الاعتبار بمضي الأيام بمناسبة نهاية العام

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/قصر العمر 2/ أهمية الاستعداد للرحيل 3/ الأشياء ثلاثة 4/ خلقان عظيمان 5/ نصائح عامة

اقتباس

" .. فإن الناس إنما يؤتون يوم القيامة من إحدى ثلاث: إما شبهة في الدين ارتكبوها، أو شهوة للذة آثروها، أو غضبة لحمية أعملوها؛ فإذا لاحت لكم شبهة فاجلوها باليقين، وإذا عرضت لكم شهوة فاقذعوها بالزهد، وإذا عرضت لكم غضبة فادرؤوها بالعفو؛ تفوزوا بجنة عرضها السماوات والأرض

  

 

 

 
الحمد لله مسير الأزمان، ومدبر الأكوان، أحمده سبحانه، يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وجعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، فإنكم الآن في زمان هدنة، وإن السير بكم لسريع؛ فالأيام تطوى، والأعمار تفنى، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يتراكضان تراكض البريد، فيخلقان كل جديد، ويدنيان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، وفي ذلكم -يا عباد الله- ما يلهي عن الشهوات، ويرغب في الباقيات، فإن في سرعة مضي الليل والنهار ومرور الشهور والأعوام ما يذكر العاقل اللبيب بسرعة تصرم الأعمار، وقرب حلول الآجال، وبغتة ساعة الارتحال، وأن عليه أن يتأهب للمسير، ويتزود للرحيل بصالح الزاد؛ فالسعيد من أخذ من نفسه لنفسه، ومهد لها قبل يوم رمسه.

عباد الله: تذكروا أن العمر أنفاس معدودة وشيكة النفاد، ولحظات معدودة، وأن كل امرئ على ما قدَّم قادم وعلى ما خلَّف نادم، وأن ما مضى من العمر في طاعة فهو أربح التجارة، وما خلا منها فهو نقص وخسارة، وما مضى في ضدها فهو مصيبة وخزي ومعارة.

فخذوا الأهبة لأزف الرحلة، وأعدوا الزاد الصالح لقرب الرحلة، ألا وإن خير الزاد التقوى، وخير العمل ما كان على نهج النبي المصطفى، وأعلى الناس منزلة عند الله تعالى أعظمهم له رجاءً، وأشدهم منه خوفاً، وبرهان ذلك استباق الخيرات، والإحجام عن مواقعة الحرمات، والتوبة إلى الله عن قريب من الخطيئات.

معشر المسلمين: إن الأشياء ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعوه، وأمر استبان غيه فاجتنبوه، وأمر اشتبه عليكم حكمه فلا تواقعوه حتى يتبين لكم شأنه برده إلى الكتاب والسنة وما أثر عن السلف الصالح من هذه الأمة، فإن لم تكونوا أهلاً لمعرفته واستنباط حكمه من هذه المصادر فارجعوا فيه إلى أهل العلم الأكابر، أولي النهى والبصائر، عملاً بالقرآن، وطلباً للهدى من الرحمن، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:43-44].

وعليكم -عباد الله- بأمرين خفيف مؤونتهما عظيم أجرهما، لم يلق الله بمثلهما: الصمت وحسن الخلق؛ فإن الناس إنما يؤتون يوم القيامة من إحدى ثلاث: إما شبهة في الدين ارتكبوها، أو شهوة للذة آثروها، أو غضبة لحمية أعملوها.

فإذا لاحت لكم شبهة فاجلوها باليقين، وإذا عرضت لكم شهوة فاقذعوها بالزهد، وإذا عرضت لكم غضبة فادرؤوها بالعفو؛ تفوزوا بجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين.

معشر المسلمين: ما أقرب البداية من النهاية! وما أكثر العوارض الصارفة عن جليل الغاية! فها أنتم تودعون عاماً قد انقضت أيامه ولياليه، وطويت صحائف ما عملتم فيه، وكم فتنة في الدين والدنيا تعرضتم لها فيه (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة:126].

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد:41].

وكما ودعتم عاماً قد مضى وانقضى، فقد استقبلتم عاماً جديداً، وسيكون إذا انقلب عليكم شهيداً، ولا تدرون من منكم يستكمله ممن تخترمه المنية إذا حضر أجله.

فاجتهدوا فيما بقي من أعماركم بصالح العمل، وأخلصوا النية في كل شيء لله عز وجل، وتفقهوا في الدين، وكونوا بالحق والصبر والمرحمة متواصين، واحرصوا على ما ينفعكم، واستعينوا بالله ولا تكونوا ممن غفل واتبع هواه، وكان أمره فرطاً، أو ركب شططاً، فإن العمر ثمين ينبغي أن يصان عن تضييعه في البطالة أو أعمال أهل السفه والهوى والجهالة، بل اغتنموا لحظاته في عبادة الله بما شرع والحذر عن الشرك وأنواع البدع، فإنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدىً، وإنما خلقتم للعبادة ووعدتم عليها الجنة والرضوان، ونهيتم عن المخالفة والعصيان وتوعدتم عليها بشدة العذاب والخزي والهوان، ومن يهن الله فما له من مكرم، إن يفعل ما يشاء.

فلا يلهينَّكم عريض الأمل عن صالح العمل والتوبة إلى الله من أنواع الزلل؛ فإن لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً؛ فأعمالكم محصاة، ولكل عمل جزاءٌ؛ فلن يُهمَل منها صغير لصغره، ولا كبير لكبره في يوم يحكم الله تعالى فيه بين العباد، وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، إذا عصى مولاه وشقي بسوء ما قدمت يداه (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].

(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر:37].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

المرفقات

783

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات