الارتفاع الاجتماعي

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

الكوارث والمشاكل لم تتأزم في بلاد المسلمين كما تأزمت في بلاد الغرب -رغم ثرائها- بل إن أحكام الإسلام ونظرته للإنسان وسرعته في المعالجة، وأسسه التي تمنع الخلل قبل وقوعه كل ذلك يعالج المشكلة في...

* في الدنيا ارتفاعاتٌ وتطاول، ورُتب مختلفةٌ وكبرياء، وغرور جامح ربما ضر أهله وأحبابه، والهائمين بالصعود العابث، والتعالي الفج...!

 

* وكان حقه التواضع والشكران، لا التباهي والهذيان، وأن يعتقد انعدامَ الخلود والبقاء الثابت! ولكنها الدنيا تتلاعب بأحبابها، حتى تنزلهم وتصرعهم في مكان سحيق بئيس... فيسقط سقوطا دويًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

*  كانَ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ناقَةٌ تُسَمَّى العَضْباءَ، لا تُسْبَقُ : أوْ لا تَكادُ تُسْبَقُ - فَجاءَ أعْرابِيٌّ علَى قَعُودٍ فَسَبَقَها، فَشَقَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ حتَّى عَرَفَهُ، فقالَ: "حَقٌّ علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا، إلَّا وضَعَهُ".

 

* وفيه دليلٌ على هوان الدنيا ووضاعتها، وأنه ما ينبغي التقاتلُ عليها، ولَا التنافسُ فيها، وجعلها الملاذ والملتجأ..!

 

* وفضلُ الزهد في الدنيا، والحرص على النعيم الباقي، والثواب المدخور.

 

* والحذر من الارتفاع المصنوع، والتعالي المكذوب، فالدنيا غدارة، وأحوالها غرّارة..!

 

* واعتقاد الانفكاك والزوال وانتهاء المدة في أية لحظة، وعدم الركون إلى المكانة وذلك المرتفع..! وعدم خسران الأحبة والخلان..!

 

* وضرورة المحافظة على الأخلاق الشرعية والقيم المرعية، وعدم التنكر والتجهم، والاندماج في فخار مزيف، أو علاء مأزوم! فالنهاية قريبة، والفراق حتمي! (إلا وضعه)...

 

* وأما الارتفاع الأخروي بعلمٍ خالص، وعمل صالح، ودعوة مباركة، ونفع عام، فليس من الارتفاع المذموم المسحوق...!

 

* وهذا الوضع انتهاء ونزول، وخلاص وانعتاق، وإفلاس وخروج، وذبول واضمحلال...!

 

* ومن كان ارتفاعه فاضلا قنوعا، يخرج بطيبة وصفاء، ويودعه الناس، وربما تأسفوا عليه وعلى سهولته ومرونته الأخلاقية...!

 

* خلافاً لذلك المرتفع العالي، والمستكبر الباغي، تُدق الطبول لوداعه، وتُشرق البسمات لمغادرته..!

ذق ما جنيت من المناكدِ والردى*** والعقْ نهايةَ غاشمٍ قد أرعدا

إن الحياة مدارس *** يا ويل من فيها اعتدى

 

* ومَن ارتفع وتعالى متجبرا، بمرتبته الدنيوية على خلق الله، وعاث يمينًا وشمالًا، أذله الله وصرعه، وإذا أطال الله مدته فإنما هي إملاء وإنظار..! (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ)[الأعراف:45].

 

* والمرتفعون دنيويًا، الموهومون بها، يخسرون بعضَ أخلاقهم، وخواص أصدقائهم، من جراء تعاليهم، وادعائهم الفهم، واستبدادهم في الرأي، وتعاليهم على الحضور والأقران والمجالس..!

 

* وما يرتفعون إلا من نقصٍ فيهم، أو شهوة لديهم، وإلا لو ارتفع التواضع عندهم، واستشعروا نعمة الله، وسر الدنيا لما تهالكوا فيها بهذا الشكل...!

 

* ولذلك كان حديثه هذا عليه الصلاة والسلام من جوامع الكلم، ومن روائع الحِكم، التي تستدعينا للتأمل والاتعاظ، وألا نبالغ في هذه الدنيا، وأن نتوقع التداعي في أقرب اللحظات، وأن لا نطمئن لها ولا لعلوها وثرواتها، لا سيما لمن تفاخرَ بها وتطاول، ونسي تبعاتِها والتزاماتها.

 

* والعجيبُ أن دروسها فياضة، وعجائبها وهاجة، وقليلٌ من يعتبر، فكم تساقط أفراد، وهزمت أمم، ودارت الدوائر بالذلة والهوان على من كان في عز وفخار..!! ومن ذلك خبر المعتمد بن عباد الأندلسي، قال فيه الذهبي رحمه الله: "كان فارساً شجاعاً، عالماً أديباً، ذكياً شاعراً، محسناً جواداً ممدحاً، كبير الشأن، خيراً من أبيه. كان أندى الملوك راحة، وأرحبهم ساحة، كان بابه محطَّ الرحال، وكعبة الآمال".

 

* وقال أثناء أسره في "أغمات " بالمغرب عندما رأى بناته بثيابٍ رثة في العيد:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً *** فساءكَ العيدُ في أغمات مأسوراً

ترى بناتك في الأطمار جائعةً *** يغزلن للناس ما يملكنَ قطميراً

برزن نحوك للتسليم خاشعةً *** أبصارهنَّ حسيرات مكاسيراً

يطأن في الطين والأقدام حافيةً *** كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً

أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه *** فعاد فطرك للأكباد تفطيراً

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً *** فردّك الدهر منهياً ومأموراً

من بات بعدك في ملكٍ يُسرّ به *** فإنَّما بات في الأحلام مغروراً

 

* وقد اعتذر ابن خلكان وغيره عن إطالته في ترجمته، بسبب غرابة ما حصل ونهايتها المشؤومة، والله المستعان.

 

* ومن هنا كان الاغترار بالدنيا مهلكة وضلالة، ولو دامت لمن قبلنا لما وصلت إلينا، ومنهجنا الإسلامي خير منهج وأحسنه وأقومه في حُسن التعامل معها، وعدن الانجرار والمغالاة فيها، والله المستعان.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات