عناصر الخطبة
1/الغاية من الخلق قيامهم بعبادة الله 2/الإيمان بالكتب المنزلة على الرسل أصول الإيمان 3/وجوب الإيمان بالكتب المنزلة وأنها من عند الله 4/الحكمة من إنزال الكتب وإرسال الرسل 5/مقتضيات الإيمان بالقرآناقتباس
أيها المؤمنون: والإيمان بهذا القرآن يكون بالتصديق بجميع ما فيه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه وعبره، والإيمان بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ومجاهدة النفس على تدبر آياته، وعقل معانيه، ودلالاته والاهتداء بهداياته: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء: 9]، وبمجاهدة النفس على...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز العليم، الحكيم الخبير، القائل في محكم التنزيل: (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ)[الشورى: 15]، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، الصادق الوعد الأمين، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنين: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم، واعلموا أن السعادة في الدنيا والآخرة في تحقيق تقواه وطلب رضاه جل في علاه.
أيها المؤمنون: إنَّ الله -عز وجل- حكيمٌ خبير؛ حكيم جل وعلا في شرعه وخلقه وجزائه، فأموره كلها عن حكمة بالغة، ومن عزة الله وحكمته جل في علاه أنه جل وعلا لم يخلق الخلق هملا، ولا أوجدهم باطلا، ولم يتركهم سُدى، بل خلقهم جل وعلا ليأمرهم وينهاهم، وليقوموا بعبادته ويوحِّدوه، وليمتثلوا أمره ويطيعوه، وأرسل لأجل هذا رسله وأنزل كتبه بالحق المبين والهدى المستبين.
أيها المؤمنون: ولهذا فإنَّ من أصول الإيمان العظيمة وقواعد الدين المتينة؛ الإيمانَ بكتب الله المنزلة على رسل الله الكرام، وأنها جاءت مشتملة على الحق والهدى وفلاح العباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فهذا أصلٌ أصيل وركن متين وهو من الأصول التي لا قيام للدين إلا عليها، قال الله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 136]، وقال الله -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 285]، وقال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة: 177]، وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 136]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أيها المؤمنون: والقاعدة الجامعة في هذا الباب: أن نؤمن بجميع كتب الله المنزلة على حد قول ربنا -جل في علاه-: (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ)[الشورى: 15] أي على كل رسول ما علِمنا من ذلك وما لم نعلم، أن نؤمن بأنها جاءت بالحق والهدى وفلاح العباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وأن نؤمن أنها وحي الله وكلامه وتنزيله، وأن نؤمن أنه لا هداية للعباد ولا فلاح إلا بالإيمان بها، فهي التي يُهتدى بها في الظلمات، وهي التي تضيء للناس الطريق فيميزون بها بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وما يرضاه الله وما لا يرضاه ؛ فإن ذلك كله لا يُعرف إلا من خلال وحي الله وكلامه وتنزيله جل في علاه.
وإنَّ من حكمة الله -جل وعلا-: أن والى على الأمم إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وكل كتابٍ ينزل على أمةٍ من الأمم فصلاح تلك الأمة إنما يكون بإيمانهم بذلك الكتاب لتعلُّق الخطاب بهم، إلى أن ختمت الكتب بالقرآن الكريم خاتم الكتب المنزلة من رب العالمين، وكما أن محمدًا -عليه الصلاة والسلام- لا نبي بعده فلا كتاب بعد كتابه صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يُعدُّ القرآن ناسخًا لجميع الكتب السابقة، فبعد نزوله لا إيمان ولا عمل ولا حكم إلا بما جاء في القرآن الكريم، ولهذا في سورة المائدة لما ذكر جل وعلا بعض الكتب المنزلة وأمره بالحكم بها، أي من كان مخاطبا بتلك الكتب، أعقب ذلك جل في علاه بقوله سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)[المائدة: 48] أي في القرآن الذي ختم الله -جل وعلا- به الكتب المنزلة من رب العالمين.
معاشر المؤمنين: وهذا القرآن العظيم الذي هو خاتمة الكتب كلها هو أعظمها شأنا، وأجلُّها مقاما، وأرفعها مكانة، ويجب على كل البشر بعد مبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يؤمنوا بهذا الكتاب، ومن لا يؤمن به فحقٌ على الله أن يدخله النار يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".
أيها المؤمنون: والإيمان بهذا القرآن يكون بالتصديق بجميع ما فيه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه وعبره، والإيمان بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ومجاهدة النفس على تدبر آياته وعقل معانيه ودلالاته والاهتداء بهداياته (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء: 9]، وبمجاهدة النفس على أن يكون العبد من أهل القرآن؛ فهم أهل الله وخاصته.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتّقوا الله -تعالى-، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارض عن الصحابة أجمعين، اللهم وأصلح لنا شأننا أجمعين، اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيما.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثا، هنيئًا مريئا، سحَّا طبقا، نافعًا غير ضار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم