الإلحاد أعظم كفرا من الشرك

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

 

 

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

 

السؤال

سؤال : أيهما أكبر ذنباً ، الإلحاد أم الشرك ؟

 

الجواب

 

الحمد لله.

 

الإلحاد في المفهوم المعاصر يعني تعطيل الخالق بالإطلاق ، وإنكار وجوده ، وعدم الاعتراف به سبحانه وتعالى ، وإنما العالم وما فيه قد جاء ـ على حسب زعمهم ـ بمحض الصدفة ، وهو مذهب غريب مناف للفطرة والعقل والمنطق السليم ، ومناقض لبدهيات العقل ومسلَّمات الفكر .

 

أما الشرك فهو يتضمن الإيمان بالله عز وجل والإقرار به ، ولكن يشمل أيضا الإيمان بشريك لله في خلقه ، يخلق ، أو يرزق ، أو ينفع ، أو يضر ، وهذا شرك الربوبية ، أو بشريكٍ يُصرَف له شيء من العبادة محبة وتعظيما ، كما تصرف لله سبحانه وتعالى ، وهذا شرك العبادة .

 

وبالتأمل في هذين الانحرافين نجد أنَّ في كلٍّ منهما مِن الإثم والسوء ما يدلنا على سوء حالهم ، وكيف أن الله جل جلاله وصفهم بأنهم كالبهائم :

 

يقول الله تعالى : ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا . أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان/43-44 .

 

وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف/179 .

 

ورغم ذلك كله فالملحد الجاحد المكذِّبُ بوجود الله ورسله واليوم الآخر أعظمُ كفرًا ، وأشنعُ مقالةً من الذي آمن بالله ، وأقر بالمعاد ، ولكنه أشرك معه شيئا من خلقه ، فالأولُ معاند مكابر إلى الحد الذي لا يتصوره الفكر ، ولا تقبله الفطرة ، ومثله يستبيح كلَّ محرَّم ، ويقع في كل معصية ، وينتكس عقله إلى حد لا يخطر على البال ، ومع ذلك فقد شكك كثير من المتكلمين في ظاهرة الإلحاد بصدق وجود هذه الظاهرة في قرارة أنفس الملحدين ، وقرروا أن الملحد إنما يظاهر بإلحاده ، وهو في باطنه مُوقِنٌ بإله واحد .

 

ولشيخ الإسلام ابن تيمية الكثير من العبارات التي تدل على أن طائفة الملحدين المعطِّلين الجاحدين أعظم كفرا من المشركين ، ننقل هنا بعض ما وقفنا عليه من ذلك :

 

يقول رحمه الله : " الكفر عدم الإيمان بالله ورسله ، سواء كان معه تكذيب ، أو لم يكن معه تكذيب ، بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله ، حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة ، وإن كان الكافر المكذب أعظم كفرا ، وكذلك الجاحد المكذب حسدا مع استيقان صدق الرسل " انتهى .

" مجموع الفتاوى " (12/335) .

ويقول أيضا : " مَن أنكر المعاد مع قوله بحدوث هذا العالم فقد كفَّرَه الله ، فمن أنكره مع قوله بقدم العالم فهو أعظم كفرا عند الله تعالى " انتهى .

" مجموع الفتاوى " (17/291) .

بل قال رحمه الله في معرض إلزام منكري الصفات :

" وإما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول : ما ثم وجود واجب ؛ فإن قال بالأول وقال : لا أثبت واحدًا من النقيضين لا الوجود ولا العدم .

 

قيل : هب أنك تتكلم بذلك بلسانك ، ولا تعتقد بقلبك واحدًا من الأمرين ، بل تلتزم الإعراض عن معرفة اللّه وعبادته وذكره ، فلا تذكره قط ، ولا تعبده ، ولا تدعوه ، ولا ترجوه ، ولا تخافه ، فيكون جحدك له أعظم من جحد إبليس الذي اعترف به " انتهى .

" مجموع الفتاوى " (5/356) .

 

ويقول رحمه الله :

" المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم – يعني مِن مشركي العرب - وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء ، وإن كان عالما بوجود الله وعظمته ، كما أن فرعون كان أيضا عالما بوجود الله " انتهى .

" مجموع الفتاوى " (7/633) .

ويقول أيضا :

" قول الفلاسفة - القائلين بقدم العالم وأنه صادر عن موجب بالذات متولد عن العقول والنفوس الذين يعبدون الكواكب العلوية ويصنعون لها التماثيل السفلية - : كأرسطو وأتباعه - أعظم كفرا وضلالا من مشركي العرب الذين كانوا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام بمشيئته وقدرته ، ولكن خرقوا له بنين وبنات بغير علم وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا ، وكذلك المباحية الذين يسقطون الأمر والنهي مطلقا ، ويحتجون بالقضاء والقدر ، أسوأ حالا من اليهود والنصارى ومشركي العرب ؛ فإن هؤلاء مع كفرهم يقرون بنوع من الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن كان لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، بخلاف المباحية المسقطة للشرائع مطلقا ، فإنما يرضون بما تهواه أنفسهم ، ويغضبون لما تهواه أنفسهم ، لا يرضون لله ، ولا يغضبون لله ، ولا يحبون لله ، ولا يغضبون لله ، ولا يأمرون بما أمر الله به ، ولا ينهون عما نهى عنه ؛ إلا إذا كان لهم في ذلك هوى فيفعلونه لأجل هواهم ، لا عبادةً لمولاهم ؛ ولهذا لا ينكرون ما وقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان إلا إذا خالف أغراضهم فينكرونه إنكارا طبيعيا شيطانيا ، لا إنكارا شرعيا رحمانيا ؛ ولهذا تقترن بهم الشياطين إخوانهم فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ، وقد تتمثل لهم الشياطين وتخاطبهم وتعينهم على بعض أهوائهم كما كانت الشياطين تفعل بالمشركين عباد الأصنام " انتهى .

" مجموع الفتاوى " (8/457-458) .

 

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله : " ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة , فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا , فمن أعرض عن الله بالكلية ، وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات ، من الذين يسمونهم بالأولياء ، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم ، وينسى الله بالكلية : فهذا أعظم كفرا وأشد شركا , نسأل الله العافية.

 

وهكذا من ينكر وجود الله , ويقول : ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية " انتهى .

" مجموع فتاوى ابن باز " (4/32-33) .

ويقول أيضا رحمه الله :

" والاشتراكيون ذبائحهم محرمة من جنس ذبح المجوس وعبدة الأوثان ، بل ذبائحهم أشد حرمة ، لكونهم أعظم كفرا بسبب إلحادهم وإنكارهم الباري عز وجل ورسوله ، إلى غير ذلك من أنواع كفرهم " انتهى .

" مجموع فتاوى ابن باز " (23/30) .

 

والله أعلم .

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات