الانتباه في تنبيه تارك الصلاة

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أساس الدين بعد توحيد رب العالمين 2/ نداءات خاشعة لتارك الصلاة 3/ في إقامة الصلاة سعادة الدنيا والدين والإيمان واليقين 4/ عقوبات ترك الصلاة في الدنيا والآخرة.

اقتباس

يا تارك الصلاة.. من ابتعد عن مولاه وأعرض عن خيره وهداه، واتبع شيطانه وهواه كيف يطلب لين القلب وحياته وقواه وسعادة دنيا، وقد أغلق أعظم الأبواب باب الصلاة عن مولاه.. يا تارك الصلاة.. أيّ لذة وجدت؟! وأي راحة نلت؟! وأي سعادة طلبت؟! وأنت معرض عن الباب، وأسدلت الحجاب، وانقطعت بك الأسباب، فكيف بيوم لا أحساب ولا أنساب؟!.. سل المصلين وسل المحافظين وسل الساجدين الراكعين، سل القائمين، سل المتهجدين عن راحتهم في الصلوات، وأنسهم في الخلوات وطمأنينتهم في الأسر والمجتمعات ماذا وجدتم؟ وما هي راحتكم؟ فسوف يكون الجواب سعادة الدنيا والدين والإيمان واليقين...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعلنا من أهل الصلاة، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه، وكل من كان من أهل حي على الصلاة حي على الفلاح.

 

أما بعد: فهنيئًا لعبد اتقى مولاه، وعمل لرضاه ونهى نفسه عن هواه، فإن الجنة مأواه، وهنيئا لمن عمل صالحا ليوم اللقاء واستعد لآخرته بما يرضي مولاه، وتذكر موته ورحيله من دنياه.

 

أيها المسلمون: حديثي إليكم ليس لكم، ولحظاتي ليس إليكم..

نعم هي لمسامعكم لتنقلوها هي لكم لتبلغوا غيركم، هي لكم لتكونوا دعاة لربكم.

 

الحديث -يا مسلمون- عن ركن عظيم وبيان قويم إذا اهتزَ اهتز الصراط المستقيم، وإذا تُرك فلا طريق قويم إلى جنات النعيم، وإنما الطريق إلى نار الجحيم.

 

الحديث -يا مصلون- عن أساس الدين بعد توحيد رب العالمين، وركنه الركين وعمدته وعموده المبين، إنها الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام والحديث عن من؟ إنه عن ما فقدناه وفي مساجدنا ما وجدناه، عن من ترك الصلاة وتهاون وتساهل بالصلاة، عمن فقدته الصلوات وعدمته الجمع والجماعات.

 

وقبل الدخول والولوج والوصول أقول لكم: هنيئًا لكم أيها المصلون وأنتم من أهل الصلاة، هنيئًا لكم وأنتم في بيوت الله، هنيئا لكم وأنتم في نُزُل الله، هنيئًا لكم وقلوبكم معلقة في مساجد الله، هنيئا لكم مع المصلين والركع السجود والمقيمين لربكم خاشعون وله طائعون وللصلاة محافظون (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 9-  11]، فثابروا وحافظوا واستمروا وواظبوا، وعليها أنفسكم وأولادكم ربوا.

 

أما من كانت حاله وصفته ترك الصلاة، فالحديث إليه بحنو وإشفاق وشفقة وإرفاق حديث يملأ القلب واللسان رحمة ودعوة وبيان، فيا من ترك صلاته ومسجده وسجداته وركوعه وقيامه، يا تارك الصلاة كيف الحديث معك وقد قطعت صلتك بربك، كيف الحديث معك وقد انقطعت الصلات بيني وبينك.

ماذا أقول لك؟ وكيف أخاطبك؟

 

يا تارك الصلاة.. أأخاطبك بالترغيب، أم أسلط عليك سياط الترهيب.

نعم أخاطبك بالرفق والحكمة والدعوة والحسنة والرحمة والرأفة، نعم أنت أخي إن أقمت الصلاة،  قال الله -جل في علاه-: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11].

 

 أنت أخي إن ذهبت إلى الصلاة؛ لأن ذلك عنوان الأخوة وقوة الرابطة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 11]، أنت أخي إن صليت وركعت وسجدت، وأما إذا تخليت وأعرضت وتركت فـ"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر" كما صح عن سيد البشر.

 

أنت أخي إن أقمت صلاتك وامتثلت إيمانك كما قال رسوله: "بين المسلم والشرك والكفر ترك الصلاة".

 

يا تارك الصلاة .. هل ترضى أن يختلف في أمرك العلماء منهم من يقول كافر ومنه من يقول مسلم فاجر.

 

يا تارك الصلاة.. هل أنت مستغنٍ عن ربك وعفوه ومغفرته لك؟! لِمَ تتكبر على خالقك وفاطرك عن سجودك وركوعك لربك؟! (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6- 8].

 

يا تارك الصلاة ..كيف ترضى لنفسك بما يبعدك عن ربك، وعن سعادتك وفلاحك، وأنت تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح، فالمصلون عند أبواب المساجد وكل راكع وساجد يقول: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وأنت بلسان حالك ومقالك تقول: أغلق عني أبواب رحماتك.

 

يا تارك الصلاة.. أتدري أنك متوعَّد بالويل والثبور والوبال والشرور، قال الرحيم الغفور (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4- 5].

 

يا تارك الصلاة.. أتدري أن من ضيَّع الصلاة -ومنها ترك بيوت الله- أنه متوعَّد بالغي والنار مأواه، قال سبحانه من إله (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].

 

يا تارك الصلاة.. من ابتعد عن مولاه وأعرض عن خيره وهداه، واتبع شيطانه وهواه كيف يطلب لين القلب وحياته وقواه وسعادة دنيا، وقد أغلق أعظم الأبواب باب الصلاة عن مولاه.

 

يا تارك الصلاة.. ألم تعلم أنك على شفا جرف هار، ومتوعد بالنار، وقد غضب عليك الجبار، تذكر الوقوف بين يدي الجبار، تذكر يوم تكشف الأستار.

 

يا تارك الصلاة.. ماذا بقي من إسلامك؟! وماذا عن إيمانك؟! وقد تركت صلاتك وهجرت بيوت ربك!! ألا تعلم أنها عمود إسلامك، وفسطاط إيمانك، وفي الحديث عن نبيك: "وعموده الصلاة".

 

ألا تعلم أنك بفعلك هدمت قدس إسلامك وقوّضت بنيانك، وهدمت أركانك.

اركع لربك في نهارك واسجد *** ومتى أطقت تهجدًا فتهجد

 

يا تارك الصلاة.. ألا يخشع جلدك ويقف شعر رأسك، وترتعد فرائسك، ويرتعش جسمك وأنت تسمع قول رازقك وخالقك (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) اسمع الجواب من أهل سقر (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر: 42- 43]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) [المرسلات: 48].

 

يا تارك الصلاة.. وقلبه غافل لاهٍ أتعلم أن الظلم والهلاك والضلال والانهماك في ترك الصلاة والبعد عن بيوت الله؟!

 

يا تارك الصلاة.. أيّ لذة وجدت؟! وأي راحة نلت؟! وأي سعادة طلبت؟! وأنت معرض عن الباب، وأسدلت الحجاب، وانقطعت بك الأسباب، فكيف بيوم لا أحساب ولا أنساب؟!

 

سل المصلين وسل المحافظين وسل الساجدين الراكعين، سل القائمين، سل المتهجدين عن راحتهم في الصلوات، وأنسهم في الخلوات وطمأنينتهم في الأسر والمجتمعات ماذا وجدتم؟ وما هي راحتكم؟ فسوف يكون الجواب سعادة الدنيا والدين والإيمان واليقين.

 

يا تارك الصلاة.. أترضى أن تُحشَر مع أئمة الكفر والفجور، والجحود والظلم والشرور، فقد جاء في الحديث المشهور: "ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة وكان مع قارون وهامان وأبي بن خلف"؟!

 

على الصلوات الخمس حافظ فإنها *** لآكد مفروض على كل مهتد

فلا رخصة في تركها لمكلف *** وأول ما عنها يحاسب في غد

بإهمالها يستوجب المرء قرنه *** بفرعون مع هامان في شر مورد

وما زال يوصي بالصلاة نبينا *** لدى الموت حتى كل عن نطق مذود

 

أترضى أن تكون جليسًا لهم وتُحشر في زمرتهم؟! الجواب: لا وألف لا  (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) [الصافات:22].

 

يا تارك الصلاة! أتعلم أن تارك الصلاة في همّ وقلق واضطراب وحرج وضيق صدر وخرق قال الحق: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه:124- 126].

 

فوا أسفا على تارك الصلاة! ويا حسرتاه ويا ويلاه! ويا حسرتاه ويا ويلاه ويا شقواته ويا خيبتاه، أي خير يريد، وأي راحة وأي طمأنينة وأي سعادة وهو بعيد عن ربه ومالكه وخالقه!!

 

تارك الصلاة كما أنه لم يدخل المسجد حيًّا فلن يدخله ميتًا، وكما أنه لا يصلي لربه الأعلى فكذا لا يُصلَّى عليه، وإن تردى فهو لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له.

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين..

 

أيها الإخوة المصلون الراكعون الساجدون قفوا وتأملوا حال تارك الصلاة قلبه محجوب، عمله مقلوب عن علام الغيوب، أي حياة هذه وأي سعادة تلك؟!

 

قفوا وتأملوا كيف يخرج تارك الصلاة من الدنيا ولم يذق أطيب ما فيها.

قفوا وتأملوا كيف يخرج من الدنيا ولم يسجد لله سجدة كيف يلقى الله ولم يركع له ركعة، من الذي خلقه وغزاه؟ من الذي أطعمه وسقاه؟ من الذي هداه ورباه؟ إنه الله جل في علاه فيا حسرتاه عند لقاه.

 

خسر الذي ترك الصلاة وخابا *** وأبى معادا صالحا ومآبــا

إن كــان يجحدها فحسبك *** أنه أضحى بربك كافراً مرتابا

أو كان يتركها لنوع تكاسل *** غطى على وجه الصواب حجابا

فالشافعي ومالك رأيا له *** إن لم يتب حد الحسام عقابـــا

والرأي عندي للإمام عذابه *** بجميع تأديب يراه صوابا

 

يا تارك الصلاة.. ألا تعلم أنك نقضت العهد، وأساءت القصد وتركت السعد، فقد قال أفضل مَن تعبَّد: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر".

 

تارك الصلاة مخذول، تارك الصلاة بعيد عن هدي الرسول، تارك الصلاة مشئوم، تارك الصلاة محروم، تارك الصلاة مذموم.

 

تارك الصلاة متعرَّض للوعيد والعذاب الشديد، يا تارك الصلاة لا ميزان عندك يوزن به إسلامك ذلك أن العلامة والميزان هو ميزان صلاتك.

 

يا تارك الصلاة.. ألم تسمع قول عمر -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقول عبد الله بن مسعود: "من ترك الصلاة فلا دين له"، وقوله: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلاة حيث ينادى بهم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".

 

وقول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".

 

ألم تعلم أن أبرز خصال المنافقين التخلف عن الصلوات والركوع مع الراكعين (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى) [النساء: 142]، وفي الصحيحين عن سيد الثقلين "ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والصبح، ولو علموا ما فيهما لأتيهما ولو حبوا".

 

تارك الصلاة متشبه بالكفار، وبعيد عن الأخيار، ما أشد حسرتك إذا مت وأنت تارك للصلاة!! ما أعظم مصيبتك وأنت بعيد عن الصلاة! ما أكبر جرمك وأنت محروم من الصلاة! ما أقبح فعلك وأشنع حالك وأقسى قلبك وأنت متبع لهواك وأثير لشيطانك وعداك!

 

تريد الرحمة وأنت بعيد، تريد الراحة وأنت عنيد، تريد السعادة وأنت عتيد، نريد النور وفي غفلة، تريد الانشراح في فجوة، فقد قال نبي الرحمة: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".

 

فيا تارك الصلاة تب ما دام باب التوبة مفتوح، يا تارك الصلاة تب ما دام الباب ممنوح، أقبل على مولاك ولُذْ بمن أطعمك وسقاك وأخرجك وتولاك وغذاك ورباك، أقبل على مولاك وجدد إيمانك وتقواك وصحح إسلامك قبل خروجك ونقلاك.

 

تب إلى ربك قبل أن تقول (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا..).

تب إلى ربك قبل أن تقول (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ..).

تب إلى ربك قبل أن تقول (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).

تب إلى ربك قبل أن تقول (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).

 

تب قبل الغرغرة وقبل الموت وقبل المغادرة، وتقبل التوبة قبل الغرغرة كما أتى في الشرعة المطهرة، فربنا غفور رحيم ودود رحيم كريم يقبل التوبة، ويغفر الذلة، ويرزق الجنة، من تاب إليه تاب عليه ومن صدق إليه كان معه وإليه.

 

وأخيرا بلغوا -أيها المصلون- أولئك المخالفين، وانصحوا أيها الراكعون أولئك التاركين وذكروا بالتوبة أيها الساجدون أولئك الغافلين.

 

وختامًا صلاة وسلاما على إمام المصلين وسيد المرسلين:

حب النبي على الأنام فريضة  ***  لا تنسَ ذِكر الهاشمي الأكرم

إن الصلاة على النبي وسيلة *** فيها النجاة لكل عبد مسلم

صلوا على القمر المنير فإنه *** نور تبدى في الغمام المظلم

 

هذا، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياك من أنصار دينه وشرعه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين يا رب العالمين اجعلنا من عبادك الصالحين وحزبك المفلحين وأوليائك المتقين.

 

 

 

المرفقات

الانتباه في تنبيه تارك الصلاة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات