عناصر الخطبة
1/ علم الأسماء والصفات أعظم العلوم 2/ معنى توحيد الأسماء والصفات 3/ أهمية علم الأسماء والصفات 4/ ثمرات هذا العلم 5/ ضوابط الأسماء الحسنىاقتباس
العلم بتوحيد الأسماء والصفات والإيمان به من أشرف العلوم وأهم المهمات، ومما يدل على أهميته: أن الإيمان به داخل في الإيمان بالله -عزّ وجل-؛ إذ لا يستقيم الإيمان بالله حتى يؤمن العبد بأسماء الله وصفاته، ومَعْرِفَتُه عِبَادَةٌ يُتَعبدُ لله بها، والإيمان به كما آمن السلف الصالح طريق سلامة من الانحراف والزلل الذي وقع فيه أهل التعطيل والتمثيل وغيرهم ممن انحرف في هذا الباب...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...) [النساء:136].
أيها الإخوة: اعلموا أنَّ من أهم ما يتضمنّه الإيمان بالله تعالى -الذي هو أول أركان الإيمان- التعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته؛ ذلك أنّ العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب.
أيها الأحبة: ولقد بيّن الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- معنى توحيد الأسماء والصفات أجمع بيان فقال: "هو اعتقاد انفراد الرب -جل جلاله- بالكمال المطلق من جميع الوجوه، بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من جميع الأسماء والصفات، ومعانيها، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها، ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من النقائص والعيوب ومن كل ما ينافي كماله".
أيها الإخوة: العلم بتوحيد الأسماء والصفات والإيمان به من أشرف العلوم وأهم المهمات، ومما يدل على أهميته: أن الإيمان به داخل في الإيمان بالله -عزّ وجل-؛ إذ لا يستقيم الإيمان بالله حتى يؤمن العبد بأسماء الله وصفاته، ومَعْرِفَتُه عِبَادَةٌ يُتَعبدُ لله بها، والإيمان به كما آمن السلف الصالح طريق سلامة من الانحراف والزلل الذي وقع فيه أهل التعطيل والتمثيل وغيرهم ممن انحرف في هذا الباب، وفيه سلامة من وعيد الله تعالى بقوله: (وَذَروا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180].
أيها الإخوة: العلم بأسماء الله وصفاته وتدبرها وفهمها على مراد الله يثمر ثمرات عظيمة نافعة مفيدة، وعبودياتٍ متنوعةً، فهو الطريق إلى معرفة الله، فالله خلق الخلق ليعبدوه، ولن يعبدوه حق عبادته حتى يعرفوه، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم، وقبيح بعبد لم تزل نِعَمُ الله عليه متواترة أن يكون جاهلًا بربه، معرضًا عن معرفته.
ومعرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد.
والعلم بأسماء الله وصفاته: فيه تزكيةٌ للنفوس، وإقامةٌ لها على منهج العبودية لله.
والعلم بأسماء الله وصفاته يعصم -بإذن الله- من الزلل، ويفتح للعباد أبواب الأمل، ويثبت الإيمان، ويعين على الصبر.
أيها الإخوة: إذا عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته، واستحضر معانيها أثّر ذلك فيه تأثير كبيرًا؛ فأسماء العظمة تملأ القلب تعظيمًا وإجلالًا لله، وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود؛ تملأ القلب محبة له، وشوقًا إليه، ورغبة بما عنده، وحمدًا وشكرًا له.
وأسماء العزة والحكمة والعلم والقدرة؛ تملأ القلب خضوعًا وخشوعًا وانكسارًا بين يدي الله -عز وجل-.
وأسماء العلم والخبرة، والإحاطة والمراقبة والمشاهدة؛ تملأ القلب مراقبةً لله في الحركات والسكنات، في الجلوات والخلوات، وتحرس خواطره عن الأفكار الرديئة، والإرادات الفاسدة.
وأسماء الغنى واللطف؛ تملأ القلب افتقارًا واضطرارًا، والتفاتًا إليه في كل وقت وحال.
أيها الإخوة: والعبد العالم بأسماء الله وصفاته يعلم أن الأقدار بيد الله، فيذهبُ عنه الجزع والهلع، وتنفتح له أبواب الأمل؛ حيث يلجأ إلى الركن الركين والحصن الحصين.
والعبد العالم بأسماء الله وصفاته: يقارع الأشرار والأعداء، فيجدُّون في عداوته وأذيته ومنع الرزق عنه وقصم عمره، فيعلم أن الأرزاق والأعمار بيد الله وحده؛ فيُثمر هذا العلم شجاعةً وعبوديةً لله وتوكلًا عليه ظاهرًا وباطنًا.
والعبد العالم بأسماء الله وصفاته تصيبه الأمراض، وربما استعصت وعزَّ علاجها، وربما استبد به الألم، ودب اليأس إلى قلبه، وذهب به كل مذهب، حينئذٍ يتذكر أن الله هو الشافي، فيرفع يديه إليه ويسأله الشفاء، فتنفتح له أبواب الأمل، وربما شفاه الله من مرضه، أو صرف عنه ما هو أشد، أو عوضه عن ذلك صبرًا وثباتًا ويقينًا.
أحبتي: من انفتح له باب العلم بالأسماء والصفات انفتح له باب التوحيد الخالص الذي لا يحصل إلا للكُمّل من الموحدين، ويزداد إيمانه زيادة تورث في قلبه محبة لله وإنابة إليه؛ قال الله -جل في علاه-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد:17].
أيها الإخوة: ومن ثمار العلم بأسماء الله وصفاته: أن العبد يقع في المعصية، فتضيق عليه الأرض بما رَحُبت، ويأتيه الشيطان ليجعله يسيء ظنه بربه، فيتذكر أن من أسماء الله: "الرحيم، التواب، الغفور"، فلا يتمادى في خطيئته، بل ينزع عنها ويتوب إلى ربه ويستغفره فيجد الله غفورًا توابًا رحيمًا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً". فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: معرفةُ الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، ومراقبته، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في معانيها.
يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180].
هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه، وأن كل اسم حسن له، وضابط الاسم الحسن: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها.
ويقول سبحانه: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه:8]، قال السعدي -رحمه الله-: "أي له الأسماء الكثيرة الكاملة الحُسْنِ، فمن حُسْنِها: أنها كلها أسماء دالة على المدح، فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد، ومن حسنها: أنها ليست أعلامًا محضة، وإنما هي أسماء وأوصاف، ومن حسنها: أنها دالة على الصفات الكاملة، وأن له من كل صفة أكملها وأعمها وأجلها، ومن حسنها: أنه أمر العباد أن يدعوه بها لأنها وسيلة مقربة إليه يحبها ويحب من يحبها ويحب من يحفظها ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، أي: ليس له اسم غير حسن، حتى يُنهى عن دعائه به، فأي اسم دعوتموه به، حصل به المقصود، والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب، مما يناسب ذلك الاسم.
أيها الأحبة: وإذا علم العبد بكمال الله وجماله؛ أوجب له هذا محبة خاصة وشوقًا عظيمًا إلى لقاء الله، ومن أحبَّ لقاء الله؛ أحبَّ اللهُ لقاءه، ولا ريب أن هذا يُثْمِر في العبد أنواعًا كثيرة من العبادة، ولهذا قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، وبهذا يُعْلَم أن العبودية بجميع أنواعها راجعة إلى مقتضيات الأسماء والصفات، ولهذا فإنه يتأكَّد على كل عبد مسلم أن يعرف ربه، ويعرف أسماءه وصفاته معرفة صحيحة سليمة، وأن يعلم ما تضمَّنته وآثارها وموجبات العلم بها، فبهذا يَعْظُمُ حظ العبد من الخير ويَكْمْلُ نصيبه منه.
إن المؤمن الموحِّد يجد بإيمانه ويقينه بأسماء ربه الحسنى وصفاته العليا الدالة على عظمة الله وكبريائه وتفرُّده بالجلال والجمال ما يجذبه إلى اجتماع همِّه على الله حبًا وتذلُّلًا، خشوعًا وانكسارًا، رغبًا ورهبًا، رجاءً وطمعًا، وتوافر هِمَّته في طلب رضاه باستفراغ الوسع بالتقرُّب إليه بالنوافل بعد تكميل الفرائض، والتوفيق والرُّشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع ولا حول ولا قوة إلا به -عزَّ وجل-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم