عناصر الخطبة
1/الاستقامة من صفات المؤمنين 2/أهمية الاستقامة بعد رمضان 3/حقيقة الاستقامة وأهميتها 4/ثمرات الاستقامة وفوائدهااقتباس
ولقد مدح -سبحانه- وأثنى على المستقيمين في عدة آيات من كتابه، وقد فسر العلماء الاستقامة بأنها: الإقبال على الله وعدم الالتفات إلى غيره، والاستمرار بأداء الواجبات وترك المنهيات إلى الممات...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ذي الفضل العميم، والعطاء الجسيم، أحمده -سبحانه- حمد من قال: ربي الله ثم استقام، وأشكره شكر عبدٍ معترفٍ له بدوام الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام.
ثم أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واستقيموا على طاعة مولاكم، واشكروه أن منّ عليكم باستكمال شهر الصيام.
أيها المؤمنون: يا من منَّ الله عليكم فأديتم صومكم على الوجه الأكمل، وحفظتم ألسنتكم عن اللغو والرفث وقول الزور، هنيئا لكم وما أحراكم بالقبول والفوز بجائزة الرب الكريم الرحمن؛ (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
معاشر المسلمين: إن الله -جل وعلا- جعل لصوم رمضان حكما عظيمة، من أعظمها حصول التقوى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، فليسل كل منا نفسه: هل حصّل هذه الغاية المنشودة، فنحن -معاشر الأحبة- قد خرجنا من تربية عظيمة على الطاعة، فهي تسعة وعشرون يوما ما بين قرآءة للقرآن، وصيام وقيام وذكر وصدقة، ودعاء وتضرع، وخشوع وخضوع، قد هذبت النفوس وسمت إلى مراقي الهدى والفلاح.
ولكن يا ترى ما هي حالنا بعد رمضان؟ إن هذا التأثر في خلق الله وقتي ما يلبث المرءُ بعد رمضان أن يعود إلى ما كان عليه قبل رمضان، وإن كانت مدة البقاء على العبادة تختلف من شخص إلى آخر، والبعض يبقى على ذلك طيلة السنة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
معاشر المسلمين: إن الاستقامة على الطاعة، والاستمرار على التقيد بامتثال الأوامر واجتناب المناهي والزواجر هي صفة عباد الله المؤمنين، الذين أثنى الله عليهم ومدحهم وبين جزاءهم على ذلك فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأحقاف: 13، 14].
ولقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة وحثه على ملازمتها فقال -سبحانه-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)[هود: 112] ، وقد قام -صلى الله عليه وسلم- بما أمره الله به فاستقام على طاعة الله وعبادته والدعوة إليه، فكانت الاستقامةُ منهجه والاعتدالُ في السير إلى الله صراطه، ورضوانُ الله مراده، فنال بغيته من ربه، وشرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.
وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أن الاستقامةَ مفتاحٌ للخيرات وسببٌ لحصول البركات، واستقامةُ الأحوال وحصول الطمأنينة، فقال -عز وجل-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)[الجن: 16]، فإذا استقام العبد على طاعة الله وعلى ما يرضى الله، واستقام على شكر النعم، وعلم أن هذا كله من الله، وأنه لا حول ولا قوة له إلا بالله الذي أعطاه ما أعطاه من النعم المترادفة، والمنن المتكاثرة؛ فمن نعمة الإسلام التي لا يعدلها نعمة، ونعمة القيام بما أوجب الله عليه من حقوق لله وحقوق عباد الله، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة القيام بأداء الواجبات الدينية والتكاليف الشرعية، ونعمة الأمن والأمان؛ فما أسعد من استقام على الطاعة، أخرج الترمذي من حديث عبدالله بن محصن قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيره".
وما أشقى من خالف أمر الله ولم يستقم على أداء ما أوجب الله عليه، أخرج مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم"، فأمره -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان بالله الذي يشمل عقائد الإيمان وأصوله، وما يتبع ذلك من أعمال القلوب، والانقياد لله والاستسلام له ظاهرا وباطنا، والمداومة على ذلك إلى الممات، فإذا حقق العبد الإيمان واتصف بشعب الإيمان القلبية؛ كالرغبة في الخير والرهبة من الشر وإرادة الخير وكراهية الشر، وأحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وكره لهم ما يكرهه لنفسه، ولازم الطاعات وابتعد عن المحرمات؛ فقد حصلت له السعادة في دينه ودنياه؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
قيل لبشر الحافي: إن قوما يتعبدون في شهر رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضان تركوا، قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "لا يكون لعمل المؤمن من أجل دون الموت، ثم قرأ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، وقد أخبر -عز وجل- عن الذين آمنوا واستقاموا على طاعة مولاهم بما لهم من الفضل والجزاء عند ربهم، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت: 30].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الخلق والأمر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد البشر، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على الأثر.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واستقيموا على طاعة مولاكم في كل حين، ولا تكونوا من الذين يقبلون على الطاعات في رمضان ويعرضون عن ربهم في سائر الأوقات والأزمان، ولقد مدح -سبحانه- وأثنى على المستقيمين في عدة آيات من كتابه، وقد فسر العلماء الاستقامة بأنها: الإقبال على الله وعدم الالتفات إلى غيره، والاستمرار بأداء الواجبات وترك المنهيات إلى الممات.
فالمؤمنون حقا هم الذين استقامت قلوبهم على معرفة الله، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته، ومحبته ورجائه ودعائه، والتوكل عليه والإعراض عما سواه؛ فإنه متى استقام القلب على ذلك استقامت الجوارح، فإن القلب ملك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وقد نبه -صلى الله عليه وسلم- أمته على أن من أهم الاستقامة استقامة اللسان، كما أخرج الإمام أحمد عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يستقم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقم قلبه حتى يستقيم لسانه".
معاشر المؤمنين: لنا في رسولنا أسوة حسنة فلقد كان عمله ديمة، كما أخرج البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان عمله -صلى الله عليه وسلم- ديمة"، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة -رضي الله عنه- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملا أثبته"، وأخرج الإمام أحمد من حديث عائشة قالت: "أحب الدين إلى الله -عز وجل- الذي يداوم عليه صاحبه".
ومن أهم ما ينبغي أن يداوم عليه، هو الصلاة التي هي عمود الدين، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، مهما ارتكبت -عبد الله- من الذنوب والمعاصي فإياك والتفريط في الصلاة وأدائها جماعة مع المسلمين.
أيها المؤمنون: إن من رحمة الله بالناس أن تابع عليهم مواسم الرحمات، فمن ذلك صيام ست من شوال التي حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، أخرج الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أنه حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر"، فوالوا بين الصيام قبل فوات الأوان.
عباد الله: إن أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله -تعالى-، ولكن الحذر الحذر من الترف المخلوط بنوع من السرف ومن الترويح النفسي المحرم، ألا فلنتب إلى الله جميعا قبل فوات الفرصة وقبل حلول هادم اللذات، ومفرق الجماعات، قبل إن يحال بين المرءِ وتوبتهِ.
معاشر المسلمين: لا زالت روحانيات رمضان ساطعة في الأفق، ولا زالت النفوس مقبلة على الطاعة، ألا فلنستمر على أطرها على الخير؛ فالنفس تطبع على ما تعتاد عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم