الاقتصاد في المعيشة (1)

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية القصد في المعيشة وتدبير المال 2/ النهي النبوي الكريم عن تضييع المال 3/ مفهوم الاقتصاد في المعيشة 4/ ثمراته 5/ الإنفاق الواجب والإنفاق التطوعي 6/ الصلة الوثيقة بين الاقتصاد والاكتساب والإنفاق

اقتباس

إن الاقتصاد في المعيشة وسط بين الإسراف والبخل، وهو بمعنى القوام، وسمي في القرآن الكريم بالحكمة في قوله -تعالى-: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269]. وان كان معنى الحكمة أوسع من ذلك.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: أيها المسلمون، فإن اليد التي تحرص على العيش الحلال، وتتحراه، هي التي تنفق في سبيل الله، وتلبي نداء الخير في البذل والعطاء؛ وهذا السلوك يستدعي قصداً في المعيشة، وتدبيراً للمال، وحضاً على العمل والاستغناء عن الناس، ونبذاً للإسراف والتبذير.

 

وفي سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته المبثوثة في كتب السنة أفضل تطبيق وخير مثال على ذلك؛ فقد روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة، قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن وأد البنات، وعن عقوق الأمهات، وعن منع وهات، وعن قيل وقال، وعن كثرة السؤال، وعن إضاعة المال".

 

وأخرج مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي".

 

عباد الله: إن الاقتصاد في المعيشة وسط بين الإسراف والبخل، وهو بمعنى القوام، وسمي في القرآن الكريم بالحكمة في قوله -تعالى-: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269]. وان كان معنى الحكمة أوسع من ذلك.

 

أخرج الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمت الصالح، والهدي الصالح، والاقتصاد الصالح، جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة"، وقال سفيان بن حسين: "أتدرون ما الاقتصاد؟ هو الشيء ليس فيه غلو ولا تقصير"، وقال معاوية -رضي الله عنه-: "القصد قوام المعيشة، ويكفي عنك نصف المؤنة"، وقال أحد الحكماء: "اغلب هواك على الفساد، وكن مقبلاً على القصد يُقبل عليك المال".

 

والاقتصاد يعصم من عظيم الذنب، وفيه راحة للبدن، ومرضاة للرب، وتحصين من الذنوب، وفي المسند أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عال من اقتصد".

 

وكان يقال: "حسن التدبير مفتاح الرشد، وبابُ السلامة الاقتصاد"، ودخل رجل على محمد بن علي حائطاً، فإذا هو مؤتزر وبيده المسحاة يحوّل الماء في نخله من موضع إلى موضع، قال: فقلت: ما عندك من يكفيك هذا؟ قال: "إنه لا بد للمؤمن من ثلاث: فقه في دينه، وتدبير في معيشته، ومعاشرة للناس بالمعروف".

 

وكان هشام بن عبد الملك يقول: "ثلاثٌ لا تصغّر الشريف: تعاهد الضيعة، وإصلاح المعيشة، وطلب الحق وإن قل". وجاء رجل إلى أبي الدرداء، وهو يلقط حنطة، فقال: "إن من فقهك رفقك بمعيشتك".

 

أيها المسلمون: إن الإنفاق له شقان: واجب وتطوعي: فالواجب كالقيام بحق الأولاد والزوجة والوالدين، وإخراج الزكاة المفروضة؛ والتطوعي مثل الإعانة على الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وصلة الأرحام، وإطعام الفقراء والمساكين، ورد السائل ولو باليسير، وإقراء الضيف، ونحو ذلك.

 

وهناك صلة وثيقة بين كل من القصد في المعيشة وبين الاكتساب والإنفاق، ذلك أن القصد في المعيشة يمكن اعتباره المنظم لصحة سير كل من الاكتساب والإنفاق.

 

ويعرف هذا ويدرك مما يلي:

 

أولا: من خلال الاستقراء، والتتبع لنصوص الوحيين، وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- والسلف من الصحابة فمن بعدهم، وُجد تلازم بين الثلاثة: الاكتساب، والإنفاق، والقصد في المعيشة؛ فالرجل الذي يتحرى في مكسبه، ويقصد في معيشته، هو أسرع الناس للإنفاق في سبيل الله.

 

والسبب أنه يبحث عن محبوبات الله -جل وعلا- ويتطلع إلى ما عند الغني الكريم -سبحانه-، خلافاً للمتساهل والمفرط في معيشته، المتخبط في اكتسابه للمال، فنجده يتوسع في الكماليات، بل ربما أسرف وبذر؛ فإن حظ النفس، وإشباع رغباتها يطغي على تفكيره، فتتمكن الدنيا من قلبه، وبالتالي يخسر رجاء الآخرة وما فيها، ليثمر الإمساك والتقتير وعدم الإنفاق في سبيل الله.

 

 

 

المرفقات

في المعيشة (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات