الإمامة والجماعة والإشاعة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-01-05 - 1445/06/23 2024-01-23 - 1445/07/11
عناصر الخطبة
1/وجوب لزوم جماعة المسلمين 2/من هم أولو الأمر؟ 3/ضوابط طاعة العلماء والأمراء 4/وجوب الطاعة في المعروف 5/وحدة الصف واجتماع الكلمة 6/خطورة الشائعات المغرضة.

اقتباس

وَأَمَّا طاعة العلماء والأمراء؛ فإنها مقيّدة بحيث لا يأمروا بمعصية، كما قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا الطَّاعَة بالمعروف"، فإذا أمر عالمٌ أو أمر أميرٌ بمعصية الله؛ فإنَّا لا نسمع ولا نطيع له في هذَا الأمر بحد ذاته، ولا يجعله ذلك غير مطاعٍ في بقية ذلك من الأمور...

الخطبةُ الأولَى:

  

إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: لقد نظَّم الإسلام حياة النَّاس، فلم يجعلها سبهللاً، ولم يجعلها عبثًا ولا سُدًى، وَإِنَّمَا نظّمها بما فيه قوام صلاح دينهم ودنياهم، وَهذَا مقتضى عبوديتهم لله -جَلَّ وَعَلَا-، الَّذِي جعلهم في الأرض خلائف، يخلف بعضهم الآخرين، ليقيموا في هذِه الأرض شعائر عبادات ربهم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

ومن هذَا التنظيم -يا عباد الله- أن الله -جَلَّ وَعَلَا- أمرنا بلزوم جماعة المسلمين، ومن مقررات اعتقاد أهل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة: أنه لا جماعة إِلَّا بإمام، ولا إمام إِلَّا بالسمع وَالطَّاعَة له بالمعروف، كما قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- في آية النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء: 59].

 

أتدرون من هم أولو الأمر؟ إنهم صنفان يا عباد الله:

الأمراء يُطاعون في أمر الدنيا وفي أمر السياسة، وفي أمر ما يتعلَّق بسياسة جماعة المسلمين.

والصنف الْثَّانِي: العلماء، فيُطاعون في الحلال والحرام، الَّذِي يبينون به دين الله -جَلَّ وَعَلَا- للعموم.

 

فمن أطاعهم؛ فبطاعة الله أطاعهم، وبطاعة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أطاعهم، ومن عصاهم؛ فقد عصى الله وعصى رسوله، كما جاء في الصحيحين عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "من يُطِع الأمير؛ فقد أطاعني، ومن أطاعني؛ أطاع الله، ومن يعصي الأمير؛ فقد عصاني، ومن عصاني؛ فقد عصى الله"(أخرجاه في الصحيحين).

 

وطاعة العلماء والأمراء -يا عباد الله- ليست طاعةً مطلقة؛ إذْ الطَّاعَة المطلقة هي طاعة الله -جَلَّ وَعَلَا- عبوديةً له وتوحيدًا، وكذا طاعة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عبوديةً لله -عَزَّ وَجَلَّ- وتوحيدًا؛ لأنَّ الله جعل طاعة رسوله من طاعته: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[المائدة: 92].

 

 وَأَمَّا طاعة العلماء والأمراء؛ فإنها مقيّدة بحيث لا يأمروا بمعصية، كما قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا الطَّاعَة بالمعروف"، فإذا أمر عالمٌ أو أمر أميرٌ بمعصية الله؛ فإنَّا لا نسمع ولا نطيع له في هذَا الأمر بحد ذاته، ولا يجعله ذلك غير مطاعٍ في بقية ذلك من الأمور؛ لاحتمال أنه اجتهد فأخطأ، أو أنه زَلَّ فهمه ولم يُصِب.

 

 وطاعة الله -عَزَّ وَجَلَّ- توحيدٌ وإيمان؛ ولهذا امتحن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كفار نصارى نجران، لمَّا وفدوا عَلَى النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وزعموا أنهم يحبون الله، نزل امتحانهم بقوله -جَلَّ وَعَلَا-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 32].

 

وَهذِه الطَّاعَة -يا عباد الله- يلتزم عليها عبودية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فإنَّا نطيع لعلمائنا وأمرائنا ما لم يأمروا بمعصية؛ لأنَّ هذَا من طاعتنا لله -جَلَّ وَعَلَا-؛ حيث هو الَّذِي أمرنا بذلك، وهو أَيضًا من طاعة النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، الَّذِي حتَّم ذلك علينا وفرضه وأوجبه.

 

وفيه أَيضًا من المصالح العظيمة: اجتماع الكلمة؛ لأنه إذا ثُلِّب عَلَى ولي الأمر أمره، إذا ثُلِّب عليه أمره، ولم يُسمع له ويُطاع فيما يأمر فيه؛ كان في هذَا اضطراب أمر المجتمع، وبالتالي صار المسلمون فريسةً سهلةً لأعدائهم، وإنَّ من مناطات ولي الأمر: صيانة هذَا المجتمع المسلم من أعدائهم الداخليين، وأعدائهم الخارجيين.

 

وهذِه -يا عباد الله- هذِه النعم الَّتِي نرفل فيها من اجتماع الكلمة، ومن رغد العيش، ومن هذَا الأمن والأمان نعم تستوجب الشكر، بأن نشكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليها ونحمده بها، ونفضي له بذلك؛ لأنه المنعم بها أولاً وآخرًا.

 

ونحذر -عباد الله- من ضدها، نحذر من ضدها أشد الحذر، فتصوروا وتخيلوا لو أنه اضطرب أمر المجتمع؛ فلن يسمع النَّاس لولي أمرهم، كيف يعيشون في خوفٍ عظيم، لا يأمنون فيه لا عَلَى أنفسهم ولا عَلَى أموالهم، ولا عَلَى أعراضهم، بل ولا عَلَى دينهم.

 

كما قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7]، فلا تُقابل هذِه النعم بالجحود والنكران، فإنَّ ذلك مقتضاه العذاب الشديد في الدنيا والآخرة.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا بربوبيته، وإيمانًا بعبوديته وألوهيته، وإيمانًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك مَن عاند به أو جحد وكفر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سيد البشر، الشَّافِع المُشَفَّع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادة الغُرَر خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليل وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ من مفسدات هذَا الاجتماع وَهذِه النعم الَّتِي نرفل بها، هذِه الشائعات العفنة، الَّتِي يتداولها المأفونون، تداولوها قديمًا في المنافقين، ويتداولها الآن في هذَا الزمان منافقون ومرجفون، يستتبعون أخبار كل ناعق، لا يعرفون مصادر هذِه الأخبار، وجاءت هذِه الوسائل المعاصرة في نقل هذِه الأخبار فروجتها وأشاعتها، فاقتضى ذلك أن يكون هذَا الإرباك وَهذَا إفساد في مجتمع المسلمين عَلَى ولي أمرهم وعَلَى علمائهم، وعَلَى بعضهم البعض.

 

وخطر الشائعات خطر جسيم عَلَى العقائد، وخطر عَلَى الأفكار، وخطر عَلَى النفسيات، وما ينتج من ذلك من هذِه المثالب العظيمة، وَهذِه هي صنيعة المنافقين قديمًا وحديثًا، كما قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- في سورة النساء: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)[النساء: 83].

 

نعم -يا عباد الله- إذا جاءتكم هذِه الأخبار الشائعة عبر وسائل التواصل ونحوها، أو عبر وسائل الإعلام المغرضة الحاسدة الحاقدة؛ فلا تنشروها، ولا تذيعوها، ولا تصدقوها، وَإِنَّمَا ردوها إِلَى أهل العلم، وردوها إِلَى (أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)[النساء: 83].

 

قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من أمسى آمنًا في سربه، مُعافًى في بدنه، عنده قوت يوم؛ فكأنَّما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

 

ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في ديننا وأموالنا وأهلينا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضارّ المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد لنا فكد عليه يا ذا الجلال والإكرام يا خير الماكرين.

 

اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ أتمم علينا نعمك، اللَّهُمَّ اجعلنا لنعمائك من الشاكرين، ولفرائضك من المؤدين، ولنواهيك من المجتنبين يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أصلح قلوبنا، وأصلح فساد أعمالنا، ورد ضالنا إليك ردًّا جميلاً، إنك أكرم مسؤول، وأعظم مرجي مأمول، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكَّرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

الإمامة والجماعة والإشاعة.pdf

الإمامة والجماعة والإشاعة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات