اقتباس
المال عصب الحياة، وعليه تدور كل شؤون الحياة، بل إن الإسلام يقر أن المال وسيلة ضرورية لقيام العبادات في الأرض، ومن دونه لا يمكن أن يتحقق مقصد حفظ الدين وجودا وعدما، والأدلة على...
هل يهتم الإسلام بالمال؟ وهل المال سبب لسعادة؟ هل يؤدي المال إلى التعاسة؟ هل فعلا أن الإسلام دين الزهد بالمعنى المتأخر الذي انتشر بين الناس؟ هل معنى الزهد أن تكون فقيرا عالة على غيرك؟ هل الفقر قضاء وقدر؟ هل المال سبب لحياة الإنسان في عزة وكرامة؟
الحقيقة أن الأسئلة كثيرة حول موقف الإسلام من المال، ومتشعبة جدا، إلا أن الإسلام من خلال النصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد أكد على أهميته وخطورته في حياة الإنسانية جمعاء، كما أجاد الفقهاء إجادة تامة في الإجابة عن كل المسائل المالية الأصلية أو النازلة، وأبدعوا في رسم الصورة الحقيقية لموقف الإسلام من مسألة المال في حياتنا، غير أن الإحاطة بكل هذه المسائل يقتضي مساحة كبيرة؛ ما يجعلنا نكتفي بالإشارة إلى بعض الأجوبة عن بعض الأسئلة السابقة.
المال عصب الحياة وسبب للكرامة:
المال عصب الحياة، وعليه تدور كل شؤون الحياة، بل إن الإسلام يقر أن المال وسيلة ضرورية لقيام العبادات في الأرض، ومن دونه لا يمكن أن يتحقق مقصد حفظ الدين وجودا وعدما، والأدلة على اعتبار المال في الإسلام وسيلة هامة وحاسمة لتحقيق مختلف شؤون الحياة كثيرة وعديدة؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" (حديث صحيح صححه الألباني وجماعة)، وهذا نص قاطع في أن المال ما دام سببا رئيسا لقيام العبادات، فإنه كذلك سبب قوي لقيام مختلف العلاقات البشرية، فلا يمكن للإنسان أن يعيش من دون مال، فالمال في أبسط الأمور يبقى وسيلة أساسية لشراء مختلف الأغراض التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية، ووسيلة هامة لتوفير المسكن الذي يأوي إليه الإنسان في مختلف فصول السنة، وهو الوسيلة التي بها يتمكن الإنسان من ستر نفسه، والتنقل من مكان إلى مكان.
المال الطريق نحو العزة:
ولهذا شجع الإسلام المسلم على أن يكون قويا تقيا غنيا؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "...إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي" (صحيح مسلم) بعض الشراح ذهب إلى حمل لفظ: "الغنى" على غنى النفس، لكن كبار الفقهاء ذهبوا إلى أن يكون غنيا بمعنى ثريا، ومنهم القاضي عياض –رحمه الله-.
ولأهمية المال في حفظ كرامة وحرية وعزة حياة الفرد والمجتمع أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة بعد وصوله إلى المدينة النبوية أن يؤسسوا لهم مكانة في سوق المدينة؛ فمن يملك المال يملك القوة والتأثير، ويكون له في الآخر الكلمة الحاسمة في كل القرارات.
ولهذا كانت منافسة المسلمين لليهود في تجارتهم في سوق المدينة سببا في توازن القوة داخل مجتمع المدينة المتنوع وقتها.
إذًا، من خلال ما سبق نجد أن المال سبب للسعادة، إذا كان في أيد أمينة صالحة مصلحة، وسبب للشر والطغيان إذا وقع في أيد سوداء، بالتالي فإن المقدمة هذه قد جاءت تمهيدا لربط مسألة المال بالاستبداد الواقع على المرأة.
المرأة والرجل وعالم المال:
والناس في مسألة المال على أقسام؛ منهم الثري الباذخ، ومنهم الميسور، ومنهم المكتفي بالعفاف، ومنهم الفقير والمسكين، ومنهم الراضي بقسمته، ومنهم الكافر بقسمة الله -تعالى- له.
ويعتبر الرجل والمرأة سيانا في مسألة المال إلا أن الرجل أقدر منها على تحصيله وتوفيره، فطبيعته تجعل قادرا على العمل في مختلف الأشغال والأعمال، وضعفها يسبب لها التوتر والاضطراب مع بكرة كل صباح تقصد فيه العمل لأجل المال؛ ولأن الرجل يملك قابلية ثابتة وكبرى للبقاء خارج العمل، فإنه عادة ما يكون مسؤولا عن نفسه وعمله أكثر من شيء آخر.
وفي المقابل نجد المرأة لا تملك قابلية ثابتة للبقاء خارج المنزل، فالصباح الباكر أو المساء المظلم يشكلان لها هواجس عديدة؛ منها: الخوف من التعرض للسرفة، أو الاختطاف، أو التحرش والضرب، وما شابه ذلك من التهديدات التي تخشاها كل امرأة.
كما أن المرأة عكس الرجل تماما في مسألة التفكير وهي خارج المنزل، فهي تفكر في أولادها أكثر منه، وتظل مضطربة تماما وهم بعيدون عنها؛ لذلك تبقى نفسيتها متوترة فعلا، وتظل تطمئن عليهم كلما سنحت لها الفرصة، وتظل تشعر بالقلق حتى تراهم أمامها وبين يديها وفي حضنها، هي هكذا المرأة.
غياب هذا التصور البسيط عن الرجل والمرأة وعن المجتمع يفتح أبواب شرّ كثيرة في حياة المرأة، ويسلط عليه سيوفا الهم والغمّ والخوف والذلة، ويسبب لها تعاسة لا حدود لها؛ لتصبح حياتها جحيما في ظل الاستبداد الناتج عن غياب التصور الرباني لعلاقة المرأة بالعمل "المال".
لماذا يجب على الرجل أن ينفق على المرأة؟:
لأجل الضعف الذي عليه المرأة، والذي يعود أساسا إلى تكوينها الفيزيولوجي والنفسي؛ جعل الإسلام مسالة الإنفاق من مهام الرجل، ولا رجولة لمن لا ينفق على نسائه، ولا خير فيمن لا ينفق على بناته، ولا برّ يرتجى ممن يبخل بالنفقة على أخواته، ولا مروءة لمن يحوج زوجته إلى السؤال والشكوى.
لأجل كل ما سبق الإشارة إليه في هذه الفقرة كرّم الإسلام الرجل مقابل إعالة ورعاية المرأة بأغلى شيء، ألا وهو الجنة، والجزاء من جنس العمل، فالمرأة غالية، ورعايتها توجب أن يكافأ الرجل بأغلى جائزة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ" (رواه الطبراني وصححه الألباني) هذا الحديث يدل على قيمة المرأة في الإسلام، كما يدل على حرص الإسلام على رعايتها، ومطالبة الرجل بالإنفاق عليها، مراعاة لخصائص الأنثى، وسواء أكان الرجل أبا أو أخا تجب عليه النفقة والرعاية في حق نسائه، وهذا واجب شرعي وأخلاقي واجتماعي بحقه، لا يملك أمامه هروبا ولا تملصا.
وهناك حديث آخر يجعل فيه الإسلام درجة من يرعى الأنثى في أعلى الدرجات، ويعد المنفق بجوار أفضل الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام-؛ كما يدل هذا النص على الاستمرار في فعل ذلك إلى أن تكون المرأة تحت رجل آخر فيستمر بالنفقة عليها، وإلا فإن عليه النفقة عليها حتى آخر يوم من حياته، ومما يستدل به على هذا الأمر ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ، وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
إن أي محاولة لتغييب هذه المفاهيم الراقية والسامية يؤدي بالضرورة إلى إلغاء جانب مهم في حياة المجتمع، ألا وهو: تخلي الرجل عن شقيقته، القسوة عليها بدل أن يرحم ضعفها، فالمادية الحيوانية، والعلمانية المنحطة تريد في الأخير سلب المرأة الحماية والرعاية التي وفرها لها الله -تعالى-، من خلال اللعب على مصطلحات وهمية خيالية؛ مثل: استقلالية المرأة، وأن المال يغنيها عن الرجل والأسرة، وكل ذلك طريق قصير نحو الاستبداد بالنفس والغير، وطريق شقاء طويل عريض، وشتان بين أحكام شرعية تجعل تعب الرجل ونصبه في خدمة نسائه سببا للجنة في الآخرة، وسببا لسعادته ونسائه في الدنيا، وبين تشريعات ومنظومات وأنظمة تجعل أقصى أمانيها جعل المرأة شقية من أجل حفنة من مال، مقابل خسارتها لراحتها وهنائها ووظيفتها الحضارية، وهلاك أنوثتها، بسبب انهيارها أمام الضغوطات وتحولها من الأنثى الحنون اللطيفة إلى متوحشة مسترجلة؛ بعد أن تعلمت أن سوق العمل تحكمه عادة قوانين الخوف والذل.
هل تتوقف رعاية الأنثى بإدراكها مرحلة البلوغ؟:
تضطر الأنثى خارج العالم الإسلامي بعد وصولها سن الرشد إلى العمل من أجل توفير ضروريات الحياة وحاجياتها، وخاصة النفقات الدراسية بالجامعة، ما يضطرها أحيانا إلى سلوك أي سبيل لتوفير مصاريف الجامعة، والكراء، وغير ذلك، وهذا يكاد يكون أمرا نادرا في العالم الإسلامي عموما والعربي خصوصا، لاستمرار المسلمين في احترام مبدأ الإنفاق على المرأة منذ مجيء الإسلام، حيث تتمتع المرأة بحق حصولها على الرعاية والعناية دائما وأبدا، وفي مختلف الأعمار؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ـ: "مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو" وضم أصابعه" (رواه مسلم) هل يعني هذا الحديث أن المرأة إذا بلغت سنة الخامسة عشرة سنة فقدت آليا حق النفقة التي كان يكفلها إياها وليها أو وصيها؟
للجواب على هذا السؤال يستحب الإشارة إلى حقيقة منهجية إسلامية هامة، وهي أن منهج الفقهاء عند تناولهم أي موضوع وأي مسألة وأي قضية هو جمع جميع نصوص الوحي الواردة في الباب الذي تندرج تحته القضية محل البحث والنقاش، ثم النظر فيها، وعليه فإن النظر في هذا الحديث مع اعتبار النصوص الأخرى يفيد بأن لفظ: "حتى تبلغا" قد خرج مخرج الغالب، فالغالب أن المرأة في ذلك الوقت إذا بلغت تزوجت، حيث لم يكن سن الزواج متأخرا كما نراه اليوم؛ ولذلك يُحمل هذا اللفظ على أن المقصود به هو إذا أنفق عليها حتى بلغت وتزوجت، كما تبينه أحاديث أخرى، فقد روى أبو داود بسند حسن عن أبي سعيد مثل هذا، ولفظه: "من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة".
في المجتمعات غير المسلمة تضطر الفتاة بعد وصولها سن الرشد إلى العمل لتوفير مصاريفها الحياتية اليومية والدراسية، وغيرها، وتضطر أحيانا للعمل في أي مجال لأجل توفير ما يضمن لها العيش، وقد تخلى بعض المسلمين عن قيمهم ومبادئهم، فشابهوا هؤلاء بعد أن صار بعض المسلمين يرضى بأن تعمل بناته في الصيف وفي العطل والإجازات حتى تنفق على نفسها حسب زعمهم، ولم يعرف هذا في التاريخ الإسلامي إلا في العصر الحالي، بعد أن بلغت الروح الانهزامية في المجتمعات المسلمة مبلغا خطيرا، وصور التخلي عن رعاية الفتيات المسلمات عديدة؛ منها مثلا: رفض الأب أن تكمل ابنته الدراسة وهي شابة، بحجج كثيرة، تجعلها في الأخير ضحية لمستقبل لم يحسب له الولي حسابه، فمع التقدم المعرفي في المجتمعات المسلمة أصبحت المسلمة التي لم تدرس أو لم تحصل ولو على مستوى الثانوية العامة محل سخرية مجتمعية، بل إن المجتمع المسلم لما غرق في الاستبداد تصورا وممارسة همش هذه الفئة بشكل يكاد يكون نهائيا، ما جعل هذه الفئة تدفع ثمنا كبيرا، سببه الأول: مخالفة الأولياء لمنهج الإسلام في العدل بين الذكور والبنات في طلب العلم، وفي الإنفاق عليهن أيضا كما يحرصون على النفقة على الذكور.
إذًا، ابتعاد البشر عن الطريق المستقيم والعدل الذي جاء به الإسلام سبب للاستبداد الذي يقع على المرأة هنا، والإسلام بريء تماما من هذه التصرفات المهلكة، المدمرة لحياة المرأة، باسم تبريرات تعتبر استدراكا في حق الله -تعالى-، تبريرات ودعاوى تنفيها نصوص كثيرة، بل وسير الكثير من المسلمات عبر التاريخ؛ فقد كانت عائشة -رضي الله عنها- فقيهة عالمة، ومر في التاريخ نساء كثير كن فقيهات عصرهن، ولم يكن لهن ذلك لولا حرص آبائهن على منحهن حقهن في التعليم والإنفاق عليهن في ذلك، ومنهم الإمام مالك بن أنس، وسعيد بن المسيب -رحمهم الله تعالى-.
ثم إن الإسلام يعلم أن المرأة الجاهلة لن تخرج للمجتمع إلا أجيالا مريضة بعدد غير يسير من الأمراض الحضارية، وستخرج للبشرية أجيالا تحمل قابلية كبيرة للذل والمهانة والاستبداد والاستعباد، ثم إن أول من يدفع الثمن هو المرأة نفسها عندما تجد امرأة جاهلة أمامها في عدة مسائل اجتماعية.
مما سبق نجد أن مثالا واحدا عن الخلل في تصور مسألة بسيطة مثل مسألة: إلى متى يظل الرجل ينفق على ابنته أو أخته؟ يؤدي إلى حياة المرأة حياة تعيسة، ولهذا أوصى الإسلام بالاستمرار في رعاية الأنثى من كل النواحي، خاصة التثقيفية والتعليمية والتوعوية والتربوية؛ حتى تنتقل إلى يبت زوجها ليتولى هو هذه المهمة بعد ذلك.
ما هي حدود رعاية الأنثى؟
إن الرعاية كما يتصورها الإسلام لا تعني أن يكتفي الرجل بتوفير الضروريات والحاجيات كالمسكن والأكل والمشرب والملبس، وغيرها، بل عليه أن يعلمها ويربيها ويثقفها، ويكون سندا دائما في حياتها، فعليه رعايتها والعناية بها مع تحقيق معنى المرافقة والمصاحبة؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كان له ثلاث بناتٍ أو ثلاث أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ فلهُ الجنَّةَ" (رواه الترمذي).
وقضية المرافقة والمصاحبة هامة وخطيرة في حياتها؛ فهي التي تكشف للمربي نقاط الضعف في الطفل، وتساعده على مساعدة الطفل ذاته في طريق العلاج والتقويم.
كما أن المصاحبة تغرس الثقة، وتحافظ على الطفل من الشبهات الهادمة لعقيدته وهويته في هذا السن الذي يعتبر السن الأمثل لزعزعة عقيدة الطفل وتصوراته للحياة.
إن غياب معاني الرفقة والصحبة يعني في النهاية أن يحل محلهما القسوة والعنف في التربية؛ ولهذا وصى الإسلام المربي لبناته أو أخواته بالمرافقة والمصاحبة، وهذه مسألة دقيقة غابت عن الكثير من البيوت المسلمة، حتى صار بين البنت ومربيها حواجز كثيرة، وعقد مستطيرة، لم ينج منها إلا من وفقهم الله -تعالى- إلى الالتزام بأحكامه العادلة الرحيمة.
البنت والظلم الاجتماعي:
وإن الرعاية والتربية تعني أن يهتم الوالد أو المربي أو الوصي بكف الظلم عن البنت من أي شخص، ومهما كانت درجة قرابته إليها، وقد انتشر بين المسلمين في العصور الأخيرة داء احتقار المرأة، وإذلالها واستغلالها، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين يظلمون الضعفاء وخص منهم المرأة واليتيم، والمشترك بينهما، هو الضعف، فاليتيم أضعف من أن يدافع عن حقه أمام جشع وقهر المتربص به، والمرأة أعجز من أن ترد عنها سهام الإذلال والتعنيف، فهي لم تخلق للحرب والشجار والصراعات، بل خلقت لتعطي الحياة جمالا وسكينة ورحمة وحنانا، يقول عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" (رواه ابن ماجه وأحمد)، والحديث يشير إلى شدة ذنب وإثم من يقهر هذين الصنفين.
إن قصص استغلال راتب المرأة من الأب أو الأخ، وتأخيرها عن الزواج، وقصص ضربها لتتزوج من ابن عمها المسن الغني غصبا عنها، وقصص ترك البنات في دور الرعاية والتأهيل حتى مع انتهاء محكوميتهن، بدعوة جلبهن للعار والتبرؤ منه، وقصص التحرش، وقصص احتقار المطلقات والتضييق عليهن، وغيرها من القصص، واستغلالها في العمل، وجعلها تعمل أكثر من حقها، وإخافتها بالطرد، وجعل بعض فجرة المجتمع المرأة تعمل أي شيء لنيل وظيفة هي بحاجة إليها، إنما هي جرائم ومظالم عظيمة يحاربها الشرع الإسلامي، وتتوعد نصوص الشريعة الإسلامية فاعلها والراضي بها بأشد العذاب، فالظلم محرم على الجميع، وتحت أي دعوى.
إن ولي المرأة يجب أن يفهم أن معنى الولاية هي النصرة والحماية، لا القهر والاعتداء، وأن عليه حماية بناته من كل شر، ومن كل ظالم وباغٍ، وأن يحميها من شرور المجتمع، وأن يكون سندها، فموعده الجنة إن أحسن وأخلص النية.
وأما من سلّم ابنته للظلمة، ولم يرفع عنها الظلم فهو أول من يحاسب عن الظلم الذي وقع عليها: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (أخرجه الشيخان).
الخطباء ودورهم في نصرة المرأة:
كثيرة جدا هي الشكاوي التي تصل خطباء المساجد في مختلف مساجد العالم الإسلامي، تشكو من الظلم الواقع عليهن ممن يتزيون بزي الإسلام، ويتسمون بأسماء الإسلام، ثم يعاملونهن معاملة الهندوس والنصارى واليهود؛ لهذا فإن الخطيب اليوم مطالب بالتركيز كثيرا على الخطب التي تتناول الظلم الاجتماعي، وبكل الصور التي تنتشر اليوم في حياة البشرية، وفي حياة المرأة خاصة، والتأكيد على أنه مرفوض في الإسلام، ومعاقب عليه؛ وبيان سببه الحقيقي، إذ يشهد التاريخ أن الإنسان من دون إسلام مجرد وحش كاسر، لا يصلح حاله ولا ينصلح به حال غيره، ويشهد التاريخ إن الظلم الاجتماعي لم يرتفع من حياة المجتمعات البشرية إلا بعد مجيء الإسلام، بالتالي فإن كل الدعاوي التي تحاول أن تلصق الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة باطلة أساسا، وإن حاولوا القول أن من يمارس هذا الظلم مسلمون يبررونه أعمالهم بالإسلام، فإن الحقيقة غير ذلك، فقد اهتم الإسلام بفقه العبادات وبفقه الحضارة والعمران، وغياب أحدهما يعني شقاء البشرية.
وخلاصة القول هنا: أن الخطيب عليه أن يوضخ الصورة الحقيقية للإسلام باعتباره نظام حياة كامل شامل، ولا يمكن أن يكون المسلم الذي تخرج في مدرسة الاستبداد العلماني المحارب للإسلام المناقض له، لا يمكن أن يكون حجة على الإسلام، بل هو حجة على الأنظمة الوضعية التي جعلت حياة المرأة وشقيقها الرجل جحيما لا يطاق.
يتبع..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم