الابتلاء طريق النصر

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم بأحسن عملاً 2/ الابتلاء سنة ماضية 3/ عجبًا لأمر المؤمن 4/ للابتلاءات حكم كثيرة 5/ لا تحسبوه شرًّا لكم 6/ جهود خادم الحرمين لنصرة الدين ونصرة الضعفاء

اقتباس

قضى ربنا جل وعلا وقدر أن يتقلب الناس في هذه الدنيا بين أحوال شتى يمرون ويتقلبون ما بين فرح وحزن، وما بين سعة وضيق، وما بين فقر وغنى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ثمانية تجري على الناس كلهم ولا بد للإنسان أن يلقي الثمانية: سرور وحزن، واجتماع وفُرقة، وهم وغم، ثم سقم وعافية ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة وبصَّر به من الجهالة وكثَّر به بعد القلة، وأغنى به بعد العيلة، وأمَّن به بعد الخوف، وجمع به بعد الشتات، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليمًا كثيرًا..

أما بعد:

أيها المؤمنون الموحدون: قضى ربنا جل وعلا وقدر أن يتقلب الناس في هذه الدنيا بين أحوال شتى يمرون ويتقلبون ما بين فرح وحزن، وما بين سعة وضيق، وما بين فقر وغنى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ثمانية تجري على الناس كلهم ولا بد للإنسان أن يلقي الثمانية: سرور وحزن، واجتماع وفُرقة، وهم وغم، ثم سقم وعافية.

ولقد أخبر ربنا جل وعلا في كتابه الكريم أن الناس يُبْتلَوْن في أموالهم وفي أنفسهم وفي أولادهم، فمن صبر على البلاء كان له الأجر العظيم، ومن كان دون ذلك نقص عليه الأجر كما قال جل وعلا في علاه (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا)

وبيّن الله تعالى في كتابه العظيم منهج التعامل مع هذه المصائب، فقال ربنا جل في علاه: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) ما أصاب من مصيبة في الأرض يعني بمصيبة في الأرض في المال سواء من زرع أصابته جائحة فذهبت به بعد أن كنت متحينًا لأجل حصاده أو من مال جمعته أو من بيت بنيته أو من مشروع عملته.

ما أصاب من مصيبة في الأرض في شيء تملكه وتتحين الفرصة في الاستفادة منه، قال: (أو في أنفسكم) سواء في جسدك من مرض ينزل بك أو آفة تنزل ببعض أعضائك، أو ربما نزل ذلك بزوجك أو بولدك، قال ربنا جل وعلا (إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) يعني إلا كنا قد قدرناها عليكم من قبل أن تقع كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير الخلائق إلى يوم القيامة، أو قال اكتب مقادير كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة".

وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: "كتب الله مقادير الخلائق" كتب ما يصيب الناس من حرب أو من قتل أو من نعمة، أو مصيبة أو جائحة، أو مطر أو قحط أو ظلم إلى غير ذلك... قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة".

فكل ما يقع في هذه الدنيا هو مقدر ومكتوب على الإنسان، وقد بيّن نبينا صلوات ربي وسلامه عليه أن ما عند الله تعالى خير وأبقى ممن كان صابرًا على ما يصيبه من مصائب..

قال عليه الصلاة والسلام يومًا لأبي مويهبة رضي الله تعالى عنه وهو كان خادمًا مولى عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اذهب معي يا أبي مويهبة"، فذهب معه حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى المقابر فجعل ينظر إليها وإذا تحت الثرى صحابة أجلاء طالما جاهدوا وقرءوا وصاموا وصلوا لكنهم لم يروا النصر بأعينهم توفوا واستشهدوا في سبيل الله تعالى وفي سبيل نصرة الدين، وذلك قبل أن يروا النصر بأعينهم عملوا لكنهم ما رأوا النتيجة وما ينفعهم أن يروا النتيجة ما دام أن أجرهم محسوب عند الذي يعلم السر وأخفى.

جعل عليه الصلاة والسلام ينظر إلى هذه القبور ويرى التراب ويتذكر أصحابه الذين كانوا معه فقال عليه الصلاة والسلام: "يا أهل القبور ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن يتبع آخرها أولها"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "يا أبا مويهبة إن رجلاً" وكان يعني نفسه عليه الصلاة والسلام لكنه ما صرح بذلك..

قال: "يا أبا مويهبة إن عبدًا من عباد الله خيَّره الله تعالى بين الخلود في الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله" وكان يعني نفسه صلى الله عليه وسلم.

فماذا تفيد الدنيا وزهرتها وأموالها وأولادها وما فيها من نعم بجانب ما أعدَّ الله تعالى لعباده الصالحين يوم القيامة.

هذه دار البلاء، هذه دار الفتنة، هذه دار المصائب، هذه الدار التي جعلها الله تعالى امتحانًا للعباد (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا).

هذا البلاء لا يكاد أن يسلم منه إنسان لكنه ينساه يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا لكنه من أهل النار" يؤتى بأنعم نعم في المسكن ونعم في المركب ونعم في الزوجة وفي الأولاد وفي المنصب وفي الصحة وفي الحسن والجمال ما ترك نعمة إلا أصابها ولا لذة إلا جربها، قال: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا" لكنه من أهل النار قال عليه الصلاة والسلام: "فيغمس في النار غمسة"، يغمس فقط غمسة واحدة في النار، ثم إذا أُخرج من هذه الغمسة قيل له: "يا ابن أدام هل رأيت نعيمًا قط؟ هل ذقت نعيمًا قط؟ فيقول: لا يا ربي وعزتك وجلالك ما رأيت نعيمًا قط ولا ذقت نعيمًا قط".

أنساه كل نعيم الدنيا، غمسة واحدة غمسها في النار فكيف به إذا تردى في دركاتها أو سُلسل في سلاسلها أو قُرن مع شياطينها أو أصابه لهابها أو نهره ملائكتها كيف يكون حاله؟ أيذكر ليلة عاشها أو عرش ارتفع عليه أو قصرًا وارفًا ملكه أو جندًا كان بين يديه أو سلاحًا كان يستعمله أو أمرًا كان يأمره بعدما كان آمرًا ناهيًا أصبح بعد ذلك في دركات النار أنساه كل اللذات التي مرت عليه غمسة واحدة غمسها في النار..

قال عليه الصلاة والسلام: "ويؤتى بأبأس أهل الدنيا ولكنه من أهل الجنة"، يؤتي برجل ما مرت مصيبة أو مر بؤس في الدنيا إلا وقد أصابه من مرض وفقر وظلم وقهر وضياع إلى غير ذلك، لكنه من أهل الجنة، قال عليه الصلاة: "فيغمس في الجنة غمسة، ثم يقول الله تعالى له: يا عبدي هل مر بك بؤس قط؟ هل رأيت شدة قط، فيقول: لا يا ربي وعزتك ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط".

أنساه كل ذلك البؤس والشدة، أنساه الأمراض، أنساه الظلم الذي وقع عليه، أنساه السجن الذي أصابه، أنساه الفقر الذي أصابه ونزل به، أنساه كل مسكنة ومرض، غمسة واحدة غمسها في الجنة.. فكيف به إذا شرب من أنهارها أو جلس في خيامها، أو جالس أنبيائها، أو نظر إلى وجه رب العزة جل جلاله فيها.. أيذكر بؤسًا أو شدة أو مرض أو مصيبة أو قهرًا أصابه، أنساه كل البؤس الذي في الدنيا غمسة واحدة غمسها في الجنة..

أيها المسلمون: إن ما نرى اليوم من أنواع البلايا التي تقع على الناس، سواء التي يوقعها الحكام الظالمون على شعوبها، أو التي تقع في أحداث الحياة من موت أو تشريد، أو ظلم أو اعتقال وسجن، أو نوع من أنواع القهر، فكم قد فرّق بين زوجة وزوجها ورُمي في معتقل مظلومًا، وكم من ولد فُرِّق بينه وبين أبيه، وكم من مال مُنع عن حقه وعن صاحبه، وكم من بيت هدم على رءوس أصحابه، أو أخرجوا عنوة وهُدم بيتهم أمامهم، وكم من أرض سُلبت من صاحبها، وكم من قهر أصابه، ومن ابتلاء نزل به، وكم فُرق بينه وبين أحبابه سواء كان ظلمًا أو كان قدرًا وقضاء..

إن كلها بلايا يعظم الله تعالى بها الأجر لعباده كما قال عليه الصلاة والسلام: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له"، إن رأى نعمة وولد ومال وأمنًا "إن أصابته سراء فشكر"، ولم يستعمل هذه السراء في ظلم العباد ولم يستعملها في معصية..كلا.. وإنما استعملها في طاعة ورفع يديه شاكرًا، كلما رأى ولده أو ماله أو أمنه أو منصبه رفع يديه شاكرًا لربه..

قال: "إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له"، قال عليه الصلاة والسلام: "وليس هذا لأحد إلا المؤمن" يعني الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء لا يتحقق إلا مع وجود الإيمان في القلوب.

وبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنواع من المصائب والبلايا التي تقع على الناس، فقال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى: "ما لعبد مؤمن إذا أخذت حبيبتيه في الدنيا" يعني إذا أخذ عينيه فأُصيب بالعمى "ما لعبد مؤمن إذا أخذت حبيبتيه في الدنيا فصبر، ما له عندي جزاء إلا الجنة".

وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا قبضت الملائكة ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فتقول الملائكة: نعم، فيقول الله: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فتقول الملائكة: نعم، فيقول الله تعالى: فماذا قال عبدي

عبدي الذي قبضتم روح ولده الذي طالما ضمه وشمه، طالما احتضنه، طالما قبَّله طالما اشتاق إليه وجالسه، طالما أطعمه بيده وسهر على راحته ومرضه، هذا العبد الذي ابتُلي الآن بولده ماذا فعل لما مات ولده؟ ماذا فعل لما رآه صريعًا بين يديه؟ "قبضتم ثمرة فؤاد؟، قالت الملائكة نعم، فيقول الله تعالى: فماذا فعل عبدي؟ قالت الملائكة: يا ربي حمدك واسترجع" يعني قال: الحمد الله على كل حال، إنا لله وإنا إليه راجعون..

فيقول الله تعالى لملائكته: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد".

أيها المسلمون: ولهذه المصائب التي تنزل بالعباد ولهذا البلاء الذي نراه ينزل بطائفة من الناس تارة وينتقل إلى أخرى تارة أخرى، لهذه البلايا والمصائب حِكَم أرادها رب العالمين في عباده من أعظم ذلك: إقبال القلوب على ربنا جل وعلا، وتعبيدها له، وانصياعها بين يديه، وطلب المعونة منه، فإن العبد إذا استغنى بنفسه وقوته خُذل مهما كان عنده من القوة والعتاد.

لما اجتمع المسلمون في معركة حنين وكانوا في اثنا عشر ألفًا في جيش لم ير المسلمون قبله ولا بعده في مثل عدده، نعم خرجوا في تبوك في ثلاثين ألفًا لكنهم ما قاتلوا لكن في القتال المواجهة أعظم جيش قاتل فيه النبي عليه الصلاة والسلام هو الاثنا عشر ألفًا الذين كانوا في حنين.

وقد كان الصحابة قبل يكونون ثلاثمائة يقابلون ألف، أو يكونون ستمائة يقابلون ثلاثة آلاف، أو يكونون ثلاثة آلاف يقابلون مئة ألف كما مع الروم، أما هنا فهم اثنا عشر ألفًا فلم يقع في قلوبهم من اللجأ إلى الله تعالى، ومن الرغبة ومن الانكسار ومن الشوق إلى قوة الله تعالى كما وقع في قلوبهم في المعارك التي سبقت..

فقال بعضهم لبعض: "لن نُغلب اليوم من قلة، نحن أقوياء لن نغلب" فإذا بالله تعالى ينزل بلاءه ينزل عليه قتلاً وفرارًا وبلاءً، ويواجه المسلمون أعداءهم، وإذا الأعداء قد كمنوا لهم في مواطن لم يعلم بها المسلمون فيفر الجيش كله الاثنا عشر ألفًا ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة أشخاص فقط ويقول الله تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا..)

فبيّن الله تعالى أن البلاء نزل ليثبّت للمؤمنين أن النصر من عنده لا ينبغي أن ينتصر المسلمون أن يرغبوا إليه من مجلس الأمم أو من الناتو أو من أحزاب تأتي إليهم، كلا.. بل قد يؤخر الله تعالى النصر عنهم لأجل أن يتعبدوا له ويعلموا أن النصر من عنده لا من عند الناتو ولا جامعة الدول العربية ولا من عند أحزاب تنتصر أو تعمل إنما النصر من عند الله تعالى.. كما قال جل وعلا: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).

ولما اجتمع الكافرون في الأحزاب ليقتلوا المسلمين شر قتلة قال جل وعلا: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) ثم قال الله تعالى بعدها: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا).

ينزل الله تعالى البلاء على عباده ليعلموا أن النصر من عنده لأجل ألا تلتفت أعينهم يمينًا ويسارًا يبحثون عن ناصر غير الله، ولأجل ألا تتعلق قلوبهم بحزب من الأحزاب، أو هيئة من الهيئات، أو جامعة أو مجلس أو غير ذلك ألا يتعلق القلب إلا بالله تعالى..

ويبتلي الله تعالى عباده ليتخذ منهم شهداء، انظر إلى الصحابة في معركة أحد، وقد وصلوا إلى المعركة عددهم 950 فلما صاروا في ساحة المعركة أراد ربنا جل وعلا أن يصفّي هذا الجيش المؤمن أن يصفيه من الشوائب من المنافقين..

وإذا بعبد الله بن أبي بن سلول يرفع رايته ويقول: "خرجنا إلى القتال من غير إذني كنت أرغب أن يكون القتال في المدينة لا هنا، إني راجع" وإذا به يرجع بثلاثمائة منافق، ولا يبقى إلا المؤمنون الصادقون الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه، الذين جاءوا بأرواحهم على أكفهم بين يدي ربهم جل وعلا وأخذ ربي لها أحب إليهم من إبقائهم لها..

وإذا بالمعركة تنتهي وينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وإذا منهم سبعون قتيلاً بين يديه شهداء، ومنهم حمزة أقبل عليه الصلاة والسلام إلى حمزة وإذا بطنه قد بُقر، وإذا أنفه قد قطع وإذا أذناه قد قُطعت وقد مُثّل به وهو عليه الصلاة والسلام الذي قال عن حمزة "أسد الله ورسوله حمزة"، وقال: "سيد الشهداء حمزة"، وقال: "ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله".

سيد الشهداء حمزة، هل تظن أن الله تعالى قدّر عليه أن يموت بغضًا لحمزة أو كراهية له أو حبًّا لمن قتله، أو رغبة في إدخال السرور على قريش بقتل أسد الله ورسوله..كلا..

إنما الأمر كما قال الله تعالى: (لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) وقال جل وعلا: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) كما أن الله تعالى يصطفي من الملائكة رسولا ويصطفي من الناس رسولاً يقرّبهم إليه كذلك يصطفي الله تعالى من أهل كل بلد صالحيها ليتخذهم شهداء..

ولا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه وهو جل وعلا من قبل أن تخلق السماوات والأرض يعلم أن فلانًا سيموت في المكان الفلاني بالسبب الفلاني شهيدًا في سبيل الله..

ابتلاء لكنه يرفع الله تعالى به درجاته ويعظّم به أجورهم، وقد قال النبي صلوات ربي وسلامه عليه عن أولئك الشهداء: "إنه يغفر لأحدهم مع أول قطرة من دمه، وأنه يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ويشفّع في سبعين من أهل بيته".

(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) هذا من أسرار الابتلاء أن يبتلي الله تعالى عباده، ومن أسرار الابتلاء أن يرفع الله تعالى قدر العبد به يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله يريد درجة للعبد في الجنة فلا يصيبها بعمله" يعمل ويعمل لكنه مقصر عن بلوغ تلك الدرجة العالية التي أرادها الله تعالى له "فلا يصيبها بعمله فلا يزال الله تعالى يصيب منه ليرفعه إلى تلك الدرجة".

في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا رأى أهل العافية يوم القيامة ما يؤتيه الله لأهل البلاء" الناس المتعافون الذين لم يبتلوا في أموالهم ولا أولادهم ولا أنفسهم إذا جاءوا يوم القيامة ثم رأوا فلانًا قد عظُم أجره؛ لأنه مات ولده، أو فلان عظم أجره؛ لأنه مرض أو هدم بيته أو ظُلم في ماله..

قال: "إذا رأى أهل العافية يوم القيامة ما يؤتيه الله تعالى لأهل البلاء ودُّوا لو أن جلودهم قُرضت بالمقاريض" يعني في الدنيا.. ودوا لو أنهم لم يكونوا في عافية ولم يكونوا في نعمة ولم يكونوا في عافية..تمنوا لو أن الله ابتلاهم ليعظم أجرهم كما عظم أجور هؤلاء.

نحن أيها الأحبة لما نرى ما ينزل في إخواننا المسلمين في كل مكان من مصيبة أو قتل أو تشريد أو ظلم، ونرى سكوت العالم عنهم ونرى الظالمين يلغون في الدم الحرام يعبثون به كما يشاءون دون رادع نراه الآن نعلم أن الله تعالى هو أرحم بهؤلاء العباد المؤمنين المستضعفين أرحم بهم منا وهو جل وعلا أقدر على نصرتهم من قدرتنا نحن وهو سبحانه وتعالى أسمع لدعائهم منا وهو أبصر بهم منا..

فنعلم أن الله تعالى لا يقدر لعباده قدرًا ولا يقضي لعباده قضاءً إلا كان خيرًا لهم، ووالله لينصرن الله تعالى عباده ولتكونن الراية في آخر الأمر وإن طالت للمؤمنين المحتسبين، وإنا نحتسب ما يقع من موتى، نحتسبهم شهداء وإن كل أنّة يئنها مريض وكل صرخة يصرخها طفل لها ميزان وحسنات عند ربنا جل وعلا يوم القيامة..

نعتقد ذلك عقيدة جازمة نقرأها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي عندما نرى مثل هذا البلاء يقع أو مثل هذه المصائب أو عندما نرى قتلى وجرحى ويتامى، لا ينبغي أن يقع في قلوبنا شك في قدرة ربنا جل وعلا على نصرهم أو عبوديتنا له وصدقنا معه، لكن دين الله تعالى منصور وممتحن فلا تعجل فهذه سنة الرحمن.

أسأل الله تعالى أن ينصر دينه في كل مكان، أسأل الله تعالى أن يعظم الأجر لنا جميعًا، أعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب أستغفره وأتوب إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده؛ تعظيمًا لشأنه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه وخلانه ومن صار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين..أما بعد:

أيها الأخوة الكرام: فإن من أصول ديننا الذي علّمنا إياه نبينا صلوات ربي وسلامه عليه أن يقال للمحسن: أحسنت كما أنه يقال للمسيء: أسأت، وكما أننا من هذا المنبر أنكرنا عددًا مما يقع سواء في بلادنا أو في غير بلادنا، وأنكرنا عددًا مما يفعلوه من كانوا يحكمون سواء كانوا في بلادنا أو في غير بلادنا..

كذلك من حقهم علينا أن نشكرهم إذا رأينا منهم إحسانًا وخيرًا، وإننا اليوم نسأل الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء على طرده السفير السوري الذي كان يمثل بشار القذر في بلادنا، وهذا الطرد جر -ولله الحمد- أن طردته جميع دول الخليج طردت السفراء عندهم وأعلنت المقاطعة لذلك النظام الفاسد الطاغي، ونسأل الله تعالى أن يطرد جميع من يمثلون ذلك النظام في كل البلدان، وترقبوا أن يطردوا من كل بلدان المسلمين.

ولا يستحق ذلك الفاجر أن يوجد له من يمثله في بلاد الحرمين ولا في غيرها، فنسأل الله أن يجزي خادم الحرمين خير الجزاء على هذا القرار، ونترقب منه بإذن الله تعالى أن يفتح حملة كبرى لجمع التبرعات لدعم المجاهدين في سوريا ولدعم إخوتنا المسلمين في كل مكان سواء في سوريا أو في اليمن أو في مصر وليبيا وتونس وفي غيرها من البلدان، نسأل الله أن يفتح الخير على يديه.

كما سرنا أنه وفَّقه الله أمر بالقبض على غلام أحمق سبَّ الله تعالى وسبًّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتبنى مذهب الليبرالية والعلمانية، وقد وجد من هؤلاء الأوباش والمنافقين من يؤزّه أزًّا ويشجعه ورأينا صورته وهو يلبس الشورت معهم في فضيحة ماريوت وهي منشورة في الإنترنت، فإذا به يكفر بالله العظيم ويسب الله ورسوله، فإذا بخادم الحرمين يأمر بالقبض عليه وعرضه على القضاء الشرعي.

فنسأل الله تعالى ألا يحرم خادم الحرمين الأجر والثواب على ذلك.. اللهم آمين..

نسأل الله أن يعظم له الأجر على أخذه على أيدي أمثال هؤلاء الفجرة الذين يتجرؤون على دين الأمة وعلى إسلامنا وتوحيدنا، ولا يوقرون ربًّا ولا يحترمون رسولاً..

ونسأل الله تعالى أن يعز دينه في بلادنا وفي جميع بلاد المسلمين..

 

 

 

 

 

 

المرفقات

طريق النصر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات