عناصر الخطبة
1/ أسرار ودلائل فرضية الصلاة في السماء دون بقية الفرائض 2/ بعض مقاصد الصلاة وأهدافهااقتباس
لماذا فرَض الله الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج وبذلك المقام؟ ولماذا لم تُفرض كباقي الفرائض؟ لعظمة هذه العبادة وأهميتها، وعظيم منزلتها، وسمو مكانتها في الإسلام، فهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد التوحيد. الصلاة هي منطلق التحرر من كل عبودية، إلا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله اللطيف الكريم، الرؤوف الرحيم، الذي جنبنا سبل الغواية وهدانا للإسلام، فضلاً منه ونعمة والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه واجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم لقياه.
أما بعدُ:
معاشرَ عُمَّار بيت الله: ما زال الحديث متواصلاً، وما زلنا نعيش في رحاب حدث "الإسراء والمعراج .. دروس وعبر ودلالات"، ومع الدرس الأخير من هذه السلسلة.
وإنَّ من أجل دروس هذا الحدث: أن الله -جل جلاله- أكرم النبي الحبيب محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالعروج إليه في أعلى المقامات، ليَنال أعلى درجات القربات، حيث فرض الله عليه وعلى أمته الصلاةَ وحيا مباشرا بغير واسطة.
فسبحان الذي أكرم نبيه -صلى الله عليه وسلم- بهذا الشرف وهذا التكريم؛ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في حديثه عن الإسراء والمعراج، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ:رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي".
لو تساءلنا -معاشر العباد- لماذا فرَض الله الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج وبذلك المقام؟ ولماذا لم تُفرض كباقي الفرائض؟
لو تساءلنا، لكانت الإجابة الواضحة: لعظمة هذه العبادة وأهميتها، وعظيم منزلتها وسمو مكانتها في الإسلام، فهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد التوحيد.
الصلاة هي منطلق التحرر من كل عبودية، إلا من العبودية لله وحده، والتخلص من كل انقياد وخضوع، إلا لرب العالمين.
فهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة؛ ففي صحيح الترمذي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِه العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صَلحت فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدت فقد خابَ وخسِر".
ولأهميتها في الإسلام فقد جاء الأمر بإقامتها والمحافظة والمداومة عليها في كثير من سور القرآن، وكذا في السنة النبوية، قال ربنا: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238]، وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43].
وروى أحمد في مسنده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذَكر الصَّلاةَ يوما، فَقال: "مَن حافَظَ علَيها كانَت له نورًا وبُرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ، ومَن لم يُحافِظ علَيها، لم يكُن له نورٌ ولا بُرهانٌ ولا نَجاةٌ، وكان يومَ القيامةِ معَ قارونَ وفِرعونَ وهامانَ وأبيِّ بنِ خلَفٍ".
وكتب عمر بن الخطاب إلى عُماله فقال: "إن أَهَمَّ أمرِكم عندي الصلاة، فمن حَفِظَها وحافظ عليها حفِظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع".
والمحافظةُ على الصلاة: المواظبة والمداومة عليها بطهارتها ومواقيتها وحدودها وإقامتها، وإتمام أركانها بالطمأنينة والخشوع.
وتأملوا وتمعنوا -يرحمكم الله- فالحديث عن الصلاة فى القرآن جاء مقترنا بصفات ألفاظها مختلفة؛ فمرة قُرنت بالخشوع: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 2]، ومرة بالمحافظة: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9]، ومرة بالدوام: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج: 23]، ومرة بالإقامة: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) [المائدة: 55].
وهذا الاختلاف في الألفاظ في حد ذاته رسالة موجهة إلى عموم المصلين رجالا ونساءً، أن الله لا يريد مجرد صلاة وإلا لقال: صلوا، ولو قال الله: صلوا لأجزأت أي صلاة.
فالذي يجب أن نفهمه أنه لا يكفي مجرد الصلاة، بل لا بد من الإقامة: (أَقِمِ الصَّلَاةَ) [الإسراء: 78] أي إقامة الصلاة بحدودها وفرائضها وأوقاتها، وأنه لا يكفي مجرد الإقامة، بل لا بد من الدوام عليها، وأنه لا يكفي مجرد الدوام، بل لا بد من المحافظة عليها، وأنه لا تكفي المحافظة، بل لا بد من الخشوع فيها، وأنه لا يكفي الخشوع، بل لا بد من ظهور آثار الخشوع فى الحياة العملية.
فالصلاة عند التأمل ليست تلك التي تنحصر في أشكال وأفعال ظاهرية إذا أتقنها المرء صلحت صلاته؛ إنما المَقْصِدُ الأصلي في الصلاة ومن الصلاة هو التوجه إلى الواحد المعبود، وإفرادُه بالقصد إليه في كل حال.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
إن المتأمل في طبيعة الصلاة وأهدافها وخصائصها ووظائفها ومقاصدها الفردية والاجتماعية، سيجد أن لها تأثيرا عميقا في علاقة المسلم بمحيطه الاجتماعي والكوني العام.
فمن مقاصد الصلاة: أنها تعمل على تغيير هذه العلاقة والسير بها في اتجاه الانسجام والتوازن والإصلاح والخير، الذي ينشده الإسلام في حياة الإنسان بصفة عامة؛ فحينما يقول ربنا -سبحانه وتعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]، فإن هذا التوجيه الإلهي يؤكد على الوظائف الفردية والاجتماعية الخاصة للصلاة، وهذا يعني أن للصلاة دورا مهما في تربية الفرد والمجتمع، وتنمية الحس الإصلاحي والخيري لدى المسلم، وتشكيل ثقافة النهي عن الفحشاء والمنكر.
فالمتأمل لهذه الآية: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]، يجدها تحمل في طياتها الكثير من لطائف المعاني.
فمن أقام الصلاة إقامة صحيحة مكتملة الأركان، ومستوفية الشروط، بخشوعها وطمأنينتها، صلاة يراقب بها اللهَ -تعالى-، ويستشعر فيها مراقبتَه سبحانه، وأنه واقف بين يديه، صلاة كهذه ستنهاه عن كل فحشاء ومنكر، صلاة كهذه تجعله يكف لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وعن شهادة الزور وقول الفواحش، تجعل لسانه عفيفا لا يقول إلا طيبا، تجعل قلبه سليما طاهرا نقيا لا يحمل بين جنباته بغضا ولا كراهية ولا حقدا ولا حسدا، تجعله يحب كل المسلمين ويحب لهم ما يحب لنفسه ولا يرجو لهم إلا الخير؛ فهذا قد نفعته صلاته وانتفع بها.
ولكننا للأسف نرى الرجل يصلي باستمرار، يصلي الصلوات الخمس في الجماعة، وقد نجده يحافظ على الصف الأول ولا تفوته تكبيرة الإحرام، لكنه إذا خرج من صلاته وخرج من المسجد، فعل المنكرات، وقارف السيئات، وعامل المسلمين بالغش والكذب والاحتيال، عاملهم بالظلم والجور.
تجده يصلي وهو مشهور ببيع المحرمات من المطعومات والمشروبات.
تجده يصلي وهو يأكل ويتعامل بالربا.
تراه يطيل صلاته ويُكثر الركوع والسجود ويصوم النهار ويقوم الليل ويمكث الساعات الطوال بتلاوة القرآن، لكن قلبَه مملوءٌ غلا وحسدا وضغينة وكراهية لغيره، لسانه لا يفتر عن الغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية بغيره، يسعى في تأجيج الفتن وإنشاء الخلافات، لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، إلا بإحداث المشاكل والخصومات بين الناس.
إذا رأيت ذلك فاعلم أن هذا في صلاته خلل، وأنه لم ينتفع بها وأنها لم تنفعه، بل اهمس في أذنه أن رجلا قال: "يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: "هي في النار" فما نفعها كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها؛ لأنها تؤذي غيرها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم