عناصر الخطبة
1/اتهام المسلمين بالإرهاب والتطرف والرد على ذلك 2/تفوق الإسلام على بقية الأديان بالعدل والإنصاف 3/إنصاف الإسلام للكفار من المسلمين 4/صور ناصعة في عدل المسلمين مع الكفار 5/جرائم ومجازر النصارى في حق المسلمين في الأندلس 6/جرائم ومجازر اليهود في حق الفلسطينييناقتباس
انطلت هذه الشبهة على بعض الغمر من أبنائنا، وجاؤوا يستفهمون عن صحة هذا القول، ويقرنون به ما يبدر عن بعض الجهال ممن ينتسبون لديننا، من أفعال مشينة، وتصرفات التهور والرعونة، من تفجير هنا، وتقتيل هناك، واعتداء هنالك، وما علموا أن الحجة في دين الله قرآنا وسنة، وليس في أفعال الرجال وتصرفاتهم، إذ...
الخطبة الأولى:
لا يزال حديثنا عن وسطية الإسلام متواصلًا، بعد أن وقفنا في جمعتين ماضيتين عند جملة من الشبه، التي حاول أصحابها -من خلالها- أن يطعنوا في هذه الوسطية، كزعمهم: بأن الإسلام يقرر حرية الأديان، ويخير أصحابه بين البقاء على دينهم أو الارتداد عنه إلى دين آخر؛ لأن القرآن يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون: 6].
وادعائهم: أن ارتكاب المعاصي، واجتراح المنكرات، من ضرورات هذا العصر، فلا تثريب فيها، إذِ "الضرورات تبيح المحظورات".
وافترائهم على الإسلام: بأنه أباح المساواة التامة بين الرجال والنساء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما النساء شقائق الرجال".
وختمنا: باتهامهم دين الله بكون عقوباته المترتبة على الجرائم، عقوبات فيها قسوة وغلظة، لا تصلح لزماننا، زمان حقوق الإنسان، وحفظ كرامة الإنسان، وعضدنا تفنيد كل ذلك بالأدلة الشرعية، والعقلية، والواقعية، والإحصائية.
وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع إحدى الشبه الأخرى التي طالما لوحوا بها، ونشروها في الجرائد، والمجلات، والقنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية، ليزعزعوا بها موقف شباب المسلمين من دينهم، وليطفئوا جذوة اعتزازهم بسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: إن دينكم الإسلام دين الإرهاب والتطرف، لا يؤمن بالتعايش، ولا يمشي بين الناس بالتسامح، دين يَغضب أتباعه لأتفه الأسباب، ويَقتلون لمجرد الشبهات، ويخربون -بغير حق- البيوت والمنشآت.
وانطلت هذه الشبهة على بعض الغمر من أبنائنا، وجاؤوا يستفهمون عن صحة هذا القول، ويقرنون به ما يبدر عن بعض الجهال ممن ينتسبون لديننا، من أفعال مشينة، وتصرفات التهور والرعونة، من تفجير هنا، وتقتيل هناك، واعتداء هنالك، وما علموا أن الحجة في دين الله قرآنا وسنة، وليس في أفعال الرجال وتصرفاتهم، إذ "الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال" كما أثر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
إن أعظم دين حث أتباعه على العدل والإنصاف، هو دين الإسلام، وإن أعظم دين نبذ التطرف والغلو هو دين الإسلام، ليس ادعاء، وإنما نصوصًا، وسيرة، وتاريخاً، قال الطحاوي -رحمه الله-: "ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام.. وهو بين الغلو والتقصير".
يقول تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].
قال شيخ الإسلام: "أي: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل، فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد في كل حال".
وقال أبو عبيدة والفراء: "معنى: (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي: لا يُكسِبنكم بغضُ قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الظلم".
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقال بعض السلف: ما عاملتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدلُ به قامت السموات والأرض".
وهذا ليس مع المسلمين وحسب، بل مع من تحب ومن تكره.
تأمل هذه القصة العجيبة، لتعلم حقيقة ما أمرنا به شرعنا من الوسطية في الحكم، والعدل في القضاء، ولو كان الخصم من ألد أعداء المسلمين، وهم اليهود.
أورد أبو حيان في تفسيره عن طُعمَة بن أُبَيرِق: "أنه سرق دِرعًا من جاره قتادة بن النعمان، في جراب دقيق، فجعل الدقيق يسقط من خَرْق فيه، وخبَّأها عند يهودي، فالتُمس الدرعُ عند طُعمة، فلم توجد، وحلف ما أخذها، وما له بها علم، فتركوه، واتبعوا أثر الدقيق، حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها، فقال اليهودي: دَفَعَهَا إليَّ طُعمَة، وشهد له ناس من اليهود، فقال رهطُ طعمةَ من بني ظَفَر: انطلقوا بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنسأله أن يجادل عن صاحبنا، وقالوا: إن لم يفعل هَلَكَ وأفتضَح، وبرئ اليهودي.
فهمَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتماداً على ظاهر الأمر، ولم يكن له عَلِمَ بالواقعة، فنزلت الآية: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 105 - 108].
ولما أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، اعتبر المسلمون ذلك من الغصب، فلما ولي عمر بن عبد العزيز، شكا إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم.
دين ينصف الأعداء من المسلمين، يقال عنه إنه دين التطرف، ودين الترهيب؟
أليس هذا عين الإنصاف الذي عرفه علماء المسلمين بأنه: "استيفاء الحقوق لأربابها، واستخراجها بالأيدي العادلة، والسياسات الفاضلة"، إعمالا لقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) [الممتحنة: 8] "تحسنوا إليهم" (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8] "تعاملوهم بالعدل": (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)"؟.
ألم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعود مرضاهم، ويؤنس حزينهم؟
روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان غلامٌ يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: "أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
قال الحسن: "إذا عزيت الذمي، فقل: لا يصيبك إلا خير".
وكأنها دعوة له بالهداية.
وعزى الأجلح نصرانيا، فقال: "عليك بتقوى الله والصبر".
ألم يعف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اليهودية التي قصدت قتله بإطعامه شاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألها عن ذلك؟ فقالت: "أردت لأقتلك" قال: "ما كان الله ليسلطك على ذاك" فقالوا: "ألا نقتلها؟" قال: "لا"[متفق عليه].
ولما تمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود في خيبر، ماذا فعل؟ هل قتلهم؟ هل أبادهم؟ هل ألقى عليهم قنابل البسفور المحرقة؟ هل دمر مساكنهم، واغتصب نساءهم؟
لقد أعطاهم خيبرَ، وملَّكهم إياها، على أن يَعمَلوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما خرج منها كما ثبت في الصحيحين.
وبعد ذلك كان يدعو لهم بالهداية، وصلاح البال، حتى إذا فطن اليهود لذلك، أخذوا يتَعَاَطسَوُن عنِدْه، يرَجْوُن أنَ يقَوُل لهَمُ: "يرحَمكُمُ الله" فيَقَوُل: "يهديكمُ الله، ويَصُلْحِ باَلكَمُ"[صحيح سنن الترمذي].
كل هذا دفع أحد كبرائهم يدعى "ولديورانت" إلى أن يعترف قائلا: "لقد كان أهل الذمة: المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون، يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام".
ويقولون بعد ذلك: إن الإسلام دين الإرهاب والتطرف!.
وإذا عفوت فقادرا ومقدَّرا *** لا يستهين بعفوك الجهلاء
الخطبة الثانية:
لما تمكن النصارى من رقاب المسلمين في الأندلس، هل عاملوهم بمثل معاملة المسلمين لهم؟ هل استحضروا يوم ذاك حقوق الإنسان، وكرامة الإنسان؟
لقد أحرقوا عشرات الآلاف من كتب الشريعة الإسلامية، وفرضوا على المسلمين ترك دينهم، وحولوا مساجدهم إلى كنائس، وأرغموهم على اعتناق النصرانية، وحرموا عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، والختان، والوقوف تجاه القبلة، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يعذّب أشد العذاب، حتى الذين تنصروا كانوا يحاكَمون لأتفه الأسباب، ويعذبون أشد العذاب، وتصدر في حقهم أحكام تلزمهم بارتداء لباس معين طول حياته، ويلتزم النصارى بسبهم كلما ساروا في الشارع، أو خرجوا من بيوتهم، بل حاكموا حتى الأموات، ونبشوا قبورهم.
أما اليهود، فقد جاوزوا كل الحدود الدينية، والقانونية، والإنسانية، فجعلوا قتل الفلسطينيين لله قربانا، وهتك الأعراض واجبا، وتدمير البيوت افتخارا، والتفنن في التعذيب والتنكيل بهم تسلية، حتى إنهم قتلوا أزيد من 150 ألف فلسطيني في عقود، وهجروا آلافا آخرين، ودمروا آلاف البيوت والمرافق والمنشآت، وحرموا الناس من الماء والكهرباء، ودربوا نساءهم وأطفالهم على قتل الفلسطينيين، ومع كل ذلك، ينسبون لأنفسهم النزاهة، واحترام القوانين الدولية، أما الإسلام عندهم، فهو دين الإرهاب والتطرف.
ملكنا فكان العفو منا سجية *** فلما ملكتم سال بالدم أَبطُح
وحَلَّلتمُ قتل الأسارى وطالما *** عدونا على الأسرى فنعفو ونصفح
وحسبكمُ هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم