الإفتاء عبر القنوات الفضائية : الفوائد والمحاذير

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

لعل من أبر مميزات هذا العصر الذي نعيشه، انتشار القنوات الفضائية واتساع تغطيتها وكثافة بثها، وكثرة المعارف والمعلومات، التي تنشرها في مختلف بقاع العالم، مما أعطاها، تأثيرا متزايدا على الأفراد والشعوب والأمم على اختلاف أعراقها وثقافاتها، ولم يكن العالم والإسلامي بصفة عامة، والمنطقة العربية بصفة خاصة بمعزل عن هذا الحراك الإعلامي وتأثيراته المتزايدة كما وكيفا.

 

وقد صاحب هذا التطور الإعلامي في العالم الإسلامي، خلال العقد الأخير:

 

 

 

-       حصول طفرة في القنوات الفضائية الإسلامية المتخصصة

 

-       تزايد الحيز المخصص للبرامج الدينية في فضائيات الدول الإسلامية العامة منها والمتخصصة.

 

-       وجود حلقات وبرامج مباشرة خاصة بالإفتاء.

 

ومما لا شك فيه أن كثرة برامج الإفتاء المباشرة على القنوات الفضائية، قد تحمل الكثير من الإيجابيات إذا أحسن استغلالها، لما توفره من منابر وفرص للعلماء الكبار المتخصصين في العلوم الشرعية، لإبداء آرائهم في جميع القضايا الحساسة التي تهم الأمة الإسلامية وإعطاء الفتوى الشرعية السديدة، والرأي السليم فيها وفي سبل معالجتها، وكذلك خلق إجماع ضروري حولها، وتوجيه المسلمين: ( المستفتين) وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وسد حاجتهم إلى الإفتاء، لسهولة اتصال المستفتي بالمفتي الذي يريد سؤاله، مما يتيح للمفتي إقامة الحجة في كثير من المسائل التي يحتاجها أفراد الأمة الإسلامية أينما كانوا ومهما كانت توجهاتهم، وكذلك أهمية توعية أفراد الأمة الإسلامية تجاه قضاياهم الكبيرة والهامة التي تخصهم دون غيرهم من الأمم الأخرى. واستجابة هذه الفتاوى في كثير من الحالات لمتطلبات العصر.

 

ولكن كثرة القنوات الفضائية وإلغائها للجغرافيا وتحطيمها للحدود بين الدول والشعوب، وتسابقها لكسب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، وانتشارها وتحركها في حرية نسبية، كلها عوامل أدت إلى جملة من الأخطاء وبعض الانحرافات في برامج الإفتاء المباشرة على القنوات الفضائية، كتعميق الخلافات بين المسلمين وإحداث بلبلة وحيرة بينهم، خاصة بين العامة من الناس، الذين لا يعرفون مصادر الخلاف عند علماء المسلمين، والخلفيات التاريخية لهذا الخلاف، والأسباب العلمية التي أدت إليه، كما أن تضارب الفتاوي وعدم تردد من يظهرون على القنوات الفضائية في إصدار الفتوى في أي موضوع يطرح عليهم، جعلت مركز العلماء ومكانتهم العلمية والاجتماعية تهتز، واحترامهم يتراجع بين الناس، بل وصل الأمر في كثير من الحالات إلى التشكيك في نزاهتهم العلمية، لما قد يصدر عن بعضهم من فتاوي غير مؤصلة علميا، ولا مقنعة عقليا، وتسلل الكثير من الجهلة والأدعياء إلى حلبة الإفتاء المباشر على القنوات الفضائية، وخاصة ممن لا تؤهلهم معارفهم العلمية للفتوى، ولا يتمتعون بوقار العلماء، وورع المفتين، وهدوء المربين، مما جعل البعض يطلق على هذه الوضعية "فوضى الفتاوى الفضائية".

 

وهو ما انعكس على ضعف الفتاوى وترنحها بين الميوعة والتساهل المخل وبين التشدد المفرط والغلو الجانح، في الوقت الذي تواجه فيه الأمة الإسلامية هجمة شرسة من الغرب بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، يضاف إلى ذلك انتشار التطرف بين صفوف شباب المسلمين، وهذا ما من شأنه – إذا استمر على هذا النحو – أن يؤدي إلى ضياع مصالح الأمة.

 

هذه المعطيات تفرض على المهتمين بقضايا الإسلام والمسلمين، الاهتمام بالإفتاء عبر القنوات الفضائية، وتعميق البحث في المحاذير والإشكاليات، التي تواجهه، من أجل إيجاد الحلول والضوابط المناسبة لمعالجة تلك الاختلالات، التي تظهر من حين لآخر، مع ضرورة إبراز محاسن وإيجابيات برامج الإفتاء المباشرة عبر القنوات الفضائية.

 

وذلك ما تسعى هذه الورقة إلى تحقيقه، من خلال إبراز إيجابيات الإفتاء المباشر عبر القنوات الفضائية في محور أول، وبحث المخاطر والمحاذير التي تصاحب الإفتاء المباشر عبر القنوات الفضائية في محور ثاني. والخروج بجملة من التوصيات في الخاتمة.

 

المحور الأول : فوائد وإيجابيات الإفتاء عبر القنوات الفضائية

 

لعب الإفتاء عبر تاريخ الحضارة الإسلامية دورا متميزا في تطوير الفقه الإسلامي عموما، وازدهار الاجتهاد خصوصا، من خلال ما أصدره العلماء من فتاوى شرعية، في شكل كتب ، وصل بعضها إلى موسوعات لا يستغني عنها العالم ولا طالب العلم، أو في شكل فتاوى مباشرة جوابا لأسئلة طرحها أفراد، أو جماعات من المجتمعات الإسلامية، التي يعيشون فيها استجابة لحاجتهم إلى معرفة دينهم، لكن رغم ذلك ظلت الفتوى ممارسة نخبوية محصورة في أوساط نخبة العلماء ومن يحيطون بهم من كبار تلامذتهم، ومن هنا تكمن أهمية الإفتاء المباشر عبر الفضائيات، لأنها ستنقل الإفتاء من ممارسة نخبوية لا يستفيد منها إلا خاصة الخاصة، ممن يتاح لهم الالتقاء بالعلماء، وفرصة استفتائهم، إلى ممارسة مفتوحة على مختلف إفراد الأمة الإسلامية وغير الإسلامية، لثورة الإعلام الحاصلة اليوم في العالم، والتي حولت العالم إلى قرية كونية، وهذا الدور المتعاظم للإعلام يمكن استغلاله لخدمة قضايا الأمة الإسلامية، وتعزيز حضورها العالمي، ونشر تعاليم الإسلام ، وتصحيح التصورات الخاطئة عنه، وفتح باب الاجتهاد.

 

وبرامج الإفتاء عبر القنوات الفضائية ربما ستكون أحد المداخل إلى ذلك، إذا تم استغلالها بشكل صحيح؛ لأن تنامي دور القنوات الفضائية عبر العالم واتساع تأثيرها، يفرض على الفضائيات العربية، بشكل عام والإسلامية بشكل خاص تكثيف حضورها ومضاعفة جهودها، لمواجهة الغزو الثقافي وانعكاساته الخطيرة على الفرد والمجتمع، ومقاومة الفضائيات الكثيرة التي تعمل على نشر ثقافة الاستهلاك والتسطيح والتبسيط والتهميش، والتي تسهم في اغتراب المشاهدين بدلا من إعطائهم الفرصة لطرح مشاكلهم، والتعبير عن انشغالاتهم وتوفير منبر لهم للمشاركة في الحياة العامة بشكل سليم.

 

وهذا ما يجعل برامج الإفتاء المباشرة عبر الفضائيات الإسلامية أداة جديدة من أدواة بث العلوم الإسلامية، ونشر الدعوة إلى الله تعالى، وهذا ما يقتضي من القنوات أن تركز في برامجها على البناء القيمي والأخلاقي والمعرفي للإنسان المسلم، وأن تكون مقاييس نجاح المؤسسات الإعلامية الإسلامية، في تحقيق رسالتها، لا تنحصر فيما تحققه من أرباح مادية أو تنتجه من مادة إعلامية، وإنما تكون معايير نجاحها محددة من خلال، ما تطرحه من أفكار سديدة، وقيم رشيدة، وفتاوى مؤصلة، تسهم في بناء ذاكرة جماعية للأمة بكاملها، وإعادة تشكل وعيها الحضاري . لما ينبغي أن تلعبه هذه الفضائيات من دور استراتيجي في التنشئة الاجتماعية للأفراد وتربيتهم على الولاء لنظام القيم الإسلامية، وعلى كل ما يعزز تماسك المجتمع المسلم، ويزيد من حضور العالم الإسلامي على المستوى الدولي.

 

ومما يدعو إلى التفاؤل في هذا الصدد، ما أشار إليه البعض (د. الراجحي موقع الفقه الإسلامي)، من تصنيف للفضائيات الإسلامية على : (أنها وسيلة تطور متميزة لخدمة المشروع الهادف إلى إعادة بناء هوية الأمة العقدية والفكرية والثقافية والاقتصادية، وعلى الرغم من حداثة التجربة وتراكم المعوقات، فقد استطاعت هذه الفضائيات أن توجد لنفسها موطئ قدم في بيئة إعلامية معادية جدا، واختطت لنفسها منهجا خاصا وأسلوبا متميزا، كما أصبحت تحتل مساحة كبيرة داخل الأسرة المسلمة تزداد اتساعا).

 

وهذا المسار التطوري للإعلام في العالم الإسلامي، وما صاحبه من اتساع لبرامج الإفتاء المباشرة عبر القنوات الفضائية، ستكون له بعض الفوائد ويحقق بعض المصالح التي، من أبرزها :

 

1- تعزيز وحدة الأمة الإسلامية: من خلال التواصل بين أفرادها المنتشرين في أصقاع العالم في الشرق أو الغرب في الجنوب أو في الشمال، كل من مكان إقامته ;( المفتي والمستفتي) دون الانتقال إلى البلد أو الموقع الذي يكون فيه المفتي، فقد يثق إنسان بعالم ما ولا يستطيع الوصول إليه فيستمع لحلقة الفتوى الفضائية ويتصل بالمفتي مباشرة ليستفتيه، مما يخلق عند أفراد الأمة الإسلامية رؤية مشتركة للأشياء، تزيد مع الزمن من عوامل وحدتها.

 

 

 

2التوظيف الفعال للفضائيات: من أجل تشكيل وعي أفراد الأمة الإسلامية بقضاياها المصيرية، وإعطاء دور أكبر للنخب الإسلامية في لعب دورها في توجيه جماهير الأمة، من خلال تزويدها بالمعطيات الحضارية الصحيحة للإسلام وإقناعها بقدرة النموذج الحضاري الإسلامي على صياغة مجتمع عصري، فإن ذلك لن يكون ممكنا في الوقت الحاضر، إلا من خلال التوظيف الصحيح والفعال للإعلام عموما والفضائيات الإسلامية بشكل خاص، في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، شريطة أن تستخدم تلك الفضائيات المعارف والعلوم العصرية ونتائج البحث العلمي، في عملها وخاصة ما يتعلق بدراسة السيكولوجية الإسلامية، وكل ما يتعلق باستشراف المستقبل.

 

 

 

3التعريف بعلماء الأمة الإسلامية:

 

تتيح الفضائيات لجمهور الناس من المشاهدين والمستمعين، التعرف على العلماء والدعاة من مختلف البقاع خاصة المتميزين منهم ، حتى إن العالم أو المفتي الذي يقبع في بقعة من بقاع العالم الإسلامي ولا يعرفه إلا أهل تلك البقعة، تنقل الفضائيات علمه إلى المسلمين حيثما كانوا، فيستمع إليه ويشاهده وينتفع به كثير من الناس في بلاد نائية لم تخطر له ببال، وتعم الفائدة بعلمه، فكم من عالم أو طالب علم تنبه الناس إلى علمه وانتفعوا به عن طريق حلقة من حلقات الإفتاء المباشر.

 

4– زيادة تأثير العلماء في المجتمع :

 

لا يزال لعلماء الشريعة الإسلامية، مكانتهم السامية في المجتمع المسلم، فهم أهل الكلمة العليا، وهم المؤثرون في الناس، وهم قادة الإصلاح الديني والاجتماعي الذين يتصدرون للقضايا الكبرى ويقولون فيها كلمتهم الفصل بوصفهم قدوة المجتمع. والفتاوى التي تصدر منهم يرجع إليها الناس ويحتكمون إليها في شؤون حياتهم، والفضائيات تمنحهم فرصة كبيرة لإبلاغ صوتهم إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين.

 

5- تعريف الناس بالمذاهب الأخرى:

 

تسمح حلقات الإفتاء عبر الفضائيات لجميع المشاهدين، خاصة من لهم أدنى حد من الثقافة الإسلامية، بالتعرف على أقوال العلماء، والخلاف بين الفقهاء، ومقارنة المذاهب بوجه عام، وذلك أن كثيرا من الناس بسبب حياتهم في بلد يتبع أهلها مذهبا فقهيا واحدا، يظنون أن أقوال ذلك المذهب هي الإسلام، وأنه لا يوجد قول يخالفها، بسبب أنهم تنقصهم معرفة المذاهب المنتشرة في بقاع العالم الإسلامي، فإذا تابعوا حلقات الإفتاء عبر القنوات الفضائية أدركوا مدى اختلاف الفقهاء في بعض المسائل الفقهية، وتباين وجهات نظرهم، فعلى سبيل المثال: المسلم الذي يعيش في مجتمع يتبع المذهب المالكي وليس في بلده من يدرس أو يفتي بالمذهب الحنفي، يستغرب بل ينكر زواج المرأة بدون ولي، وهو صحيح على المذهب الحنفي، وغير ذلك من خلافات فرعية يسيرة مقررة في المذاهب الإسلامية.

 

 

 

6التقريب بين المذاهب:

 

يمكن أن تكون حلقات الإفتاء عبر القنوات الفضائية وسيلة فعالة من وسائل التقريب بين المذاهب المختلفة، إذا أحسن المفتون استغلالها، وقبل كل مفت أن مذهبه مجرد رأي في الإسلام وليس هو الإسلام ذاته.

 

 

 

7تعميق ثقافة عامة المسلمين:

 

تسهم حلقات الإفتاء عبر القنوات الفضائية، في تعميق ثقافة عامة المسلمين، وتزيد معرفتهم بالإسلام، لأنها تبين لهم الحكم الشرعي في الوقائع والنوازل التي تواجههم، فالمتصل بالبرنامج التلفزيوني المباشر - وإن كان هدفه أن يتعرف على الحكم الشرعي ليلتزم به - إلا أن الإجابة عن سؤاله تؤدي - في الأعم- إلى إشاعة الثقافة الفقهية الشرعية عن طريق السؤال والجواب، حتى إن المستمع والمشاهد وإن لم يكن صاحب السؤال، يستفيد حكما شرعيا قد يحتاجه في حياته.

 

 

 

8- إشاعة العلم وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم:

 

تساهم حلقات الإفتاء المباشرة عبر الفضائيات من بين أمور أخرى، في نشر العلوم الشرعية، وإرشاد المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

 

 

 

9 - إقامة الحجة على الناس في كثير من المسائل الشرعية: خاصة المسائل التي يسألون عنها، مثل: مسألة حرمة الربا، وتحريم ما هو ضار، وخطر التساهل في الطلاق، و الاستهانة بالصلاة أو غيرها من أركان الإسلام، والتلاعب بالمواريث والتعدي على حدود الله فيها وغير ذلك من المسائل، التي تخص عقيدة المسلمين وعباداتهم ومعاملاتهم، فكثير من البرامج الإفتائية يسمعها آلاف، بل ملايين من البشر الصغار و الكبار، والمسلم وغير المسلم، والجاهل والمتعلم، والرجل والمرأة، مما يجعل المسلم يتعرف على دينه، وغير المسلم يكتشف محاسن الإسلام.

 

 

 

 

 

المحور الثاني : محاذير وسلبيات الإفتاء المباشر عبر الفضائيات.

 

 

 

رغم ما تم ذكره من فوائد وإيجابيات للإفتاء المباشر عبر الفضائيات، فإن ذلك لا يمكن أن يخفي عن الباحث ما يصاحب تلك الفتاوى المباشرة من أخطاء وهفوات، قد تبعدها عن أداء رسالتها الحضارية، وتجعلها تؤدي نتيجة عكسية، لما تثيره من الشك والريبة في أوساط المسلمين، وتسببه من تحطيم لصورة العلماء في أعين العامة، لأن بعض الفضائيات لا تبحث عن العلماء، بل تختار الأكثر شهرة( نجوم الفضائيات) وإن كان أقل علما، حيث إنها تخلط بين العالم المفتي، وبين الواعظ الذي يرقق القلوب، ويذكر الناس بالآخرة، والداعية الذي يكشف للناس محاسن الإسلام، ويرد الشبهات المثارة حوله، فيستضيفون الواعظ أو الداعية بوصفه فقيها، مما يخلق الانطباع، بأن ضرر الفتاوى المباشرة عبر الفضائيات أكثر من نفعها، بناء على أن المفتى كان يقوم بمراجعة الكتب والمصادر أولا حتى يمحص فتواه، ويراعي مجموعة من الضوابط منها : أخذ البعد الزماني والمكاني بعين الاعتبار قبل إصدار الفتوى، والاضطلاع على عادات المجتمع، وأحوال البلد، وواقع الفرد المعني بالفتوى، كما أنه من الضروري له أن يراعي الجانب النفسي للفرد، والظروف المحيطة بالمجتمع في بعض المشكلات، خاصة الاجتماعية منها كالزواج والطلاق وغيرها .

 

فالإفتاء المباشر فكرة جيدة ولكن الآلية التي تقدم بها، يمكن أن تحولها من علاج فعال لمشكلات المجتمع والأفراد إلى سبب في تعميق هذه المشكلات، ومما يوضح ذلك أن أي عالم مهما كان علمه لا يمكن أن يفتي في كل المسائل و التخصصات، فالله تعالى يقول: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} ، في حين أن المتابع لبرامج الإفتاء عبر الفضائيات، يلاحظ أن من يتصدون للإفتاء لا يتورع أحدهم عن الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه، مهما كان تعقيده وبعده عن اختصاصه.

 

ويمكن إجمال أهم السلبيات المترتبة على الإفتاء المباشر عبر القنوات الفضائية في ما يلي:

 

1.تأثير الصورة :

 

تكمن خطورة الإعلام المرئي في مدى تأثير الصورة على الإنسان، لما يرافقها من مؤثرات صوتية، ومؤثرات مرئية ونفسية لا علاقة لها بالعلم الشرعي ولا بقوة الدليل ومدى استقامة المفتي وأهليته للفتوى. مما يجعل المتلقي( المستفتي) لا يهتم إلا بصورة المفتي وحركاته على حساب صحة وقوة الدليل الذي يستشهد به .

 

2.سيادة روح المتاجرة عند بعض القنوات:

 

حيث تقوم الفضائية باختيار الضيف "المفتي" على مقاسات خاصة، وفقا لما يستجيب لرغبات المشاهدين، أو يمكن أن يجذب انتباههم، دون الاهتمام بعلمه وورعه، وتشفع ذلك بانتقاء الأسئلة التي تريد طرحها عليه، ثم تسلط عليه عامل الزمن إذا خرج عن توجهاتها الإعلامية والتجارية، ينضاف إلى ذلك أن رغبة المفتي في الحصول على مكاسب مادية من القناة يجعله يفتي "حسب الطلب"، دون احترام للتخصص، أو مراعاة لمقتضيات واقع الناس وأحوالهم وظروف مجتمعاتهم.

 

3- إحداث بلبلة وحيرة بين المسلمين: بسبب تعارض بعض الفتاوى في المسائل المتجانسة، وما يؤديه ذلك أحيانًا من الحيرة والشك لدى عامة المسلمين، فقد أصبح الخلاف بين المفتين في برامج إفتاء الفضائيات مصدر تشويش، بل تشكيك عند كثير من الناس لاسيما من العامة؛ لأنهم لا يعرفون مصدر الخلاف بين العلماء، كما أنهم لا يستوعبون ظهور بعض المفتين بصورة مناقضة لوقار العلماء .

4 انتشار فتاوى شاذة تحتاج إلى مراجعة: كما أدى الإفتاء عبر القنوات الفضائية إلى انتشار فتاوى شاذة من شأنها أن تفرق كلمة المسلمين، حبا للظهور ورغبة في التميز على قاعدة "خالف تعرف"، كوجوب مغادرة الشعب الفلسطيني لأرضه المحتلة، وتحريم العمليات الاستشهادية ضد المحتل الصهيوني، وجواز سرقة أموال الدول غير المسلمة.

5عدم بيان الحكم الشرعي في القضايا المسئول عنها: كما أن ضيق زمن البرنامج، وضغط المتصلين، وسيطرة الصحفي المحاور يجعل المفتي يصدر فتاوى تفتقر إلى الدقة ، بسبب:

vافتقار بعض إجابات المفتي إلى المزيد من التوضيح الذي يحتاجه السائل

vالاقتضاب المخل في الفتوى، مما لا يسمح لغير المتخصص بفهم الفتوى

vعدم الدقة في الحكم على درجة الأحاديث

vاختلاف الجواب بين المفتين عن ذات المسألة.

6التأثير على هيبة العلماء واحترامهم بين الناس : لأن بعضهم تحول إلى نجوم لاهثة خلف الشهرة، والسعي لكسب المال؛ مما زعزع ثقة الناس بهم، وأزال هيبتهم من نفوس العامة.

7لجوء العامة من الناس إلى تتبع الرخص : حيث صاروا يقصدون من عرف

 

بالتساهل في الفتوى بحجة طلب التيسير، فيسألونه عما ينزل بهم من نوازل فقهية، وهم لا يبحثون عن الوصول إلى الحق في المسألة، ومعرفة حكم الله فيها، وإنما يبحثون عن ذريعة لفعل ما يريدون فعله.

 

 

 

 

 

 

 

  1. التحايل على أحكام الشريعة الإسلامية

 

أكد العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن الفقهي أن بعض الناس من المتصلين ببرامج الإفتاء المباشرة، تكون لهم أغراض خاصة؛  فيدسون أسئلة ذات طابع غريب في ألفاظها ومعانيها، تعقبها إجابة الضيف؛ فتتلقفها وسائل الإعلام؛ مما يثير قدرا من البلبلة والجدل بين أوساط المهتمين والمحللين، وتمتد تلك السجالات الجدلية إلى المجتمع، فتضعف قناعته بالدين.

 

9ـ عدم مراعاة أحوال كل بلد وظروف كل مجتمع:

 

حيث إن المفتى في السعودية –مثلا – يرد على استفسارات المستفتين المتصلين من أقطار المغرب العربي، كما يقوم بعض الضيوف بالإفتاء في قضايا الأقليات المسلمة في الغرب، مع جهله التام بأوضاع تلك البلدان، وعدم معرفته بأوضاع هذه الجاليات وخصوصياتها، وما يوجهها من صعوبات في حياتها اليومية في ديار الغربة.

 

محاذير الإفتاء المباشر

 

 

 

هناك تداخل كبير بين السلبيات وبين المحاذير، وقد سردنا آنفا سلبيات الإفتاء المباشر، ومن المحاذير التي قد تنتج عن الإفتاء عبر الفضائيات:

 

1.تخلي بعض كبار العلماء الذين يتطلع الناس للاستفادة من علمهم عن المشاركة في هذه البرامج الفضائية للشبه التي تحيط بها.

2.ابتعاد بعض المتصدين للفتوى عن منهج الاعتدال والوسطية المبني على الكتاب والسنة، وسلوكهم أحد طريقين متطرفين: إما التشدد المغالي، وإما التساهل المفرط.، رغبة منهم في الإثارة التي تقوم عليها الصنعة الإعلامية.

3.عدم العناية بذكر دليل الحكم الشرعي ومأخذه، والاكتفاء بمجرد الإباحة أو التحريم، أو ينبغي ولا ينبغي، أو الأولى أو عدم الأولى.

  1. إهمال بيان حكمة التشريع عند الحاجة إليها، وعدم ربط الأحكام بقواعد الشريعة ومقاصدها العامة.
  2. اجتراء من ليس من أهل العلم الشرعي على الطعن في فتاوى العلماء الربانيين، وقرارات المجامع الفقهية، ودور الإفتاء، والهيئات الشرعية، والتشكيك فيها.

6.توسع بعض المفتين في ذكر الخلاف دون بيان الرأي المختار بدليله.

 

 

 

الخلاصة

 

يمكن أن نستخلص مما سبق النقاط التالية التي نرى تقديمها في شكل توصيات

 

 

 

1- أن تقوم كل دولة إسلامية بتأسيس مجمع فقهي، أو مجلس للفتوى، تناط به مهمة اختيار الأكفاء من أهل العلم والورع، والدراية بالواقع، للقيام بواجب الإفتاء، وحصر الفتوى في هذه الهيئة أو من تنتدبه.

2- تنظيم الإفتاء وتقنينه، وهو ما يحتاج إلى وضع آليات متعددة، منها تخصيص المفتي بنوع من المسائل، واشتراط الشورى في الفتوى الجماعية، وتحديد منهج الفتاوى، ووضع ضوابط الفتوى.

3- ضرورة اتفاق المجامع الفقهية في البلدان الإسلامية – تحت رعاية مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي - على إصدار ميثاق لضبط الفتوى حتى يتم منع غير المتأهل من الإفتاء. و إسناد الفتاوى للمتخصصين.

4- اعتماد منهج الإفتاء الجماعي في برامج الإفتاء المباشرة عبر الفضائيات، بحيث يكون الفتوى من اختصاص لجنة تضم تخصصات مختلفة  في الشريعة الإسلامية وفروع العلوم المعاصرة، بحيث يحال السؤال إلى صاحب الاختصاص، فإذا جهل أحد الضيوف الإجابة على سؤال علمه الآخر ، وإن كان يحتاج إلى رأي المتخصص قدم له رأيه قبل فتواه.

5- زيادة مساحة الزمن المخصص للفتاوى المباشرة في الفضائيات بالقدر الكافي للإجابة على الأسئلة المطروحة.

6- أن تلتزم برامج الإفتاء عبر الفضائيات بأصول الشرع وضوابطه

7- إعادة تحرير وبحث موسع للإجابة عن بعض المسائل الشائكة، مثل مسألة ربا البنوك، حيث ما زال هناك اضطراب كبير في حكمها، إلى جانب حكم التأمين، والاستنساخ، الوتحكم في الجينات، وأطفال الأنابيب.

8- دعوة أصحاب القنوات الفضائية الإسلامية، لإقامة ميثاق شرف ينظم التعاون بين القنوات الفضائية الإسلامية ويحقق المقاصد السامية لرسالة الإسلام العالمية، وتوسيع هذا الميثاق ليضم جميع القنوات الفضائية في البلدان العربية والإسلامية لتحقيق التعاون البناء للمحافظة على ثوابت الأمة .

 

9- إنشاء كرسي دراسي في الكليات الشرعية، في الأقطار الإسلامية، يعنى بدراسة الإفتاء .

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات