عناصر الخطبة
1/ التحذير من خطر أعدائنا المندسّين بيننا 2/ تغليف استهدافهم للمملكة المؤسَّسة على الشرع بالإصلاح 3/ سعيهم لإشعال فتنة الاختلاط بين الجنسين 4/ ما يجب علينا لصون المرأة المسلمة والمجتمعاقتباس
وهم يغلّفون دعواهم ونداءاتهم بغلاف الإصلاح والحرية، ومواكبة العصر، ومسايرة الركب، وهي في الحقيقة دعوة إلى الفساد والشر، ونداء إلى نبذ الدين القويم، والتحرر من أحكامه العادلة، وفرائضه المحكمة، وأخلاقه الفاضلة، وآدابه الحسنة، ومعاملاته القويمة الواضحة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أحمده -سبحانه- وأشكره، وهو الجدير بالحمد والشكر والامتنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الوهاب ذو الجبروت والسلطان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وصبر على التبليغ حتى انتشر الإسلام وعم الأمان، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-كما أمركم بذلك مولاكم، فقال -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوصي أصحابه كثيراً بتقوى الله، فقال لأحدهم: "اتق الله حيثما كنت".
وتذكروا -عباد الله- الزائر الذي لا بد أن يزوركم وهو الموت، قال أحدهم:
أيها الموت ما أجفاك من زائرٍ *** تنزل بالمرء على رغمِهِ
وتأخذ العذراء في خدرها *** وتأخذ الواحد من أمِّه
عباد الله: كون الإسلام ومجتمعات المسلمين تتعرض للأذى والشر، والكيد والمكر، والإفساد والتخريب، من أعداء الإسلام والمسلمين، من اليهود والنصارى والملحدين، فهذا أمر غير مستغرب ولا مستنكر، فقد قال -جل وعلا- في كتابه الكريم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان:31].
وإذا كان الله -عز وجل- قد جعل لأنبيائه أعداء فكذلك أتباعهم على دينهم، ولا سيما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، فقد لقي -عليه الصلاة والسلام- من المشركين واليهود الأذى العظيم والكيد الكبير، ما لم يلقه أي نبي ورسول، ولقي أتباعه معه وبعده من الكفار والمنافقين واليهود أذى كثيراً وصداً عظيماً.
والله -سبحانه- قد بين في كتابه العزيز في غير آية منه، عداوة الكافرين لعباده الموحدين، وأبدى في ذلك وأعاد، لكن ليس شيء أشدّ على المسلمين من أن يروا عدواً لهم في لباس الأخوة لا بد من مصادقته! كما قيل:
ومِن نَكَدِ الدُّنيا على الحُرِّ أنْ يَرَى *** عَدُوّاً لهُ ما مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ
وليس شيء أمَرّ عليهم من أن يظنوا في إخوان لهم من بني جلدتهم ويتكلمون بلغتهم ويعيشون بينهم أن يكونوا دروعاً لهم ولمجتمعهم من الأعادي، وسهاماً موجهة إلى مريدي الفساد والشر بهم وبمجتمعهم، فيظهر ظنهم في غير محله، وتخرج حساباتهم خاطئة، فيكونون كما قال أحدهم:
وإخوانٍ حسبتهمُ دُرُوعاً *** فكانوها ولكن للأعادي
وخلْتُهُمُ سهاماً صائباتٍ *** فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صَفَتْ منا قلوبٌ *** لقد صدقوا ولكن عن وِدادِ
من أجل هذا -عباد الله- يجب علينا الحذر من مثل هؤلاء، وأن لا تنطلي علينا شبههم ودعاواهم الخبيثة، التي ظاهرها الخير وباطنها الشر والسوء والفساد.
إن بلدكم هذا مغزوّ من أعداء الدين وأدعيائه غزوا شديداً وخبيثاً، لا يريدون له الاستقرار ولا الأمن، ولا يبغون له الصلاح والهدى، يهدفون من غزوهم هذا إلى أن يكون مجتمعكم كالمجتمع الكافر المنحل المتفكك، ذي الحرية المارقة على الدين والأخلاق والآداب والمروءة والحياء.
وهم يغلّفون دعواهم ونداءاتهم بغلاف الإصلاح والحرية، ومواكبة العصر، ومسايرة الركب، وهي في الحقيقة دعوة إلى الفساد والشر، ونداء إلى نبذ الدين القويم، والتحرر من أحكامه العادلة، وفرائضه المحكمة، وأخلاقه الفاضلة، وآدابه الحسنة، ومعاملاته القويمة الواضحة.
وإلّا؛ فأين دعوتهم لمسايرة الركب ومواكبة العصر، فيما فيه قوة المسلمين، في صنع السلاح وإتقان علوم التقنية الحديثة؟ لكنه الحسد الكبير الذي قام بقلوبهم لهذه البلاد المباركة التي قامت على التوحيد وتحكيم الكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة، منذ نشأتها على يد مؤسسها وموحدها الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، حتى عم الأمن أرجاءها، وساد الاستقرار نواحيها، فكانت مضرب المثل في الأمن والاستقرار.
ثم من بعده أبناؤه -جزاهم الله خيراً- الذين ساروا على نهجه في هذا السبيل، واجتهدوا في حماية هذه البلاد من الشر وأهله، ومن كل ما يقرب إليه، وظهر ذلك في كثير من مجالات الحياة، ومن أهم ذلك ما يتعلق بالمرأة، حرصوا على حمايتها من الفساد والأذى والتبذل والخنا، واجتهدوا في إعطائها مكانتها التي جعلها الإسلام لها، وسعوا إلى أن تأخذ حقها الذي فرضه الإسلام لها، مع عفة وصيانة وحشمة ونزاهة، فلا يوجد -بحمد الله- اختلاط في التعليم كما هو في البلاد الكافرة، وفي كثير من بلاد الإسلام، ولا يوجد تبرج وسفور ظاهر في الطرقات والأسواق.
ولكن؛ يأبى أعداء الدين وأدعياؤه، إلا أن يسعوا إلى إفساد هذا المجتمع وتخريبه، والنيل منه؛ حسدا من عند أنفسهم، وذلك من خلال وسائل كثيرة وطرق متعددة، ومن أهمها إخراج المرأة من بيتها، وتحريرها من دينها، والوصول إلى غاية خطيرة ألا وهي اختلاطها بالرجال واختلاط الرجال بها؛ لأنهم يعلمون أن المرأة إذا تمردت على أحكام دينها وتحررت من أخلاقه الفاضلة، فهي سلاح فتاك للقضاء على أي مجتمع وأي بلد، لأنها فتنة عظيمة للرجال إذا حصل الاختلاط...
نعم -عباد الله- إنها فتنة عظيمة، بقول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء"، وقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: "الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"، وقال: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، ومَن كان الشيطان ثالثهما، فالشر والسوء عاقبتهما!.
عباد الله: إن علينا مسؤولية عظيمة في الحفاظ على مجتمعنا من السوء والفساد بأمور:
أولا: إصلاح أنفسنا وأهلينا وأسرنا.
ثانيا: عدم الإصغاء لدعاة تحرير المرأة وأنها مظلومة مقهورة مبتورة مهانة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم! فإن الإسلام أكرمها أيما إكرام، وأعزها أيما إعزاز، وأعطاها حقوقها وحفظ لها مكانتها وصانها من القهر والظلم والهوان، ما لا يوجد في أي نظام وفي أي قانون، وفي أي منظمة في العالم، لأن الذي حفظ لها ذلك وأعطاها إياه، هو الخبير العليم، العزيز الحكيم -جل في علاه-، الذي قال: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:74].
ثالثا: أن ننظر إلى ما تعيشه المرأة في الدول الكافرة، أو في البلاد الإسلامية التي أطلقت العنان للمرأة في الخروج والاختلاط بالرجال، إنها تعيش حياة مليئة بالخوف والاضطراب، صارت ألعوبة في أيدي سماسرة الفسق والفجور، ووسيلة لإشباع الرغبات الشهوانية، وتسلية للرجال في أعمالهم وإداراتهم، فذهب الطهر والذكاء، وانهدم جدار العفة والحياء، وحل الخبث والدَّعَر والبلاء، وانتشر المرض والوباء، وفقدت المرأة مكانتها، وأضاعت مهمتها، وأسقطت حقوقها.
رابعاً: أن نعلم علم اليقين، أن فساد المرأة وخروجها على أحكام دين ربها، علامة على فساد المجتمع وسقوطه؛ لأنها فتنة، والفتنة أشد من القتل.
خامسا: على المرأة المسلمة أن تتقي الله -عز وجل- في نفسها وفي مجتمعها، ولتعلم أنها مستهدفة من أعداء الدين وأدعيائه، وأنها دعامة عظيمة لاستقرار المجتمع وصلاحه، إذا صلحت واستقامت على دين ربها -جل وعلا-؛ لأنها أم ومعلمة ومربية، كما قيل:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
سادساً: على القائمين على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، أن يتقوا الله -عز وجل- في المسلمين، ببث ما يرضى الله -عز وجل- ويكون عوناً للحفاظ على المرأة المسلمة وصيانتها من السوء، والحذر من تسويق المرأة في وسائل إعلامهم، وأن يرعوا حرمة ما قامت عليه هذه البلاد من التوحيد لله رب العالمين، وتحكيم الكتاب المبين، وسنة سيد المرسلين.
وعلى المعلمين والمعلمات أن يؤدوا رسالة التعليم على أكمل وجه، وأن يكونوا دعاة إلى الخير والصلاح، وأن يجمعوا بين تغذية العقول وتربية القلوب.
سابعاً: التضرع إلى الله بالدعاء الصادق الخالص، أن يحمي بلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة، من شر أعداء الدين وأدعيائه، وأن يجعل كيدهم ومكرهم وبالاً عليهم، وأن لا يبلغهم ما أرادوا وما أمّلوا، وأن يهدي نساء المسلمين ويحميهن من كيد الأعداء والمفسدين.
... فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يحمينا من شر أعداء الدين، وأن يعيذنا من مكرهم وفسادهم، وأن يحفظنا ويحفظ نساءنا من كيدهم وشرهم، وأن يديم علينا أمن البلاد واستقرارها، وأن يطهرها من الفساد والمفسدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم