الإسلام والليبرالية

عادل العضيب

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ اصطفاء الله للمسلمين 2/ العزة في الانتساب الحقيقي للإسلام 3/ اضمحلال وأفول المناهج الوضعية 4/ بعض مثالب الفكر الليبرالي 5/ عدم التوافق بين الإسلام والليبرالية 6/ تنشئة الأولاد على الإسلام

اقتباس

لقد نظم الإسلام علاقة المخلوق بالخالق، وعلاقة المخلوق بالمخلوق، حفظ الأنفس والأموال والأعراض والعقول، أحل كل طيب، وحرم كل خبيث، اعتنى بالدين والدنيا، بالروح والجسد، بالصغير والكبير، بالرجل والمرأة، بالإنسان والحيوان، بالقوي والضعيف، وسد كل طريق توصل لشر ديني أو دنيوي في منظومة رائعة بديعة من الآداب والأحكام أذهلت وأسكتت كل منصف.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع الشرائع وأحكم الأحكام وبين الحلال وحرم الحرام، المتفرد باختراع الكون وإيجاده، المتصرف في خلقه بمحض مشيئته ومراده، خلق فقدر، وملك فدبر، وشرع فيسر: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124]، أحمده وهو المحمود على جميع أقضيته وتدبيراته، وأشكره على جزيل إحسانه، وعظيم هباته.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أشرق الكون بنور رسالته بعد ظلماته، وانتظم به شمل الإسلام بعد شتاته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين له على دينه ومحبته ومولاته، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج: 78].

 

هل سمعتم -عباد الله- قول الله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الله سمانا: (الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) في الكتب السماوية السابقة، (وَفِي هَذَا) أي في القرآن العظيم سمانا الله: (الْمُسْلِمِينَ)، ورضي لنا الإسلام دينًا، قال ربنا -جل وعلا-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3] فما عاد لنا خيار في اتباع سواه أو الرضا به، فلن يقبل الله من عبد دينًا سواه؛ قال الله: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

 

في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن من قال: "رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، حين يصبح وحين يمسي ثلاثًا أن الله يرضيه".

 

وفي صحيح الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري -رَضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "يا أبا سعيد، من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا؛ وجبت له الجنة".

 

عباد الله: انتسابنا للإسلام انتسابًا حقيقيًا، والتزامنا بتعاليمه سبب عزنا ونصرنا على عدونا، قال الخليفة الراشد عمر -رَضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".

 

فالمسلمون تجمعهم "لا إله إلا الله"، يجمعهم الإسلام على اختلاف لغاتهم وأشكالهم وألوانهم وبلدانهم، فهم أبناء الإسلام؛ كما قال الأول:

 

أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم

 

فالإسلام خير الأديان، وأحسن الأديان، قال ربنا -جل وعلا-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125].

 

الإسلام دين كامل ختم الله به الأديان، وجعله ناسخًا لها، ومهيمنًا عليها، قال الله: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [المائدة: 48].

 

ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه لن يأتوا بمثله أبدًا: (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: 88].

 

لقد نظم الإسلام علاقة المخلوق بالخالق، وعلاقة المخلوق بالمخلوق، حفظ الأنفس والأموال والأعراض والعقول، أحل كل طيب، وحرم كل خبيث، اعتنى بالدين والدنيا، بالروح والجسد، بالصغير والكبير، بالرجل والمرأة، بالإنسان والحيوان، بالقوي والضعيف، وسد كل طريق توصل لشر ديني أو دنيوي في منظومة رائعة بديعة من الآداب والأحكام أذهلت وأسكتت كل منصف.

 

عباد الله: لقد تصدت عقول البشر في القديم والحديث لوضع مناهج للبشر يزعمون أنها خير من الإسلام فماتت تلك المناهج وبقي الإسلام؛ لأنه ليس من صنع البشر؛ لأنه من لدن حكيم خبير، واليوم بعد أن سقطت القومية، وسقطت العلمانية؛ ظهرت الليبرالية تدعو إلى حرية مطلقة لا قيود عليها في جميع مجالات الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، وقدمها أتباعها للمجتمع على أنها سبيل التقدم والرقي وطريق النهوض بالمجتمع؛ لينافس الدول المتقدمة، فاغتر بها بعض ضعاف العقول الذين لم يعرفوا حقيقة الليبرالية، وأنها حرية في كل شيء إلا في اختيار الإسلام إلا في اختيار الفضيلة.

 

الليبرالية تترك لك حرية اختيار الدين، لكن إذا التزمت تعاليم الإسلام كاملةً أصبحت إرهابيًا أو معقدًا متخلفًا.

 

الليبرالية تجعل الإنسان حرًا في ماله يكسبه من أي طريق وينفقه من أي وجه، لكنها تحارب الاقتصاد الإسلامي، وتشوه صورته، وتتهم من يدعو له.

 

في الفكر الليبرالي لك الحق في نقد القضاء الإسلامي، وهيئات الأمر بالمعروف، وحلقات التحفيظ، والمطالبة بمنعها وإلغائها، لكن لو طالبت بمنع الحفلات الغنائية، والأماكن المختلطة، ودور السينما كنت متشددًا ظلاميًا.

 

في الفكر الليبرالي العفن لك الحق في نقد من أطلق لحيته، وقصر ثوبه، بل لك الحق في تشويه صورته، لكن لو طالبت بمنع الألبسة الغربية، أو التي تخالف الآداب العامة، أو تظهر العورة أصبحت متخلفًا تعارض كل جديد.

 

في الفكر الليبرالي لك الحق في المطالبة باختلاط النساء بالرجال في العمل، ومقاعد الدراسة، وغيرها، لكن ليس لك الحق بالمطالبة بفصل الرجال عن النساء.

 

في الفكر الليبرالي مصيبة من المصائب، وكارثة من الكوارث؛ أن يبيع الرجل ملابس المرأة الداخلية، لكن لا إشكال أبدًا أن يولد الرجل المرأة وينظر إلى عورتها المغلظة.

 

في الفكر الليبرالي العفن من حق المرأة أن تنزع الحجاب، وتنشر الشعر، وتظهر الصدر والساقين، بل من حقها أن تخرج عاريةً، وتزني أمام الناس إذا كان برضاها، لكن لو تحجبت حجابًا كاملًا، وغطت وجهها ويديها، وصفت بأقبح الأوصاف وأشنعها.

 

في الفكر الليبرالي عظم أنظمة المخلوق واتبعها ولا تخالفها طرفة عين؛ أما أوامر الله ورسوله ونواهيه فلا إشكال أن تضعها تحت قدميك.

 

وبعبارة موجزة في الفكر الليبرالي: لك الحق أن تنقد أحكام الشريعة الإسلامية حكمًا حكمًا، وأن تتخلى عن الإسلام، لكن ليس من حقك أن تنقد الفكر الليبرالي فإن فعلت فأنت إذًا تعادي التقدم والرقي.

 

فالليبراليون يرون أن رأيهم واجتهادهم خير من حكم الله وأحسن: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].

 

هو الذي خلق وهو الذي حكم وهو أعلم بما يصلح خلقه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فيما معاشر المسلمين: يقول بعضهم: أنا ليبرالي إسلامي أو ليبرالي مسلم.

 

ونقول: لن تجتمع الليبرالية والإسلام إلا إذا اجتمع النور والظلام أو اجتمع الماء والنار؛ لأن الإسلام عبودية والليبرالية حرية؛ لأن الإسلام استسلام والليبرالية انفلات؛ لأن الإسلام عبودية الله، والليبرالية عبودية للنفس؛ لأن الإسلام حياة لله، والليبرالية حياة للشهوات؛ لأن الإسلام استسلام لله وانقياد لشرعه.

 

أما الليبرالية فتجعل الإنسان مستقلًا بذاته، قادرًا على إدراك حاجاته؛ لأن الإسلام يقوي علاقة العبد بربه، ويحرره من التعلق بغير الله، والعبودية له، ويصرف قلبه عن الدنيا، ويعلقه بالآخرة.

 

أما الليبرالية فتعلق العبد بالدنيا وما فيها من شهوات وتصرفه عن الحياة الحقيقية في الدار الآخرة.

 

والإسلام يعلي منزلة الشريعة في النفوس، ويجعل الشريعة حاكمةً على شؤون الحياة كلها.

 

أما الليبرالية فتسعى لإضعاف مكانة الشريعة في النفوس، وهدم منزلتها في القلوب، وتنحيتها عن حياة الناس.

 

عباد الله: ازرعوا في نفوس أولادكم ونسائكم حب الدين، وتعظيم أوامره، وبينوا محاسن الدين وفضائله.

 

علموهم أنه لا عز لنا في الدنيا ولا نجاة في الآخرة إلا بهذا الدين، وأنه كلما ازداد العبد تمسكًا بأحكام الدين كلما ازداد هدايةً وسعادةً وتوفيقًا.

 

وحذروهم من كل فكر يخالف الإسلام، ويزهد فيه، ويريد تقديم سواه، فقد فتن شباب أغرار، ورجال كبار بالحرية الليبرالية، حتى وصل الأمر لكراهية الإسلام، بل ربما خرجوا عن الإسلام في الباطن، وهم يدعون الانتساب إليه في الظاهر؛ لأنهم يرون أن الإسلام قيدهم بقيود، وهكذا تصبح العبودية قيودًا في العقول الليبرالية، نعم يقبلون قيود المخلوق، ولا يقبلون قيود الخالق وأوامره: (أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 59].

 

عباد الله: وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

 

اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم شتت جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خالف بين كلمتهم، اللهم اقتلهم بسلاحهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

 

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا يوم قلَّ الناصر، اللهم كن لهم معينًا يوم قلَّ المعين، اللهم كن لإخواننا في حلب والموصل، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم أمدهم بجند من جندك ونصر من عندك يا قوي يا قادر، اللهم عجل لهم بالفرج يا ذا الفرج.

 

اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك وعنايتك، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين يا قوي يا قادر.

 

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان.

 

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

 

اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واغفر لنا ولوالدينا يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنت القوي ونحن الضعفاء، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، يا رب العالمين، اللهم جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا ضحوكًا يا رب العالمين، اللهم أسق البلاد والعباد، اللهم أسق البلاد والعباد، اللهم أسق البلاد والعباد.

 

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

والليبرالية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات