الإمام النَّسائيُّ (صاحب السُّنن ومجدِّد المائة الثَّالثة)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: شخصيات تاريخية

اقتباس

كان النسائيُّ -رحمه الله- من بحور العلم, مع الفهم والإتقان والبصر, ونقد الرجال, وحسن التأليف, وواحد من أصحاب السنن الأربعة الكبار, وكان نحريراً ضابطاً محقِّقاً, وقد ترك العديد من المصنفات الهامة والنافعة, والتي مازالت معيناً ينتفع منه الناس, وطلبة العلم والعلماء, وعلى رأس مصنفاته كتابه الشهير: "السُّنن" ورتبة هذا الكتاب من حيث الصحة والجودة والدقة تلي الصَّحيحين, وذلك لاشتداده في الرجال..

 

 

 

 

بين يدي التَّرجمة

 

كان النسائيُّ -رحمه الله- من بحور العلم, مع الفهم والإتقان والبصر, ونقد الرجال, وحسن التأليف, وواحد من أصحاب السنن الأربعة الكبار, وكان نحريراً ضابطاً محقِّقاً, وقد ترك العديد من المصنفات الهامة والنافعة, والتي مازالت معيناً ينتفع منه الناس, وطلبة العلم والعلماء, وعلى رأس مصنفاته كتابه الشهير: "السُّنن" ورتبة هذا الكتاب من حيث الصحة والجودة والدقة تلي الصَّحيحين, وذلك لاشتداده في الرجال.

 

 التَّعريفُ به

 

هو الإمام الحافظ الثبت, شيخ الإسلام, ناقد الحديث, وبحر العلوم, وواحد من كبار علماء الأمة, وصاحب السنن الشهيرة, أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن عليِّ بن سنان بن بحر النَّسائي, وُلد سنة 214 هـ بمدينة نسا من أعمال خراسان (بين إيران وأفغانستان الآن) قال في معجم البلدان: "كان سببُ تسميتها بهذا الاسم أنَّ المسلمين لما وردوا خراسان, قصدوها, فبلغ ذلك أهلها فهربوا, ولم يتخلَّف بها غير النساء, فقالوا: هؤلاء نساء والنساء لا يُقتلن, فنِساءٌ أمرُها الآن إلى أن يعود رجالهنَّ, فتركوا ومضوا, فسُمُّوا بذلك نساء, والنسبة الصحيحة إليها نِسائيّ, وقيل: نسويٌّ أيضاً وكان من الواجب كسر النون ، وطلبَ العلم صغيرا ً, وقد ملك حبُّ الحديث, وطلبه والرحلة إليه مجامع فؤاده؛ فارتحل لطلب الحديث سنة 230 هـ, أي وهو في الخامسة عشرة, فرحل أولاً إلى المحدث الشهير قتيبة بن سعيد، ومكث عنده عاماً كاملاً, سمع خلاله مروياته كلها, ثم انطلق بعدها يجول في طلب العلم والحديث في خراسان والحجاز ومصر والعراق, والجزيرة والشام والثغور, ثم استوطن مصرَ, وصارت الرحلة إليه وإليه ضُربت أكبادُ الإبل, وارتحل إليه الحفاظ, ولم يبقَ له نظير في هذا الشأن.

 

كان النسائيُّ شيخاً مهيباً, مليح الوجه, حسن الشيبة, وضيئاً كأنَّ في وجهه قنديلاً مضاءً, مقتصداً في لباسه, حسن العيش: بحيث كان له أربعُ زوجات, ويأكل جيداً, وهو مع ذلك آيةٌ من آيات الرحمن في الحفظ والفهم والإتقان, والاجتهاد في العبادة, ونشر العلم والسنة, مع صحة عقيدة, وسلفية منهج, واتباعٍ للآثار, وإحياءٍ للسنن.

 

ثناء الناس عليه

 

يحتلُّ النَّسائيُّ مكانة سامقةً في ثبت علماء الأمة, فهو يقف في مصاف كبار علماء الأمة, وإماماً من أكبر أئمَّة الحديث, حتى إنَّ السيوطي -رحمه الله- قد قال عنه: "النَّسائيُّ مجدد المائة الثالثة", وثناء الناس عليه, وإقرارهم بإمامته وريادته مذكور في كل كتب التراجم التي ترجمت لحياة هذا الإمام الكبير, وهذه طائفة منتقاة من أقوالهم:

قال الحافظ أبو عليِّ النيسابوري: "أبو عبدالرحمن النسائيُّ الإمام في الحديث بلا مدافعة".

 

قال الإمام الدارقطنيُّ: "أبو عبدالرحمن النسائيُّ مقدم على كل من يُذكر بهذا العلم من أهل عصره".

 

قال محمد بن المظفر الحافظ: "سمعت مشايخنا بمصر يَصِفون اجتهاد النَّسائيَّ في العبادة بالليل, وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر, فوصف من شهامته, وإقامته السننَ المأثورة في فداء المسلمين, واحترازه من مجالس السلطان الذي خرج معه".

 

قال أبو بكر بن الحداد الفقيه: "رضيت بالنَّسائيِّ حجةً بيني وبين الله تعالى".

 

قال أبو سعيد بن يونس: "كان أبو عبدالرحمن النسائيُّ إماماً حافظاً ثبتاً".

 

قال الإمام الذهبيُّ: "لم يكن أحدٌ في رأس الثلاثمائة أحفظَ من النسائيِّ, وهو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم وأبي داود والترمذيِّ, وهو جارٍ في مضمار البُخاريِّ وأبي زُرعة".

 

قال الإمام الطحاويُّ: "أبو عبد الرحمن النسائيُّ إمام من أئمة المسلمين".

 

قال مأمون المصريُّ المحدث: خرجنا إلى طرسوس مع النسائيِّ, فاجتمع جماعةٌ من الأئمة: عبدالله بن أحمد بن حنبل, ومحمد بن إبراهيم, وأبو الآذان, وأبو بكر الأنماطيُّ, فتشاوروا: من ينتقي لهم على الشيوخ؟ فأجمعوا على أبي عبدالرحمن النَّسائيِّ, وكتبوا كلهم بانتخابه.

 

قال ابن الأثير في مقدمة كتابه ( جامع الأصول ): النَّسائيُّ من أئمة الحديث والفقه الشافعيِّ, له مناسكُ على مذهبه, وكان ورعاً متحرِّيا ً, شديد التحري والضبط لرواياته, حتى إنَّه قد أتى أحدَ رواة الحديث المشهورين – وهو الحارث بن مسكين – وكان الحارث خائفاً من أمور تتعلق بالسلطان, فخاف من النسائيِّ أن يكون عيناً عليه, فمنعه من دخول بيته, فكان النسائيُّ يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع, وكان بعدها إذا روى الحديث عن الحارث لا يقول: حدثنا الحارث, إنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع, من شدَّة تحرِّيه وصدقه, وضبط لألفاظ الرواية.

 

وقال أيضاً: أخبرنا أبو عليٍّ الحافظ, أخبرنا أبو عبدالرحمن النسائيُّ, الإمام في الحديث, بلا مدافعة.

 

وقال أيضا ً: سمعت أبا عليٍّ الحافظ, غيرَ مرَّة, يذكر أربعةً من أئمَّة المسلمين, رآهم فيبدأ بأبي عبدالرحمن.

 

وقال في موضع آخر: "سمعت أبا عليّ الحافظ, يقول: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني, وأسفاري؛ اثنان منهم بنيسابور: محمد بن إسحاق, وإبراهيم بن أبي طالب, وأبو عبدالرحمن النسائي بمصر, وعبدان بالأهواز".

 

تشدُّده في نقد الرجال

 

قال الحافظ بن طاهر: "سألتُ سعد بن عليِّ الزنجاني, عن رجل فوثَّقه, فقلت: قد ضعَّفه النسائيُّ, فقال: يا بُنيَّ, إنَّ لأبي عبدالرحمن شرطاً في الرجال, أشدُّ من شرط البخاريِّ ومسلم".

 

قال الذهبيُّ: "صَدَقَ؛ فإنه لَيَّنَ جماعة من رجال صحيحي البخاريِّ".

 

وعن عبدالوهاب بن محمد إسحاق, قال: "قال لي أبوعبدالله بن منده: الذين أخرجوا الصَّحيح, وميَّزوا الثابت من المعلول, والخطأ من الصَّواب أربعة: البخاريُّ, ومسلم, وأبو داود, وأبو عبد الرحمن النَّسائيُّ".

 

وقال أبو عبدالرحمن؛ محمد بن الحسين السُّلميُّ الصوفيُّ: "سألت أبا الحسين, عليَّ بن عمر الدارقطنيَّ الحافظ, فقلت: إذا حدَّث محمد بن إسحاق بن خزيمة, وأحمد بن شعيب النسائيَّ حديثاً؛ من تُقدم منهما؟ قال: النسائيُّ؛ لأنه أسند, على أنِّي لا أقدم على النَّسائيِّ أحداً, وإن كان ابنُ خزيمة إماما ً, ثبتاً معدوم النَّظير".

قال: "وقال سمعتُ أبا طالب الحافظ, يقول: من يَصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ؟! كان عنده حديثُ ابن لهيعة ترجمةً ترجمة, فما حدَّث بها, وكان لا يَرى أن يُحدِّثَ بحديث ابن لهيعة".

 

وقال حمزة بن يوسف السَّهميُّ: "وسهل –يعني الدارقطنيَّ– إذا حدَّث أبو عبدالرحمن النسائيُّ, وابنُ خزيمة بحديث؛ أيُّهما تقدمه؟ فقال: أبو عبد الرحمن؛ فإنَّه لم يكن مثله, ولا أُقدم عليه أحدا ً, ولم يكن في الورع مثله, لم يحدث بما حدث ابنُ لهيعة, وكان عنده عالياً عن قتيبة".

 

ذكر أبو عمرو بن الصلاح, في مقدمته عن أبي عبدالله بن منده, أنَّه سمع محمد بن سعد الباروديَّ بمصر, يقول: كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائيِّ أن يُخرِّج عن كلِّ من لم يُجمع على تركه.

 

قال ابن منده, ومثلُه أبو داود, وإلى ذلك أشار العراقيُّ, في ألفيَّته؛ حيث قال:

 

والنَّسئيُّ يُخرج من لم يُجمعوا *** عليه تركاً مذهبٌ متَّسع

 

وقوله: "مذهب متسع" أي أنَّه لم يُرد إجماعاً خاصا ً؛ وذلك أن الحافظ ابن حجر – رحمه الله - قال: إن ذلك إجماعٌ خاص, وذلك أنَّ كل طبقة من نقاد الرجال, لا تخلو من متشدد, ومتوسط؛ فمن الأولى: شعبة, والثوريُّ, وشعبة أشدُّهما, ومن الثانية: يحيى القطان, وابن مهدي, ويحيى أشدُّهما, ومن الثالثة: ابنُ معين, وأحمد, وابن معين أشدُّهما.

 

فقال النَّسائيُّ: "لا يترك الرجل عندي, حتى يُجمع الجميع على تركه", فإذا وثَّقه ابن مهدي, وضعَّفه يحيى القطان مثلاًُ لا يُترك؛ لما عَرَف من تشدُّد يحيى, ومن هو مثله في النقد, فإذا تقرَّر ذلك, ظهر أنَّ الذي يتبادر إلى الذهن من أنَّ مذهب النسائي في الرجال, مذهب متسع, ليس كذلك؛ فكم من رجلٍ أخرج له أبو داود والترمذيُّ, تجنَّب النسائيُّ إخراج حديثه, بل تجنَّب إخراج حديث جماعةٍ من رجالي الصَّحيحين.

 

مصنَّفاته

 

كان النسائيُّ رحمه الله من بحور العلم, مع الفهم والإتقان والبصر, ونقد الرجال, وحسن التأليف, وواحدٌ من أصحاب السنن الأربعة الكبار, وكان نحريراً ضابطاً محقِّقاً, وقد ترك العديد من المصنَّفات الهامة والنافعة, والتي مازالت معيناً ينتفع منه الناس, وطلبة العلم والعلماء, وعلى رأس مصنَّفاته كتابه الشهير: "السُّنن" ورتبة هذا الكتاب من حيث الصِّحة والجودة والدِّقَّة تلي الصَّحيحين, وذلك لاشتداده في الرجال, حتى قيل إنَّ شرطه في الرجال الذين يروي عنهم أشدُّ من شرط البخاري ومسلم, ولقد لَيَّنَ جماعةً من رجال صحيحي البخاريِّ ومسلم, وكلامُ النسائيِّ على فقه الحديث في سُننه يدلُّ على مدى فقهه, وسَعَة علمه, ورتبته بين العلماء, ولقد اصطفى الحافظ ابنُ السُّنِّيِّ كتاب "المجتبي من سنن النَّسائيِّ", وكلُّ ما فيه صحيح, لذلك طارت الشهرةُ للمجتبي, ونسي الناس السُّنن.

 

وللنسائيِّ مصنفاتٌ أخرى: مثلُ كتاب "الخصائص" لعليٍّ رضي الله عنه, وكتاب "فضائل الصحابة"، وله كتاب "المناسك" على مذهب الشافعيِّ, و"مسند عليٍّ", و"كتاب الكُنى", وكتاب "عمل اليوم والليلة", و"كتاب التفسير و"كتاب الضعفاء".

 

محنته في الشام

 

لا يزالُ الجهل والغباء والجهلاء هم أعدى أعداء العلم والعلماء؛ فهما نقيضان ومتضادان, كلاهما حربٌ على الآخر, كلاهما في حالة صراعٍ قائمة ومستمرة عبر التاريخ, فالعلم نورٌ وحقٌّ وبيان, والعلماء أهله وحرَّاسه ومناصروه, والجهل ظلام وباطل وبهتان, والجهلاء أهله وحراسه ومناصروه, الجهل داء, والعلم دواء, الجهل سَقام القلوب والنفوس والعقول, والعلم شفاؤها؛ لذلك فإن الله -عزَّ وجلَّ- قد أعلى من شأن العلم و العلماء, وجعلهم ورثة الأنبياء, وجعل فضلَ العلم على العابد كفضل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أدنى المسلمين, وعلى مرِّ التاريخ عانى علماءُ الأمة الربانيون من سفاهة الجهلاء, وحماقة الأغبياء الكثيرَ من الويلات والمحن, بل إنَّ بعضهم قد راح ضحيَّة الجهل والغباوة, ففقدت الأمة العديد من كبار الأئمة والعلماء بسبب ذلك, وعلى رأس هؤلاء العلماء الذين راحوا ضحية الجهل والجهلاء الأمام النسائيُّ صاحبُ السُّنن رحمه الله.

 

كان النسائيُّ كما أسلفنا إمامًا من أكبر أئمة الحديث والفقه في عصره، وقد طاف معظم بلاد الإسلام طلبًا للحديث سماعًا وروايةً، ثم استقرَّ المقام به في مصر، وخلال طوافه في أقاليم الدولة الإسلامية، لاحظ أنَّ أهل الشام مُنحرفون عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، وبالطَّبع ليس كلُّ أهل الشام بل بعضهم، وإنْ كان هذا البعض كثيرًا في نظر الإمام النسائيِّ، مما دفعه لأن يُصنِّف كتاب «الخصائص» في فضائل عليٍّ وأهل البيت، حتى يرُدَّهم إلى الصواب ويكشفَ عنهم خطورة الجهل والتعصب، وقد نوى إن عاود الرحلة إلى الشام، ومتى دخلها أن يرويَ لهم كتاب الخصائص، وهذا الفعل من الإمام النسائيِّ منقبةٌ عظيمة وعلامةٌ صادقة على ربانيَّة هذا الإمام والعالم الكبير وإحساسه بأحوال المسلمين ومواضع الجهل والحاجة عندهم وتصدِّيهِ لمواجهة هذا الداء العضال الذي يعصفُ بعقول المسلمين، ألا وهو الجهل والتعصب.

 

بدأت محنة النسائيِّ عندما بلغ أعلى الدرجات العلمية في عصره، وصارت الرحلةُ إليه وعيَّنه أميرُ مصرَ قاضيًا على عموم البلاد، وخرج معه للجهاد والفداء، وعندها حسدهُ الأقران، وظهر ذلك منهم في قَسَمَات وجوههم وفلتات ألسنتهم، وهذا الحسد أزعج النسائيَّ وضاقت به نفسُه حتى عزم على الخروج من البلد كلها، قال الإمامُ الدارقطنيُّ: كان النسائيُّ أفقهَ مشايخ مصر في عصره، وأعرفَهُم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ، حسدوه، فخرج إلى الرَّملة بفلسطين، وذلك في أواخر سنة 302هـ.

 

خرج النسائيُّ إلى الشام وفي نيَّته نشر العلم النافع، وردُّ ما غالى من أهلها على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه، فلمَّا وصل إلى الرَّملة بفلسطين، عقد مجلسًا للتحديث بجامعها الكبير، وأخذ في رواية الأحاديث في فضل عليٍّ رضي الله عنه وآلٍ البيت وفي باقي الصَّحابة، وكانت بلادُ الشام معقلَ الأسرة الأمويَّة وقاعدةَ ملك بني أمية، ظلت عاصمة الخلافة الأموية وعاصمةَ الدولة الإسلامية، طوال حكم الأمويِّين، فلما أخذ النَّسائيُّ في رواية أحاديث فضل الصحابة، طلبوا منه أن يروي حديثًا في فضل معاوية -رضي الله عنه-، فامتنع النسائيُّ من ذلك؛ لأنَّه وبمنتهى البساطة لم يُخرّج حديثًا في فضل معاوية، ومرويَّاتُه كلُّها ليس فيها حديثٌ واحد في ذلك، فألحُّوا عليه، فرفض بشدَّة، وكان كما قلنا ضابطًا متقنًا شديدَ التَّحرِّي لألفاظه ورواياته للأحاديث، فألحُّوا عليه أكثر وشتموه، فردَّ عليهم بكلامٍ شديدٍ أحفظَهم، إذ قال لهم: أيُّ شيء أُخرج؟ حديثُ (اللهم لا تشبع بطنه)، وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسيُّ في مسنده، ولكن ليس للنَّسائيِّ سندٌ في مرويَّاته ليُخرِّجه به ويحدثه للناس.

 

ولما كانت بلادُ الشام معقلاً تاريخيًا وتقليديًا لبني أمية، وأنصارُهم به كثر، وكذلك المتعصبون لهم، فإنَّ النَّسائيَّ لما قال ما قال لمن شتمه ووبَّخهُ لأنه لم يروِ لهم حديثًا في فضل معاويةَ رضي الله عنه، فظنوا أنَّ الإمام النسائيَّ من مذهبٍ آخر، ولم يعرفوا قدر هذا الإمام ومكانته العلمية، فقاموا عليه بكلِّ جهل وتعصب، وكأنَّه واحدٌ من اللصوص أو المجرمين، وأخذوا يضربونه بكلِّ عنف، وفي أماكن حسَّاسة من جسده، وكان النسائيُّ وقتها، قد جاوز الخامسة والثَّمانين من العمر، فلم يحتمل الشيخُ الكبير هذا الضرب المبرح، فخرَّ مغشيًا عليه، ثم أخرجوه من المسجد بلا رحمة ولا شفقة، فلما أفاق قال لمن معه: احملوني إلى مكةَ كي أموتَ بها، ولكنَّ القدر كان أسرع من مراده وبغيته، فمات في 13 صفر سنة 303هـ، فرزقه الله عزَّ وجلَّ حياة هنية وميتة سوية، وختم حياته بصيانة علمه وأحاديثه.

 

 

 

المراجع والمصادر

 

  • سير أعلام النبلاء ،
  • تذكرة الحفاظ ،
  • تهذيب الأسماء واللغات ،
  • شذرات الذهب ،
  • تهذيب الكمال ،
  • البداية والنهاية ،
  • وفيات الأعيان ،
  • المنتظم ،
  • طبقات الحفاظ.

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات