الإضاءة في مسائل الطهارة (1)

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضائل الطهارة 2/ فضل الوضوء وعظم أجره 3/ واجبات الوضوء ومستحباته 4/ سنن مهجورة في الوضوء 5/ لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.

اقتباس

الوضوء شعار المسلمين ورمز المتقين، وعنوان الأمة النظافة، وجمالها بالطهارة والنزاهة، فالطهارة هي المشروعة الوحيدة للصلوات المكتوبة، فلا يُشرع الوضوء لصيام أو زكاة أو صدقة أو حج أو عمرة أو توحيد وعقيدة.. والوضوء شأنه عظيم وأمره جسيم، وقد شرع بهذه الصفة والهيئة في مواطن متعددة، فشُرع عند الغضب، فالغضب من الشيطان وجمرة تتوقد في النيران، وشرع الوضوء لإخماد الشيطان، وشرع الوضوء عند النوم وهو من السنن المهجورة عند كثير من القوم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع الطهارة وجعلها نزهة ونظافة، وأشهد أن لا إله إلا الله لا يقبل صلاة بغير طهارة وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصف للأمة الوضوء والطهارة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه نقلوا للأمة الوضوء والطهارة والنظافة.

 

أما بعد:

أيها الناس اتقوا رب الناس واستعيذوا من شر الوسواس الخناس وكذا الجنة والناس.

إخوتي في الله: طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن استعد وتجهز وأرصد له عملا يؤنسه وأنجز فبادر الأيام واستعد للقدوم على الملك العلام.

 

أيها المسلمون: حديثنا في خطبتنا عن مسألة فقهية وصفة شرعية، حديثنا عما نمارسه في يومنا مرات وليلنا كرات، صلاحه صلاح للصلاة وإفساده يبطل الصلاة.

 

أظنكم عرفتموه ولحديثه اشتقتموه لا لجهل الكثير ولا لخطأ الكثير فأنتم تعرفونه منذ نعومة أظفاركم، فلماذا إذاً عنه الحديث؟ للتذكير بفضله ومعرفة صفته، فربما وقع الخطأ فيه عن غير مقصود، وربما فعله مرات تضعف إدراكه المعدود.

 

وربما شكا كثير خلل الصلاة، وضعفها وقلة الخشوع فيها، وعدم أداء ثمرتها، نعم هو الخلل أو التقصير بشرطها.

 

الحديث عن الوضوء ذو شعب ومسائل ورتب، لكن حديثنا في هذه الجمعة منحصر في فضل الوضوء وأثره، فهي الحلقة الأولى في فضل الوضوء وأثره، ومن عرف فضله واستحضر نيته عظم أجره وكثر خيره وزاد عمله، واحتسب وضوءه.

 

الصلاة -عباد الله- حدّ الله لها حدًّا ووضع لها قبل الدخول فيها شرطًا فلا تصح صلاة فريضة كانت أو نافلة إلا برفع الحدث كما ثبت في الصحيحين "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، فهو شرطها المجمع عليه؛ إذ لا تصح الصلاة إلا به.

 

وقدمت الطهارة على الصلاة من وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أنها شرط، وحق الشرط أن يتقدم على المشروط.

الوجه الثاني: أنها تخلية وتنقية والقاعدة: التخلية قبل التحلية.

الوجه الثالث: أنها مفتاح الصلاة، والمفتاح يتقدم الباب، ولما كانت هذه الصلاة بهذه المثابة والرعاية والحماية كانت الطهارة وحسنها أعظم سبب مقيم لخشوع ولبها.

 

فبقدر إحسان الوضوء تستقيم الصلاة وتربو، والطهارة جاءت الإشارة بالثناء على المحافظة عليها، والإشادة علامة الإيمان وإرضاء الرحمن، فقد صح عن سيد ولد عدنان "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".

 

الوضوء -أيها الإخوة- من خصائص هذه الأمة وهي التحجيل والغرة تشريفًا وتتويجًا وتطهيرًا وتميزًا، ففي البخاري ومسلم "إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء".

 

أما الوضوء فهو معروف في الأمم السابقة، وقد توضأت سارة وتوضأ جريج، لكن لا يُعلم صفته وهيئته وكميته وكيفيته.

 

المسلمون بالوضوء -يا مسلمون- يوم القيامة يعرفون، وبوضوئهم يفتخرون وعن غيرهم يتميزون، روى مسلم -عليه رحمة الله- قالوا يا رسول الله: "أتعرفنا يومئذ؟" قال: "نعم لكم سيما (علامة) ليست لأحد من الأمم تردون عليّ غرا محجلين من آثار الوضوء".

 

وقالوا حينما قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرّ محجلة بين ظهري خيل بُهْم دهم ألا يعرف خيله؟" قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "فإنهم يأتون غرّا محجلين من أثر الوضوء".

 

فقل لي بربك: فمن لم يصلّ ولا يعرف المسجد هل يُعرَف يوم القيامة؟ وهو لا تحجيل ولا غرة.

 

الوضوء من النظافة والنزاهة والحسن والبهجة، ولهذا انظر إذا توضأت تنظفت وحصل لك خفة واطمأننت، سمي وضوء لأنه ينظف المتوضأ ويجمله، الوضوء عبادة عظيمة ومقدمة للإقبال على الرب وتمجيده فيدخل المصلي صلاته وقد تهيأ وتحسن وتجمل وتطهر ما ظهر وما بطن.

 

ومن المعلوم عند جميع أهل السير أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصلّ صلاة قط إلا بوضوء، وليس قصارى الوضوء رفع الحدث فقط وغسل الأعضاء، بل ينبغي أن يستحضر المسلم نية العبادة والتأسي برسوله ونية ما أودعه الله من الفضل العظيم والأجر الكبير فعلاوة على وجوبه فقد رتب الشارع فضله.

 

وبعض الناس في غفلة عن فضل الوضوء وما فيه من الثواب، فينسى ويتناسى أقرب مكفر لذنوبه، وأعظم رافع لدرجته، وأكبر مطهر لجسمه وقلبه.

 

والتذكر والتذكير بثواب الأعمال سبب للجد في العبادة والرغبة فيها ورجاء الله بما أودعه من فضله وإحسانه وكرمه.

 

وكثير من الناس لا يتذكر فضله وعظيم أجره؛ فثواب الأعمال رفعت العمال بالأجر والأعمال.

 

فبجانب وجوبه وفضله وأنه لا تصح الصلاة إلا به، فهو كذلك من أعظم المكفرات للسيئات ورفعة للدرجات، روى مسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأصحابه: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة".

 

ومن فضل الوضوء أن الله يحب أهله (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، ويشمل الطهارة الحسية والمعنوية، ومنها أنه طهارة باطنا وظاهرا، فقال سبحانه ممتنًا بعد ذكر تطهيره (وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة: 6].

 

ومن فضله أنه نصف الإيمان كما في مسلم "الطهور شطر الإيمان"، ومن حافظ عليه واستحضر ما فيه وطبّق السنة في وضوئه فهذا علامة على إيمانه "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (رواه أحمد وابن ماجه).

 

وفي هذا فائدة قال العراقي: "وفيه استحباب دوام الطهارة وأنه يستحب الوضوء عقب الحدث وإن لم يكن وقت صلاة ولم يرد الصلاة وهو المراد بقوله: "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، فالظاهر أن المراد منه دوام الوضوء لا الوضوء الواجب فقط عند الصلاة" ا هـ.

 

فكن دائما على وضوء في سفرك وفي إقامتك، في قيامك وعند نومك، في بيتك وعملك ووظيفتك.

 

ومن فضائله وجميل أجر ومحاسنه ما رواه مسلم عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال بعد وصفه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفعله: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه".

 

ومنها خروج الخطايا وزوال الرزايا بشرط إحسان الوضوء والنوايا، فعند مسلم عن عثمان مرفوعًا: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره".

 

ومنها أنه علامة أهل الإيمان يوم قيام الأبدان كما روى الشيخان "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل".

 

ومن فضائله أنه سبب لدخول الجنة والتحلي بحليها، فروى مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعًا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة"، وفيه "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

 

ومما يرغّب في المؤمن بفضله ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب".

 

ومن الفضائل وجميع الدلائل ما رواه مسلم عن خير قائل: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".

 

فيا لها من فضائل لمن أحضر نيته ووحد ربه وأطاع ربه في وضوئه، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

 

أيها المسلمون: لما قدم عمرو بن عنبسة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرح عليه أسئلته، ومنها فقلت: يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه فقال "ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرّت خطاياه وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرّغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" (رواه مسلم).

 

فما عليك إلا الاستحضار والإسباغ، ورجاء الثواب الوضوء سمة من سمات الدين وصفة لعباد الله الموحدين وطهارة الدنيا والدين.

 

الوضوء نقاء وطهر ونظافة وستر "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ ؟" قَالُوا : لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ : "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" (متفق عليه).

 

فالوضوء رتب عليه هذه الآثار علاوة على نظافة المسلم وتحليته بالطهارة والسرور، إن ديننا دين الجمال والكمال، دين العظمة والنظافة والجلال "إن الله جميل يحب الجمال".

 

وبالنظافة والطهارة يجتمع المسلم بجوار أخيه في صلاته لا يتضايق من حاله، ولا يشمئز من رائحته، ولهذا شرع الوضوء والاغتسال في الصلوات والمجامع الكبار ليؤدي المسلم عبادة ربه في راحة أبدان وواحة إيمان وسرور وريحان.

 

الوضوء شعار المسلمين ورمز المتقين، فما أجمل المصلين وهم لصلاوتهم يستعدون ويتهيئون! فهذا يغتسل، وآخر يتوضأ، وثالث يتنظف، ما أجمل المصلين يقبلون على صلاوتهم طاهرين طيبين مطيبين!!

 

وعنوان الأمة النظافة، وجمالها بالطهارة والنزاهة، فالطهارة هي المشروعة الوحيدة للصلوات المكتوبة، فلا يُشرع الوضوء لصيام أو زكاة أو صدقة أو حج أو عمرة أو توحيد وعقيدة.

 

الوضوء شأنه عظيم وأمره جسيم، وقد شرع بهذه الصفة والهيئة في مواطن متعددة، فشرع عند الغضب، فالغضب من الشيطان وجمرة تتوقد في النيران، وشرع الوضوء لإخماد الشيطان، وشرع الوضوء عند النوم وهو من السنن المهجورة عند كثير من القوم.

 

وكذا الوضوء لمن عليه جنابة أو احتلام أو حيض أو نفاس، فأراد أن يأكل وعليه حدث أكبر سن له الوضوء كوضوء الصلاة وهذه أيضا سنة مهجورة. فكان عليه الصلاة والسلام إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة، فالوضوء عند النوم لمن كان عليه جنابة ومن كان طاهرًا.

 

ومن مواطنه عند الرغبة في معاودة الوطء "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" وفي الحاكم "فإنه أنشط للعود".

 

ويشرع للعائن أن يتوضأ ليصفى ماء وضوئه على من عانه؛ فهو سبب لعلاجه, ويشرع للصلوات النوافل والمكتوبات ومنه صلاة الجنازة، ويشرع للطواف وقراءة القرآن، بل يسن الوضوء لكل ذكر لله ليذكر الله ويعبده على طهارة.

 

والوضوء للأذان سُنة لأهل الأذان، ومن مواطنه وسننه تجديد الوضوء لكل صلاة، وإن كنت على طهارة، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة. (رواه البخاري).

 

وهذه سنة مهجورة ربما غفل عنها بعض الناس، لكن يُشترط أن تكون فعلت بالوضوء الأول عبادة كصلاة وقراءة.

 

فهذا ما تيسر من الإضاءة في مسائل الطهارة وإلقاء الضوء على مسألة واحدة فضل الوضوء وأثره وللحديث والمسائل بقية في جمع قادمة بإذن الله.

 

فالخلاصة: استحضر نيتك عند وضوئك، وتذكر ثواب ربك وعطاء خالقك، ورفعة درجته وتكفير سيئاتك، وآثار وضوئك في حياتك وتعاملك، وطهارتك في ظاهرك وباطنك فتحلى واذكر المولى فتلك غنيمة كبرى.

 

هذا وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله صلى الله عليه جل في علاه.

إن الصلاة على النبي تجارة *** فاظفر بها تنجو من الدركات

صلِّ عليه بكل يوم واستزد *** حتى تفوز بمثلها عشرات

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.

 

هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه..

 

 

المرفقات

في مسائل الطهارة (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات