عناصر الخطبة
1/ منزلة الإحسان 2/ أثره 3/ مجالاته 4/ وقفة مع ظلم العمال الوافديناقتباس
والإحسان -عباد الله- له أثره الكبير في المجتمع؛ فإنه يؤدي إلى التآلف والمحبة، ويذهب الحقد والكره والبغض من القلوب، ويجلب الأمن والاستقرار الحسي والمعنوي؛ لأن الناس إذا أُحسن إليهم تركوا الإساءة -في الغالب- لمن ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كتب الإحسان على كل شيء، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، كما أمركم بذلك في كتابه فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: لقد أمر الله -عز وجل- عباده بالإحسان، وأخبر بأنه يحب المحسنين، فقال -تعالى-: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195].
فالإحسان محبوب إلى الله، والله يحب المحسنين، وأمر عباده به؛ فصفة هذا شأنها وهذا قدرها جديرة بالعناية، وحقيق بكل مسلم أن يتصف بها؛ لأنها صفة أمر الله بالاتصاف بها؛ ففي ذلك طاعة الله -عز وجل-، وطاعته سبب للفوز بدار كرامته، ولأنها صفة محبوبة إلى الله، والمسلم الحق هو الذي يقدم محبوبات الله على محبوبات نفسه، ولو كان فيما قدمه مشقة وعناء، ولأن الله يحب المحسنين، ومَن الذي لا يرضى لنفسه أن يكون من أهل محبة الله -عز وجل-؟.
والإحسان -عباد الله- له أثره الكبير في المجتمع؛ فإنه يؤدي إلى التآلف والمحبة، ويذهب الحقد والكره والبغض من القلوب، ويجلب الأمن والاستقرار الحسي والمعنوي؛ لأن الناس إذا أُحسن إليهم تركوا الإساءة -في الغالب- لمن أحسن إليهم، وقد قال أحدهم:
أحسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
ومن قام بالإحسان يشعر براحة القلب وسعادته.
والإحسان يكون بالمال وبالجاه وبالشفاعات وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعلم العلم النافع، وقضاء حوائج الناس وإرشاد ضالهم وتفريج كرباتهم وإزالة شدائدهم، وإعانة عاملهم، والعمل لمن لا يحسن العمل منهم وإعطائهم حقوقهم ومراعاة حق الله فيهم، وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم.
كما أنه يشمل الإحسان إلى الدواب التي لم نؤمر بقتلها، أو كانت مؤذية بطبعها؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في هذه البهائم لأجرأ؟! فقال: "في كل كبد رطبة أجر". وفي حديث آخر أن امرأة بغياً "رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها".
فإذا كان الإحسان لمثل هذه الحيوانات فيه هذا الأجر؛ فما ظنكم بالإحسان إلى الإنسان المسلم؟ لا شك أن الإحسان إليه أعظم أجراً.
وهنا نذكر الذين يسيئون إلى العمال المسلمين ولا يحسنون إليهم فيهضمون حقوقهم، ويكلفونهم من الأعمال ما لا يطيقون، ويخالفون العقود التي بينهم، ويماطلون في رواتبهم، وربما حصل عليهم منهم أذى بالقول والفعل، فيظهرون الإسلام بمظهر سيء، ويصورونه بصورة قبيحة، نذكرهم بهذا الخلق العظيم؛ لأن عملهم هذا ليس من أخلاق المسلمين؛ فأخلاقهم الرحمة والإحسان، والعطف والحنان.
إن من يقوم بالإساءة إلى العمال المسلمين الذين تحت كفالته، قد وقع في الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وخيمة، وقيامه بذلك دليل على قسوة قلبه، وما جاءت هذه القسوة إلا بسبب بعده عن الله، وجهله بشريعة الله، وحبه للدنيا، وطمعه فيها، واستغلاله الضعف الذي يعيشه.
العمال قادمون من أوطانهم إلى هذه البلاد لكسب الرزق وطلب العيش، قد يقول: إنني ما فعلت ذلك معهم إلا لأنهم أساؤوا في العمل وقصروا فيه، فنقول له: لا يحملك هذا على الإساءة إليهم وإيذائهم بالقول والفعل، بل اطرق الأساليب الشرعية من النصح والتوجيه والتهديد أحياناً بالرفع إلى المسؤولين، وما أشبه ذلك، علماً بأن العامل إذا رأى من كفيله إحساناً إليه ورحمة به، ووفاء بحقوقه، وعدم مماطلة بها فإنه -في الغالب- يحسن العمل ويتأدب مع صاحب العمل ويكون أميناً قوياً، لكن المشكلة هي فينا -عباد الله- وفي معاملتنا معهم، فإذا كان الحيوان يحب من أحسن إليه ويفرق لفقده، فالإنسان من باب أولى!.
ذكر الذهبي -رحمه الله- في السير أنه أهدي للشيخ أبي القاسم القشيري فرس فركبه نحواً من عشرين سنة، فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئاً ومات بعد أسبوع!.
وقد ثبت في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء!. وقد قال الله -تعالى-: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159].
فينبغي لنا -عباد الله- أن نتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة حتى نكسب الود ونُذهب الغل.
عباد الله: الإحسان ممدوح والإساءة مذمومة، فاحرصوا على الإحسان واجتنبوا الإساءة، وإليكم هذه الحادثة التي أخبر بها الصادق المصدوق محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح، حيث قال: "عذبت امرأة في هرة لها، لم تطعمها، ولم تسقها، ولم تتركها تأمل من خشاش الأرض".
نعم -عباد الله- إذا كان هذا عاقبة الإساءة للحيوان؛ فما ظنكم بعاقبة الإساءة للإنسان؟ لا شك أن العاقبة والوزر أكبر؛ لأن حرمة الإنسان أعظم من حرمة الحيوان.
فلنحذر -عباد الله- من الإساءة، ولنتخلق بالإحسان، وأكبر عون لنا عليه -بعد الله- أن نراقبه؛ لنحقق مرتبة الإحسان التي في الحديث: "فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، ومن عبد الله على هذه الحال فلن يسيء إلى أحد، ولن يظلم أحداً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم