الإيمان بالجن (1)

ناصر بن محمد الأحمد

2012-05-06 - 1433/06/15
التصنيفات: الخلق والآفاق
عناصر الخطبة
1/ وجوب الإيمان بالغيب 2/ التعريف بالجن والشياطين 3/ خصائص الجن والشياطين 4/ مساكن الجن وطعامهم 5/ قدرات الجن والشياطين 6/ ضعف الشيطان وسبل التخلص من وساوسه

اقتباس

الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، ويكثر تواجدهم في الخراب والخلوات، ومواضع النجاسات، كالحمامات والمزابل وقد جاءت الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في الحمام، لأجل ما فيها من نجاسة، ولأنها مأوى للشيطان ..

 

 

 

 

إن الحمد لله..

أما بعد:

أيها المسلمون: تكلمنا في بعض الجمع الماضية عن الإيمان بالملائكة وأوردنا النصوص من الكتاب والسنة على إثبات ذلك. وتعرضنا لشيء من الآثار التي لا بد وأن تؤثر على سلوك الفرد، لكي تؤتي العقيدة ثمارها في واقع الناس.

وهناك عالم غيبي آخر يجب أن نتكلم عنه في هذه الجمعة وهو عالم الجن. وقد سموا الجن بهذا الاسم لاجتنابهم عن العيون أي استتارهم (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف: 27]، وقد أخبرنا الله جل وعلا أن الجن قد خُلقوا من النار في قوله تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) [الحجر: 27]، وقال تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) [الرحمن: 15] وفي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من نار، وخُلق آدم مما وُصف لكم"، وهذا الحديث يرد على الذين لا يفرقون بين الجن والملائكة.

والجن يا عباد الهس يُشاهد ويُسمع في عدة أشكال وكثير من الناس في عهدنا وقبل عهدنا شاهد وسمع شيئاً من ذلك. وهناك بعض الأحياء من غير الإنس يرون الجن كالحمار والكلب. ففي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود بإسناد صحيح عن جابر مرفوعاً: "إذا سمعتم نباح الكلب، ونهيق الحمار بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنهن يرون ما لا ترون".

عباد الله: والشيطان الذي حدثنا الله عنه كثيراً في القرآن من الجن، كان يعبد الله في بداية أمره، وسكن السماء مع الملائكة، ودخل الجنة، ثم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم استكباراً وعلواً وحسداً، فطرده الله من رحمته.

والجن والشيطان أيها الإخوة يأكلون ويشربون، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له: "ولا تأتيني بعظم ولا بروثة"، ولما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم والروثة، فقال عليه الصلاة والسلام: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد نصيبين فسألوني الزاد، فدعوت الله لهن أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا".

وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن". وفي هذين الحديثين يا عباد الله نهي من الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يستنجى أحدنا بالروث والعظام؛ لأنهما طعام إخواننا من الجن المسلمين بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن أن نفسد طعام الجن وذلك باستخدام الروث والعظام في الاستنجاء، فإفساد طعام الإنس يحرم من باب أولى. فما بالنا أيها الإخوة لا نبالي في هذه المسألة، وما بالنا لا نشكر نعم الله التي أغرقنا بها.

لقد تساهل الناس في قضية إفساد الطعام إلى حد التفريط. فلا تحرموا أنفسكم نعم الله بأنفسكم، ولا تقابلوها بالكفر. (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وخذوا العبرة بمن حولكم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمرانك 13].

عباد الله: وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالشيطان بالأكل والشرب وقد روى ذلك مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله". فماذا نقول لبعض الناس هداهم الله الذين أبوا إلا أن يجعلوا سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم خلف ظهورهم، وأخذوا بسنة الشيطان اقتداءً في ذلك بما دخل علينا من عادات الكفار.

عباد الله: وقد يتوهم بعض الناس من أن الجن والشياطين لا يموتون، وهذا وهم فاسد لأنهم داخلون في قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26- 27] وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والأنس يموتون".

أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها إلا ما أخبرنا الله عن إبليس اللعين أنه سيبقى حياً إلى أن تقوم الساعة: (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الأعراف: 14- 15] أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم. والذي يجب على المسلم أن يقف في أمثال هذه المسائل على الكتاب والسنة.

والجن أيها الإخوة يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، ويكثر تواجدهم في الخراب والخلوات، ومواضع النجاسات، كالحمامات والمزابل وقد جاءت الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في الحمام، لأجل ما فيها من نجاسة، ولأنها مأوى للشيطان.

ويكثر تواجد الشياطين يا عباد الله في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق. فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه في ما يرويه مسلم في صحيحه قائلاً له: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته" فليحذر الذين يقضون جُلّ أوقاتهم في الأسواق من طلوع الشمس حتى غروبها أن لا يكونوا من الذين قد نصب لهم الشيطان رايته.

وكذلك أيها الإخوة فإن الشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس وهذا ليس بالغريب. ولكن الغريب أن يغفل الناس عما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُطرد الشيطان من بيوتنا. فقد أخبرنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام في غير ما حديث أن التسمية وذكر الله، وقراءة القرآن، خاصة سورة البقرة، وآية الكرسي منها تطرد الشياطين من البيوت. فهل تقرءون سورة البقرة في بيوتكم أيها الإخوة لطرد الشياطين فيها؟ أم أنكم نسيتم هذه السنة، وشغلتم بيوتكم بما يقرب الشيطان منها ويزيدها بياتا.

عباد الله: والشيطان كما هو مستقر في الأذهان أنه قبيح الصورة، وهذا حق، فإن الله عز وجل شبه ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم برؤوس الشياطين، لما علم من قبح صورهم وأشكالهم. كما قال تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) [الصافات: 64- 65]، ومما يزيد الشيطان قبحاً في الصورة أن له قرنين كما جاء ذلك في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان".

وقد أعطي الجن أيها الإخوة قدرات لم يعطها البشر، وقد حدثنا الله في كتابه عن بعض قدراتهم، فمن ذلك سرعة الحركة والانتقال، فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوس. قال الله تعالى: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [سبأ: 39- 40].

ومن قدراتهم أيضاً أنهم يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء، فيسترقون أخبار السماء ليعلموا بالحدث قبل وقوعه فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، زيدت الحراسة في السماء (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) [الجن: 8- 9].

ومن قدراتهم أيضاً القيام بأعمال كثيرة تحتاج إلى ذكاء ومهارة، فقد أخبرنا الله في كتابه أنه سخر الجن لنبيه سليمان بقوله: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) [سبأ: 12- 13].

ومن قدراتهم أيضاً، القدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر وفيه أنزل الله قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ)، ولكن عندما التقى الجيشان وعاين الملائكة تتنزل من السماء ولى هارباً قال الله تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48].

وقد يتشكل الشيطان في غير صورة الإنسان كصورة بعض الحيوانات وخاصة الكلب الأسود، ولذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة وعلل ذلك بأن "الكلب الأسود شيطان" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيراً؛ لأن السواد جمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة".

عباد الله: والجن تتشكل بالحيات أيضاً ويظهر للناس، ولذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل حيات البيوت، خشية أن يكون هذا المقتول جنياً قد أسلم، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة نفراً من الجن قد أسلموا، فمن رأى شيئاً من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثاً، فإن بدا له بعد فليقتله، فإنه شيطان".

بارك الله..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

أما بعد: جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم"، وفي الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني (أي يردني) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما، إنها صفية بنت حييفقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال شيئًا".

عباد الله: ومع أن الجن والشياطين أعطوا كثيراً من جوانب القوة، إلا أن هناك الكثير من جوانب النقص والضعف فيهم قال الله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76]، ولو حاول الإنسان التعرف على هذه الجوانب الضعيفة في الشيطان لاستطاع بعد توفيق الله عز وجل أن يتغلب عليه في حالات كثيرة، وسنعرض لبعض هذه الجوانب التي عرفنا الله ورسوله بها.

فأولها أن الرب سبحانه وتعالى لم يعطِ الشيطان القدرة على إجبار الناس، وإكراههم على الضلال والكفر قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: 65]. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سبأ: 21].

ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط به عليهم، لا من جهة الحجة، ولا من جهة القدرة، والشيطان يدرك هذه الحقيقة: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 39- 40]. وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره، ويتابعونه عن رضا وطواعية قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 42]، وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: (وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم: 22].

وقال تعالى: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 100]، والسلطان أيها الإخوة هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يؤزهم على الكفر والشرك أي يحركهم ويهيجهم على المعاصي وغيره قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم: 83]، وسلطان الشيطان على الناس ليس له فيه حجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم، لما وافقت أهواءهم وأغراضهم فهم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكنوا عددهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً حتى جعل له العبد سبيلاً إليه بطاعته ومتابعته، فجعل الله حينئذٍ له عليه تسلطاً وقهراً.

وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس هذه القصة الطريفة عن الحسن البصري رحمه الله تعالى: "وبغض النظر عن مدى صحتها إلا أنها تصور قدرة الإنسان على قهر الشيطان إذا أخلص دينه لله، وكيف يصرع الشيطان الإنسان إذا ضل وزاغ، يقول الحسن: كانت شجرة تُعبَد من دون الله، فجاء إليها رجل فقال لأقطعن هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضباً لله، فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال، ما تريد، قال أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها. قال لأقطعنها، فقال له الشيطان، هل لك فيما هو خير لك، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم، إذا أصبحت عند وسادتك، قال فمن أين لي ذلك؟ قال: أنا لك، فرجع، فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثم أصبح بعد ذلك، فلم يجد شيئاً، فقال غضباً ليقطعها، فتمثل له الشيطان في صورته، وقال ما تريد، قال أريد قطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله تعالى، قال: كذبت، ما لك إلى ذلك من سبيل، فذهب ليقطعها، فضرب به الأرض، وخنقه حتى كاد يقتله، قال أتدري من أنا، أنا الشيطان، جئت أول مرة غضباً لله، فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين، فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين سُلطت عليك".

وقد حدثنا الله في كتابه عن شخص أتاه الله آياته، فعلمها، وعرفها، ثم إنه ترك ذلك كله فسلط الله عليه الشيطان، فأغواه وأضله وأصبح عبرة تروى، وقصة تتناقل. (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 175- 176].

عباد الله: ولا يعني هذا أن الشيطان متمكن من الإنسان في كل حالاته. فإذا ما تمكن العبد في الإسلام، ورسخ الإيمان في قلبه، وكان وقافاً عند حدود الله فإن الشيطان يفرقه منه، ويفر منه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "إن الشيطان ليفرق منك يا عمر"، وقال أيضاً: "إني لأنظر شياطين الجن والإنس فروا من عمر"، وليس ذلك خاصًّأ بعمر، فإن من قوي إيمانه يقهر شيطانه ويذله كما في الحديث: "إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر" ومعنى لينصي شيطانه: ليأخذ بناصيته، فيغلبه ويقهره، كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه.

فنسأل الله عز وجل بأسمائه.. أن يعيننا على شياطين الجن والإنس إنه ولي ذلك والقادر عليه.. اللهم آمنا في أوطاننا.. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
 

 

 

 

 

المرفقات

بالجن (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات