الاستعداد للامتحانات

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ تأملات في موسم الامتحانات واستعدادات البيوت لها 2/ أخذ العبرة من خلال التفكر بحال المجتمع في هذا الوقت واستنفاره 3/ نصائح للطلاب ومعلميهم.

اقتباس

من قارن بين الامتحانين وجد البون الشاسع؛ فمن ذلك أن امتحان الدنيا للممتحن فرصة أخرى عندما يخفق، أما امتحانُ الآخرة فليس هناك فُرَص، وذلك لأن الأسئلة معروفة وما عليك إلا العمل بموجبها، ومن ذلك أن امتحان الدنيا قد أعده بشر يصيب ويخطئ، وأما امتحان الآخرة فقد أعده الملك العلام الذي لا تخفى عليه خافية، ومن ذلك أن امتحان الدنيا قد يحصل فيه النجاح بغير حق بالغش والتزوير والجور والرشوة، أما امتحان الآخرة فلا غش فيه ولا تزوير ولا جور ولا رشوة، ونتيجة الامتحان فلاح أبدي أو شقاء سرمدي...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله فيما تستقبلون من الأيام، واعلموا أنكم في دار هي دار العمل والتحصيل، وغدًا تنتقلون إلى دار هي دار الجزاء والوفاء، فانتقلوا رحمكم الله بخير ما عندكم من الأعمال الصالحة، وتذكروا دائمًا أن رصيدكم من الحياة قد ينتهي وأنتم على غير استعداد للقاء الملك العلام جل وعلا.

 

معاشر المسلمين: إن العبد العاقل الناصح لنفسه هو الذي يعتبر بما يمر به من الأيام وتقلباته فيما بين معاشه وآخرته وأن لا يكون كالأنعام لا هدف ولا غاية.

 

عباد الله: إن الوقت الذي نعيش فيه وما يحتف به من مجريات الحياة يحتّم علينا أن نتكلم في هذه الخطبة عن الامتحانات التي لا يمر بها مجتمع إلا وتُعْلَن في بيوته حالاتُ الطوارئ فلا زياراتٍ ولا تنزهاتٍ ولا وسائلَ إعلام، فالجميع بل المجتمعُ بأسره منكبّ على الاستعداد لذلك، وهذا أمر مطلوب بل ومتعين، فنسأل الله للجميع العون والسداد.

 

ونحن بصدد هذه الخطبة نود أن نلقيَ الضوء على جانبين مما يستفاد منها لنخرج وقد استفدنا بما ينفعنا في الدنيا والآخرة.

 

الجانبان هما: الأول أخذ العبرة من خلال التفكر بحال المجتمع في هذا الوقت واستنفاره.

الثاني: نصائح للطلاب ومعلميهم.

 

فأقول مستعيناً بالله: إن المسلم يخلص بوقفات عدة من التفكر بما يمر به المجتمع هذه الفترة فمن ذلك: أن يتذكر العبد بهذه الامتحاناتِ تلك الامتحانات التي نحن الآن بصدد الجواب عنها، فالأجوبة في هذه الحياة والنتائج غدًا بين يدي الله سبحانه، إن من قارن بين الامتحانين وجد البون الشاسع فمن ذلك أن امتحان الدنيا للممتحن فرصة أخرى عندما يخفق، بل إن له مجالاتٍ أخرى ليس فيها امتحان بل هي أسبابٌ يعيش بها المرء كيفما شاء، أما امتحانُ الآخرة فليس هناك فُرَص، وذلك لأن الأسئلة معروفة وما عليك إلا العمل بموجبها، فمن فرط في العمل فليس بأهل للنجاح ولو أعيد له الامتحان، (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الأنعام: 28].

 

ومن ذلك أن امتحان الدنيا قد أعده بشر يصيب ويخطئ، وأما امتحان الآخرة فقد أعده الملك العلام الذي لا تخفى عليه خافية، ومن ذلك أن امتحان الدنيا قد يحصل فيه النجاح بغير حق بالغش والتزوير والجور والرشوة، أما امتحان الآخرة فلا غش فيه ولا تزوير ولا جور ولا رشوة، شهوده الجوارح والملائكة الكرام، توزن فيه الأعمال بموازين الذرات لا يتطرق إليه الخطأ ولا النسيان، ليس فيه مراجعة ولا تعقيب، كيف لا؟ والحاكم فيها الله، جل في علاه.

 

ونتيجة الامتحان فلاح أبدي أو شقاء سرمدي، إنما هي جنات وعيون أو النار والزقوم؛ أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

 

أيها المؤمنون: ومن الوقفات في  الامتحانات، الوقوف على ذلكم التناقض عند بعض أولياء الأمور الذين نلحظ فيهم الحرص الشديد على أبنائهم في أمور الدنيا وعزوفهم عنهم في أمور الآخرة، وكأنهم ليسوا بأبنائهم، فإذا كانت وسائل الإعلام تضر الأبناء فتَشْغَلهم عن المذاكرة والاستعداد فإنها في غير أيام الامتحانات تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة بل عن الدين كله، وتفسد عقائدهم، وتخلخل ثوابتهم بل تستبدلها، بأخلاق الغرب إلا من عصم الله، وشتان بين فلاح الدنيا وفلاح الآخرة.

 

عباد الله: إنني لأطلق عبارةً لا خلاف فيها "ما أسعدَ البيوت التي ليس فيها وسائلُ إعلامٍ مضرة!"، فلا موجه فيها غيرُ الأبوين، وأما غيرهم فكل يوجّه وكل يعلّم وكل يغرس فهي مليئة بكل لسان وكل ملة.

 

ومن الوقفات: ما نراه من تعلق أبنائنا بالعبادات في أوقات الامتحانات، فالمحافظة على الصلاة ظاهرة، والبعد عن المعاصي ونحو ذلك، ولكن سرعان ما يعودون أدراجهم بعد الخلاص من وقت الشدة عندهم، فأقول: حذارِ حذارِ من التشبه بالكافرين الذين لا يعرفون الله إلا في الشدائد.

 

ولتكن هذه الفترةُ وقتَ انطلاقٍ للطاعة فإذا كان اللهُ الموّفقَ لك وقت الامتحان فلا حياةً سعيدةً بلا توفيق من الله فلنطعه دائمًا كما قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. وقوله جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

ومن الوقفات: أن يحذرَ الأبُ على ابنه فينظر من يصاحب، وماذا يتعاطى فالامتحانات من أسباب الوقوع في المخدرات، فأهل الفساد ممن يصطادون في الأزمات يغرونهم بتعاطي المنبهات والمسهرات حتى يدمنون عليها، وهي وإن كانت منبهةً إلا أنها تفقد المتعاطي لها التركيزَ والقدرة على التفكير.

 

كما يجب على أولياء الأمور أن يتولوا الذهاب بأبنائهم وبناتهم وكذلك العودة بهم، فبعض الآباء يتكاسلون في التبكير لأخذ أبنائهم من المدرسة وما علم أن ابنه يخالط من يجر له الخطر، ولربما حصل له ما لا تحمد عقباه، وهذا شيء يعرفه أهل الميدان، وحذارِ من التفريط فخرق العرض لا يُرقعُ، وأهل الشر يكيدون الآمنين من المسلمين خصوصًا هذه الأيام، فلا تتأخر في الرجوع بهم إلى المنزل، ولا تدعهم يسيرون على الأقدام، ولا يأتون مع سائق الجيران وهلم جرا، واللبيب بالإشارة يفهمُ.

 

اللهم استر على أبنائنا وبناتنا وسائر المسلمين، واجعل التوفيق حليفهم والستر قرينهم.

أقول قولي هذا..

 

       

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له جعل هذه الدارَ دارَ امتحان وبلاء وعمل والآخرةَ دار جزاء وقرار إلى الأبد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين وجاهد في الله حتى أتاه من ربه اليقين صلى الله عليه.

 

أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].

 

عباد الله: وأما الجانب الآخر فهو نداءان نوجه أحَدَهما إلى الطلاب والآخرَ إلى المعلمين.

 

أيها الطلاب والطالبات! يا من تسمعون هذه الخطبة! ارعوا أسماعكم إلى هذه النصائح علكم أن تكونوا من المفلحين في الدارين.

 

غدا موعد الامتحان لمعظم الطلاب والطالبات وللامتحان رهبة في القلوب وهيبة،   والنفوس بطبعها تخاف من مساءلتها وتقلق من غيب لا تدري ما الله صانع فيه لها.

 

ولكن العبد المؤمن هو الذي يتوكل على الله (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 23]، وأن  نجعل يقيننا بالله عظيمًا، وذلك بعد فعل الأسباب المطلوبة شرعًا، كما يجب على المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فمن بلغ لهذا الدرجة من اليقين  والاعتماد على الله زال عنه ما يجد من القلق وكثرة الهموم أيا كان نوعها.

 

أيها الآباء والطلاب: احذروا من السهر المفرط المؤدي إلى تضييع صلاة الفجر مع الجماعة، فهو مع تحريمه، يؤدي بالطالب إلى عدم التركيز وضعف الذاكرة.

 

كما على الطلاب أن يحذروا من الغش في الامتحان؛ فإن الغش من الكبائر فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من غشنا فليس منا".

 

وبعد أصحاب المكاتب يساعدون الطلاب على الغش بالتصوير لهم أوراق الامتحان وتصغيرها بما يسمى بالبراشيم، فهم شركاء في الوزر.

 

ولنعلم أن العاقبة وخيمة، فمن غش فقد غش نفسه أولاً ثم معلمَه وبلدَه، بل إن الجرم لينجرُ إلى رزقه ومعاشه كما أفتى الشيخُ ابنُ عثيمين -رحمه الله-: أن من غش في الامتحان وأخذ شهادة بذلك الغش فإنه يحرم عليه أن يتوظف بهذه الشهادة في تخصصها وما يقبض من الأموال فهو عليه حرام.

 

معاشر المعلمين: يا من كلفتم بتربية أبناء المسلمين إن على كواهلكم وفي أعناقكم أمانةً عظيمة فارعوها وأدوا حقها.

 

 وثمة نصائحُ أوجهها لإخواني المعلمين: أولاً: إن إجراء الامتحاناتِ أمانةٌ عظيمة، فهي أمانة حين وضع الأسئلة، وأمانة حين المراقبة، وحكم حين التصحيح، ووضع الدرجات.

 

كما عليك أخي المعلم في أثناء المراقبة على الطلاب أن تكون فطنًا نبيهًا وأن لا تتشاغلَ عن العمل المنوط بك، وأن لا تأخذكَ في الله لومةُ لائم، فاحذر من تمكين الطلاب من الغش أو التساهل في ذلك، فإن ذلك من الغش والظلم والخيانة.

 

كما يجب على المعلم في أثناء التصحيح أن يتقي الله في الأحكام، فإنه بمثابة القاضي، فالقاضي يقضي بين الناس والمعلم يقضي بين الطلاب فليتحر العدل في أحكامه، وليتأن في التصحيح، وليكثر من المراجعة قبل فصل القضاء، فإنه إن فعل ذلك سلم من التبعات بإذن الله إن وقعت.

 

وليتجنب الحيف لقرابة أحد أو مودته، أو أن يهضم حق الغير لعداوة أو مواقف نفسية سابقة، أو نحوها من الأسباب. (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9]، (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

 

اللهم اجعلنا من المقسطين وأعنا على أداء الأمانة كما تحب وترضى يا رب العالمين.

 

اللهم وفق أبنائنا وبناتنا في الامتحانات، واجعلهم قرة عين لوالديهم وللمسلمين أجمعين

 

اللهم اهد شباب المسلمين.

 

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا أرحم الراحمين.

 

اللهم فرِّج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان....

 

 

المرفقات

للامتحانات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات