر تمنع الزينة، فتضع النساء زينتهن، ولا يأكل الناس اللحوم، ولا يقيمون ولائم الأفراح، بل ولا يتم فيه عقود الزواج، وتمنع الزوجة من زوجها إن كان لم يمض على زواجهما أكثر من شهرين، ويكثر ضرب الوجوه والصدور وشق الجيوب والنياحة، ويبدأ اللعن على معاوية وأصحابه ويزيد وسائر الصحابة.
وفي العشر الأول من الشهر: تشعل النيران، ويتواثب الناس عليها، والأطفال يطوفون الطرقات، ويصيحون: يا حسين يا حسين.
وكل من يولد في هذا الشهر يعتبر شؤمًا سيئ الطالع، وفي بعض المناطق تدق الطبول والدفوف، وتصدح الموسيقى وتنشر الرايات، وينصب الضريح ويمر الرجال والنساء والصبيان من تحته، يتمسحون بالرايات ويتبركون، معتقدين أنهم بذلك لا يصيبهم مرض وتطوع أعمارهم.
وفي بعض البلدان يخرج الناس في ليلة عاشوراء معصبين عيني الرجل يطوفون الطرقات، فإذا ما قاربت الشمس على البزوغ عادوا إلى بيوتهم، وفي يوم عاشوراء تطهى أطعمة خاصة، ويخرج أهل القرى والمدائن إلى مكان خاص يسمونه (كربلاء) فيطوفون حول الضريح الذي يقيمونه ويتبركون بالرايات وتدق الطبول وتضرع الدفوف، فإذا غربت الشمس دفن هذا الضريح، أو ألقي في الماء، وعاد الناس إلى بيوتهم، ويجلس بعض الناس على الطرقات بمشروبات يسمونها (السلسبيل)، ويسقونها للناس بدون مقابل، ويجلس بعض الوعاظ في الأيام العشر الأول فيذكرون محاسن الحسين، ومساوئ ينسبونها لمعاوية ويزيد، ويصبون عليها وعلى أصحابها اللعنات.
ويروون في فضل عاشوراء وشهر المحرم أحاديث موضوعة وضعيفة وروايات مكذوبة، وبعد أربعين يومًا من عاشوراء: يحتفلون يومًا واحدًا يسمونه الأربعين، يجمعون فيه الأموال، ويشترون بها أطعمة خاصة يدعون الناس إليها.
وهذه البدع تعمل في الهند والباكستان، وفي البلدان التي يقطنها الشيعة ولا سيما إيران والعراق والبحرين، وإقامتهم لحفلات العزاء والنياحة والجزع، وتصوير الصور، وضرب الصدور، وما أشبه ذلك مما يصدر منهم في يوم عاشوراء وما قبله من شهر محرم، إنما يعتقدون بذلك القربة إلى الله وتكفير السيئات والذنوب التي صدرت منهم في السنة كلها، ولم يعلموا أن فعلهم هذا مما يوجب الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى.
وصدق الله تعالى القائل في محكم كتابه: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8]، وقال عز من قائل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104].
بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب: تقدم ذكر بدعة الحزن في يوم عاشوراء عند الرافضة، وهنا سنتكلم -إن شاء الله- عن الذين عارضوا الرافضة، فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح، وهم النواصب المتعصبون على الحسين وأهل بيت النبي ومن الجهَّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء؛ كالاكتحال، والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسمًا كمواسم الأعياد والأفراح.
وكان أول ظهورهم على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أبو سعيد الخدري رضى الله عنه قال: بعث علي رضى الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا! قال: "إنَّما أتألفهم".
فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد! فقال: "من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟" فسأله رجلٌ قتلَه -أحسبه خالد بن الوليد رضى الله عنه- فمنعه، فلما ولَّى قال: "إن من ضئضئ هذا -أو في عقب هذا- قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".
وفي رواية لمسلم: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أعدل"، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: يا رسول الله، ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه؛ فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء -وهو القدح- ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتُهُم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس". قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله الذي نعت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي رضى الله عنه وأولاده، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيكون في ثقيف كذاب ومبير"، فكان ذلك هو الكذاب، وهذا الناصبي هو المبير، فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضى الله عنه، وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له، وكل بدعة ضلالة، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجَّة شرعية.
ولا شك في أن النواصب -وكذلك الرافضة- مبتدعون في فعلهم هذا مخطئون خارجون عن السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئًا من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح، ولكنه لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟" فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق فنحن نصومه، فقال: "نحن أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.
وكانت قريش أيضًا تعظمه في الجاهلية، واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يومًا واحدًا فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فلما كان في العام القابل صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء أي وجوبه.
وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجبًا أو مستحبًا؟ على قولين مشهورين، أصحهما: أنه كان واجبًا، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحبابًا، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول: "هذا يوم عاشوراء، وأنا صائم فيه، فمن شاء صام"[1].
وقال عليه الصلاة والسلام: "صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين".
ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيدًا قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيدًا.
وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه، ولا يستحب صومه، بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء، ومن العلماء من يستحب صومه.
والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع".
فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب، أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد، ونحو ذلك، فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين.
فيجب على الإنسان طاعة الله ورسوله ، واتّباع دينه وسبيله، واقتفاء هداه ودليله، وعليه أن يشكر الله على ما عظمت به النعمة، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". متفق عليه
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم