الإسلام خاتمة الأديان ... ورمضان خير شهور العام

عبدالله الجهني

2023-03-17 - 1444/08/25 2023-03-17 - 1444/08/25
عناصر الخطبة
1/من فضل الله على المسلمين اختيار دين الإسلام خاتمة الدين 2/كمال وشمولية رسالة الإسلام 3/ضلال من يبتغي غير الإسلام دينا 4/الفرحة بقدوم شهر رمضان ومكانته العظيمة 5/الوصية بالتمسك بآداب وفضائل شهر رمضان

اقتباس

الذي أنزَل آخِرَ النُّظُم السماويَّة، وجعلَها ناسخةً لِمَا قَبلَها من النُّظُم، هو الذي خلَق الكون ويعلم ما كان فيه وما سيكون مِنْ تطوُّرات وتغيُّرات، وما يَستجِدّ من متطلَّبات، فجعَلَه نظامًا يتسع لجميع الاحتمالات في إطار العدل، وفي ظل التقوى وخشية الله -عز وجل-...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلن تجد له ولِيًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المنزَّه عن الصاحبة والوَلَد، لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله -تعالى- عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسَلين، الذين أرسَلَهم اللهُ إلى الناس مبشِّرينَ ومُنذِرينَ، فدَعَوْهُم إلى توحيد الله -عز وجل-، وإخلاص العبادة له، وبصَّرُوهم لاجتنابِ مزالقِ الشركِ والاعتقاداتِ الباطلةِ المهلِكةِ، وجادَلُوهم بالحسنى، فكانوا هم حُجَّةَ اللهِ على خَلقِه.

 

أما بعد: فاتقوا الله يا معشر المسلمين، وَاقْبَلُوا نصحَ الناصحينَ، وعظةَ الواعظينَ، واعلموا أن هذا العِلْم دِين، فانظروا ما تصنعون، وعمَّن تأخذون، وبمن تقتدون، ومَنْ على دينكم تأمنون، فاتقوا الله حق تقواه، فإن في تقواه كل خير جزيل، واحذروا أَخذَه وعِقابَه، فإنه أليم وبيل، وسارِعوا إلى مغفرته ورضاه، فقد خلَقَكم لأمر عظيم، وهيَّأكم لشأن جسيم؛ خلَقَكم لمعرفته وعبادته، وأمَرَكم بتوحيده وطاعته، وجعَل لكم ميعادًا تجتمعون فيه للحُكم فيكم، وفَصْل القضاء بينَكم، فخاب وشَقِيَ عبدٌ أخرَجَه الله من رحمته التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، ومن جَنَّةٍ عَرضُها السماواتُ والأرضُ، وإنَّما يكون الأمان غدًا لمن خاف واتقى، وباع قليلًا بكثير، وفانيًا بباقٍ، وشقوةٍ بسعادةٍ، واعلموا أنَّ مِنْ أعظمِ المطالبِ لِراحةِ القلبِ وسرورِه، وزوالِ همومِه وغمومِه، وبه تَحصُل الحياةُ الطيبةُ ويتمُّ السرورُ والابتهاجُ هو الإيمان بالله، والعمل الصالح، والإحسان إلى الخَلْق قولًا وفعلًا، وبكل ما هو معروف.

 

أيها الناسُ: إنَّ في اختيار الخالق -تبارك وتعالى- دينَ الإسلام شرعةً ومنهجًا للمؤمنين لَهُوَ دليلٌ على عنايته -تعالى- بهم، ومحبته لهم، ورضائه عنهم، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ)[الْمَائِدَةِ: 3]، وهذه الآيةُ الكريمةُ مِنْ آخِر ما نَزَلَ من القرآن الكريم، تكلَّم الربُّ -سبحانه وتعالى- عن نفسه، وأَخبَر أنَّه أكملُ لأُمَّة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- دينَهم، وأنَّه أتمَّ عليهم نعمتَه، وأنَّه رَضِيَ لهم الإسلامَ دينًا، فأكمل اللهُ بها الدينَ، وأتمَّ بها النعمةَ، وأَيِسَ الذين كفروا مِنْ أن ينالوا من دين الإسلام، أو أن يُنقِصُوه أو أن يُحرِّفوه؛ فقد كتَب اللهُ له الكمالَ، وسجَّل له البقاءَ، وتكفَّل اللهُ بحفظه وحمايته؛ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9].

 

وقد بيَّن اللهُ -تعالى- في محكم التنزيل أن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- كاملةٌ شاملةٌ، هي خاتمةُ الرسالاتِ السماويةِ، أرسَل بها رسولًا طهَّرَه واصطفاه وقرَّبَه وأَدنَاه، فأرسَلَه إلى جميع الثقلينِ الجنِّ والإنسِ، بشيرًا ونذيرًا، ورحمةً للعالمينَ وسراجًا منيرًا، وأنزَل عليه كتابًا مصدِّقًا لِمَا بينَ يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، أنزَل عليه وَحيًا يُخاطب العقولَ والفطرةَ، ويتناول جميعَ نواحي الحياة، حياة الفرد والأسرة، وحياة المجتمع والدولة، فقد نظَّم صلةَ الإنسان بخالقه، وصلةَ المسلم بأخيه المسلم، وصلةَ المسلم بغيره، حتى صِلتَه بالحيوان، وجميع أفراد العالَم الصامت والناطق، وعالَج جميعَ المشكلات، ورسَم جميعَ النُّظُم في كل الأمور صغيرِها وكبيرِها، حتى حاجة الإنسان كيف يَقضِيها، فالذي أنزَل آخِرَ النُّظُم السماويَّة، وجعلَها ناسخةً لِمَا قَبلَها من النُّظُم، هو الذي خلَق الكون ويعلم ما كان فيه وما سيكون مِنْ تطوُّرات وتغيُّرات، وما يَستجِدّ من متطلَّبات، فجعَلَه نظامًا يتسع لجميع الاحتمالات في إطار العدل، وفي ظل التقوى وخشية الله -عز وجل-؛ فلا يجوز لمسلم أن يتصوَّر أن هذا الدينَ غيرُ شاملٍ، أو أنَّه يحتاج إلى تكملة أو زيادة أو نقصان أو تنسيق أو تطوير، فإن هذا تصوُّر خاطئ يُخالِف حقيقةَ الإسلام؛ فواجبُ الأمةِ المسلمةِ أن تَبذُلَ جهدَها لشُكر المنعِم عليها، وأَنْ تقومَ بكل قدراتها بحقوق ربِّها، وأن تُدرِكَ مدى هذا الاختيار وهذا الرضا، فتتمسَّكَ بدينها الذي رَضِيَهُ لها ربُّها بكل عزائمها، وأن تَعَضَّ عليه بنواجذها.

 

إن الإسلام -عبادَ اللهِ- هو دينُ اللهِ الذي لا يَقبَل دينًا سواه، فقد أودَع اللهُ -عز وجل- فيه كمالَ وسعادةَ كلِّ عبد يَدِين به لله رب العالمين، فيعبُدُ اللهَ وحدَه بما حواه من عقيدة التوحيد الراسخة، ومن عباداتٍ وأحكامٍ وآدابٍ وأخلاقٍ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85]، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واهدنا الصراط المستقيم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولجميع المسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله مدبِّر الليالي والأيام، ومُصرِّف الشهور والأعوام، المتفرِّد بالكمال والتمام، الملك القدُّوس السلام، أحمده حمدًا يبقى على الدوام، وأُقِرّ بوحدانيته، وأتبرأ من الشرك وعبادة الأوثان والأصنام، وأشهد ألَّا إلهَ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي كان يَخُصُّ رمضانَ بما لم يَخُصَّ به غيره من صلاة وتلاوة وصدقة وبر وإحسان، اللهم صل عليه، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، الذين آثَرُوا رضا الله -عز وجل- على شهوات نفوسهم، فخرجوا من الدنيا مأجورين، وعلى سعيهم مشكورين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واعلموا أنَّه لم يبقَ إلا أيامٌ قلائلُ، ونستقبل موسمًا من مواسم الخير، ومَيدانًا يتسابق فيه المتسابقون؛ إنَّه ضيفٌ عزيزٌ، ووافدٌ كريمٌ، تتشوَّف القلوبُ إلى مجيئه، وتتطلَّع النفوسُ إلى قُدُومِه، هو شهرُ رمضانَ، شهرُ الصيامِ والقيام والقرآن، والعتق من النيران، شهر البِرّ والجود والإحسان، وكلّ أنواع الطاعات والقُرُبات، يتباشر المؤمنون بقدومه، ويُهنِّئ بعضُهم بعضًا ببلوغه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أوَّلُ لَيلةٍ من رَمَضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ، ومَرَدةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النَّارِ، فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِحَتْ أبوابُ الجِنانِ، فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ونادى مُنادٍ: يا باغِيَ الخَيرِ أَقْبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ منَ النَّارِ"(رواه الترمذي).

 

وقد كان السلف الصالح -رحمهم الله- يسألون الله ستةَ أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلَّغَهم إيَّاه سألوه ستةَ أشهرٍ أخرى أن يتقبَّل منهم، وسئل عبدُ اللهِ بنُ مسعود الصحابي الجليل -رضي الله عنه-، كيف كنتُم تستقبلون رمضانَ؟ فأجاب: "ما كان أحدُنا يَجرُؤ على استقبال الهلال وبقلبه مثقالُ ذرةِ حقدٍ على أخيه المسلم"، فاسألوا الله -تعالى- أن يُبلِّغَكم شهرَ صومكم، واغتنِمُوا نعمةَ الصحة والقدرة على العمل، فكم مِنْ مسلمٍ طموح إلى الخير تمنَّى أن يصوم شهر رمضان ليجتهد فيه بأنواع العبادات، فأدركه الأجل قبل ذلك، وكم من مسلم يتمنى أن يصوم رمضان ويقوم ليله فلا يستطيع لمرض يمنعه، وكم من إنسان استحوذ عليه الشيطان، فهو في الأرض حيران، وكم من مسلم تفيض عينه من الدمع حزنًا ألَّا يستطيع الوصول إلى بيت الله، وكم من امرئ استحوذت عليه شهواتُه، وجعلَتْه في غفلة ونسيان، يقول: إنَّه مسلمٌ ولا يؤدِّي شعائرَ الإسلام، فاشكروا نعمةَ اللهِ -تبارك وتعالى- عليكم، واجتهِدوا في طاعته وطاعة رسوله، واشكروا الله على نعمة الأمن والاستقرار، تؤدُّون شعائرَ دِينِكم في بيوت الله بعزٍّ وافتخارٍ، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن غناكم لفقركم، ومن شبابِكم لهَرَمِكم، ومن حياتكم لموتكم، ومن فراغكم لشغلكم.

 

وأوصيكم بالتمسُّك بآداب هذا الشهر واحترامه، وأداءِ حقِّه والتعرضِ لرحمةِ اللهِ -عز وجل- وإحسانه؛ فإن هذا الشهرَ فرصةٌ لا تُعوَّض، فقد لا يُدرِك المرءُ شهرًا مثلَه، نسأل اللهَ أن يُوفِّقنا لبلوغ هذا الشهر، وأن يُوفِّقَنا لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، وأَنْ يجعَلَنا من عتقائه من النار، والفائزين برحمة الله ورضوانه، وأن يتقبَّل منا ومن جميع المسلمين.

 

اللهم إنك قد افترض علينا ما افترضت، فأعنا يا الله على فرض ما فرضت، وأكثروا من الصلاة والتسليم على نبينا الكريم، فقد أمركم بذلك في كتابه الكريم، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقْه لهُداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهم اسقِنا وأغِثْنا، اللهم إنا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

 

المرفقات

الإسلام خاتمة الأديان ... ورمضان خير شهور العام.doc

الإسلام خاتمة الأديان ... ورمضان خير شهور العام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات