الامعية (2)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/شرح حديث: \"لا تكونوا إمعة\" 2/درجات الإمعية ومراتبها 3/مظاهر انسياق الشخصية الإمعية خلف المظاهر الشكلية 4/تناقضات الغرب ومغالطاته 5/مساوئ الشخصية الإمعية 6/وسائل علاج ظاهرة الإمعية

اقتباس

معاشر الإخوة: لئن كان من المؤسف على فراق الماضي متغنيا بمنجزات أجداده العظماء، وتاريخ أمته المجيد: كنا كذا، وكنا كذا، دون أن يتأسى بهم، وينهج نهجهم، فإن مما هو أعظم من ذلك: أن ينسى المسلم تاريخ أمته بالكلية، ويتنكب عن تراث أجداده، بل ويخجل أحيانا من ذكر ديانته. وإذا انحدر المسلم إلى هذا المستوى فلا غرابة أن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

ما يزال حديثنا متصلا بظاهرة الإتباع الأعمى، والموافقة السهلة لما ينساق إليه بعض الناس، بلا اعتبار لحياء، ولا اعتبار لتراث، بل وفي كثير من الأحيان بلا ثبات على مسلمات العقيدة، وثوابت الإسلام.

 

"لا تكونوا إمعة" يقول عليه الصلاة والسلام مخاطبا أمته بصيغة الجمع، أي لا تكن صفة الأمة جمعاء صفة التابع اللاحق خلف الأمم، حتى فيما أساؤوا، ولا تكونوا قرابة ذلك، أي لا يكن أحدكم الألعوبة في يد الآخرين يجرونه حيث شاءوا، ولو إلى الباطل.

 

إنها ظاهرة الإمعية التي أحالت المسلم تحت ضغط الواقع، ورقة الدين، إلى تابع لا متبوع، والى ضعيف الرأي حائر، لا قوي واثق الخطى.

 

معاشر الإخوة: لئن كان من المؤسف على فراق الماضي متغنيا بمنجزات أجداده العظماء، وتاريخ أمته المجيد: كنا كذا، وكنا كذا، دون أن يتأسى بهم، وينهج نهجهم، فإن مما هو أعظم من ذلك: أن ينسى المسلم تاريخ أمته بالكلية، ويتنكب عن تراث أجداده، بل ويخجل أحيانا من ذكر ديانته.

 

وإذا انحدر المسلم إلى هذا المستوى فلا غرابة أن يكون: "إمعة".

 

إننا في سبيل النصح والإصلاح نسعى لنخاطب الإيمان والغيرة في قلب المؤمن، والعزة بالإسلام في النفس، نرجو أن يترفع المسلم عن التقليد الأعمى، ويسمو فوق الإمعية، فإذا تضاءل الإيمان، وماتت الغيرة، وفقدت العزة، فما الذي بقي لنا نخاطبه؟!

 

"لا تكونوا إمعة" يحذر صحابته صلى الله عليه وسلم، ويحذر أمته كلها، فقه الصحابة هذا التحذير، وأدركوا أهميته، بل وتواصوا به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا تكونن إمعة" -يقول لمن حوله- قالوا: وما الإمعة؟ قال: يقول: "أنا مع الناس، إذا اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت".

 

فالإمعة وصف كريه، لا يليق بالمسلم؛ لأن الإمعية لا ضابط لها، انقياد ما يفعله الناس ولو أفعالهم سيئة، لا مروءة فيها، ولا حياء.

 

والإمعية درجات، وأهواء قد ينقاد المرء في جانب من جوانب حياته؛ كالفكر مثلا، ولكنه لا ينقاد في قضايا المال، أو ينقاد في بعض الطبائع دون أخرى، قد يقلب الإنسان الأشكال حوله كما نراه في هيئات كثيرة من الشباب المسلم اليوم، سواءً في قصة الشعر، أو فيما يضعونه في الشعر من دهون لامعة، أو في لباس مطابق للباس شباب الغرب، يتقرب أحدهم حوله: ماذا يفعل فلان المطرب؟ أو فلان الممثل، أو ما الذي يستجد في مظهر الشباب حوله فيتبعه ويقلد؟

 

وقد ينساق بعضهم إرضاءا لصحبته، فتذوب شخصية صحبته، فيتبعهم ولا يخالفهم في شيء، فعقل الإمعة في ذلك، عقله في عقل صحبته، وهواه هوى صحبته.

 

أنا معكم، ولو نصحه ناصح لقال له بغضب: أخي وين أنت عايش هذا تخلف انظر إلى الناس حولك كلهم هكذا؟

 

هكذا رد الإمعة إذا نصح، لا رأي له سوى اتباع الناس بلا رادع ولا ضابط، لا يعتز بدين، ولا يفخر بأدب، حتى لو أتى الناس خارما من خوارم المروءة لأتى معهم، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله معهم.

 

من الإمعية في المظاهر الشكلية: متابعة الفتيات والنساء لبيوتات الأزياء الغربية، بلهف عجيب، وإعجاب شديد، مهما كان شكل الزي، فإن أحسنت تلك البيوت في مرة ما مثلا، فأخرجت لباسا ساتر للمرأة انكب النساء المسلمات عليها للشراء، واقتناء ذلك؛ لأنه: موضة، جاءت من فرنسا، لبستها فلانة.

 

فإذا جاء زي آخر، وكان اللباس غير ساتر أيضا، ذهبوا إليه واشتروه؛ لأنه أصلا من تلك الديار، أو من تلك البيوتات.

 

إذاً لا فرق بين لباس ساتر وغير ساتر، فالأصل هو الاتباع مهما كان، لا فرق ما دام موضة.

 

نلحظ الأمعية هنا ليست في متابعة الأزياء، وإنما في انقياد النساء غير المشروط وراء الأزياء كل حين، سواءً كان المظهر وقورا ساتر، أو كان خليعا فاضحا.

 

هذا من المظاهر الإمعية للهيئات والأشكال.

 

ومن الاهتمامات التي انساق وراءها من تعلق بها: ما برز في الآونة الأخيرة: إثارة لموضوع الحقوق، وما أدراك ما الحقوق، وهي طبعة غربية مضخمة، صدرها الغرب لعالمنا، بسوء نية وخبث، فليتنا كنا أذكى منهم، فاغتنمناها فيما فيه صالح ديننا ودنيانا، ليتها كانت في محلها الصحيح، فسلبت المظالم الحقيقية الواقعية، أو في العادات الجاهلية في بعض المجتمعات العربية أو المسلمة.

 

كان القصد منها من تلك الحقوق: إبراز الحقوق، وزعزعة ثوابت الإسلام، فوافقناهم على ذلك -إلا من رحم الله-، لاسيما ما يتعلق بالمرأة المسلمة.

 

وراح كثير من الكتاب ذو الميول التحررية، يدندنون حول حقوق المرأة: والمرأة في هذه البلاد كذا، والمرأة كذا، والمرأة في ذاتها مظلومة، وفي حقها مهضومة، قلنا: طيب حان وقت العدل، ما هو حقها المسلوب يا ترى؟

 

حقها من الحماية في اضطهادها ماديا، في بعض الآباء والأزواج في الاستيلاء على مرتبها مثلا؟

 

قالوا: لا.

 

طيب: حقها في كفالة المجتمع لها في حال كونها عزباء لا عائل لها، أو أرملة، أو مطلقة؟

 

قالوا: لا.

 

طيب: حقها في الستر الكامل وعدم الاختلاط بالرجال في مجالات العمل الوظيفي كما هو منعدم بل ربما محارب في بعض البلاد العربية؟

 

قالوا: لا.

 

سبحان الله، ما حقها إذن؟!

 

أكيد تقصدون حقها في الميراث الذي تمنع منه ظلما وجورا في بعض الأعراف الجاهلية اليوم؟

 

قالوا: لا.

 

سبحان الله، علمونا ما هو حقها؟

 

قالوا: حقها في السفر بلا محرم، وحقها في الانتخاب والترشيح، وحقها في قيادة السيارة، وحقها في إلغاء ولاية الرجل ووصايته.

 

هل انتهت حقوقها؟

 

قالوا: لا، وحقها أيضا في الغناء والتمثيل، بل وحقها في كشف وجهها، طبعا تحت دعوى خلاف الفقه.

 

وهات متطلبات ومقالات... يستدرك بها على الحياء والحجاب، وينتقدون أراء العلماء كأنهم أساتذة في العلوم الشرعية، بل ويستدركون على أحكام الشريعة نفسها، بل وقاحة.

 

كل ذلك بحجة الحقوق، وما أدراك ما الحقوق؟!

 

الإمعية هنا ليس في تبني أداء الحقوق لأهلها، وهو مطلب إسلامي قديم، أمر به الإسلام قبل أن يطالب به الغرب: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].

 

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].

 

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[النحل: 90].

 

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لتؤدون الحقوق إلى أهلها".

 

لا ليس الإمعية في تبني أداء الحقوق، إنما الإمعية في تقليد الغرب ومسايرته في مفهومه للحقوق، دون ضابط إسلامي لتلك الحقوق، ولا التفات لمبادئ الشرع، ولا حتى مراعاة لخصوصية القيم والأخلاق.

 

ثم جاء الإمعات الآخرون يطالبون بالحق الآخر وهو الحق في حرية التعبير!!

 

طيب، قيدوا هذه الحرية، حتى لا تتعدى على دين، أو قيمة طاهرة، أو خلق رفيع، قالوا: لا، وهل نطالب حرية التعبير إلا الخوف من تلك الأمور.

 

تماما كما فعل الغرب، يقول الغرب: "عبر، تكلم، اكتب ما شئت، ولو كان في تعبيرك استهزاء بدين الله، أو بالمتدينين، ولو كان فيه إثارة لشبهة، أو شهوة، أو دعوة للفجور".

 

كما كتب أحدهم في صحيفة محلية الأربعاء قبل الماضي، قال وهو يدافع عن حقوق من عرف بالمجاهر بالمعصية أو الرذيلة، يقول: "إن المتهم إن صح ما نسب إليه"، يعني يظهر في الشاشة ويعترف ويفصل طرق الدعارة بكل جرأة ووقاحة، ثم يقول هذا: "إن صح ما نسب إليه" قام بعمل مشين وتعارض مع الأعراف والشرع، ثم قال: "لكن في كل القوانين والشرائع يظل المتهم بريئا حتى تثبت إدانته"، ثم قال: "لكن ما حصل ويحصل تجاه هذا المتهم إخلال لكل الحقوق الإنسانية والشرعية" إلى آخر المقال.

 

إذن الدعوة للفجور حرية؛ عبر وأبدع فأنت حر، وهو حق مكفول لك ولغيرك، هذا ما يطالبون به في الأرض الذي نزل في القرآن في قوله: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

 

وقال أيضا: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].

 

يقول القرطبي في تفسيره: "فكل من جلس مجلس معصية، ولم ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، وعملوا بها، فإن لم يقدر على الإنكار عليهم، فينبغي أن يقوم عنهم، حتى لا يكون من أهل هذه الآية".

 

(إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) قد ثبت في الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل اليهودي كعب؛ لأنه كان يهجم النبي -صلى الله عليه وسلم- بشعره، ويتغزل بنساء المسلمين؛ فهل يدل هذا على جواز إطلاق العنان لحرية التعبير، ولو طعن صاحب الكلمة بثابت عقدي، أو مظهر ديني، أو منهج نبوي، يا لسعادة الملحدين إذاً؟!

 

وفي الحقيقة: لو دققنا لوجدنا أن الغرب ينافق، حتى في ادعاء التسامح، واحترام الأديان، ويراوغ حتى في مطالبته في حرية التعبير، الغرب الذي يقدسه أولئك المتحررون البُلَهاء، ويذوبون في قيمه، وينقادون خلفه، بأن نفاقه وهو يتعامل مع المسلمين بمكيال آخر غير المكيال الذي يتعامل به مع اليهود، أو حتى النصارى.

 

المفكر الفرنسي عندما نشر هو وكاتب سويسري كتابا حول المبالغة فيما يدعيه اليهود حول قضية الهلوكوست محرقة اليهود وبين أنهم فخموها، لكي يكسبوا تعاطف العالم معهم كانت العاقبة ماذا؟

 

حرية التعبير، لا.. محاكمة الغرب للرجلين، وسجنهما، وتغريمهما مبالغ طائلة، ذلك عندما رفع اليهود قضية ضدهما، ونشروها في جميع وسائل الإعلام باعتبارها معادة للسامية، والسامية لها احترامها ومكانتها، ولابد للعالم كله أن يواليها ولاء مطلقا، وأن معاداتها بنقد ولو بالكتابة من الموبقات، ومن فعل ذلك عوقب عقابا صارما، وقد اعتدي حتى على المكتبات التي تبيع كتب ذلك المفكر، فامتنعت من بيعها، هذا في فرنسا، إمام الحرية، ورائدة الحقوق؛ كما يزعمون.

 

هذه هي دعوى الحق المكفول لصاحب الرأي، هذه هي حرية التعبير التي يدعونها، ويطالبوننا بها، حرية التعبير التي يزجون بصاحبها في سجونهم، إذا مست اليهود، لكن إذا مست دين العرب هل هناك مكيال آخر، نعم؟

 

في بريطاني ما زال يعمل بالقانون الذي يمنع سب المقدسات، ولكن قبل إحدى وعشرين سنة لما نشر البريطاني الهندي رشدي كتابه: "آيات شيطانية" يشتم فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويتهمه في عرضه، حاول المسلمون في بريطانيا استقدام قانون حظر سب المقدسات، هذا ضد المؤلف، لكنهم فشلوا في ذلك، أتدرون لماذا؟ لأن القانون ينص على معاقبة سب المقدسات المسيحية فقط، وهم يتعاملون نصا مع القانون، وبالتالي فإن ذلك الكاتب لم يكن خارجا عن آية قوانين بريطانية، حين أهان المقدسات الاسلامية.

 

أين احترام الأديان؟ أين التسامح؟

 

جارودي يعاقب ويسجن، ورشدي يحمى ويحترم، بل ويكافئ!! هذا هو العدل، أي التشدد في المساواة وحرية التعبير؟!

 

أما حرية التعبير فقط للنيل من الإسلام وأخلاقهم، أما اليهود فإياك أن تقترب.

 

أما الإمعة -أيها الإخوة-: فيه عقدة نقص، وبالتالي لا يحب التفتيش في أخطاء من يتبعهم، ويلاحقهم في مبادئهم، وأخلاقهم، وإذا وافق هذا هوى في نفس الإمعة، فكبر عليه أربعا.

 

من مظاهر الإمعية: متابعة النصارى في احتفالهم بمشاعرهم؛ كحفلات أعياد الميلاد، وعيد رأس السنة، أو عيد الحب.

 

ومن الإمعية كذلك: موافقة الناس في عاداتهم، ولو كان فيها معصية؛ كالإصرار على إدخال الموسيقى والطرب في حفلات الدراسة، وكإقرار الاختلاط فيها بإدخال الزوج وأقارب الزوج في صالات النساء، فإذا وجهتهم بالنصيحة، يقولون: كل الناس يفعلون هذا!.

 

وهذا هو التبرير الذي نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتخذه عندما، قال: "وإن أساؤوا قد نهانا أن نقول، وإن أساؤوا أسأنا، ووطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن لا تسيئوا".

 

والأمثلة كثيرة.

 

الحاصل: أن الإمعية عموما خلق مستقبح، وأسوء من الإمعة: المغفل، الإمعة المكابر الذي يأبى إلا العناد والبقاء.

 

أسال الله أن يصلح الحال.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

 

أما بعد:

 

ما هو علاج هذه الظاهرة؟

 

لقد وضع لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إحدى القواعد الذهبية للمسلم للمحافظة على المبادئ، والثبات على القيم، وعدم الانقياد الأعمى، قال صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضى الله كفاه الله مؤنة الناس" [رواه ابن حبان].

 

فالمسلم يستطيع الابتعاد عن الإمعية لو تأمل في هذا الحديث جيداً، فرضى الله فوق رضى الناس، والعاقبة ليست بيد أحد سوى رب العالمين، فمن أعرض عنه، وعن هداه، وعن ذكره، فإن له معيشة ضنكا، ويحشره يوم القيامة أعمى.

 

ثم إن الحق والحكمة ضالتان للمسلم، يقصدهم بفطرته، ولا غنى له عنهما: "الحكمة ضالة المؤمن" لكن الباطل لا تابع له سوى مريض النفس، أو أعمى البصيرة؛ كما وافق الاسلام فيما يدعو إليه من حق، فالإسلام معه، والعكس صحيح.

 

اتباع الناس بالحق وللحق مطلوب، لكن اتباعهم للباطل، وإقرار الباطل؛ دليل على خسة العقل، وقسوة القلب، وضعف الشخصية.

 

ومن وسائل العلاج أيضا: تقوى الله، وتقوية الإيمان، فإن الإيمان لا يزال يرعاه المؤمن وينميه، حتى ينير له طريق الحق، فيمحق الباطل، يقول الله -تعالى-: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)[الأنفال: 29].

 

أي تفرقون بين الحق والباطل.

 

يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[الحديد: 28].

 

من وسائل معالجة الإمعية: مطالعة سير الصالحين، والتأمل في أخبارهم وسلوكهم، فقد كانوا أصحاب رأي، وكانوا مع ذلك إذا سمعوا الحق أو رأوه بادروا إليه، أما الباطل فلا أمل في انقيادهم إليه.

 

فهذا أبوبكر -رضي الله عنه- يرفض أن ينقاد للباطل، لما أصرت بعض القبائل على إبطال فريضة الزكاة، والامتناع عن أدائها، ما وافقهم، وما انقاد إليهم، بل عزم على قتالهم، فلما قيل له: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله إلا الله" فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها، وحسابه على الله".

 

 قال بحزم وثقة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه" [رواه البخاري].

 

في وجه آخر: هذا عمر -رضي الله عنه- القوي، لما تبين له الحق انقاد إليه؛ روى القرطبي في تفسيره: أنه لما قال عمر: لا تغلو في صدقات النساء، يريد بذلك تحديد مهور النساء، قامت إليه امرأة: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله -تعالى- يقول: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [النساء: 20] قال عمر: "أصابت امرأة، وأخطأ عمر".

 

الإمعية في اتباع الباطل، والفضيلة في اتباع الحق.

 

من وسائل العلاج أيضا: العلم بمقاصد الشرع، والتعرف على حفظه للضرورات الخمس التي بها صلاح الإنسان، وسعادته في الدنيا، ونجاته وفلاحه في الآخرة: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

 

كل ما أدى إلى تفريق في أي من هذه الضرورات الخمس، وهو ممنوع شرعا، فبالانتباه بضرورة حفظ العرض، يدرك المسلم العلة في تأكيد أهل العلم على ستر المرأة، والحفاظ عليها من التبذل، وأي ذريعة تؤدي إلى سفورها، واختلاطها بالرجال؛ تمنع وترد.

 

وأكثر الناس جهلا بتلك المقاصد أولئك المتحررون الداعون إلى إخراج المرأة، والزج بها في كل مكان.

 

أيها الإخوة: الكلام يطول، والوقت قصير، أسأل الله -تعالى- أن يهدي ضال المسلمين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن...

 

 

 

 

المرفقات

(2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات