الإسراف بين طرفي نقيض.. بذخ وتقتير وكلاهما محرم

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11

اقتباس

الإسراف بين طرفي نقيض.. بذخ وتقتير وكلاهما محرم

 

 

د. زيد بن محمد الرماني

 

حب المظهر من صوره والمرأة أكثر من الرجل

الإسراف بين طرفي نقيض.. بذخ وتقتير وكلاهما محرم

 

اعتادت بعض النساء على ممارسة بعض العادات الخاطئة التي لها آثارها السلبية في المجتمع ومن هذه الممارسات العادة المتجددة في أسلوها والموسومة بأسماء متعددة إنما يجمعها الاسم العام الإسراف، ولكن يوجد لها صور مختلفة، فمن الإسراف في الطعام إلى الإسراف في الملبس وغير ذلك من الصور التي يزخر بها المجتمع، ويمثل حب المظهر والحرص عليه أحد صور الإسراف، وتبقى المرأة في هذا الجانب أكثر إسراف من الرجل.

 

ويبين سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للسعودية الذي حث المسلمين في كل مكان على اجتناب الإسراف خصوصاً في الطعام والشراب.

 

وقال إن الله جل وعلا أباح الأكل والشرب والتمتع بالطيبات ولكن أرشدنا سبحانه وتعالى إلى الطريق السليم الواجب أن نسلكه بقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].

 

فعلى المسلم أن يلزم الطريق المستقيم وأن يأتي بالطيبات من غير إسراف أو مجاوزة للحد، وأما أن نتخذ ذلك غاية ونحرص عليها ولا سيما أن ذلك يكثر في شهر رمضان مثلاً الذي تجعل فيه الموائد بشكل معين ويكون لها ميزة عنها في سواه من الأشهر وهذا مخالف للسنة وينبغي للمسلم أن يتمتع بالطيبات على أن يبتعد عن الإسراف ويستفيد من التوجيه الرباني بالابتعاد عنه وتجنبه.

 

النظرة الشرعية للإسراف:

 

وفي هذا الصدد يؤكد الشيخ الدكتور إبراهيم الخضيري القاضي في محكمة التمييز في الرياض أن النظرة الشرعية للإسراف محددة بمنهج رباني حكيم تجلى في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشُّورى: 27].

 

فيستخلص من هذا أن الإسراف بين طرفي نقيض إسراف وبذخ وهو محرم وتقتير وشح وهو إسراف في القبض وهو محرم أيضاً.

 

وهذا الدين وسط وخير الأمور أوسطها فعلى المؤمن والمؤمنة أن يكونا بعيدين كل البعد عن الإسراف وعن التقتير أيضاً وتبقى المرأة أكثر وقوعا في ظاهرة الإسراف ويجب عليها التنبه لذلك.

 

والوسطية دائماً مطلوبة في حياتنا لأننا أمة وسطية، والنهي عن الإسراف جاء في كل شيء حتى في العبادة يقول، صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يمل حتى تملوا فإذا نعس أحدكم في الصلاة – أي: صلاة الليل فلينم -))، ومقتضاه أنه لا يرهق نفسه في العبادة مصداقاً لقصة أبي ذر وسلمان رضي الله عنهما التي قال فيها سلمان: ((إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا، فأعطي كل ذي حق حقه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان)) [متفق عليه].

 

وأكد الخضيري أن للإسراف أثاراً طبية وقبلها آثاراً دينية واقتصادية واجتماعية، أما آثاره الدينية فمعصية الله سبحانه وتعالى بارتكاب الإسراف الذي نهى عنه جل وعلا، وأما الآثار الصحية فإن من يسرف في الأكل والشرب، كما عمت البلوى في أيامنا هذه، حيث إن المسرف والمسرفة في الطعام مهددان بأمراض ربما تكون خطيرة منها السمنة وأمور لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وأما الآثار الاقتصادية فهي في عدة صور:

 

الصورة الأولى: إهدار أموال كثيرة وذلك بإتلاف أطعمة طيبة وحرمانها مستحقيها.

 

والصورة الثانية: إغاظة الفقراء وذلك أن الغني يأكل ما لذ وطاب بإسراف وينظر لنفسه على أنه في مكانة عالية بعيداً عن رقابة النفس، والله سبحانه وتعالى حسيب على عباده وكفى بالله حسيبا، ومعلوم أن الفقير قد يغتاظ عندما يجد من ذلك الغني الجفوة وعدم الاهتمام به ويراه يتلذذ بكل الأصناف ويهمله ثم يقوم الغني برمي كثير من فضلات الطعام في أماكن النفايات مهدراً ما يمكن صرفه للجمعيات الخيرية لو كان عنده شعور بحب الفقراء والبعد عن الإسراف.

 

والصورة الثالثة: تتجلى أيضاً في شكوى كلا الفريقين من البطنة فالمسرف يتلوى ألماً وانتفاخاً، والفقير يتلوى ألماً ويتضور جوعاً، ولذلك فإن البعد عن الإسراف يكون بمعالجة الظاهرة من أصلها وينبغي أن يفرق الناس بين الإسراف والكرم فالكرم محمود وكان أكرم الكرماء محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح: "أنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان"، فإنفاق المال الكثير ووضع الأطعمة الفاخرة المتنوعة بكثرة وتوزيعها على الفقراء والمساكين في غاية الكرم وليس من الإسراف في شيء.

 

وقمة الإسراف أن تدعو رجالاً قلة لتصنع لهم طعاماً يكفي لأضعافهم بالمئات ولذلك فإن أعداد الموائد بدقة وعناية وبموائد فاخرة وإدخالها للفقراء والمساكين هو من الأعمال الصالحة إذا كانت بقدر حاجته لأن ذلك يغنيهم مسألة الناس ويكفيهم ما يحتاجون إليه.

 

العادات والتقاليد:

 

ويرى الدكتور زيد الرماني عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام، أن الإسراف والتبذير من العادات والتقاليد الاجتماعية الماثلة بيننا مثل الإسراف في الولائم والأفراح والمهور، بسبب التباهي والافتخار والاغترار بالمكانة الاجتماعية، كما يرجع ذلك إلى الجهل بأضرار الإسراف والتبذير، وكذا التنشئة الأسرية. ويشير الرماني إلى أن تغيرات الأزياء والنماذج المتعددة، إنما هي إلا تقلبات مفتعلة لحمل المستهلك على الشراء والمزيد منه، يفعلون ذلك تحت تأثير الحملات الإعلانية، وتبدو هذه الظاهرة بوضوح في أزياء النساء، ولا شك أن الآثار خطيرة خاصة على ميزانية الأسرة واستقرار الحياة الزوجية وانتشار الثقافة الاستهلاكية، وشيوع العقلية المتزنة وتفشي أساليب البذخ والمباهاة.

 

ويقول الدكتور الرماني إنه مما لا شك فيه أن المبذرين المسرفين يُدرجون ضمن قائمة الفريق المتهاون المتلاف.

 

وهناك تساؤل يطرح نفسه لماذا صار الشغل الشاغل للغالبية العظمى من نسائنا وفتياتنا هو الثياب والمجوهرات والسهرات والحفلات؟

 

ولماذا كل هذا الإصرار من الزوجة على إقامة حفل زفاف كبير لأولادها بكل سوابقه وتوابعه، غير مبالية بالتكاليف؟

 

ولماذا تصّر على أن يكون هذا الحفل هو حديث المجتمع والناس، ولماذا تتفنن في التجديد والابتكار في هذه الحفلات؟

 

ولماذا لا تبالي العروس بتكاليف حفل زفافها المقام في أفخر الفنادق وأفخم الصالات، ولا تأبه بتكاليف فستان زفافها المصمّم لها خصيصًا في روما أو باريس أو لندن، بمبلغ يكفي لتأثيث بيت متكامل؟

 

ولماذا تحرص على أن تكون علب حلوى قرانها من أفخم الأنواع؟

 

المسؤولية تقع على مَنْ؟!

 

لقد أجمع مَنْ كتب في هذا الموضوع على أن المرأة وحدها هي المسؤولة عن كل ذلك الإسراف وهذا التبذير، وأن الرجل غير راضٍ عن ذلك كله، ولكنه عجز عن منعه!!

 

 وسائل معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير:

 

ومن جهتها تقول الأخت سلوى الحمد: ينبغي على المرأة عندما تشعر أن حافز الإنفاق يدفعها إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوّق والشراء أن تتعامل مع ذلك باتباع الخطوات التالية:

 

♦ أن تتمهل قليلاً قبل أن تخرج نقودها لتسأل نفسها إن كان هذا الشعور حقيقيًا أم انفعاليًا.

 

♦ أن تحرص على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا والإنفاق المفرط.

 

♦ أن تسأل نفسها قبل الشراء إذا كان يمكنها شراء ما هو أفضل من هذا الشيء إذا أتيحت فرصة أفضل في السعر.

 

♦ أن تحدد جوانب النقص العاطفي عندها لمعرفة إن كان هذا الشراء المفرط يعوِّض هذا النقص.

 

♦ أن تسأل نفسها عن الحاجة الضرورية للشراء هذا اليوم.

 

 

 

وفي السياق ذاته أوضحت هدى العلي أن المرأة بطبيعتها ميالة لكل جديد ولهذا فإن ممارستها للإسراف والتبذير يأتي بدعوى المباهاة ويحدث دون وعي ولا مسؤولية لذا فإنه مع التوجيه والنصح قد يتبدل الأمر إلى الأحسن وتسير الأمور من أحسن إلى أحسن.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات